(808)
وَيُنْبِتُ نُونٌ (صَـ)ـحَّ يَدْعُونَ عَاصِمٌ وَفِي شُرَكَائِيَ الْخُلْفُ فِي الْهَمْزِ (هَـ)ـلْهَلاَ
أي ذو نون يريد-ينبت لكم به الزرع-النون للعظمة والياء زد إلى اسم الله تعالى في قوله تعالى-(أتى أمر الله)-وما بعدها من ضمائر الغيبة إلى قوله وعلى الله قصد السبيل-وهو الذي أنزل-ينبت لكم-ثم قال الناظم يدعون عاصم أي قرأه عاصم بالياء على الغيبة يريد-والذين يدعون من دون الله-لأن قبله-وبالنجم هم يهتدون-بالغيبة والباقون قرءوا بالتاء على الخطاب ووجهه ما قبله من قوله-والله يعلم ما تسرون وما تعلنون- ، فإن قلت من أين علمت أن قراءة عاصم بالغيب ، قلت لعدم التقييد فهو أحد الأمور الثلاثة التي إطلاقه يغني عن قيدها وهي الرفع والتذكير والغيب ، فإن قلت لم لم يحمل هذا الإطلاق على القيد السابق في-وتنبت-نون فيكون كما تقدم في-سكرت-وقدرنا ، قلت لا يستقيم لفظ النون في يدعون ولولا ذلك لاتجه هذا الاحتمال وروى البزي ترك الهمز في قوله-أين شركائي الذين كنتم-ولزم من ذلك عدم المد الزائد على الألف لأجل الهمزة وهذا معنى قول بعض المصنفين بغير همز ولا مد قطعا لوهم من عداه أن يظن أن المد يبقى وإن سقطت الهمزة وإنما قرأ كذلك قصرا للمدود ولم يفعل ذلك في الذي في القصص وغيرها ولا يلزم الناظم الاحتراز عن ذلك لما ذكرناه مرارا أن الإطلاق لا يتناول إلا ما في السورة التي هو فيها وما شذ عن ذلك كالتوراة و-كائن-فهو الذي يعتذر عنه وقصر الممدود ضعيف لا يجيزه النحويون إلا في ضرورة الشعر فهذه قراءة ضعيفة أيضا فلم يكن لصاحب التيسير حاجة إلى تضمين كتابه مثل هذه القراءات الضعاف وعن قارئها فيها خلاف وترك ذكر ما ذكره ابن مجاهد وغيره عن أبي بكر عن عاصم-تنزل الملائكة بالروح من أمره-بالتاء المضمومة وفتح الزاي ورفع الملائكة على ما لم يسم فاعله فهذه قراءة واضحة من جهة العربية وقد دونها الأئمة في كتبهم ولم يذكر قصر-شركائي-إلا قليل منهم فترى من قلت معرفته ولم يطلع إلا على كتاب التيسير ونحوه يعقد أن قصر-شركائي-من القرآت السبع وتنزل الملائكة-ليس منها وكذا-إلا بشق الأنفس-ذكر أبو علي الأهوازي وغيره عن أبي عمرو وابن عامر أنه بفتح الشين ولهذا نظائر كثيرة وقول الناظم هلهل من قولهم هلهل النساج الثوب إذا خفف نسجه وثوب هلهل وشعر هلهل من ذلك فإن كان فعلا فمعناه لم يتيقن الخلاف فيه وإن كان اسما وهو منصوب على الحال أي استقر الخلف فيه في الهمز هلهلا يشير إلى ضعف الرواية بترك الهمز وضعف القراءة ، فإن قلت من أين تعلم قراءة الجماعة أنها بالهمز ، قلت لأن تقدير كلامه الخلف في الهمز للبزي هلهلا قصده لا خلف في الهمز عن غير البزي وهو المراد والله أعلم
(809)
وَمِنْ قَبْلِ فِيهِمْ يَكْسِرُ النُّونَ نَافِع مَعًا يَتَوَفَّاهُمْ لِحَمْزَةَ وُصِّلاَ
يعني نون-تشاقون فيهم-وإنما لم يقله بهذه العبارة لأنها لا تستقيم في النظم إلا مخففة القاف ولم يقرأ أحد بذلك وكسر نافع وحده النون وفتحها الباقون والكلام في ذلك كما سبق في-تبشرون-في الحجر ، ولم يشدد أحد النون هنا وقوله معا هو حال من-يتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم-الذين تتوفاهم الملائكة طيبين-قرأهما حمزة بالياء على التذكير وإطلاقه دل على ذلك والباقون قرءوهما بالتأنيث ووجههما ظاهر وفي وصلا ضمير تثنية
(810)
سَمَا (كـ)ـامِلاً يَهْدِي بِضَمٍّ وَفَتْحَةٍ وَخَاطِبْ تَرَوْا (شَـ)ـرْعاً وَاْلآخِرُ (فِـ)ـي (كِـ)ـلاَ
