منتدى البحوث والدراسات القرآنية > المنتدى العلمي التخصصي >
منتدى علم الإجازات والأسانيد
مقرئ الصحوة الإسلامية المعاصرة القارئ الشيخ محمد صدّيق
المنشاوي
إبراهيم الجوريشي أبو الجنان
مشرف منتدى الإجازات والأسانيد والمخطوطات والبحوث والرسائل
الجامعية
مقرئ الصحوة الإسلامية المعاصرة
القارئ الشيخ محمد صدّيق المنشاوي
(1920م – 1969م)
الأستاذ : محمد حسين إبراهيم الرنتاوي
الباحث في الدراسات القرآنية وعلوم التفسير
http://www.itimagine.com/hoffaz/forqan/F2005/F41/furqan41-07.htm
منذ قرنين من الزمان ذاع صيت الشيخ ثابت المنشاوي في صعيد مصر،
فقد كان من أشهر القرّاء في مصر، حباه الله صوتاً عذباً وترتيلاً
خاشعاً يأسر سامعيه؛ ولذا كان الشيخ ثابت حاضراً على الدوام في
معظم الحفلات والمناسبات الاجتماعية والدينية. منذ ذلك التاريخ
وعائلة الشيخ ثابت تتوارث حفظ القرآن وتجويده وترتيله جيلاً بعد
جيل.
تولّى الشيخ ثابت تحفيظ ابنه (سيد) القرآن الكريم، وعلّمه أحكام
التجويد والترتيل؛ حتى تبوأ مكانة والده في الشهرة. أما الشيخ
صدّيق ابن الشيخ سيد المنشاوي فقد بدأ حفظ القرآن على يد والده،
فأتم حفظه وهو يبلغ من العمر تسع سنوات، ثم انتقل الشيخ صدّيق
إلى القاهرة، وتلقّى علم القراءات على يد الشيخ المسعودي وكان
معلم قراءات مشهور بمصر في ذلك الوقت، ولكن أخاه الشيخ أحمد
السيد بقي في الصعيد يقرأ ويعلم ويرتل القرآن الكريم.
حرص الشيخ صدّيق المنشاوي على أن يحفظ أبناؤه الأربعة القرآن
الكريم وهم: محمد ومحمود وأحمد وحامد، الأول والثاني أصبحا من
مشاهير قراء القرآن في العالم الإسلامي، والثالث توفي صغيراً بعد
أن أتم حفظ القرآن، والرابع ما زال يعمل معلماً بالأزهر.
والآن نطوف مع شريف من أشراف الأمة؛ حملة القرآن العظيم، الولي
الرباني، والقارئ لكتاب الله بأنفاس المعاني، الشيخ محمد صدّيق
المنشاوي الذي يستحق أن نلقّبه (مقرئ الصحوة الإسلامية المعاصرة)
لنقلب صفحات من ذكريات الرجل، ونقف على محطات من حياته.
الاسم والنسب:
هو الشيخ محمد بن صدّيق بن سيد بن ثابت المنشاوي.
الولادة:
ولد الشيخ سنة (1338هـ -1920م) بقرية (المنشأة) التابعة لمحافظة
سوهاج في جمهورية مصر العربية. وهذه القرية كانت تسمى في العصر
الفرعوني (منشات)، وتجاورها قرية (أخميم)، وفي الأصل (تخميم)،
وهما اسمان فرعونيان معناهما: (ولد العم) ثم حرفتا إلى (المنشأة)
و (أخميم).
زواجه:
تزوج الشيخ عام (1938م) من ابنة عمه، وكان ذلك زواجه الأول،
وانجب منها أولاداً: ولداً وبنتين، ثم تزوج الثانية بعد أن تجاوز
الأربعين، وكانت من (أخميم)، وأنجب منها تسعة أبناء: خمسة ذكور
وأربع إناث. وكانت زوجتاه تعيشان معاً في مسكن واحد يجمعهما الحب
والمودة. وقد توفيت زوجته الثانية أثناء تأديتها فريضة الحج قبل
وفاته بعام واحد.
أولاده :
رزق الله – سبحانه – القارئ الشيخ محمد صدّيق اثني عشر ولداً،
نصفهم من الذكور وهم: "محمد سعودي" ويعمل في التجارة، "محمد
الشافعي" ويعمل مهندساً معماريّاً في السعودية، "محمد نور" ضابط
بالجيش المصري، الدكتور "عمر" ويعمل مدرساً في كلية العلوم
بجامعة الأزهر، "صلاح" ويعمل محاسباً في إحدى الشركات الخاصة،
"طارق" ويعمل مهندساً في السعودية.
أما الإناث فهن: فردوس وفتحية وفريال وفاطمة وفايزة - وجميعهن لا
يعملن ومتزوجات -، الثلاث الأوليات تزوجن في حياة والدهنَّ بعد
أن أكملن حفظ القرآن، أما الأخريات فقد تركهنَّ صغاراً لم يتجاوز
عمر أصغرهنَّ سنة واحدة، فتولى جدّهم الشيخ صدّيق المنشاوي
تربيتهن وتحفيظهن القرآن.
