(932)
شِهَابٍ بِنُونٍ (ثِـ)ـقْ وَقُلْ يَأْتِيَنَّنِي (دَ)نَا مَكُثَ افْتَحْ ضَمَّةَ الْكَافِ (نَـ)ـوْفَلاَ
أراد بشهاب قبس وقوله بنون أي بزيادة تنوين للكوفيين فيكون قبس صفة لشهاب أي مقبوس يقال قبست نارا وقيل هو بدل ومن أضاف فهو من باب ثوب خز لأن القبس الشعلة من النار وكذلك الشهاب لكن الشهاب يطلق أيضا على الكوكب ، وعلى كل أبيض ذي نور فأضيف للبيان وحكى أبو علي عن أبي الحسن أن الإضافة أكثر وأجود في القراءة كما تقول دار آجر وسوار ذهب قال ولو قلت سوار ذهب ودار آجر لكان عربيا إلا أن الأكثر في كلام العرب الإضافة ، ثم قال وقل يأتينني دنا أي بزيادة نون أيضا فاستغنى بقيد شهاب عن تقييده كما استغنى في التخفيف والتثقيل بقيد المسألة الأولى عن الثانية نحو سكرت فاسعرت عن أولى ملاد وفي اللفظ ما ينبيء عن ذلك فهو فيهما من باب الإثبات والحذف-أراد أو ليأتيني بسلطان مبين-زاده ابن كثير نونا وهو نون الوقاية وقبلها نون التأكيد الشديدة وقراءة الجماعة إما على إسقاط نون الوقاية أو على أن الفعل مؤكد بالنون الخفيفة ثم أدغمت في نون الوقاية وأما مكث ففتح الكاف منه وضمها لغتان ويقوى الفتح أنكم ماكثون ماكثين فيه أبدا ونوفلا حال من فاعل افتح وقد تقدم
(933)
مَعاً سَبَأَ افْتَحْ دُونَ نُونٍ (حِـ)ـمًى (هُـ)ـدًى وَسَكِّنْهُ وَانْوِ الْوَقْفَ (زُ)هْراً وَمَنْدَلاَ
يريد-وجئتك من سبأ-(لقد كان لسبإ) ، فهذا معنى قوله "معا" أي هنا وفي سورة سبأ افتح الهمز من لفظ سبأ دون نون أي من غير تنوين لأنه لا ينصرف وحمى هدى حال وقراءة الباقين بالصرف كسروا الهمزة ونونوا وهما لغتان في لفظ سبأ وثمود الصرف وتركه نص سيبويه وغيره عليهما بناء على أنه يقصد بهما الحي أو القبيلة وحسن لفظ الصرف هنا ليناسب الكلمة التي بعده وهي قوله "بنبإ" فهو أولى من صرف سلاسلا وقواريرا للتناسب على ما يأتي في موضعه وروى قنبل إسكان الهمزة وقرأ به ابن مجاهد عليه وقال هو وهم وبين الناظم علته بقوله وانو الوقف أي تكون واصلا بنية الوقف وهذا باب لو فتح لذهب الإعراب من كلام العرب واستوى الوقف والوصل ولكن يقع مثل هذا نادرا في ضرورة الشعر قال مكي الإسكان في الوصل بعيد غير مختار ولا قوي وقوله زهرا ومندلا حالان من فاعل سكنه أو مفعوله أي ذا زهر ومندل أي ذا طيب بمعنى طيبا أي خذه بقبول غير متكره له
(934)
أَلاَ يَسْجُدُوا رَاوٍ وَقِفْ مُبْتَلىً أَلاَ وَياَ وَاسْجُدُوا وَأبْدَأْهُ بِالضَّمِّ مُوصِلاَ
