(975)
وَعَالِمٍ قُلْ عَلاَّمِ (شَـ)ـاعَ وَرَفْعُ خَفْضِهِ (عَمَّ) مِنْ رِجْزٍ أِلِيمٍ مَعاً وِلاَ
أي قرأه علام وعالم وعلام كلاهما من الصفات كضارب وضراب وفي التشديد مبالغة وفي القرآن عالم الغيب-في مواضع مجمع عليها-(وعلام الغيوب) في المائدة وفي آخر هذه السورة ولم يجئ علام الغيب إلا في قراءة حمزة والكسائي ههنا والخفض في عالم وعلام على اتباع وربي أو لله في قوله-الحمد لله-ورفع عالم على المدح أي هو عالم الغيب أو مبتدأ وخبره-لا يعزب عنه-ومن رجز أليم-موضعان هنا وفي الجاثية والرجز أشد العذاب وسيئه وقيل إنه كالرجس بمعنى القذر فهذا فائدة جعل العذاب فيه باعتبار صفته والواو في قوله ولا ليست فاصلة كالواو في وكلا التي سبق ذكرها وأما أقل ما اتفق له في هذه القصيدة من أمثال هذا نحو وخاتم وكلا وإلياسين بالكسر وصلا فإن الواوات في أوائل هذه الكلم توهم الفصل لأنها كلمات لم تسبق تقييدا بخلاف الواو في قوله ، (وبالضم واقصر واكسر التاء فاتلوا ) ، فهذه الكلمات كلها تقييد فلم تضر الواوات في أوائلها ومعنى ولا بكسر الواو متابعة وهو مفعول من أجله من الكلام الذي يأتي بعده أي رفع متابعة ومن رجز أليم مبتدأ وخبره أول البيت الآتي وهو
(976)
عَلَى رَفْعِ خَفْضِ الْمِيمِ (دَ)لَّ (عَـ)ـلِيمُهُ وَنَخْسِفْ نَشَأْ نُسْقِطْ بِهاَ الْيَاَءُ (شُـ)ـمْلَلاَ
خفض الميم من-أليم-على أنه صفة لرجز ورفعها على أنه نعت لعذاب أي لهم عذاب أليم من رجز والياء والنون في قوله تعالى-إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط-ظاهران معنى شمللا أي حكم على الياء بالشمول لهذه الثلاثة
(977)
وَفِي الرِّيحُ رَفْعٌ (صَـ)ـحَّ مِنْسَأَتَهْ سُكُونُ هَمْزَتِهِ (مَـ)ـاضٍ وَأَبْدِلْهُ (إِ)ذْ (حَـ)ـلاَ
يريد-ولسليمان الريح-رفع الريح على الابتداء ولسليمان خبره كما يقول لزيد المال والنصب على إضمار وسخرنا لسليمان الريح عطفا على معنى-وألنا له الحديد-لأن ذلك تسخير لداود عليه السلام والمنسأة العصا العظيمة التي تكون مع الراعي على وزن محبرة وأصلها الهمز لأنها من نسأت البعير زجرته وسقته وطردته فهي اسم آلة من ذلك كالمقدحة والمجرفة فقرأتها الجماعة كذلك على الأصل وأبدل الهمزة ألفا نافع وأبو عمرو والهمز المتحرك لا يبدل حرف مد إلا سماعا وهذا مسموع قال الشاعر ، (إذا دليت على المنساة من كبر ) ، وأسكن ابن ذكوان الهمز تخفيفا وهو عند النحاة ضعيف فإنه يلزم منه أن يوجد ساكن غير الألف قبل هاء التأنيث وهذا لا يوجد وقال بعضهم يمكن أن تكون القراءة بها بين بين وهو القياس في تخفيف هذه الهمزة لكن الراوي لم يضبط وقال صاحب التيسير ابن ذكوان بهمزة ساكنة ومثله قد يجيء في الشعر لإقامة الوزن وأنشد الأخفش الدمشقي زاد الشيخ لبعض الأعراب ، (صريع خمر قام من وكاته كقومة الشيخ إلى منسأته) ، فقوله ماض إشارة إلى جوازه أي قد مضى حكمه والهاء في أبدله للهمز أي أبدل ذلك الهمز الساكن إذ خلا إبداله والله أعلم
(978)
مَسَاكِنِهِمْ سَكِّنْهُ وَاقْصُرْ عَلَى (شَـ)ـذاً وَفِي الْكَافِ فَافْتَحْ (عَـ)ـالِمًا (فَـ)ـتُبَجَّلاَ
يريد-لقد كان لسبأ في مساكنهم-هذه قراءة الجماعة بالجمع وأفرده حمزة والكسائي وحفص فقرءوا-مسكنهم-إلا أن الكسائي كسر الكاف وفتحها حمزة وحفص وكلاهما لغة والفتح أقيس والجمع يجوز أن يكون لكل واحد منهما والله أعلم
(979)
نُجَازِي بِيَاءٍ وَافْتَحِ الزَّايَ وَالْكَفُورَ رَفْعٌ (سَمَاكَـ)ـمْ (صَـ)ـابَ أُكْلٍ أَضِفْ (حُـ)ـلاَ