أخلاقه:
1- تواضعه:
فقد كان الشيخ المنشاوي – رحمه الله – شديد التواضع، وكان كثيراً
ما يتحرر من عمامته ويرتدي جلباباً أبيض وطاقية بيضاء ويجلس أمام
بيته؛ فكان بعض الناس يعتقدون أنه بوّاب العمارة، خاصة وأن بشرته
قمحية، ولكن ذلك لمن يكن يضايقه. وذات مرة اقترب منه أحد الرجال-
وكان جاراً له في المسكن- ولم يعرفه وقاله له - بلهجته العامية-:
لو سمحت يا عم (ما تعرفش) الشيخ محمد صدّيق المنشاوي موجود في
شقته (ولا لأ)، فنظر إليه الشيخ محمد قائلاً له : حاضر يابني
انتظر لمّا (أشوفو) لك. وبالفعل تركه الشيخ محمد صدّيق وصعد إلى
شقته، وارتدى العِمّة والجلباب والنظارة، ثم نزل إليه وسلّم
عليه، ولم يقل له الشيخ عندما سأله أنه هو من يسأل عنه؛ حتى لا
يسبب له حرجاً لعدم معرفته به وهو صاحب الصيت في العالم العربي
والإسلامي، وقضى لذلك الرجل مسألته.
2- حبه للفقراء والمساكين:
قال أحد أبنائه: إن علاقة والده بأهل بلدته لا تنقطع، وهذه من
عادات أهل الصعيد الحسنة، فكان عطوفاً بهم، محبّاً لفقرائهم.
وأذكر أنه قال لنا ذات مرة: إنه يريد أن يصنع وليمة كبيرة على
شرف بعض الوزراء وكبار الوجهاء على العشاء، فتمّ عمل اللازم،
ولكننا فوجئنا بأن ضيوفه كانوا جميعاً من الفقراء والمساكين من
أهل البلدة، وممن يعرفهم من فقراء الحي الذي كنا نعيش فيه.
3- حسن تربيته لأبنائه:
يقول محمد سعودي عن أبيه الشيخ محمد صدّيق: حرص والدي على أن
نبدأ في حفظ القرآن الكريم ونحن في سن الخامسة، بغض النظر عن
تخصصاتنا الدراسية؛ ولذلك أصبح حفظ القرآن هو القاسم المشترك بين
أبناء الشيخ محمد صدّيق.
ويكشف الشافعي محمد صدّيق عن ملامح تربوية من حياة والده فيقول:
كان أبي حريصاً على أن نؤدي الفرائض، وكثيراً ما اصطحبنا للمساجد
التي يقرأ فيها القرآن، وكان ذلك فرصة لي لزيارة ومعرفة معظم
مساجد مصر، كما كان يراقبنا ونحن نختار الأصدقاء، ويصر على أن
يكونوا من الأسر الملتزمة خلقاً وديناً، ويشارك أبناءه في
المذاكرة، ويساعدهم في أداء الواجبات المدرسية، ويحضر مجالس
الآباء في المدارس التي يلتحق بها أبناؤه، وخلال الإجازة الصيفية
كان يشاركنا في الرياضات مثل السباحة والرماية في النهار، وفي
الليل يقرأ لنا الكتب الدينية التي تناسب أعمارنا، حتى إذا تعوّد
الواحد منّا على القراءة زوّده بالكتب وشجّعه على قراءة المزيد.
وقبل هذا وذاك يأتي تحفيظ القرآن الكريم للأبناء، حتى من تركه
صغيراً أوصى والده الشيخ صدّيق أن يحفّظه القرآن، وقد فعل.
4- شجاعته الأدبية (الجرأة في الحق):
ومن المواقف التي تذكر للشيخ، موقفه من الدعوة التي وجهت إليه في
عهد الرئيس عبدالناصر؛ إذ وجه إليه أحد الوزراء الدعوة قائلاً
له: سيكون لك الشرف الكبير بحضورك حفلاً بحضرة الرئيس عبدالناصر،
فما كان من الشيخ إلا أن أجابه قائلاً: ولماذا لا يكون الشرف
لعبد الناصر نفسه أن يستمع إلى القرآن بصوت محمد صدّيق المنشاوي.
ورفض أن يلبي الدعوة قائلاً: لقد أخطأ عبدالناصر حين أرسل إليَّ
أسوأ رسله.
5- طفولته:
التحق الشيخ بكُتَّاب القرية وعمره أربع سنوات، ورأى شيخه
أبومسلم (محمد النمكي) فيه نبوغاً مبكراً وذكاءً وقّاداً لسرعة
حفظه وقوة حافظته وحلاوة صوته، فكان يشجعه ويتعهده بالرعاية
والعناية، فأتم حفظ القرآن قبل أن يُتِمَّ الثامنة من عمره.
مسوغات حفظه للقرآن ولما يبلغ الثامنة:
1- العامل الوراثي:
فالتحقيقات العلمية الدقيقة أثبتت أن لعالم الرحم دوراً مهماً في
تقرير سعادة الإنسان أو شقائه، ويمكن القول بأن الطفل كما يرث
الصفات الجسمية والعقلية يرث أيضاً الخصائص الأخلاقية التي تعمل
كتربة مساعدة لسلوك الطفل بعد خروجه إلى البيئة الخارجية؛ فإما
أن تعمل التربية على إظهار تلك الصفات الكامنة أو إخفائها.
ثم اعلم - أخي القارئ - أن المعنى الذي يستفيده علماء الوراثة
اليوم من كلمة (الجينة) هو نفس المعنى الذي أفادته الأخبار من
كلمة (العِرْق)، فقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه
قال: " تخيروا لنطفكم فإنَّ العرق دسّاس" رواه ابن ماجه من حديث
عائشة.وحينما نراجع المعاجم اللغوية في معنى كلمة (دسّاس) نجد أن
بعضها - كالمنجد مثلاً - تعلق على ذلك بالعبارة التالية:
"العِرْق دساس" أي أن أخلاق الآباء تتصل إلى الأبناء.