أي قراءة الكسائي بتخفيف ألا جعله حرف تنبيه نحو (ألا إن أولياء الله)-(ألا إنهم يثنون صدورهم) ، وتقدير البيتين ألا يسجدوا قراءة راو فيكون يسجدوا بعده كلمتين تقريرهما يا اسجدوا بحرف النداء وفعل الأمر والمنادى محذوف أي يا قوم اسجدوا وهذه لغة فصيحة مشهورة كثيرة ومنها قول الشماخ ، (ألا يا أصيحاني قبل غارة سنجال ) ، أي يا صحابي أصجاني إلا أنه لم يكتب في المصحف إلا على هذه الصورة بحذف ألا يا وحذف ألف الوصل من اسجدوا وحذف الألف من يا مطرد في رسم المصاحف نحو ينوح يقوم في يا نوح يا قوم وحذفت ألف الوصل أيضا في نحو بسم الله فلما اجتمعا في هذه الكلمة حذفا ونظيرها في الرسم-يبنؤم-في يا ابن أم حذفت الألف من يا وألف الوصل من ابن فحصل من هذا أن الرسم احتمل ما قرأه الكسائي وما قرأ به غيره واختار أبو عبيد قراءة الجماعة وقال لأنها في بعض التفاسير وزين لهم الشيطان أن لا يسجدوا قال ومن قرأها بالتخفيف جعلها أمرا مستأنفا بمعنى ألا يا أيها اسجدوا وهذا وجه حسن إلا أن فيه انقطاع الجزء الذي كان من أمر ملكة سبأ وقومها ثم رجع بعد إلى ذكرهم والقراءة الأولى خبر يتبع بعضه بعضا لا انقطاع فيه قال أبو علي وهذا هو الوجه ولتجري القصة على سننها ولا يفصل بين بعضها وبعض بما ليس منها وإن كان الفصل بهذا النحو غير ممتنع لأنه يجري مجرى الاعتراض وما يساد القصة وكأنه لما قيل-وزين لهم الشيطان أعمالهم-الآية قد دل هذا الكلام على أنهم لا يسجدون لله تعالى ولا يتدينون بدين فقال ألا يا قوم أو يا مسلمون اسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض خلافا عليهم وحمدا لله مكان ما هداهم لتوحيده فلم يكونوا مثلهم في الطغيان والكفر قال الفراء قرأها أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وحميد الأعرج مخففة على معنى ألا يا هؤلاء اسجدوا فيضمر هؤلاء ويكتفي بقوله يا وسمع بعض العرب يقول ألا يا أرحمونا ألا يا تصدقوا علينا وحدثني الكسائي أن عيسى الهمداني قال ما كنت أسمع الشيخة يقرءونها إلا بالتخفيف على نية الأمر وهي في قراءة عبد الله هلا تسجدوا بالتاء فهذه حجة لمن خفف لأن قولك ألا تقوم بمنزلة قولك قم وفي قراءة أبي ألا يسجدون لله الذي يعلم سركم وما تعلنون قال وهو وجه الكلام لأنها سجدة ومن قرأ أن لا يسجدوا فشدد فلا ينبغي لها أن تكون سجدة لأن المعنى زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا وقول الناظم وقف مبتلا ألا يا أراد أن يبين هذه الكلمات المتصلة لينفصل بعضها من بعض لفظا كما هي منفصلة تقديرا فقال إذا ابتليت بالوقف أي اختبرت وسئلت عن ذلك على وجه الامتحان أو أراد بالابتلا الاضطرار أي إذا اضطررت إلى ذلك لانقطاع نفس أو نسيان فلك أن تقف على ألا لأنه عرف مستقل لا اتصال له بما بعده بخلافها إذا شددت في قراءة الجماعة على ما يأتي ولك أن تقف على يا لأنها حرف النداء والمنادى بها محذوف فهذا موضع الاختبار لأن الياء متصلة بالفعل لفظا وخطا وأما الوقف على ألا فلا يحتاج إلى الاختبار إذ لا يخفى أنه كلمة وكذا الوقف على اسجدوا بل الوقف عليهما من باب الاضطرار لا الاختبار فلما كان قوله مبتلا يحتمل الأمرين ذكر موجبهما على كل واحد من التقديرين ونصب مبتلا على الحال وكذا ما بعده لأن التقدير قائلا ألا ويا واسجدوا ثم قال وابدأه بالضم أي