اكسر يأسك بإرادة الانتصار
بقلم - نجلاء محفوظ
المنتصر في الحياة يخرج من هزائمه
يأتي إليها الكثيرون في كل لحظة ويغادرها أيضا العديد من البشر في نفس اللحظة؛ إنها الحياة التي تستقبل دوما من يقدمون عليها وسط ترحيب وأمنيات طيبة من الأهل، وتودع الكثيرين بعد أن عاشوا حياة لم يسعدوا بها ولم يحققوا فيها إلا القليل من أحلامهم وهزمتهم تفاصيل الحياة ومعوقاتها وغباواتها.
وبعد أن سمحوا لها بالتراكم داخل أرواحهم وقلوبهم وعقولهم، انسحبت الحيوية من العيون وتراجعت محبة الحياة من القلوب، وانهزمت الروح في الصراعات المختلفة، وتداعت أمام معوقات الحياة، والتي لا تخلو منها أي حياة.
وعاشوا أجسادا تأكل وتنام وتتكاثر بلا حماس، ولم يضيفوا لأنفسهم أو لمن يحبون أو للحياة شيئا، بل تعاملوا مع الحياة وكأنها قطعة من المطاط يلوكونها في أفواههم بلا طعم وبلا فائدة، ولم يصنعوا لأنفسهم المذاق الرائع للحياة؛ لأنهم تخلوا عن تفردهم الإنساني، وقبلوا أن يكونوا مجرد أرقام أو نماذج بشرية تتحرك وإن خلت منها روح الحياة الحقيقية.
اختر الصمود
وأكاد أسمع من يهتف: ما هذه القسوة؟ ألا تعرفين أن الحياة ممتلئة بالاختبارات القاسية وأننا مجرد بشر، ولا يملك أحدنا صفات خارقة؟
وأرد بود واحترام: كلنا بشر ولكن الأقلية فقط هي التي استطاعت تذوق الحياة واستمتعت بها واحترمت كل ثانية من عمرها وعندما تعرضت لاختبارات الحياة القاسية، -والتي لا ينجو منها أحد، - قررت اختيار الصمود وعدم التخلي عن إرادة الانتصار في الاختبار وتحويل الألم النابع من المحنة إلى قوة مولدة للمزيد من الحماس المتنامي بلطف وعذوبة للاستمتاع بما يتبقى في الحياة.
وقد يتبادر إلى الذهن عند قراءة كلمة الاستمتاع أن الأمر ينصرف إلى الترفيه والملذات المختلفة، والحقيقة أن هذه الأنواع من المتع مؤقتة للغاية ومفعولها ينتهي بعد فترة قد تقصر أو تطول بعض الشيء.
والمتعة الحقيقية التي تستمر طويلا وعندما يتذكرها الإنسان تنير له العتمة وتمنحه نوعا من البهجة المتفردة التي تربت على أوجاعه بحب واحترام بالغين، وتمده بطاقات هائلة تجدد حيويته وتنعش روحه وتجعل عقله صافيا وقلبه رحبا، يحتضن كل ما في الكون من جمال ويتسامح مع القبح الذي يحاصرنا جميعا بل يشعر بالشفقة من أجله، فمن يختار القبح يسرق عمره ويحرم نفسه من متع الجمال والرقي.
الانتصار.. أفضل المتع
أفضل أنواع المتع هي متعة الانتصار على معوقات الحياة وعدم السماح لها بإحداث أي خدش ولو كان بسيطا في إنسانية صاحبها واحترامه وتصالحه مع نفسه.
ولكي تتحقق هذه المتعة لابد أن يحترم الإنسان نعمة الحياة وأن يضع لنفسه خطوطا حمراء في التعامل مع نفسه ومع من حوله بل ومع الدنيا كلها، وألا يتصرف أبدا كرد فعل لما يحدث من حوله وألا يترك دفة حياته تختل من بين يديه، ؛ لأنه إن فعل فسيمسك بها غيره، مع ملاحظة أن الهبوط إلى الهاوية أسهل كثيرا من الصعود إلى القمة.