يريد-فإن الله لا يهدي من يضل-كما قال في موضع آخر-من يضلل الله فلا هادي له-أي من يضلله فلا يهدي فالفعل مبني لما لم يسم فاعله فقوله يهدي فاعل سما وكاملا حال منه وقرأ الكوفيون بفتح الياء وكسر الدال على إسناد الفعل إلى الفاعل أي لا يهدي الله من يضله أو يكون يهدي بمعنى يهتدي كما تقدم في يونس ثم قال الناظم وخاطب يروا يريد-أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء-أي اقرأه بالخطاب جعله مخاطبا لما كان الخطاب فيه وشرعا مفعول مطلق أي شرع ذلك شرعا أو في موضع الحال أي ذا شرع فإن كان حالا من المفعول فتقديره مشروعا وإن كان من فاعل خاطب فتقدير ناطقا بما هو مشروع ثم قال والآخر بكسر الخاء يريد-ألم تروا إلى الطير مسخرات الخطاب فيه لحمزة وابن عامر والأول لحمزة والكسائي ولو فتحت الخاء من الآخر لم يتضح الأمر لإبهامه فلم يعلم الذي قرأ الكسائي من الذي قرأه ابن عامر إلا بقرينة تقدم الذكر وذلك قد يخفى وقد ترك الناظم الترتيب في مواضع وقوله في كلا أي في لفظ وحراسة وهو ممدود ووجه القراءتين في الموضعين ظاهر والله أعلم
(811)
وَرَا مُفْرَطُونَ اكْسِرْ (أَ)ضاَ يَتَفَيَّؤاُ الْمُؤَنَّثُ لِلْبَصْرِيِّ قَبْلُ تُقُبِّلاَ
أي ذا أضاء أو مشبها أضاء في الانتفاع بعلمك كما ينتفع بمائه والإضاء جمع أضاة بفتح الهمزة وهو الغدير والجمع بكسر الهمزة والمد كأكام وبفتحها والقصر كفتى ومفرطون بالكسر من أفرط في المعصية إذا تغلغل فيها وبالفتح أي مقدمون إلى النار من أفرطته إذا قدمته في طلب الماء أو هم منسيون من رحمة الله من أفرطت فلانا خلفي إذا تركته ونسبته وأما يتفيؤ ظلاله-فهو في التلاوة قبل مفرطون أخره ضرورة النظم فلهذا قال قبل أي قبل مفرطون ووجه التأنيث والتذكير فيه ظاهر لأن تأنيث الظلال غير حقيقي والله أعلم
(812)
وَ(حَقُّ صِحَـ)ـاب ضَمَّ نَسْقِيكُمُو مَمَا لِشُعْبَةَ خَاطِبَ يَجْحَدُونَ مُعَلَّلاَ
معا يعني هنا وفي-قد أفلح-ضم النون وفتحها لغتان فالضم من أسقى والفتح من سقى قال الشاعر فجمع بينهما ، (سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال) ، دعاء للجميع بما يخصب بلادهم وفي التنزيل (وسقاهم ربهم شرابا طهورا) ، (وسقوا ماء حميما) ، (وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه) ، (وأسقيناكم ماء فراتا) ، وقيل الأصل في أسقى جعل له سقيا وفي سقى رواه من العطش ثم استعمل في المعنى الواحد لنقارب المعنيين وأجمعوا على الضم في الفرقان في قوله تعالى (لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه) ، وحكى فيه الفتح عن الأعمش وعاصم من رواية المفضل عنهما ثم قال الناظم لشعبة خاطب يجحدون يريد-أفبنعمة الله يجحدون-وجه الخطاب أن قبله-والله فضل بعضكم على بعض-ووجه الغيب أن قبله-فما الذين فضلوا-وأجاز معللا بفتح اللام وكسرها ووجه الجمع ظاهر
(813)
وَظَعْنِكُمْ إِسْكَانُهُ (ذَ)ائِعٌ وَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ النُّونُ (دَ)اعِيهِ (نُـ)ـوِّلاَ
إسكان العين في ظعن وفتحها لغتان كمعز ومعز ونهر ونهر وشعر وشعر فلهذا قال ذائع أي مشتهر مستفيض والنون في-ولنجزين الذين صبروا-والياء ظاهران ولا خلاف في التي بعدها-ولنجزينهم-أنه بالنون فلهذا قيد موضع الخلاف بقوله الذين ويجوز النون بالرفع على أنه مبتدأ ثان وبالنصب على أنه مفعول نول أي داعي نجزين نول النون فيه
(814)