ابدأ اسجدوا بضم همزة الوصل لأنه فعل أمر من المضارع المضموم الوسط كاخرج وادخل فكما تضم الهمزة إذا ابتدأت-ادخلوا مصر-كذلك تضم في-اسجدوا-إذا ابتدأت بها ، وغير الناظم من المصنفين لا يذكرون الوقف إلا على ألا يا لأنه موضع الاختبار وفي شرح الغاية لابن مهران روى عن الكسائي أنه وقف ألا يا وابتدأ اسجدوا قال فإن صح ذلك فعلى طريق إظهار الأصل لا على طريق الاختبار في الوقف كأنه قيل له فعلا أثبت النون كما في-ألا يتقون-ألا تقاتلون-ألا تجدون فأخبرهم بأصل الكلمة وقوله موصلا حال من أوصلته أي بلغته أي مبلغا علم ذلك إلى من لا يعرفه وذكر الشيخ فيه وجهين أحدهما أن معنى موصلا ناطقا بهمزة الوصل والثاني في حال وصلك أي إنه ليس بابتداء تستمر عليه إنما أنت تبتدي للضم للاختبار ثم تصله بما قبله تاليا قلت فهي على هذا المعنى حال مقدرة إلا أن في استعمال موصلا بهذا المعنى نظرا وقد سبق التنبيه عليه في باب الهمزتين من كلمة وفي سورة البقرة لأنه بمعنى واصلا ثم
(935)
أَرَادَ أَلاَ يَا هؤُلاَءِ اسْجُدُوا وَقِفْ لَهُ قَبْلَهُ وَالْغَيْرُ أَدْرَجَ مُبْدِلاَ
أي أراد الكسائي هذا التقدير وقد سبق شرحه ، ثم قال وقف له أي للكسائي قبله أي قبل ألا يسجدوا-أي يجوز لك الوقف على-فهم لا يهتدون-إذ لا تعلق لما بعده به ثم قال والغير أدرج أي غير الكسائي أدرج يهتدون مع ألا يسجدوا ولم يقف قبله وجعله بدلا من أعمالهم أو من السبيل على زيادة لا فقوله مبدلا بفتح الدال مفعول أدرج أي أدرج لفظا مبدلا أو حال من المفعول أي أدرجه في حال كونه مبدلا مما قبله ثم ذكر وجها آخر فقال
(936)
وَقَدْ قِيلَ مَفْعُولاً وَإِنْ أَدْغَمُوا بِلاَ وَلَبْسَ بِمَقْطُوعٍ فَقِفْ يَسْجُدُوا وَلاَ
أي أدرج مفعولا وفي نصب مفعول الوجهان المقدمان إما مفعول به وإما حال أي أعرب-ألا يسجدوا-بأنه مفعول واختلفت في ذلك فقيل هو مفعول به أي فهم لا يهتدون أن يسجدوا ولا زائدة وقيل هو مفعول له أي زين لهم لئلا يسجدوا أو قصدهم لئلا يسجدوا وهذا الوجه والأول الذي هو بدل من أعمالهم يكون فيه لا غير زائدة بخلاف البدل من السبيل والنصب بيهتدون فهي فيهما زائدة فلا يجوز في قراءة الجماعة الوقف على يهتدون لأجل هذا التعلق على الوجوه الأربعة بخلاف قراءة الكسائي فلا تعلق لها بما قبلها وهذا كله يقال إظهار لمعاني الكلام وتعريفا بتعلق بعضه ببعض ليتدرب فيه الطالب وإلا فالمختار عندنا جواز الوقف على رءوس الآي مطلقة ، قال وإن أدغموا بلا يعني أن ألا أصلها أن لا فأدغمت النون في اللام إدغاما واجبا لسكونها على ما عرف في باب النون الساكنة فمن ثم جاء التشديد ، ثم قال وليس بمقطوع يعني لم يفصل بين الحرفين في الرسم فلم يكتب أن لا بل لم تكتب النون صورة أصلا بل كتبت على لفظ الإدغام فلأجل ذلك احتمل الرسم قراءة الكسائي وقراءة الجماعة وهي أن الناصبة للفعل ولا بعدها للنفي أو زائدة على ما تقرر