يجازي إلا الكفور على بناء الفعل للمفعول ونجازي بالنون ليكون الفعل مسندا للفاعل والكفور منصوب لأنه مفعول وهو موافق لما قبله-ذلك جزيناهم بما كفروا-وصاب أي نزل يعني قد نزل نظائر في القرآن فيها الفعل مبني لما لم يسم فاعله نحو-هل يجوزن إلا-وقوله سما هو خبر يجازي والكفور رفع جملة حالية وكم صاب جملة أخرى خبرية عنه أي كم مرة ورد وسيأتي في فاطر (كذلك نجزي كل كفور) ، ثم قال أكل أضف حلا أي ذا حلا يريد-ذواتي أكل خمط-أضاف أبو عمرو أكل إلى خمط فانحذف التنوين من أكل والباقون لم يضيفوا فبقي منونا وأما الخلاف في إسكان الكاف وضمها فقد سبق في سورة البقرة واختار أبو عمرو التنوين قال لأن الأكل ههنا هو الخمط في التفسير فالتنوين أولى به من الإضافة مع أن أهل هذه القراءة أكثر ، قلت الأكل المأكول وهو الجنا كما قال (تؤتي أكلها كل حين) ، وثمر كل شيء يطلق عليه اسم شجرته وعلى الشجرة اسم ثمرها فكما تقول عندي ثمرتان وعنب ورمان برفع الجميع وتنوينه فكذا تقول هذا أكل خمط وأثل وسدر والإضافة على تقدير ثمرة هذا النوع من الشجر وإنما ذكر سبحانه الأكل تصريحا بأن هذا صار مأكولهم بعد ما كانوا مخولين في ما شاءوا من ثمار الجنتين المقدم ذكرهما-كلوا من رزق ربكم واشكروا له-قال أبو عبيد الخمط كل شجرة مرة ذات شوك وقال الزجاج كل نبت أخذ طعما من مرارة فلم يمكن أكله خمط وقيل في كتاب الخليل الخمط شجرة الأراك وقال الجوهري هو ضرب من الأراك له حمل يؤكل والأثل شجر يشبه الطرفاء أعظم منه قال الزمخشري وجه من نون أن أصله ذواتى أكل أكل خمط فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه أو وصف الأكل بالخمط كأنه قيل ذواتى أكل شفيع ، قلت هو نحو قولهم مررت بقاع عرفج كله أو على تقدير ذي خمط كما قيل ذلك في قوله تعالى (ويسقى من ماء صديد) ، أي ذي صديد وأجاز جماعة أن يكون بدلا ومنعه أبو علي فاختار أن يكون عطف بيان ورجح قراءة الإضافة فقال ما ذهب إليه أبو عمرو في قراءته بالإضافة حسن فإن الأكل إذا كان الجناء فإن جناء كل شجرة منه قال وخير الإضافة ليس في حسن الإضافة وذلك لأن الخمط إنما هو اسم شجرة وليس بوصف وإذا لم يكن وصفا ولم يجري على ما قبله كما يجري الوصف على الموصوف والبدل ليس بالسهل أيضا لأنه ليس هو هو ولا بعضه لأن الجناء من الشجرة وليس الشجرة من الجناء قال فيكون إجراؤه عليه على وجه عطف البيان كأنه بين أن الجناء لهذا الشجر ومنه وكان الذي حسن ذلك أنهم قد استعملوا هذه الكلمة استعمال الصفة قال الشاعر في صفته ، (القفار ليست بخطمه) ، قال أبو الحسن الأحسن في كلام العرب أن يضيفوا ما كان من نحو هذا مثل دار آجر وثوب خز قال وأكل خمط قراءة كثيرة وليست بالجيدة في العربية وقال الفراء الخمط في التفسير هو الأراك وهو البربر قال النحاس قال محمد بن يزيد الخمط كل ما تغير إلى ما لا تشتهي واللبن خمط إذا حمض والأولى عنده في القراءة-ذواتى أكل خمط-بالتنوين على أنه نعت لأكل أو بدل منه لأن الأكل هو الخمط بعينه عنده فأما الإضافة فباب جوازها أن يكون تقديرها ذواتى أكل حموضة وأكل مرارة والله أعلم
(980)
وَ(حَقُّ) لِوَا بَاعِدْ بِقَصْرٍ مُشَدَّدَا وَصَدَّقَ لِلْكُوفِيِّ جَاءَ مُثَقَّلاَ
