(1018)
وَيُوحى بِفَتْحِ الْحَاءِ (دَ)انَ وَيَفْعَلُونَ غَيْرُ (صِحَابٍ) يَعْلَمَ ارْفَعْ (كَـ)ـماَ (ا)عْتَلاَ
يريد كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله-ومن فتح الحاء بني الفعل لما لم يسم فاعله ورفع اسم الله تعالى على الابتداء أو بفعل مضمر كما تقدم في (يسبح له)-(رجال) ، في سورة النور ومعنى دان انقاد وأطاع وقيل يقال دان الرجل إذا عز ويفعلون بالغيب لأن قبله-يقبل التوبة عن عباده-وبالخطاب ظاهر وتقدير النظم وغيب يفعلون قراءة غير صحاب فحذف المضاف من المبتدأ والخبر للعلم بهما ، وأما يعلم المختلف في رفع ميمه ونصبه فهو-ويعلم الذين يجادلون- ولا خلاف في رفع ويعلم ما تفعلون-لأنه عطف على-يقبل التوبة ويعفو-ويعلم-وأما المختلف فيه فرفعه على الاستئناف والذي بعده فاعل أو مفعول فهذه قراءة ظاهرة فلهذا قال فيها كما اعتلا وقراءة النصب مشكلة أجود ما تحمل عليه ما قاله أبو عبيد قال وكذلك نقرؤها بالنصب على الصرف كالتي في آل عمران (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) ، قلت معنى الصرف أن المعنى كان على جهة فصرف إلى غيرها فتغير الإعراب لأجل الصرف وتقديره أن يقال كان العطف يقتضي جزم-ويعلم-في الآيتين لو قصد مجرد العطف وقد قريء به فيهما شاذا لكن قصد معنى آخر فتعين له النصب وهو معنى الاجتماع أي يعلم المجاهدين والصابرين معا أي يقع الأمران مقترنا أحدهما بالآخر ومجرد العطف لا يتعين له هذا المعنى بل يحتمله ويحتمل الافتراق في الوجود كقولك جاء زيد وعمرو يحتمل أنهما جاءا معا ويحتمل تقدم كل منهما على الآخر وإذا ذكر بلفظ المفعول معه كان وقوع الفعل منهما معا في حالة واحدة فكذا النصب في قوله ويعلم أفاد الاجتماع فلهذا أجمع على النصب في آية آل عمران قال الزمخشري فيها-ويعلم الصابرين-نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع كقولك لا تأكل السمك وتشرب اللبن ، قلت والعبارة عن هذا بالصرف هو تعبير الكوفيين ومثله لا يسعني شيء ويضيق عنك أي لا يجتمع الأمران ولو رفعت الواو للعطف تغير المعنى فهذا الجمع معنى مقصود وضع النصب دليلا عليه فكذا النصب في-ويعلم الذين يجادلون في آياتنا-أي يقع إهلاكهم والعلم معا مقترنين ، واعتراض النحاس على أبي عبيد في تسويته بين الآيتين وقال-ويعلم الصابرين-جواب لما فيه النفي فالأولى به النصب وهذا وهم ليس هو بجواب للنفي بل المعنى على ما ذكرناه ولو كان جوابا لما ساغت قراءة الحسن بالجزم ، وقال الزجاج النصب على إضمار أن لأن قبلها جزاء تقول ما تصنع أصنع مثله وأكرمك على معنى وأن أكرمك وإن شئت وأكرمك بالرفع على معنى وأنا أكرمك ويجوز وأكرمك جزما ، قلت النصب في هذا المثال على ما قررناه من معنى الجمعية أي أصنعه مكرما لك فالنصب يفيد هذا المعنى نصا والرفع يحتمله على أن تكون الواو للحال ويحتمل الاستئناف ، وقال الزمخشري ما قاله الزجاج فيه نظر لما أورده سيبويه في كتابه قال واعلم أن النصب بالفاء والواو في قوله إن تأتني آتك وأعطيك ضعيف وهو نحو من قوله ، وألحق بالحجاز فأستريحا ، فهذا يجوز وليس بحد للكلام ولا وجهه إلا أنه في الجزاء صار أقوى قليلا لأنه ليس بواجب أن يفعل إلا أن يكون من الأول فعل فلما ضارع الذي لا يوجبه كالاستفهام ونحوه أجازوا فيه هذا على ضعفه قال ولا يجوز أن تحمل القراءة المستفيضة على وجه ضعيف ليس بحد الكلام ولا وجهه ولو كانت من هذا الباب لما أخلى سيبويه منها كتابه وقد ذكر نظائرها من الآيات المشكلة ، قلت النصب بالواو في هذا المعنى ليس بضعيف بل هو قوى بدليل الإجماع على نصب ما في آل عمران وأما بالفاء فضعيف لأن الفاء لا تفيد ما تفيده الواو من معنى الجمعية فلهذا كانت قراءة من قرأ في آخر البقرة يحاسبكم به الله فيغفر-بالنصب شاذة وقد أنشد الأعشى في بيتين نصب ما