(937)
وَيُخْفُونَ خَاطِبْ يُعْلِنُونَ (عَـ)ـلَى (رِ)ضاً تَمِدُّونَنِي الإِدْغامُ (فَـ)ـازَ فَثَقَّلاَ
يريد-ويعلم ما يخفون وما يعلنون-قرأهما الكسائي بالخطاب بناء على قراءته بالأمر بالسجود على من قص عليه حكايتهم وقراءة حفص على ابتداء المخاطبة كما ابتدأها الكسائي في ألا يا اسجدوا وقراءة الباقين بالغيب فيهما ظاهرة وقوله على رضا أي كائنا على رضا من ناقليه له وإن كان علا فعلا فرضى تمييز أو حال أي علا رضاه أو على ذا رضى وأما-أتمدونن بمال-ففيه نونان فجاز الإدغام كما في أتحاجوني والإظهار الأصل وعليه الرسم قال أبو عبيد إنما هو نونان في كل المصاحف وقوله الإدغام أي ذو الإدغام فيه أي قارئه فاز فثقلا
(938)
مَعَ السُّوقِ سَاقَيهاَ وَسُوقِ اهْمِزُوا (زَ)كاَ وَوَجْهٌ بِهَمْزٍ بَعْدَهُ الْوَاوُ وُكِّلاَ
يريد-بالسوق والأعناق-و-كشفت عن ساقيها (فاستوى على سوقه) ، وسوق في الموضعين جمع ساق فوجه الهمز في الجميع إن الواحد مهموز وإن لم يكن الواحد مهموزا فوجهه إن كان على وزن فعل ضمة الواو كما قالوا-أقتت-في وقتت ثم أسكن تخفيفا وإن كان على وزن فعل فوجهه مجاورة الضمة للواو كما تقدم في عادا لولى وأما الهمز في المفرد فقيل هو لغة كهمز رأس وكأس وقيل أجرى على الجمع تابعا له وقيل من العرب من يقلب حرف المد همزة كما يقلب الهمزة حرف مد ومن ذلك همز العجاج والعالم والخاتم ومنه همز-يأجوج ومأجوج-كما سبق فاعلم أن وجه همز الجمع أقوى من همز المفرد قال أبو علي أما الهمز في ساق فلا وجه له وأما على سوقه وبالسوق فهمز ما كان من الواوات الساكنة إذا كان قبلها ضمة قد جاء في كلامهم وإن لم يكن بالفا شيء زعم أبو عثمان أن أبا الحسن أخبره قال أبو حية النميري بهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة وينشد ، (لحب المؤقدان إلى مؤسى ) ، قال ابن مجاهد همز ابن كثير وحده-وكشفت عن ساقيها-في رواية أبي الإخريط ولم يهمز غيره وكذلك بالسوق وسوقه وهكذا قرأت على قنبل عن النبال وحدثني مضر بن محمد عن ابن أبي بزة قال كان وهب بن واضح يهمز ذلك وأنا لا أهمز من ذلك شيئا وكذلك ابن فليح لا يهمز من هذا شيئا قال ولم يهمز أحد-يوم يكشف عن ساق-ولا وجه للهمز في ذلك والصواب بلا همز ثم زاد الناظم ذكر وجه ليس في التيسير يختص بالجمع وهو بواو بعد همز سؤوق على وزن فعول ويهمز الواو الأولى لانضمامها في نفسها قال ابن مجاهد وقال علي ابن نصر عن أبي عمرو سمعت ابن كثير يقرأ بالسؤوق بواو بعد الهمز قال أبو بكر رواية أبي عمرو عن ابن كثير هذه هي الصواب من قبل أن الواو انضمت فهمزت لانضمامها والأول لا وجه له لم يذكر ابن مجاهد هذا الوجه إلا في حرف ص ولم ينقله في حرف الفتح ونقله صاحب الروضة في ص على وجه آخر فقال روى بكار عن ابن مجاهد عن قنبل بالسؤق بضم الهمزة وروى نظيف عن قنبل بهمزة ساكنة وكذا قال ابن الفحام رواه الفارسي عن ابن مجاهد من طريق ابن بكار عن قنبل بهمزة مضمومة وقال ابن رضوان في كتاب الموضح روى بكار عن ابن مجاهد ضم الهمز وإثبات واو بعدها من قوله تعالى-بالسوق-فيصير اللفظ فيها مثل بالسعوق وكذا قال صاحب "الشمس المنيرة" والشيخ أبو محمد وقالا في قوله بالسوق خاصة يعني في ص دون التي في الفتح وأظن من عبر بهمزة مضمومة ولم يذكر الواو أراد مع الواو لأن مرجع الجميع إلى نقل ابن مجاهد وابن مجاهد صرح في كتاب السبعة له في سورة ص بأنه بواو بعد الهمزة ولم يخصص الناظم بهذا الوجه حرف ص ولكن لم أر من ذكره في حرف الفتح والله أعلم ولا بعد في ذلك فإنه قد خصص ساقيها بالهمز دون (والتفت الساق بالساق)-(ويوم يكشف عن ساق) ، وأما قراءة الجماعة من غير همز فواضحة لأن وزن ساق فعل بفتح العين فجمع على فعل بإسكانها كأسد وأسد
