(1150)
(رَ)عى (طُ)هْرَ (دِ)ينٍ (تَـ)ـمَّهُ (ظِـ)ـلُّ (ذِ)ي (ثَـ)ـناَ (صَـ)ـفَا (سَـ)ـجْلُ (زُ)هْدٍ (فِـ)ـى (وُ)جُوهِ (بَـ)ـنِى (مَـ)ـلاَ
أي رعى هذا القاريء طهارة دين أتم ذلك الدين ظل شيخ ذي ثناء قال الشيخ يقال تم الله عليك النعمة وأتمها أي هو من باب فعل وأفعل بمعنى واحد كلاهما متعد إلى المفعول ويحتمل أن يقال أرادتم به ظل ذي ثناء ثم حذف حرف الجر وهو الباء فصار تمه أي تم بذلك الدين ظل ذي ثناء وهذا أحسن معنى من أن يكون الظل أتم الدين وقد حكى صاحب المحكم تم بالشيء جعله تاما وأنشد ابن الأعرابي ، (إن قلت يوما نعم فنم بها ) ، أي أتمها فيكون مثل ذهبت به أي أذهبته فقول الشاطبي هـ ا تمه على حذف الباء وحصر لفظ الثناء ضرورة ورأيت في حاشية نسخة قرئت على الناظم رحمه الله حكى ابن طريف تمه وأتمه ويقال صفوت القدر إذا أخذت صفوتها والسجل في الأصل الدلو العظيمة إذا كان فيها ماء وجعل ههنا للزهد سجلا كأنه مجتمع في وعاء فأخذ هذا الرجل المشار إليه صفوته فقوله سجل زهد مفعول صفا وفاعله ضمير عائد على موصوف ذي ثناء محذوف وقال الشيخ التقدير صفا سجل زهده ثم قال في وجوه أي هو كائن في جماعة وجوه والوجوه أشراف القوم والملأ كذلك أي هم أشراف بنو أشراف ضمن هذا البيت باقي الحروف من الراء إلى الميم ثم قال
(1151)
وَغُنَّةُ تَنْوِينٍ وَنُونٍ وَمِيمٍ انْ سَكَنَّ وَلاَ إِظْهَارَ فِي الأَنْفِ يُجْتَلى
وغنة تنوين مبتدأ وفي الأنف تجتلا خبره كما تقول هند في الدار تكرم أي ثم يكشف ويجلي أمرها وأراد أن يبين مخرج فبين أولا الحروف التي تصحبها الغنة بأن أضاف الغنة إليها وهي التنوين والنون والميم فهذه ثلاثة وفي الحقيقة حرفان النون والميم لأن التنوين نون حقيقة في المخرج والصفة وإنما الفرق بينهما عدم ثبات التنوين في الوقف وفي صورة الخط وأنه لا يكون إلا زائدا على هجاء الكل فلهذا يعتني الفراء بالتنصيص عليه كقولهم باب أحكام النون الساكنة والتنوين وقد مضى في باب التكبير وما قبله من ساكن أو منون وأما سيبويه وأتباعه فلم يذكروا إلا النون والميم قال سيبويه في ذكره الحروف التي بين الشديدة والرخوة ومنها حرف يجري معه الصوت لأن ذلك الصوت غنة من الأنف فإنما تخرجه من أنفك واللسان لازم لموضع الحرف لأنك لو أمسكت أنفك لم يجر معه صوت وهو النون وكذلك الميم وقال قبل ذلك ومن الخياشيم تخرج النون الخفيفة وأراد بالنون الخفيفة الغنة وتسمى الخفيفة أيضا لخفتها وخفائها وقال نصر بن علي الشيرازي ومنها حروف الغنة وهي النون والميم سميتا بذلك لأن فيهما غنة تخرج من الخياشيم وهي الصوت المحصور فيها كأصوات الحمائم والقمارى وقوله إن سكن ولا إظهار بيان للحالة التي تصحب الغنة لهذه الأحرف لأن هذه الحروف ليست لازمة للغنة لا تنفك عنها فقال شرطها أن تكن سواكن وأن تكن مخفيات أو مدغمات إلا في موضع نصوا على الإدغام فيه يعبر عنه أو اختلف في ذلك على مضى شرحه في باب أحكام