ففي الهبوط يكفي أن ينسى الإنسان نفسه وسيهوي بأسرع مما يتخيل، أما في الصعود فلابد من الوعي أولا بأهميته، ثم تنمية الرغبة فيه ثانيا، ويأتي بعد ذلك احتضان المثابرة ووضع مكاسب الصعود نصب عينيه ليلا ونهارا؛ لتهون عليه مشاق الصعود ولتكون ترنيمته المتفردة أثناء الصعود ليستمتع بكل مراحله.
ويمنح نفسه من آن لآخر استراحة محارب ينتشي فيها بالقدر الذي حققه، ويربت على نفسه ليزيل أوجاعه فلا أحد سيفعل ذلك أفضل منه، وهذا أرقى وأذكى من انتظار التربيت من الخارج، وقد علمتنا الحياة أن القوة تكمن في الاستغناء وأن الذكي هو من يقوم بتعويض نفسه أولا بأول عما فاته ولا يضيع سنوات العمر في تسول ذلك من الآخرين.
الحياة ثروة فلا تُضيعها
وعلى من يريد تأجيج إرادة الانتصار بداخله أن يثق دائما أن حياته هي ثروته الحقيقية فلا يبدد أي لحظة منها في عناء بلا جدوى أو في مخالطة من يجذبونه إلى الأسفل أو في الاستمرار في التجارب الفاشلة والاستسلام لاحتكار الرثاء الذاتي وتهويل معاناته وتوهم انه أنه وحده من يتألم في الحياة فيهزم نفسه ويسمح للألم بتشويه نظرته للحياة ويحرم نفسه من البحث عن الحلول الواقعية لمعاناته ويفرح بتقليصها قدر المستطاع ويتشاغل عما لا يستطيع التخلص منه.
فالمنتصر في الحياة هو من ينتبه للعلامات في الوقت المناسب فيقفز بعيدا قبل تزايد الخسائر وعندما يتعرض للهزيمة من آن لآخر لا يحتكر الرثاء لنفسه ولا يبحث عن الإنقاذ الخارجي ولا يطيل المكوث على الأرض، بل يسارع باحتواء ألمه والتأكيد بأنه ليس قابلا للكسر أو حتى للخدش والاستمتاع بترميم جراحه واعتباراها أوسمة على شرف المحاولة وعدم الاستسلام.. ويتذكر أن من لا تهزم روحه لا يهزم أبدا، ويصنع لنفسه من شراب الهزيمة المر مادة حلوة لتجارب قادمة ناجحة ويخوض الحياة بقلب شجاع.
وصدق أديبنا الرائع نجيب محفوظ رحمه الله وهو القائل: لن ينصلح حال الدنيا إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة الشجاعة.
وكما قال ميكيافيلي: الأبرياء العزل من الخبرة والفطنة يهلكون.
لذا فإن المنتصر في الحياة يخرج من هزائمه –ولا يوجد محارب بلا هزائم- بخبرات هائلة تضاعف من وعيه الإنساني ومن اتساع أفقه ومن رحابة قلبه ونور روحه مما يقوي عزيمته ويجعله أهلا للانتصارات المتواصلة.
وقفة مع النفس
لذا علينا أن نجلس مع أنفسنا من آن لآخر -بعيدا عن أي مؤثرات خارجية- لنرى كيف تسير حياتنا، وهل تمضي كما نريد أم أن معوقات الحياة هزمتنا وأخذتنا بعيدا عن طموحاتنا وأحلامنا وأحيانا إنسانيتنا أيضا..
ولابد أن نتحلى بالأمانة التامة في هذه الجلسة على ألا نبالغ لا في القسوة على النفس ولا في خداعها بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان فدائما يمكنوجد ما هو أفضل، وبإمكاننا التنافس مع أنفسنا لانتزاع أفضل ما في داخلنا بحب ورفق ومنحه إدارة دفة حياتنا ومساعدته بكل ما نملك من طاقات وطرد كل ما يخصم من انتصاراتنا في الحياة أولا بأول.
وليكن شعارنا في الحياة قول الإمام علي كرم الله وجهه: من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون.
--------------------------------------------------------------------------------
* كاتبة وفنانة تشكيلية ومستشارة اجتماعية ورئيسة القسم الأدبي المناوب بالأهرام، ومستشارة تنمية بشرية.