(939)
نَقُولَنَّ فَاضْمُمْ رَابِعاً وَنُبَيِّتَنْنَهُ وَمَعاً فِي النُّونِ خَاطِبْ (شَـ)ـمَرْدَلاَ
أراد قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن فالنون عبارة عنهم والتاء خطاب بعضهم لبعض وقوله اضمم رابعا أي الحرف الرابع في الكلمتين وهو اللام والتاء وإنما وجب ضمه لأن كل واحد من الفعلين خطاب لجماعة والأصل تقولون وتبيتون بضم اللام والتاء فلما لحقت الفعل نون التأكيد حذفت الواو لالتقاء الساكنين ومثله لتؤمنن به ولتنصرنه وعلى القراءة بالنون الفعلان لا واو فيهما لأنهما نقول ونبيت فلما اتصلت بها دون التأكيد بنى أحدهما على الفتح نحو لنصدقن ولنخرجن معكم والفاء في فاضمم زائدة رابعا مفعول لاضمم إن كان تقولن مبتدأ وإن كان تقولن مفعول اضمم فرابعا تمييز لأنه تبيين لأي الحروف بضم أو بدل البعض نحو اضرب زيدا ظهرا أي اضرب ظهره ونبيتنه عطف على نقولن ومعا حال فيهما أي وخاطب فيهما معا في موضع النون أي ائت بتاء الخطاب عوضا عن نون المتكلمين وحركتهما حركة النون فهي في نقولن مفتوحة لأنه مضارع فعل ثلاثي وهو قال وفي نبيتنه مضمومة لأنه مضارع فعل رباعي وهو نبيت وشمردلا حال من فاعل خاطب أو مفعول به أي خاطب من يسرع إلى إجابتك ويخف في قضاء حاجتك وحصل في ضمن ذلك المقصود من تقييد القراءة والتعريف بها والله أعلم
(940)
وَمَعْ فَتْحِ أَنَّ النَّاسِ مَا بَعْدَ مَكْرِهِمْ لِكُوفٍ وَأَمَّا يُشْرِكُونَ (نَـ)ـدٍ (حَـ)ـلاَ
يريد-أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون-والذي بعد مكرهم-فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم-أي ومع فتح هذا الذي بعد مكرهم أي فتحهما الكوفيون أما أن الناس فعلى تقدير تكلمهم بأن الناس أي بهذا الكلام والكسر حكاية قول الدابة ويجوز أن يكون على القراءتين من كلام الله تعالى مستأنفا على الكسر وتعليلا على الفتح أي لكونهم كانوا لا يوقنون بالآيات أخرجنا لهم هذه الآية العظيمة الهائلة تخاطبهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر ونحو ذلك وأما كسر أنا دمرناهم فعلى الاستئناف والفتح على تقدير لأنا أو هو خبر كان أو بدل من عاقبة أو خبر مبتدإ أي هي أنا والخلاف في أما يشركون بالغيب والخطاب ظاهر والرمز لقراءة الغيب لأنه أطلقها كأنه قال والغيب فيه تدخلوا والله أعلم
(941)
وَشَدِّدْ وَصِلْ وَامْدُدْ بَلِ أدَّارَكَ (ا)لَّذِي (ذَ)كاَ قَبْلَهُ يَذَّكَّرُونَ (لَـ)ـهُ (حُـ)ـلاَ
أي شدد الدال وصل الهمزة أي اجعلها همزة وصل وامدد بعد الدال ثم لفظ بالقراءة التي قيدها فالقراءة الأخرى بقطع الهمزة وقد سبق أن همزة القطع في الماضي لا تكون إلا مفتوحة وبتخفيف الدال وهو هنا سكونها ولا يلزم من التخفيف السكون ولكن لظهوره تسامح بعدم ذكره وبترك المد فيبقى أدرك مثل أدغم ولو أنه لفظ بالقراءتين كان أسهل فيقول وبل أدرك اجعله بل إدارك الذي ومعنى أدرك بلغ وانتهى وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وقراءة الباقين أصلها تدارك أي تتابع فأدغمت التاء في الدال فاحتيج إلى همزة الوصل لأن الأول صار ساكنا ومثله-اثاقلتم-اطيرنا بك-وحكم همزة الوصل كسرها في الابتداء بها وحذفها في الوصل فتكسر اللام من بل لالتقاء الساكنين ولام بل ساكنة في قراءة أدرك إذ لم يلقها ساكن وفي هذه الكلمة أيضا عشر قراءات غير هاتين القراءتين ذكرها أبو القاسم الزمخشري في تفسيره ثم قال قبله يذكرون أن قبل-بل أدارك-قليلا ما يذكرون-قرأه بالغيب أبو عمرو وهشام وفهم ذلك من الإطلاق والباقون بالخطاب ووجههما ظاهر والله أعلم