النون الساكنة والتنوين فإن كن مظهرات أو متحركات فلا غنة فالعمل في النون للسان وفي الميم للشفتين على ما سبق وكان يجزئه إن يشترط عدم الإظهار ويلزم من ذلك أن تكن سواكن قال الشيخ أبو عمرو في شرح هذه الغنة المسماة بالنون الخفيفة هذه النون التي قد مر ذكرها فإن تلك من الفم وهذه من الخيشوم قال وشرط هذه أن يكون بعدها حرف الفم ليصح إخفاؤها فإن كان بعدها حرف من حروف الحلق أو كانت آخر الكلام وجب أن تكون الأولى فإذا قلت عنك ومنك فمخرج هذه النون من الخيشوم وليست تلك النون في التحقيق فإذا قلت من خلق ومن أبوك فهذه هي النون التي مخرجها من الفم وكذلك إذا قلت أعلن وشبهه مما يكون آخر الكلام وجب أن تكون هي الأولى أيضا ، قلت وحروف العربية الأصول هي التسعة والعشرون التي مر ذكر مخارجها ويتفرع منها حروف أخر مركبة من ألفاظ بعضها يجري مجرى اللغات منها ما هو فصيح ومنها ما هو مستحسن وهذا سنوضحه إن شاء الله تعالى في شرح النظم في النحو ونبين هنا ما وقع من الفصيح في قراءة القراء وهي همزة بين بين التي تأتي على ثلاثة ألفاظ بين الهمزة والواو وبين الهمزة والياء وبين الهمزة والألف واختلاف ذلك بحسب اختلاف حركتها وقد تقدم بيان ذلك في شرح قوله والمسهل بين ما هو الهمز والحرف الذي منه أشكلا ومنها الصاد التي كالزاي وهي التي مر ذكرها في قراءة حمزة في الصراط وأصدق والمصيطرون وبمصيطر وغير ذلك ومنها الألف الممالة إمالة محضة أو بين بين وقد مضى تحقيق ذلك في بابه ومنها هذه النون المخفاة المسماة بالغنة وقد اتضح أمرها في شرح هذا البيت بتوفيق الله تعالى والله أعلم ، وقال مكي أما النون المخفاة فهو صوت مركب على جسم الخيشوم خاصة لاحظ للجزء من اللسان فيه وهو نوعان التنوين والنون الخفيفة الداخلة على الفعل للتوكيد وقال قبل ذلك الغنة الصوت الزائد على جسمي النون والميم منبعثا عن الخيشوم المركب فوق غار الفم الأعلى يصدق هذا إنك لو أمسكت أنفك لم يمكن خروج الغنة ولا يتغير الصوت بالنون لعدم الغنة المقدرة بها ، قلت وانقضى الكلام في المخارج ثم ذكر مشهور الصفات فقال
(1152)
وَجَهْرٌ وَرَخْوٌ وَانْفِتَاحٌ صِفَاتُهَا وَمُسْتَفِلٌ فَاجْمَعْ الاضْدَادِ اشْمُلاَ
أي صفاتها كذا وكذا فذكر أربعة يأتي ذكر أضدادها وعبر عن اثنين من الأربعة بلفظ المصدر وهما الجهر والانفتاح وعن اثنين بلفظ الصفة وهما رخو ومستفل ولفظ الصفة في الأولين مجهورة منفتحة ولفظ المصدر في الآخرين رخاوة واستفال وبكل ذلك وقعت العبارة في كتب الأئمة والجهر ضده الهمس فالمجهورة تسعة عشر حرفا سميت بذلك من قولهم جهرت بالشيء إذا أعلنته وذلك أنه لما امتنع النفس أن يجري معها انحصر الصوت لها فقوى التصويت بها والمهموسة عشرة أحرف وهي ما عدا المجهورة سميت بذلك أخذا من الهمس الذي هو الحس الخفي وقيل في قوله تعالى-فلا تسمع إلا همسا-هو حس الأقدام ومنه قول أبي زيد في صفة الأسد ، (يصير بالدجى هاد