بقلم - نجلاء محفوظ
المنتصر في الحياة يخرج من هزائمه
يأتي إليها الكثيرون في كل لحظة ويغادرها أيضا العديد من البشر في نفس اللحظة؛ إنها الحياة التي تستقبل دوما من يقدمون عليها وسط ترحيب وأمنيات طيبة من الأهل، وتودع الكثيرين بعد أن عاشوا حياة لم يسعدوا بها ولم يحققوا فيها إلا القليل من أحلامهم وهزمتهم تفاصيل الحياة ومعوقاتها وغباواتها.
وبعد أن سمحوا لها بالتراكم داخل أرواحهم وقلوبهم وعقولهم، انسحبت الحيوية من العيون وتراجعت محبة الحياة من القلوب، وانهزمت الروح في الصراعات المختلفة، وتداعت أمام معوقات الحياة، والتي لا تخلو منها أي حياة.
وعاشوا أجسادا تأكل وتنام وتتكاثر بلا حماس، ولم يضيفوا لأنفسهم أو لمن يحبون أو للحياة شيئا، بل تعاملوا مع الحياة وكأنها قطعة من المطاط يلوكونها في أفواههم بلا طعم وبلا فائدة، ولم يصنعوا لأنفسهم المذاق الرائع للحياة؛ لأنهم تخلوا عن تفردهم الإنساني، وقبلوا أن يكونوا مجرد أرقام أو نماذج بشرية تتحرك وإن خلت منها روح الحياة الحقيقية.
اختر الصمود
وأكاد أسمع من يهتف: ما هذه القسوة؟ ألا تعرفين أن الحياة ممتلئة بالاختبارات القاسية وأننا مجرد بشر، ولا يملك أحدنا صفات خارقة؟
وأرد بود واحترام: كلنا بشر ولكن الأقلية فقط هي التي استطاعت تذوق الحياة واستمتعت بها واحترمت كل ثانية من عمرها وعندما تعرضت لاختبارات الحياة القاسية، -والتي لا ينجو منها أحد، - قررت اختيار الصمود وعدم التخلي عن إرادة الانتصار في الاختبار وتحويل الألم النابع من المحنة إلى قوة مولدة للمزيد من الحماس المتنامي بلطف وعذوبة للاستمتاع بما يتبقى في الحياة.
وقد يتبادر إلى الذهن عند قراءة كلمة الاستمتاع أن الأمر ينصرف إلى الترفيه والملذات المختلفة، والحقيقة أن هذه الأنواع من المتع مؤقتة للغاية ومفعولها ينتهي بعد فترة قد تقصر أو تطول بعض الشيء.
والمتعة الحقيقية التي تستمر طويلا وعندما يتذكرها الإنسان تنير له العتمة وتمنحه نوعا من البهجة المتفردة التي تربت على أوجاعه بحب واحترام بالغين، وتمده بطاقات هائلة تجدد حيويته وتنعش روحه وتجعل عقله صافيا وقلبه رحبا، يحتضن كل ما في الكون من جمال ويتسامح مع القبح الذي يحاصرنا جميعا بل يشعر بالشفقة من أجله، فمن يختار القبح يسرق عمره ويحرم نفسه من متع الجمال والرقي.
الانتصار.. أفضل المتع
أفضل أنواع المتع هي متعة الانتصار على معوقات الحياة وعدم السماح لها بإحداث أي خدش ولو كان بسيطا في إنسانية صاحبها واحترامه وتصالحه مع نفسه.
ولكي تتحقق هذه المتعة لابد أن يحترم الإنسان نعمة الحياة وأن يضع لنفسه خطوطا حمراء في التعامل مع نفسه ومع من حوله بل ومع الدنيا كلها، وألا يتصرف أبدا كرد فعل لما يحدث من حوله وألا يترك دفة حياته تختل من بين يديه، ؛ لأنه إن فعل فسيمسك بها غيره، مع ملاحظة أن الهبوط إلى الهاوية أسهل كثيرا من الصعود إلى القمة.