باعد مبتدأ وخبره حق لوا ويقصر مشددا حالان من باعد عاملهما حق لأنه مصدر وقصر لفظ اللواء ضرورة وكنى بذلك عن شهرة القراءة وكلتاهما واضحة باعد وبعد مثل ضاعف وضعف يريد قوله سبحانه-باعد بين أسفارنا-وصدق عليهم إبليس ظنه-بالتخفيف والتشديد قيل هما سواء-وظنه-مفعول به يقال وعد مصدوق ومكذوب قال الله تعالى (ذلك وعد غير مكذوب) ، ومن أبيات الحماسة ، (فوارس صدقوا فيهم ظنوني ) ، أي كان منهم ما ظننت فيهم وكذا إبليس ظن أنه يقويهم إلا قليلا فوقع ذلك وقيل التقدير في قراءة التخفيف في ظنه فحذف الجار متعدي الفعل فنصب وقبل التقدير ظن ظنه نحو فعلته جهدك وقيل في التشديد حق عليهم ظنه أو وجده صادقا وروى ظنه بالرفع على تخفيف صدق فيكون ظنه بدلا من إبليس وقيل أيضا بجواز نصب إبليس ورفع ظنه فكما صدق إبليس ظنه فكذا صدق ظنه وظنه هو قوله لأغوينهم أجمعين قال ذلك ظنا
(981)
وَفُزِّعَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ (كَـ)ـامِلٌ وَمَنْ أَذِنَ اضْمُمْ (حُـ)ـلْوَ (شَـ)ـرْعٍ تَسَلْسَلاَ
الخلف في هذين الفعلين في إسناد الفعل إلى الفاعل وهو الله عز وجل أو لما لم يسم فاعله وكلاهما ظاهر فإن أسند فزع إلى الفاعل فالفاعل هو الله تعالى أو ما هناك من الحال قال ابن جني إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه كثير منه ما حكاه سيبويه من قولهم ، (إذا كان غدا فائتني ) ، وكذلك قول الشاعر ، (فإن كان لا يرضيك حتى تردني إلى قطري لا أخالك راضيا) ، أي إن كان لا يرضيك ما جرى أو ما الحال عليه ، قلت وقريء شاذا فزع بتخفيف الزاي مع البناء للمفعول وقريء أيضا بالراء المهملة والعين المعجمة مع البناء للفاعل أو المفعول والراء مشددة ومخففة فهذه ست قراءات مع البناء للمفعول واثنان مع البناء للفاعل ومفعول ما لم يسم فاعله قوله-عن قلوبهم-نحو سير عن البلد ، قال ابن جني المعنى في جميع ذلك إذا كشف عن قلوبهم وقوله حلو شرع حال من مفعول اضمم
(982)
وَفِي الْغُرْفَةِ التَّوْحِيدُ (فَـ)ـازَ وَيُهْمَزْ التْتَنَاوُشُ (حُـ)ـلْوًا (صُحْبَةً) وَتَوَصُّلاَ
يريد-وهم في الغرفات آمنون-ووجه الجمع ظاهر كما جاء في موضع آخر (لهم غرف من فوقها غرف مبنية)-(لنبوئنهم من الجنة غرفا) ، ووجه الإفراد قوله-أولئك يجزون الغرفة بما صبروا-فهو اسم جنس يراد به الجمع والكثرة والتناوش التناول بغير همز ووجه الهمز ضم الواو مثل أقتت وأدؤر وأجوه وقيل هو من ناشت إذا تأخرت وأبطأت وإذا وقف حمزة جعل الهمزة بين بين على أصله وذكر صاحب التيسير له وجها آخر هنا أنه يقف بضم الواو على تعليل الهمز بأن سببه ضمة الواو فقال فعلى هذا يقف بضم الواو ويرد ذلك إلى أصله ولم يتعرض الناظم رحمه الله لهذا الوجه في نظمه هنا واعتذر عن ذلك فيما وجدته في حاشية النسخة المقروة عليه فقال تركه لضعف هذا التأويل قال ثم لو صح كيف يرد الوقف الشيء إلى أصله وهو عارض وأين له نظير حتى يبني عليه ويلزمه ذلك في عطاء وجزاء ، قلت وهذا الوجه صحيح لحمزة ولكن مأخذه اتباع الرسم كما سبق في بابه واستغنى الناظم بذلك عن ذكره هنا والله أعلم ، وقوله حلوا حال من التناؤش وصحبه وتوصلا تمييزان من الحال أي حلوا صحبته وتوصله
(983)
وَأَجْرِى عِبَادِي رَبِّيَ الْيَا مُضَافُهاَ وَقُلْ رَفْعُ غَيْرُ اللهِ بِالْخَفْضِ (شُـ)ـكِّلاَ
يريد الياء في هذه الكلمات الثلاث هي مضافها أي الذي يجري عليه أحكام ياءات الإضافة بالفتح والإسكان فقوله-إن أجري إلا على الله وهو على كل-فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص-عبادي الشكور-فتحها كلهم غير حمزة-ربي إنه سميع قريب-فتحها نافع وأبو عمرو وفي سبأ زائدتان كالجواري أثبتها أبو عمرو وورش في الوصل وابن كثير في الحالين-فكذبوا رسلي فكيف كان نكير-أثبتها في الوصل ورش وحده وأما (هل من خالق غير الله) ، في سورة فاطر فالخفض صفة الخالق على اللفظ والرفع صفة على المعنى لأن التقدير هل خالق غير الله ومعنى شكل صدر والله أعلم