(871)
لِحَمْزَةَ فَاضْمُمْ كَسْرَهاَ أَهْلِهِ امْكُثُوا مَعاً وَافْتَحُوا إِنِّي أَنَا (دَ)ائِماً (حُـ)ـلاَ
قصر لفظ ها ضرورة وقوله معا أي هنا وفي القصص وقد تقدم أن الضم هو الأصل في هاء الكناية وإنما الكسر لأجل كسر ما قبلها وأما فتح (إني أنا ربك) ، فعلى تقدير "نودي موسى" بكذا والكسر هنا أولى وعليه الأكثر لقوله يا موسى فصرح بلفظ النداء فكان الكسر بعده واضحا نحو (يا زكريا إنا نبشرك)-(يا مريم إن الله اصطفاك) ، وليس مثل الذي في آل عمران (فنادته الملائكة)-(أن الله يبشرك بيحيى) ، فليس ثم لفظ النداء فأمكن تقدير فنادته بكذا قال أبو علي من كسر فلان الكلام حكاية كأنه نودي فقيل (يا موسى إني أنا ربك) ، فالكسر أشبه بما بعده مما هو حكاية وذلك قوله (إنني أنا الله لا إله إلا أنا) ، وقوله (وأنا اخترتك) ، فهذه كلها حكاية فالأشبه أن يكون قوله (إني أنا ربك) ، كذلك أيضا وقول الناظم دائما حال من مفعول افتحوا ، وحلا تمييز أي دائما حلاه أو حال من فاعل دائما ، أي دائما ذا حلا ويجوز أن يكون دائما نعت مصدر أي فتحا دائما والله أعلم
(872)
وَنُوِّنْ بِها وَالنَّازِعَاتِ طُوًى (ذَ)كَا وَفِي اخْتَرْتُكَ اخْتَرْناَكَ (فَـ)ـازَ وَثَقَّلاَ
طوى مفعول نون ووجه تنوينه ظاهر لأنه اسم واد وهو مذكر مصروف ومن لم ينونه لم يصرفه جعله اسما لبقعة أو لأرض أو هو معدول عن طاو تقديرا كعمر عن عامر ، واختار أبو عبيد صرفه وقال عجبت ممن أجرى سبا وترك إجراء طوى وذلك أثقل من هذا وقرأ حمزة وحده "وأنا اخترناك" بضمير الجمع في الكلمتين للتعظيم والباقون "وأنا اخترتك" بضمير المتكلم المفرد ومفعول قوله وثقلا أول البيت الآتي أي شدد لفظ وأنا
(873)
وَأَنَا وَشَامٍ قَطْعُ اَشْدُدْ وَضُمَّ فِي ابْتِدَا غَيْرِهِ واضْمُمْ وَأَشْرِكْهُ (كَـ)ـلْكَلاَ
أي وقراءة ابن عامر قطع همزة "اشدد به أزري" قرأه بهمزة مفتوحة جعله فعلا مضارعا مجزوما على جواب الدعاء في قوله (واجعل لي وزيرا من أهلي) ، أي أشدد أنا ولزم فتح الهمزة لأنها همزة متكلم من فعل ثلاثي كقولك أضرب أنا وأخرج وأذهب وقراءة الباقين على الدعاء وهمزته همزة وصل مضمومة إذا ابتديء بالكلمة ضمت وإذا وصلت الكلمة بما قبلها سقطت لأنه أمر من فعل ثلاثي كما تقول يا زيد اخرج وادخل ، فهذا معنى قوله وضم في ابتداء غيره أي ضم الهمزة وابن عامر يفتحها وصلا ووقفا لأنها همزة قطع وأما "وأشركه في أمري" فالقراءة فيه كما مضى من حيث المعنى بالعطف عليه فالهمزة في قراءة ابن عامر للمتكلم إلا أن فعلها رباعي فلزم ضم الهمزة كما لزم وأحسن أي أشدد أنا به أزري وأشركه أنا أيضا في أمري وقراءة الجماعة على أنه دعاء معطوف على اشدد طلب من الله سبحانه أن يشد به أزره وأن يشركه في أمره ولفظ الأمر من الرباعي بفتح الهمزة وقطعها نحو أكرم زيدا وأحسن إليه ، قال أبو علي الوجه الدعاء دون الإخبار لأن ذلك معطوف على ما تقدمه من قوله (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري) ، فكما أن ذلك كله دعاء فكذلك ما عطف عليه فأما الإشراك فيبعد فيه الحمل على غير الدعاء لأن الإشراك في النبوة لا يكون إلا من الله تعالى اللهم إلا أن يجعل أمره شأنه الذي هو غير النبوة وإنما ينبغي أن تكون النبوة لقوله (فأرسله معي ردءا يصدقني) ، وقوله (كي نسبحك) كالجواب بعد هذه الأشياء التي سألها فأما أشدد به أزري فحمله على الإخبار أسهل ، وقول الناظم كلكلا بدل من قوله وأشركه بدل البعض من الكل والكلكل الصدر أي اضمم صدره وهو الهمزة
(874)
معَ الزُّخْرُفِ اقْصُرْ بَعْدَ فَتْحٍ وَسَاكِنٍ مِهَاداً (ثَـ)ـوى واضْمُمْ سِوىً (فِـ)ـي (نَـ)ـدٍ (كَـ)ـلاَ