ففي الهبوط يكفي أن ينسى الإنسان نفسه وسيهوي بأسرع مما يتخيل، أما في الصعود فلابد من الوعي أولا بأهميته، ثم تنمية الرغبة فيه ثانيا، ويأتي بعد ذلك احتضان المثابرة ووضع مكاسب الصعود نصب عينيه ليلا ونهارا؛ لتهون عليه مشاق الصعود ولتكون ترنيمته المتفردة أثناء الصعود ليستمتع بكل مراحله.
ويمنح نفسه من آن لآخر استراحة محارب ينتشي فيها بالقدر الذي حققه، ويربت على نفسه ليزيل أوجاعه فلا أحد سيفعل ذلك أفضل منه، وهذا أرقى وأذكى من انتظار التربيت من الخارج، وقد علمتنا الحياة أن القوة تكمن في الاستغناء وأن الذكي هو من يقوم بتعويض نفسه أولا بأول عما فاته ولا يضيع سنوات العمر في تسول ذلك من الآخرين.
الحياة ثروة فلا تُضيعها
وعلى من يريد تأجيج إرادة الانتصار بداخله أن يثق دائما أن حياته هي ثروته الحقيقية فلا يبدد أي لحظة منها في عناء بلا جدوى أو في مخالطة من يجذبونه إلى الأسفل أو في الاستمرار في التجارب الفاشلة والاستسلام لاحتكار الرثاء الذاتي وتهويل معاناته وتوهم انه أنه وحده من يتألم في الحياة فيهزم نفسه ويسمح للألم بتشويه نظرته للحياة ويحرم نفسه من البحث عن الحلول الواقعية لمعاناته ويفرح بتقليصها قدر المستطاع ويتشاغل عما لا يستطيع التخلص منه.
فالمنتصر في الحياة هو من ينتبه للعلامات في الوقت المناسب فيقفز بعيدا قبل تزايد الخسائر وعندما يتعرض للهزيمة من آن لآخر لا يحتكر الرثاء لنفسه ولا يبحث عن الإنقاذ الخارجي ولا يطيل المكوث على الأرض، بل يسارع باحتواء ألمه والتأكيد بأنه ليس قابلا للكسر أو حتى للخدش والاستمتاع بترميم جراحه واعتباراها أوسمة على شرف المحاولة وعدم الاستسلام.. ويتذكر أن من لا تهزم روحه لا يهزم أبدا، ويصنع لنفسه من شراب الهزيمة المر مادة حلوة لتجارب قادمة ناجحة ويخوض الحياة بقلب شجاع.
وصدق أديبنا الرائع نجيب محفوظ رحمه الله وهو القائل: لن ينصلح حال الدنيا إلا إذا عرف الناس أن عاقبة الجبن أوخم من عاقبة الشجاعة.
وكما قال ميكيافيلي: الأبرياء العزل من الخبرة والفطنة يهلكون.
لذا فإن المنتصر في الحياة يخرج من هزائمه –ولا يوجد محارب بلا هزائم- بخبرات هائلة تضاعف من وعيه الإنساني ومن اتساع أفقه ومن رحابة قلبه ونور روحه مما يقوي عزيمته ويجعله أهلا للانتصارات المتواصلة.
وقفة مع النفس
لذا علينا أن نجلس مع أنفسنا من آن لآخر -بعيدا عن أي مؤثرات خارجية- لنرى كيف تسير حياتنا، وهل تمضي كما نريد أم أن معوقات الحياة هزمتنا وأخذتنا بعيدا عن طموحاتنا وأحلامنا وأحيانا إنسانيتنا أيضا..
ولابد أن نتحلى بالأمانة التامة في هذه الجلسة على ألا نبالغ لا في القسوة على النفس ولا في خداعها بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان فدائما يمكنوجد ما هو أفضل، وبإمكاننا التنافس مع أنفسنا لانتزاع أفضل ما في داخلنا بحب ورفق ومنحه إدارة دفة حياتنا ومساعدته بكل ما نملك من طاقات وطرد كل ما يخصم من انتصاراتنا في الحياة أولا بأول.
وليكن شعارنا في الحياة قول الإمام علي كرم الله وجهه: من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون.
--------------------------------------------------------------------------------
* كاتبة وفنانة تشكيلية ومستشارة اجتماعية ورئيسة القسم الأدبي المناوب بالأهرام، ومستشارة تنمية بشرية.