(مَـ)ـلَكْتُ وَعَنْهُ نَصَّ الاخْفَشُ يَاءهُ وَعَنْهُ رَوَى النَّقَّاشُ نُوناً مُوَهَّلاَ
الميم في ملكت رمز ابن ذكوان أي أنه في جملة من روى عنه النون ثم بين أن الصحيح عنه القراءة بالياء فقال عنه يعني عن ابن ذكوان نص الأخفش على الياء ، وهو هارون بن موسى ابن شريك الدمشقي تلميذ ابن ذكوان وكان يعرف بأخفش باب الجابية والهاء في ياءه ترجع إلى لفظ-نجزين-المختلف فيه ثم قال وعنه يعني عن الأخفش روى النقاش وهو محمد بن الحسن بن محمد بن زياد بن هارون بن جعفر ابن سند البغدادي المفسر وهو ضعيف عند أهل النقل روى عن شيخه الأخفش في قراءة ابن ذكوان لهذا الحرف نونا قال صاحب التيسير ابن كثير وعاصم-لنجزين الذين-بالنون وكذلك روى النقاش عن الأخفش عن ابن ذكوان قال وهو عندي وهم لأن الأخفش ذكر ذلك في كتابه عنه بالياء وذكر الأهوازي في كتاب الإيضاح النون عن ابن ذكوان وعن هشام أيضا وعن ابن عامر وأبي عمرو من بعض الطرق وقال قال النقاش أشك كيف قرأته على الأخفش عن ابن ذكوان وقول الناظم موهلا هو حال من النقاش أو صفة للنون أي مغلطا يقال وهل في الشيء وعنه بكسر الهاء إذا غلط وسهى وهل وهلا ووهلت إليه بالفتح أهل وهلا ساكن الهاء إذا ذهب وهمل إليه فأنت تريد غيره مثل وهمت هكذا في صحاح الجوهري قال الشيخ موهلا من قولهم وهله فتوهل أي وهمه فتوهم وهو منصوب على الحال من النقاش أي منسوبا إلى الوهم فيما نقل يريد ما قال صاحب التيسير هو عندي وهم وقد ذكرناه والله أعلم
(815)
سِوَى الشَّامِ ضُمُّوا وَاكْسِرُوا فَتَنُوا لَهُمْ وَيُكْسَرُ فِي ضَيْقٍ مَعَ النَّمْلِ (دُ)خُلُلاَ
لهم أي لجميع القراء السبعة سوى الشامي فحذف ياء النسبة أو التقدير سوى قاريء الشام فحذف المضاف يريد-ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا-أي فتنهم الكافر بالإكراه على النطق بكلمة الكفر وقلوبهم مطمئنة بالإيمان وذلك نحو ما جرى لعمار بن ياسر وأصحابه بمكة رضي الله عنهم وهو موافق للآية الأولى-والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا-لم يختلف فيه أنه على ما لم يسم فاعله وقرأ ابن عامر فتنوا بإسناد الفعل إلى الفاعل بفتح الفاء والتاء لأن الفتح ضد الضم والكسر معا ووجه هذه القراءة أن تكون الآية نزلت في الفاتنين الذين عذبوا المؤمنين على الكفر وأوقعوا الفتن في الذين أسلموا وهاجروا وجاهدوا وصبروا وذلك نحو ما جرى لمن تأخر إسلامه كعكرمة بن أبي جهل وعمه الحارث وسهيل بن عمرو وأضرابهم رضي الله عنهم وتكون القراءتان في الطائفتين الفاتنين والمفتونين وقيل التقدير فتنوا أنفسهم حين أظهروا ما أظهروا من كلمة الكفر ومعنى القراءتين متحد المراد بهما المفتونون وقيل معنى فتنوا افتتنوا قال الشيخ روى أبو عبيد عن أبي زيد فتن الرجل يفتن فتونا إذا وقع في الفتنة وتحول من الحال الصالحة إلى السيئة وفتن إلى النساء أراد الفجور بهن وقيل الضمير في فتنوا يعود إلى الخاسرون والمفعول محذوف أي من بعد ما فتنهم أولئك الخاسرون وأما-في ضيق مما يمكرون-هنا وفي النمل ففتح الضاد وكسرها لغتان كالقول والقيل وقيل المفتوح تخفيف ضيق كهين وميت أي في أمر ضيق وقوله سوى الشامي استثنى من الضمير في لهم كما سبق ويجوز أن يكون مبتدأ وما بعده الخبر ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل مضمر كقولك زيدا اكتب الكتاب له أي لابسه وخالطه بذلك ودخللا حال من قوله في ضيق أي هو دخيل مع الذي في النمل مشابه له في الكسر والله أعلم