من المعاني ، ثم قال فقف يسجدوا يعني أنه ليس لك أن تقف في الابتلاء ثلاث وقفات كما ذكرنا للكسائي لأن تلك المواضع كل كلمة مستقلة بمقصودها لأن إلا أفادت الاستفتاح ويا مع المنادى المحذوف أفادت الندا ، ثم قال اسجدوا وهو أمر تام وههنا إن وقفت على ألا كنت قد وقفت على أن الناصبة دون منصوبها فلا يتم الكلام إلا بقوله يسجدوا وههنا إشكالان ، الأول أن ظاهر قوله أن لا وقف للجماعة إلا على يسجدوا فإن أراد وقف الاختيار فذاك في آخر الآية وإن أراد وقف الاضطرار جاز على ألا وهذا هو المنقول قد صرح به جماعة من المصنفين ، قال ابن الأنباري من قرأ بالتثقيل وقف على ألا وابتدأ يسجدوا وهو ظاهر كلام صاحب التيسير فإنه قال الكسائي ألا يسجدوا بتخفيف اللام ويقف ألا يا ويبتديء اسجدوا على الأمر أي ألا يا أيها الناس اسجدوا والباقون يشددون اللام لاندغام النون فيها ويقفون على الكلمة بأسرها ، وقال شيخه أبو الحسن ابن غلبون لا ينبغي أن يتعمد الوقف والابتداء ههنا لأن الكلام مرتبط بعضه ببعض من حيث الندا وخطابه فلا يفصل بعضه من بعض ، قال ولا يجوز الوقف للباقين إلا على آخر الآية وإن انقطع نفس القاريء لهم على ألا رجع إلى أول الكلام فإن لم يفعل ابتدأ يسجدوا بالياء مفتوحة قال الأهوازي يقفون عليه ألا ويبتدئون يسجدوا كما في الكتاب ، وقال صاحب الروضة الوقف عليه قبيح فإن وقف واقف عليه مضطرا ابتدأ بيسجدوا كما يصل ، وقال ابن الفحام يبتديء بياء معجمة الأسفل في أول الفعل ، وجواب هذا الإشكال أن الناظم استغنى عن ذكر الوقف على ألا لظهور الأمر فيه فلم يكن لهم عنده إلا منع الوقوف على أن من ألا فمنع ذلك بقوله وليس بمقطوع ثم اهتم بمنع فصل الياء من يسجدوا كما فعل الكسائي فقال فقف يسجدوا وضاق عليه البيت فلم يتمكن من التنصيص على التفاصيل كلها ويجوز أن يكون الناظم ما أراد بقوله وليس بمقطوع إلا أن هذا اللفظ متصل في قراءة الجماعة الياء مع السين لأنها حرف المضارعة بخلافها في قراءة الكسائي فإنها مفصولة منها تقديرا لأنها من حرف النداء من الفعل ، الإشكال الثاني لم كان حذف النون من أن في الخط مانعا من الوقوف على هذه الكلمة للجماعة ورد النون في الوقف ، فإن قلت لأنها لم ترسم فالألف من يا لم ترسم في يسجدوا وقد وقف الكسائي عليها وجوابه أن النون من أن صارت لاما للإدغام والألف من يا حذفت ولم تتعوض لفظا آخر فعادت في الوقف ، فإن قلت فقد حفص على اللام من ، (بل ران) ، وهي اللفظ راء لإدغامها في الراء وكذا النون في (من راق) ، قلت سببه أن اللام والنون رسمتا ولو رسمت هنا لفعل مثل ذلك والله أعلم ، وقول الناظم في آخر البيت ولا هو بفتح الواو أي ذا ولاء أي نصر أي ناصرا للقراءة أن منصورا بها لوضوحها وعدم الكلفة في تقريرها لأن ما يضاف إلى المصدر يكون تارة في المعنى فاعلا وتارة مفعولا كما أن المصدر يضاف مرة إلى فاعله وتارة إلى مفعوله