(942)
بِهَادِي مَعًا تَهْدِي (فَـ)ـشَا الْعُمْيِ نَاصِباً وَبِالْيَا لِكُلٍّ قِفْ وَفِي الرُّومِ (شَـ)ـمْلَلاَ
يريد-وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم-هنا وفي آخر الروم يقرؤه حمزة-تهدي-فيلزم نصب العمى لأنه مفعوله وهو مجرور في قراءة غيره لأنه مضاف إليه وتقدير البيت فشا تهدي في موضع بهادي في حال كونه ناصبا للعمى والقراءتان ظاهرتان ، وقال الشيخ صاحب الحال فشا لأنه يريد به حمزة ثم قال وبالياء لكل قف أي في حرف النمل سواء في ذلك من قرأ بهادي ومن قرأ تهدي لأنها رسمت بالياء ، ثم قال وفي الروم شمللا أي ووقف بالياء في حرف الروم حمزة والكسائي على الأصل وحذفها الباقون لأنها لم ترسم وهذا الموضع مما يشكل على المتبدى فيظن أن الوقوف بالياء في الموضعين للكل وأن قوله وفي الروم شملل أي قرأ الكسائي وحمزة في الروم بما قرأ به حمزة وحده في النمل وهو-تهدي العمي-وليس كذلك لقوله في أول البيت معا قال ابن مجاهد كتب بهادي العمي بياء في هذه السورة على الوقف وكتب الذي في الروم بغير ياء على الوصل وقال خلف كان الكسائي يقف عليهما بالياء ، وقال مكي هذا الحرف في المصاحف بالياء والذي في الروم بغير ياء ووقف عليهما حمزة والكسائي بالياء وهو مذهب شيخنا يعني أبا الطيب ابن غلبون قال وقد روي عن الكسائي أنه وقف عليهما بغير ياء ووقف الباقون ههنا بالياء وفي الروم بغير ياء اتباعا للمصحف ولا ينبغي أن يتعمد الوقف عليهما لأنه ليس بتمام ولا قطع كاف لا سيما الذي في الروم لأنه كتب بغير ياء على نية الوصل فإن وقفت بياء خالفت السواد وإنما ذكرنا مذاهب القراء في الوقف عند الضرورة فأما على الاختيار فلا وكذلك ما شابه هذا فاعلمه
(943)
وَآتُوهُ فَاقْصُرْ وَافْتَحِ الضَّمَّ (عِـ)ـلْمُهُ فَشاَ تَفْعَلُونَ الْغَيْبُ (حَقٌّ لَـ)ـهُ وَلاَ
يريد-وكل أتوه داخرين-هو بالمد جمع آت مضاف إلى الهاء كما في سورة مريم (وكلهم آتيه يوم القيامة فردا) ، وهو كقولك عابدوه وداعوه وأتوه بالقصر وفتح التاء فعل وفاعل ومفعول نحو رموه وقضوه والغيب والخطاب في بما يفعلون ظاهران
(944)
وَمَالِي وَأَوْزِعْنِي وَإِنِّي كِلاَهُماَ لِيَبْلُوَنِي الْيَاءَاتُ فِي قَوْلِ مَنْ بَلاَ
الياءات خبر قوله ومالي وما بعده أي هذه ياءات الإضافة التي في هذه السورة وبلا بمعنى اختبر أي قل ذلك في جواب من اختبرك وسألك عنها فالقول مصدر أضيف إلى المقول له وهو المفعول والمصدر كما يضاف إلى فاعله يضاف إلى مفعوله ويجوز أن يكون مضافا إلى الفاعل أي عرفت هذا من يريد أن يختبر غيره بها وهي خمس ياءات-مالي لا أرى الهدهد-فتحها ابن كثير وعاصم والكسائي وهشام-أوزعني أن أشكر-فتحها ورش والبزي-إني آنست-فتحها الحرميان وأبو عمرو-إني ألقى ليبلوني أأشكر-فتحهما نافع وحده وفيها زائدتان-أتمدونن بمال-أثبتها في الوصل نافع وأبو عمرو وفي الحالين ابن كثير وحمزة وقد سبق أن حمزة يدغم النون الأولى في الثانية-فما آتاني الله-أثبتها مفتوحة في الوصل ساكنة في الوقف قالون وحفص وأبو عمرو بخلاف عنهم في الوقف وفتحها في الوصل وحذفها في الوقف ورش وقلت في ذلك ، (وفيها فما آتاني الله قبله تمدونني زيدا فلا تك مغفلا)