عطف بالواو لهذا المعنى ، (ومن يغترب عن أهله لا يزل يرى وتدفن منه الصالحات) ، مع أنه لا ضرورة إلى النصب فالرفع كان ممكنا له فما عدل إلى النصب إلا لإرادة هذا المعنى وهذا النصب بالواو لهذا المعنى كما يقع في العطف على جواب الشرط يقع أيضا في العطف على فعل الشرط نحو إن تأتني وتعطيني أكرمك قال أبو علي فينصب تعطيني وتقديره إن يكن إتيان منك وإعطاء أكرمك ، قلت مراده أن يجتمعا مقترنين ولو أراد مجرد وقوع الأمرين معرضا عن صفة الجمعية لكان الجزم يفيد هذا المعنى فقد اتضحت ولله الحمد قراءة النصب على هذا المعنى من العطف-إن يشإ يسكن الريح-فتقف السفن أو إن يشأ يعصف الريح فيغرقها وينج قوما بطريق العفو عنهم ويحذر آخرين بعلمهم ما لهم من محيد ، فإن قلت كيف يوقف العفو على الشرط وهذا الكلام خارج مخرج الامتنان ولهذا قيده بقوله عن كثير ولو كان معلقا على المشيئة لأطلق العفو عن الكل نحو-ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ، قلت إنما علقه على الشرط ليتبين أنه إنما يفعل ذلك بمشيئته وإرادته لا بالاستحقاق عليه وأما ويعلم فإن جعلنا الذين بعده فاعلا سهل دخوله في حيز الشرط وإن جعلناه مفعولا فالمعنى يعلمه واقعا نحو إلا لنعلم من يتبع الرسول-أي نبقيهم على الكفر ولا يسهل لهم الإيمان-حتى يؤتوا- ولهذا للإشكال قال ابن القشيري رحمهما الله في تفسيره ويعف معطوف على المجزوم من حيث اللفظ لا من حيث المعنى قال وقريء ويعفو بالرفع ، قلت فيكون مستأنفا ويعلم عطف عليه إن كان مرفوعا ونظيره في هذه السور-فإن يشأ الله يختم على قلبك ثم استأنف فقال-ويمحو الله الباطل ويحق-الحق-وبعضهم جعل يمح مجزوما عطفا على يختم واستدل بأنه كتب في المصحف بغير واو فيكون الاستئناف بقوله ويحق كقوله في براءة-ويتوب الله على من يشاء-ويجوز أن تكون قراءة القراء ويعف بغير واو لمعنى الأخبار المستأنف وحذف الواو ليس للجزم بل للتخفيف كما تحذف الألف والياء لذلك فالجميع حرف علة والواو أثقلها فالحذف لها أقيس وأولى قال الفراء كل ياء أو واو تسكنان وما قبل الياء مكسور وما قبل الواو مضموم فإن العرب تحذفها وتجتريء بالضمة من الواو وبالكسرة من الياء قال أبو علي حذفت الألف كما حذفت الياء وإن كان حذفهم لها أقل منه في الياء لاستحقاقهم لها وذلك في نحو قولهم أصاب الناس جهد ولوتر ما أهل مكة عليه وقولهم حاش لله ورهط ابن المعلى فحذفها في الوقف للقافية كما حذفت الياء وقد حذفوا من لم يك ولا أدر قلت وفي القرآن-يوم يأتي وما كنا نبغي-وإذا كان الأمر كذلك فحذف الواو من يعفو أولى لأنها أثقل وليشاكل ما قبله من المجزوم فهو كما قالوا في صرف-سلاسلا وقواريرا-كما يأتي وكما رووا رجعن مأزورات غير مأجورات ولما لم يمكن صورة الجزم في ميم ويعلم حركت بالحركات الثلاث وذكر الزمخشري لقراءة النصب وجها آخر فقال هو عطف على تعليل محذوف تقديره لينتقم منهم ويعلم الذين يجادلون ونحوه في العطف على التعليل المحذوف غير عزيز في القرآن منه قوله تعالى-ولنجعله آية للناس-وقوله-وخلق الله السموات والأرض بالحق- ولتجزى كل نفسي بما كسبت-قلت ومثله-وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون ولتنذر أم القرى ولكن كل هذه المواضع ذكر فيها حرف التعليل بعد الواو ولم يذكر في ويعلم الذين ، وقال ابن القشيري في تفسيره في بعض المصاحف وليعلم باللام فهذا يقوي قراءة النصب ويؤيد الوجه الذي ذهب إليه الزمخشري
(1019)
بِمَا كَسَبَتْ لاَ فَاءَ (عَمَّ) كَبِيرَ في كَبَائِرَ فِيها ثُمَّ فِي النَّجْمِ (شَـ)ـمْلَلاَ
سقطت الفاء من فيها في المصحف المدني والشامي وثبتت في مصاحف العراق ووجه دخولها تضمين ما في قوله وما أصابكم من مصيبة معنى الشرط وهي بمعنى الذي وإذا تضمن الذي معنى الشرط جاز دخول الفاء في حيزه وجاز حذفها وأما كبائر الإثم بالجمع فظاهر وقراءة الإفراد تقدم لها نظائر فهو في اللفظ إفراد يراد به الجمع لأنه للجنس واختار أبو عبيد الجمع فإن الآثار التي تواترت كلها بذكر الكبائر لم نسمع لشيء منها بالتوحيد ومعنى شملل أسرع