أي اقصر مهادا بعد فتح ميمه وإسكان هائه فيصير مهدا هنا وفي سورة الزخرف (الذي جعل لكم الأرض مهادا) ، ولا خلاف في التي في عم يتساءلون (ألم نجعل الأرض مهادا) ، لتشاكل الفواصل والمهد ، والمهاد الشيء الممهد سموا المفعول بالمصدر كقوله في الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه ومنه تسمية المكتوب كتابا وفعل وفعال كلاهما مصدر ومنه مهد الصبي والفراش والبساط ، قال أبو علي المهد مصدر كالفرش والمهاد كالفراش في قوله (الذي جعل لكم الأرض فراشا)-(والله جعل لكم الأرض بساطا) ، وهما اسم ما يفرش ويبسط قال ويجوز أن يكون المهد استعمل استعمال الأسماء فجمع كما يجمع فعل على فعال ويجوز أن يكون المعنى ذا مهد فيكون في المعنى كقول من قال مبادا ، ثم قال الناظم "واضمم سوى" يعني مكانا سوى أي عدلا لا يكون أحد الفريقين فيه أرجح حالا من الآخر ، قال أبو عبيد يضم أوله ويكسر مثل طوى وطوى قال أبو علي سوى فعل من التسوية فكان المعنى مكانا تستوي مسافته على الفريقين وهذا بناء يقل في الصفات ومثله قوم عدى ، فأما فعل فهو في الصفات أكثر وقوله في ند كلا أي في قراءة جواد حفظه وحرسه من الطعن أو في مكان ند ذي كلاء أي كائنا في خصب يشير إلى ما قاله أبو علي إن الضم أكثر في مثل هذا الوزن في الصفات من الكسر واختار أبو عبيد قراءة الكسر قال لأنها أفشى اللغتين ثم بين قراءة الباقين لأن الكسر ليس ضدا للضم فقال
(875)
وَيُكْسَرُ بَاقِيهِمْ وَفِيهِ وَفِي سُدىً مُمَالُ وُقُوفٍ فِي الأَصُولِ تَأَصَّلاَ
ممال بمعنى إمالة في هذين اللفظين "سوى وسدى" إمالة في الوقف لزوال التنوين المانع من إمالتهما وصلا ثم قال في الأصول تأصل أي تأصل ذلك وتبين في باب الإمالة من أبواب الأصول المقدمة قبل السور في قوله "سوى وسدى" في الوقف عنهم أي عن صحبة أمالوهما إمالة محضة وأبو عمرو وورش يقرآنهما بين اللفظين كغيرهما من رءوس الآي وإنما ذكر ذلك هنا تجديدا للعهد بما تقدم وزيادة بيان وتأكيدا لذلك لئلا يظن أن ضم السين مانع من الإمالة لحمزة وأبي بكر فقال أمر الإمالة على ما سبق سواء في ذلك من كسر السين وهو الكسائي ومن ضمها وهو حمزة وأبو بكر والله أعلم
(876)
فَيُسْحِتَكمْ ضَمٌّ وَكَسْرٌ (صِحَابُـ)ـهُمْ وَتَخْفِيفُ قَالوا إِنَّ (عَـ)ـالِمُهُ (دَ)لاَ
أي ذو ضم في الياء وكسر في الحاء وصحابهم فاعل المصدر كأنه قال ضمه وكسره صحابهم فقراءتهم من أسحت وفتح غيرهم الياء والحاء فقراءتهم من سحت وهما لغتان يقال سحته وأسحته إذا استأصله وخفف حفص وابن كثير إن من قوله سبحانه "قالوا إن هذان لساحران" وهذه قراءة واضحة جيدة غير محوجة إلى تكلف في تأويل رفع هذان بعدها لأن إن إذا خففت جاز أن لا تعمل النصب في الاسم نحو (وإن كل لما جميع) ، (إن كل نفس لما عليها) ، ويرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر واللام في الخبر هي الفارقة بين المخففة من الثقيلة وبين النافية هذه عبارة البصريين في كل ما جاء من هذا القبيل نحو (وإن نطنك لمن الكاذبين) ، (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) ، والكوفيون يقولون إن نافية واللام بمعنى إلا ، أي ما هذان إلا ساحران وكذلك البواقي فعالم هذه القراءة دلا أي أخرج دلوه ملأى فاستراح خاطره لحصول غرضه وتمام أمره قال الزجاج روى عن الخليل "إن هذان لساحران" بالتخفيف قال والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل (إن هذان لساحران) ، بالتخفيف قال والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل