(1129)
فَإِنْ شِئْتَ فَاقْطَعْ دُونَهُ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ صِلِ الْكُلَّ دُونَ الْقَطْعِ مَعْهُ مُبَسْمِلاَ
ذكر في هذا البيت حكم التكبير في اتصاله بالسورة الماضية أو بالبسملة التي من السورة الآتية فنقل ثلاثة أوجه كلها متجهة وهي مذكور في التيسير وغيره أحدها أنه يقطع آخر السورة من التكبير أي لا يصل التكبير بآخر السورة فهذا معنى قوله فاقطع دونه أي دون التكبير وهذا اختيار صاحب الروضة والحافظ أبي العلاء وهو الذي اختاره لما فيه من الفصل بين القرآن وغيره وقال صاحب الروضة اتفق أصحاب ابن كثير على أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به وقال أبو العلاء الحافظ أجمعوا غير المطوعي والفحام على الوقف في آخر كل سورة ثم الابتداء بالتكبير متصلا بالتسمية فأما المطوعي والفحام فإنهما خيرا بين الوقف على آخر السورة ثم الابتداء بالتكبير وبين وصل آخر السورة بالتكبير قال والفصل أولى ، قلت لما ذكرته وينبني على ذلك أن يختار فصل التكبير أيضا من التسمية على المذهب الأصح وهو أن البسملة في أوائل السور من القرآن على ما قررنا في كتاب البسملة ووجه ذلك ما ذكره صاحب الروضة من أن التكبير منفصل من القرآن لا يخلط به ولا يكون وصل التكبير بالبسملة أولى إلا على رأي من لا يراها من القرآن في أوائل السور فيكون حكمها وحكم التكبير واحدا كلاهما ذكر الله تعالى مأمور به فاتصاله أولى من قطعه الوجه الثاني أنه يصل التكبير بآخر السورة ويقف عليه ثم يبتديء بالبسملة وهذا معنى قوله أو عليه يعني أو تقطع على التكبير ومأخذ هذا الوجه أن التكبير إنما شرع في أواخر السور فهو من توابع السورة الماضية لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كبر لما تليت عليه سورة والضحى فرأى صاحب هذا الوجه أن وصله بآخر السورة والقطع عليه أولى لتبين الغرض بذلك وهذا لا يتجه إلا تعريفا على القول بأن أول مواضع التكبير آخر الضحى فإن قلنا هو مشروع من أولها فهو للسورة الآتية فيتجه القول الأول واختار صاحب التيسير هذا الوجه وبدأ به فيه وهو وصل التكبير بآخر السورة لكنه خير بين الوقوف عليه ووصله بالبسملة قال والأحاديث الواردة عن المكيين بالتكبير دالة عليه لأن فيها مع وهي تدل عن الصحبة والاجتماع وقال في غير التيسير على ما نقله الشيخ في شرحه الحذاق من أهل الأداء يستحبون في مذهب البزي أن يوصل التكبير بآخر السورة من غير قطع ولا سكت على آخرها دونه ويقطع عليه ثم يقرأ بعد ذلك بسم الله الرحمن الرحيم موصلا بالسورة الثانية إلى آخر القرآن ومنع مكي من هذا الوجه فقال في التبصرة ولا يجوز أن تقف على التكبير دون أن تصل بالبسملة وقال في الكشف ليس لك أن تصل التكبير بآخر السورة وتقف عليه الوجه الثالث أن يوصف التكبير بآخر السورة وبالبسملة وهذا هو المراد من قوله أوصل الكل واختار هذا الوجه أبو الطيب ابن غلبون وابنه أبو الحسن ومكي مع تجويز غيره قال أبو الطيب وهو المشهور من هذه الوجوه وبه قرأت وبه آخذ وقال ابنه أبو الحسن واعلم أن القاريء إذا أراد التكبير فإنه يكبر مع فراغه من آخر السورة من غير قطع ولا سكت في وصله ولكنه يصل آخر السور بالتكبير ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وهو الأشهر الجيد إذ لم يذكر في شيء من الحديث فصل ولا سكت بل ذكر في حديث ابن عباس مع وهي تدل على الصحبة والاجتماع ، قلت ولا ضرورة إلى هذه المضايقة فالمعية حاصلة وإن قطع على آخر السورة بوقفة يسيرة فلا يراد بالمعية في مثل ذلك إلا الاتصال المعروف في القراءة كما أن وقوف القاريء على مواضع الوقف من أواخر الآي وغيرها لا يخرجه ذلك عن اتصال قراءته بعضها ببعض فإذا ليس الأولى إلا الوجه الأول وهو فصل السورة من التكبير لما ذكرناه وفصل التكبير من البسملة مبني أيضا على ما ذكرناه من الخلاف في البسملة قال صاحب التيسير ولا يجوز القطع على التسمية إذا وصلت بالتكبير وهذا صحيح وقد مضى شرح ذلك في آخر باب البسملة وهو قوله ومهما تصلها مع أواخر سورة فلا تقفن فلا فرق بين وصلها بآخر السورة أو بالتكبير أما إذا لم تصلها بالتكبير بل وقفت عليه فإنه يجوز لك أن تقف على البسملة أيضا كما إذا وقفت على آخر سورة وقد وقع لي في التكبير ثلاث احتمالات عليها تخرج هذه الوجوه كلها أحدها أن التكبير من توابع السورة الماضية فعلى هذا وصله بها أولى الثاني أنه من مقدمات السورة الآتية فعلى هذا قطعه من الأولى ووصله بالثانية أولى والثالث أنه ذكر مشروع بين كل سورتين من هذه السور فعلى هذا يجوز وصله بهما وقطعه عنهما فمن كبر من أول والضحى لحظ الوجه الثاني ومن كبر من آخرها لحظ الأول وعلى هذا يبين الخلاف في انتهاء التكبير إلى أول الناس أو آخرها ، فإن قلت فما وجه من كبر من أول الضحى وكبر آخر الناس ، قلت كأنه أعطى لسورة الناس حكم ما قبلها من السور إذ كل سورة منها بين التكبيرتين وليس التكبير في آخر الناس لأجل أول الفاتحة لأن الختمة قد انقضت ولو كان للفاتحة لشرع التكبير بين الفاتحة والبقرة ولم يفعله هؤلاء لأن التكبير للختم لا لافتتاح أول القرآن والله أعلم ، وقوله معه مبسملا أي مبسملا مع التكبير فنصب مبسملا على الحال من فاعل صل الكل
(1130)
وَمَا قَبْلَهُ مِنْ سَاكِنٍ أَوْ مُنَوَّنٍ فَلِلسَّاكِنَيْنِ اكْسِرْهُ فِي الْوَصْلِ مُرْسَلاَ
المذكور في هذا البيت مفرع على قولنا إن التكبير يوصل بآخر السورة وهو معنى قوله في الوصل ومعنى مرسلا مطلقا أي الحكم في الكسر مطلقا في النوعين أما إذا قلنا لا يوصل وهو الوجه المختار كما سبق فلا حاجة إلى ما في هذا البيت والذي بعده فإن الكسر يبتديء بفتح همزته وكذا إن قلنا إن التهليل يشرع قبل التكبير ووصلناه بآخر السورة فلا يتغير أمر مما يتعلق بأواخر السور لأن أول التهليل حرف متحرك وأول التكبير همز وصل قبل ساكن فهمزة الوصل تسقط في الدرج فيبقى الساكن فينظر في أواخر السور وهي على أربعة أقسام ما آخره متحرك أو هاء ضمير وهذان القسمان يأتي ذكرهما في البيت الآتي وذكر في هذا البيت قسمين ما آخره ساكن وما آخره تنوين فالذي آخره ساكن الضحى ألم نشرح اقرأ والذي آخره تنوين العاديات القارعة الهمزة الفيل قريش النصر تبت الإخلاص فحكم هذين القسمين كسر ما قبل التكبير لالتقاء الساكنين وهذان القسمان كقسم واحد لاتحاد حكمهما ولأن سكون التنوين كسكون غيره وإنما أراد أن ينص على ساكن مرسوم حرفا في الخط وساكن يثبت لفظ لا خطا وهو التنوين ونزل تغيير أوآخر هذه السورة لأجل ساكن أول التكبير منزلة تغييره إذا وصل آخر سورة بأول أخرى على قراءة حمزة فإن تنوين آخر والعاديات يكسر وكذا ورش إذا وصل ويفتح آخر الضحى ويكسر آخر اقرأ بإلقاء حركة همزة ما بعدهما عليهما والله أعلم
(1131)
وَأَدْرِجْ عَلَى إِعْرَابِهِ مَا سِوَاهُماَ وَلاَ تَصِلَنْ هَاءَ الضَّمِيرِ لِتُوصَلاَ
يعني ما سوى الساكن والمنون وهو المحرز أنزله على إعرابه أي وصله على حركته سواء كانت فتحة كآخر التين والماعون والفلق أو كسرة كآخر القدر والتكاثر والعصر والكافرين والناس أو ضمة كآخر الكوثر ولم يكن والزلزلة ولكن هاتان السورتان آخرهما هاء الضمير فلا يصلها لأجل الساكن بعدهما على ما تمهد في شرح قوله ولم يصلوها مضمر قبل ساكن فإذا لم تصلها وصلت ولم تقطع لأن ذلك يدل على علمك وفضلك وإن وصلتها قطعت لدلالة ذلك على الجهل فما أحلى ما وافقه ولا تصلن لتوصلا والنون في ولا تصلن للتأكيد قوله وادرج من قولهم أدرجت الكتاب أي طويته وأدرجت الدلو إدراجا إذا متحتها ومتح من باب نفع يقال متحت الدلو إذا استخرجتها برفق فكأن القارئ إذا قرأ كلمة وتعداها إلى غيرها قد أدرجها وطواها وقوله على إعرابه أي حركة إعرابه وفي حركات أواخر السور المذكورة ما هو حركة إعراب كآخر القدر والتكاثر والعصر والماعون والكوثر والناس وباقيها حركة بناء كالتين ولم يكن والزلزلة والكافرين والفلق فلم يرد بقوله إعرابه إلا مجرد الحركة وكان يغنيه عن ذلك أن يقول وادرج على تحريكه ما سواهما