(1020)
وَيُرْسِلَ فَارْفَعْ مَعْ فَيُوحِي مُسَكِّناً (أَ)تَانَا وَأَنْ كُنْتُمْ بِكَسْرٍ (شَـ)ـذَا الْعُلاَ
أي فارفع الفعلين ألا أن فيوحي لما كان لا تظهر فيه علامة الرفع ألحق ذلك قوله مسكنا وهو حال من فاعل ارفع أي ارفعه مسكنا له فهو مثل قوله ناصبا كلماته بكسر لما كان المعلوم من النصب أن علامته الفتح بين هناك أن علامته الكسر ورفع يرسل على تقدير أو هو يرسل والنصب بإضمار أن فيكون عطفا على وحيا عطف مصدر على مثله من جهة المعنى وقوله فيوحي عطف على يرسل رفعا ونصبا وانتهى الخلاف في حروف عسق-وليس فيها من ياآت الإضافة شيء وإنما فيها زائدة واحدة وهي-ومن آياته الجوار-أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير ثم تمم البيت بذكر حرف من سورة الزخرف وهو (أن كنتم قوما مسرفين) ، تقرأ أن بالفتح والكسر فالفتح ظاهر على التعليل أي لأن كنتم والكسر على لفظ الشرط قال الزمخشري هو من الشرط الذي يصدر عن المستدل بصحة الأمر المتحقق لثبوته كما يقول الأجير إن كنت عملت فوفني حقي وهو عالم بذلك ولكنه يخيل في كلامه أن تفريطك في الخروج عن الحق فعل من له شك في الاستحقاق مع وضوحه استجهالا له قال الفراء تقول أسبك أن حرمتني تريد إذ حرمتني وتكسر إذا أردت إن تحرمني ومثله (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم) ، بكسر أن وبفتح ومثله (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا)و(أن لم يؤمنوا) ، والعرب تنشد قول الفرزدق (أتجزع أن أذنا قبيبة جزنا ) ، وأنشدوني (أنجزع أن بان الخليط المودع ) ، وفي كل واحد من البيتين ما في صاحبه من الكسر والفتح وقول الناظم وإن كنتم مبتدأ وشذا العلا خبره وبكسر في موضع الحال من المبتدأ وإن كان منونا وإن كان مضافا إلى مثله فهو الخبر
(1021)
وَيَنْشَأُ فِي ضّمٍّ وَثِقْلٍ (صِحاَبُهْ) عِبَادُ بِرَفْعِ الدَّالِ فِي عِنْدَ (غَـ)ـلْغَلاَ
أي ضم الياء وشدد الشين ويلزم من ذلك فتح النون ومعنى ينشأ بالفتح والتخفيف يربي وينشأ يربي كلاهما ظاهر ولفظ بالقراءتين في-عباد الرحمن-وعند الرحمن-ونص على حركة الدال لأن اللفظ لا ينبى عنها أي عباد مرفوع الدال يقرأ في موضع عند والتعبير عن الملائكة بأنهم عباد الرحمن ظاهر وأما عبارة عند فأشار إلى شرف منزلتهم وقد جاء في القرآن التعبير عنهم بكل واحد من اللفظين-بل عباد مكرمون إن الذين عند ربك لا يستكبرون-ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته-وغلغل من قولهم تغلغل الماء في النبات إذا تخلله وقد غلغلته أنا والمعنى أن عباد تخلل معناه معنى عند فكان له كالماء للشجر لا بد للشجر منه فكذا صفة العبودية لا بد منها لكل مخلوق وإن اتصف بإطلاق ما يشعر برفع المنزلة كلفظ عند وما أشبهها
(1022)
وَسَكِّنْ وَزِدْ هَمْزاً كَوَاوٍ أَؤُشْهِدوا (أَ)مِيناً وَفِيهِ الْمَدُّ بِالْخُلْفِ (بَـ)ـلَّلاَ
أشهدوا مفعول وسكن يعني سكن الشين المفتوحة من قوله تعالى-أشهدوا خلقهم-وزد بعد همزة الاستفهام همزة مسهلة كالواو أي همزة مضمومة مسهلة بين بين كما يقرأ-أؤنبئكم-فيكون أصله أشهدوا أي حضروا ثم دخلت عليه همزة الاستفهام التي بمعنى الإنكار فهو من معنى قوله تعالى-(ما أشهدتهم خلق السموات والأرض)-الآية وعن قالون خلاف في المد بين هاتين الهمزتين وهو يمد بلا خلاف بين الهمزتين من كلمة مطلقا ومعنى بلل قلل وقراءة الباقين من شهدوا بمعنى حضروا ثم دخلت على الفعل همزة الإنكار وفي معنى هذه الآية قوله سبحانه في سورة والصافات منكرا عليهم ، (أم خلقنا الملائكة إناثا وهم شاهدون)