هموس ) ، فالهمس الضعف فسميت مهموسة لضعف الصوت بها حين جرى النفس معها فلم يقو التصويت بها قوته في المجهورة فصار في التصويت بها نوع خفاء لانقسام النفس عند نطقها والرخاوة ضدها الشدة والانفتاح ضده الإطباق والاستفال ضده الاستعلاء وسيأتي بيان كل ذلك وقوله فأجمل بالأضداد أشملا أي بمعرفة أضداد ما ذكرت يجتمع شمل جميع الحروف ويعرف صفاتها لأن ما نذكره منها بصفة فالباقي بخلافه فجميع الحروف منقسمة إلى كل ضدين من هذه الأضداد الثمانية فهي أربع تقسيمات واشملا جمع شمل وهو مفعول فاجمع
(1153)
فَمَهْمُوسُهاَ عَشْرٌ (حَثَتْ كِسْفَ شَخْصِهِ) (أَجَدَّتْ كَقُطْبٍ) لِلشَّدِيدَةِ مُثِّلاَ
أي مهموس الحروف عشرة أحرف وإنما أنث العدد على ما ذكرناه من شرح قوله ثلاث بأقصى الحلق ثم بين العشرة بأن جميعها في هذه الكلمات الثلاثة وقال غيره سحته كف شخص وقيل كست شخصه فحث وقيل ستشحكثك حصفه على الوقف بالهاء ومعنى ستشحثك ستردعك وحصفه اسم امرأة هكذا وجدته في حاشيتي كتاب أحسن من الجميع سكت فحثه شخص ثم جمع الحروف الشديدة من قوله أجدت كقطب وقال غيره أجدت طبقك والفاء للتأنيث أو للخطاب وقيل أيضا في جمعها أجدك قطبت وقوله مثلا أي مثل هذا اللفظ وشخص لجميع الحروف الشديدة وسميت هذه الحروف شديدة لأنها قويت في موضعها ولزمته ومنع الصوت أن يجري معها حال النطق بها لأن الصوت انحصر في المخرج فلم يجر أي اشتد وامتنع قبوله للتليين بخلاف الرخوة فهذه الحروف الشديدة هي ثمانية منها ستة من المجهورة ومنها اثنان من المهموسة التاء والكاف والستة الباقية مجهورة شديدة اجتمع فيها أن النفس لا يجرى معها ولا الصبوت في مخرجها وهو معنى الجهر والشدة جميعا
(1154)
وَمَا بَيْنَ رَخْوٍ وَالشَّدِيدَةِ (عَمْرُنَلْ) وَ(وَايٌ) حُرُوفُ الْمَدِّ وَالرَّخْوِ كَمَّلاَ
أي وما بين حرف رخو والحروف الشديدة حروف قولك عمر نل أي هذه الحروف الخمسة لا رخوة ولا شديدة فهي بين القبيلين ولا ينبغي أن تكتب هنا بالواو لئلا تصير الحروف ستة وهو منادى مفرد حذف حرف ندائه أي يا عمرو نل ما ذكرته لله ثم ذكر أن حروف المد يجمعها قولك وأي وهي ثلاثة أحرف الواو والألف والياء والوأى بهمزة الألف معناه الوعد ولكنه سهل الهمزة ليأتي بلفظ الألف وسميت حروف المد لامتداد الصوت بها عند ساكن أو همزة ثم قال والرخو كملا أد وهذا اللفظ الذي هو وأي كملت حروفه الثلاثة الحروف الرخوة التي هي ضد الشديدة أي إنها معدودة منها وإنما قال ذلك لأن غيره يجعلها من جملة الحروف التي بين الرخوة والشديدة فلما لم يذكرها من حروف عمر نل بين أنه لم يخل بتركها وإنما هي عنده من قسم الرخوة والذين جعلوها بين الرخوة والشديدة فيصير حروفها عندهم ثمانية يجمعها قولك لم يروعنا أو لم يرعونا أو لم يروعنا أو ولينا عمرا ولم يروعنا وهو ظاهر كلام سيبويه فإنه لما عد الحروف الرخوة لم يعد حروف المد وذكر بعدها العين واللام والنون والميم والراء