(1132)
وَقُلْ لَفْظُهُ اللهُ أَكْبَرْ وَقَبْلَهُ لأَحْمَدَ زَادَ ابْنُ الْحُبَابِ فَهَيْللاَ
أي لفظ التكبير وسكن الراء من أكبر حكاية للفظ المكبر لأنه واقف عليه فهذا هو المختار في لفظة التكبير قال ابن غلبون والتكبير اليوم بمكة الله أكبر لا غير كما ذكرنا في الأحاديث التي تقدمت وهو مشهور في رواية البغي وحده وقال مكي الذي قرأت وهو المأخوذ به في الأمصار الله أكبر لا غير وقوله وقبله يعني قبل التكبير لأحمد يعني البزي زاد بن الحباب وهو أبو علي الحسن ابن الحباب بن مخلد الدقاق قرأ على البزي وروى عنه التهليل قبل التكبير وقوله فهيللا أي فقال لا إله إلا الله والأصل أن يقال فهللا وأنما الياء بدل من أحد حرفي التضعيف نحو قولهم تطنيت يقال قد أكثرت من الهيللة أبدلت الياء من عين الكلمة لتكرير اللامات حكى أبو عمرو الداني في كتاب التيسير عن الحسن بن الحباب قال سألت البزي عن التكبير كيف هو فقال لي لا إله إلا الله والله أكبر قال الداني وابن الحباب هذا من الإتقان والضبط وصدق اللهجة بمكان لا يجهله أحد من علماء هذه الصنعة وبهذا قرأت على أبي الفتح وقرأت على غيره بما تقدم وحكى عن ابن الحباب أيضا أبو طاهر ابن أبي هاشم ذكره الحافظ أبو العلاء فقال لا إله إلا الله والله أكبر بسم الله الرحمن الرحيم
(1133)
وَقِيلَ بِهذَا عَنْ أَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ وَعَنْ قُنْبُلْ بَعْضٌ بِتَكْبِيرِهِ تَلاَ
أي بما نقله ابن الحباب وهو معنى قول الداني وبهذا قرأت على أبي الفتح وقال في غير التيسير حدثنا أبو الفتح شيخنا حدثنا عبد الباقي بن الحسن حدثنا أحمد بن صالح عن ابن الحباب عنهم يعني بالتهليل قال أبو عمرو وبذلك قرأت على فارس أعني بالتهليل والتكبير وأبو الفتح هذا هو فارس بن أحمد بن موسى بن عمران الضرير الحمصي سكن مصر قال الداني في تاريخ الفراء أخذ القراءة عرضا وسماعا عن غير واحد من أصحاب ابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهم ثم قال لم يلق مثله في حفظه وضبطه وحسن تأديته وفهمه بعلم صناعته واتساع روايته مع ظهور نسكه وفضله وصدق لهجته وسمعته يقول ولدت بحمص سنة ثلاث وثلاثين وثلاث مائة وتوفي رحمه الله بمصر في ما بلغني سنة إحدى وأربع مائة وقد ذكره أبو عمرو الداني أيضا في أرجوزته التي نظمها في علم القراءة فقال ، (ممن أخذت عنهم ففارسوا وهو الضرير الحاذق الممارس) ، (أضبط من لقيت للحروف وللصحيح السائر المعروف) ، وجميع ما ذكرناه مأخوذ به في رواية البزي وأما قنبل فلم يذكر له صاحب التيسير تكبيرا وقال في غيره وقد قرأت أيضا لقنبل بالتكبير وحده من غير طريق ابن مجاهد قال وبغير تكبير آخذ في مذهبه فقول الشاطبي ، (وعن قنبل بعض بتكبيره ) ، من زيادات هذه القصيدة على ما في التيسير والهاء في تكبيره عائد على البزي أي وبعض الشيوخ تلا عن قنبل بمثل تكبير البزي ويحتمل أن تكون الهاء عائدة على قنبل أو على بعض ولكن قوة المعنى على ما ذكرناه أولا وقد حكى صاحب الروضة التهليل أيضا عن قنبل فقال وروى قنبل في غير رواية الزينبي عنه التهليل والتكبير من أول سورة ألم نشرح إلى خاتمة الناس ولفظه لا إله إلا الله والله أكبر وكذلك حكى الحافظ أبو العلاء التهليل والتكبير للبزي ولقنبل وحكى الهذلي صاحب الكامل رواية عن قنبل في تقديم التسمية على التكبير وهذا مما يقوى أن التكبير للسورة الآتية لا للسابقة وإن كان وجها بعيدا والله أعلم