وبينها واحدة واحدة بعبارة تقتضي أنها بين الشديدة والرخوة لم يتم لصوتها الانحصار ولا الجري ثم قال ومنها اللينة فوصفهن ثم قال وهذه الثلاثة أخفى الحروف لاتساع مخارجها وإخفائهن وأوسعهن مخرجا الألف ثم الياء ثم الواو وظاهر كلام أبي الحسن الرماني في شرح الأصول موافق لما نظمه الشاطبي فإنه قال وما عدا الشديدة على وجهين شديد يجري فيه الصوت ورخوة أما الشديد الذي يجري فيه الصوت فحرف يشتد لزومه لموضعه ثم يتجافى به اللسان عن موضعه فيجري فيه الصوت لتجافيه وهي الراء واللام والنون والميم والعين وكذا ذكر أبو عمرو الداني في كتاب الإيجاز وقال يجمعها قولك لم يرع وقال مكي في بعض تصانيفه الرخاوة فيما عدا الشديدة إلا سبعة أحرف يجمعها قولك يولى عمرو فإنها بين الرخاوة والشدة فأدخل فيها الواو والياء ولم يدخل الألف
(1155)
وَ(قِظْ خُصَّ ضَغْطِ) سَبْعُ عُلُوٍ وَمُطْبَقٌ هُوَ الضَّادُ وَالظَّا أُعْجِماً وَإِنُ اهْمِلاَ
أي حروف هذه الكلم الثلاث هي حروف الاستعلاء وهي سبعة سميت بذلك لارتفاع اللسان بها إلى الحنك وما عداها المستفلة لأنها لا يعلو بها اللسان إلى جهة الحنك وقد مضى في باب ترقيق الراءات معنى هذه الكلمات وبعضهم ألحق العين والحاء المهملتين بالحروف المستعلية فصارت تسعا وأضاف سبعا إلى علو كأنه قال حروف العلو أي حروف الاستعلاء ويجوز ضم عين علو وكسرها وقوله ومطبق مبتدأ خبره محذوف قبله أي وفيها مطبق أي ومن هذه الأحرف السبعة المستعلية حروف الإطباق وهي أربعة ثم بينها بقوله أهملا الضاد والظاء المعجمتان والمهملتان يعني الصاد والطاء والمعجم المنقوط والمهمل الذي لا نقط له وألقى حركة همزة أهملا على نون وإن والألف في آخر أهملا ضمير التثنية وسميت هذه الأربعة مطبقة لأنه انطبق على مخرجها من اللسان ما حاذاه من الحنك وما عدا هذه الأربعة من الحروف كلها يقال له المنفتحة لأنك لا تطبق لسانك منها على الحنك وذكر الشيخ أبو عمرو أن تسمية هذه الحروف بالمطبقة والمنفتحة فيها تجوز لأن المطبق إنما هو اللسان والحنك وأما الحرف فهو مطبق عنده فاختصر فقيل مطبق كما قيل للمشترك فيه مشترك وكذا المنفتحة لأن الحرف لا ينفتح وإنما ينفتح عنده اللسان عن الحنك وكذا المستعلية لأن اللسان يستعلي عندها قال ابن مريم الشيرازي ولولا الإطباق لصارت الطاء دالا والظاء ذالا والصاد سينا ولخرجت الضاد من الكلام لأنه ليس من موضعها شيء غيرها وموضعها موضع الإطباق فإذا عدم الإطباق عدمت الضاد ولأجل أنها غير مشاركة في المخرج لم يوجد في شيء من كلام الأمم إلا في العربية وإنما أخذ ذلك من كلام ابن السراج وفي كلام الرماني زيادة فإنه قال لولا الإطباق لصارت الطاء دالا لأنه ليس بينهما فرق إلا بالإطباق ولم تصر تاء للفرق بينهما من جهة الجهر والهمس وكذلك سبيل الصاد والسين لأنهما مهموستان ولم يجب مثل ذلك للزاي لأنها مجهورة وكذلك الظاء والذال ولم يجب في الثاء لأنها مهموسة