(797)
وَفِي الْخَفْضِ فِي اللهِ الَّذِي الرَّفْعُ (عَمَّ) خَالِقُ امْدُدْهُ وَاكْسِرْ وَارْفَعِ الْقَافَ (شُـ)ـلْشُلاَ
يريد اسم الله تعالى الذي في قوله (إلى صراط العزيز الحميد الله الذي له) ، فرفعه على الابتداء والخفض على البدل من-العزيز الحميد-أو هو عطف بيان وأما-ألم تر أن الله خلق السموات-فقرأه حمزة والكسائي-خالق-على أنه اسم فاعل فمدا بعد الخاء وكسرا اللام ورفعا القاف لأنه خبر-أن-وقراءة الباقين خلق على أنه فعل ماض ثم قال
(798)
وَفِي النُّورِ وَاخْفِضْ كُلَّ فِيهَا وَالأرْضَ هَاهُنَا مُصْرِخِيَّ اكْسِرْ لِحَمْزَةَ مُجْمِلاَ
أي وافعل مثل ذلك في سورة النور في قوله تعالى (والله خلق كل دابة من ماء) ، واخفض لفظ-كل-فيها بإضافة خالق إليه والباقون نصبوا-كل-لأنه مفعول خلق وقوله-والأرض-ههنا أي واخفض لفظ الأرض في سورة إبراهيم على قراءة حمزة والكسائي لأنه معطوف على السموات والسموات في قراءتهما مخفوضة لإضافة خالق إليها والسموات في قراءة غيرهما مفعولة بقوله خلق فهي منصوبة وإنما علامة نصبها الكسرة فلما اتحد لفظ النصب والجر لم يحتج إلى ذكر السموات وذكر ما عطف عليها وهو الأرض لأن فيها يبين النصب من الجر فمن كانت السموات في قراءته منصوبة نصب الأرض بالعطف عليها وقرأ حمزة-وما أنتم بمصرخي-بكسر الياء المشددة وقرأ الباقون بفتحها وهو الوجه لأن حركة ياء الإضافة الفتح مطلقا سكن ما قبلها أو تحرك وقوله مجملا يعني في تعليل قراءة حمزة وهو من قولهم أحسن وأجمل في قوله أو فعله أي اكسر غير طاعن على هذه القراءة كما فعل من أنكرها من النحاة ثم ذكر وجهها فقال
(799)
كَهَا وَصْلٍ أَوْ لِلسَّاكِنَينِ وَقُطْرُبٌ حَكَاهَا مَعَ الْفَرَّاءِ مَعْ وَلَدِ الْعُلاَ
ذكر لها وجهين من القياس العربي مع كونها لغة محكية وإنما تكلف ذلك لأن جماعة من النحاة أنكروا هذه القراءة ونسبوها إلى الوهم واللحن قال الفراء في كتاب المعاني وقد خفض الياء من مصرخي الأعمش ويحيى بن وثاب جميعا حدثني بذلك القاسم بن معن عن الأعمش عن يحيى بن وثاب ، ولعلها من وهم القراء طبقة يحيى فإنه قل من سلم منهم من الوهم ولعله ظن أن الياء في -مصرخي-حافظة للفظ كله والياء للمتكلم خارجة من ذلك قال ومما نرى أنهم أوهموا فيه-نوله ما تولى ونصله-بالجزم ظنوا أن الجزم في الهاء ثم ذكر غير ذلك مما لم يثبت قراءة وقد تقدم وجه الإسكان في -نوله-ونحوه وسنقرر كسر ياء-بمصرخي-وقال أبو عبيد أما الخفض فإنا نراه غلطا لأنهم ظنوا أن الياء التي في قوله-بمصرخي-تكسر كل ما بعدها قال وقد كان في القراء من يجعله لحنا ولا أحب أن أبلغ به هذا كله ولكن وجه القراءة عندنا غيرها قال الزجاج هذه القراءة عند جميع النحويين ردية مرذولة ولا وجه لها إلا وجيه ضعيف ذكر وبعض النحويين يعني القراء فذكر ما سنذكره في الحركة لالتقاء الساكنين ، وقال ابن النحاس قال الأخفش سعيد ما سمعت هذا من أحد من العرب ولا من أحد من النحويين قال أبو جعفر قد صار هذا بإجماع لا يجوز ولا ينبغي أن يحمل كتاب الله تعالى على الشذوذ قال أبو نصر بن القشيري في تفسيره ما ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن يقال هو خطأ أو قبيح أو ردي بل في القرآن فصيح وفيه ما هو أفصح فلعل هؤلاء أرادوا أن غير هذا الذي قرأ حمزة أفصح ، قلت يستفاد من كلام أهل اللغة في هذا ضعف هذه القراءة وشذوذها على ما قررنا في ضبط القراءة القوية والشاذة وأما عدم الجواز فلا فقد نقل جماعة من أهل اللغة أن هذه لغة وإن شذت وقل استعمالها قال أبو علي قال الفراء في كتابه في التصريف زعم القاسم بن معن أنه صواب قال وكان ثقة بصيرا وزعم قطرب أنه لغة في بني يربوع يزيدون على ياء الإضافة ياء وأنشد ، (ماض إذا ما هم بالمضى قال لها هل لك يا قافي) ، قال وقد أنشد الفراء ذلك أيضا ، قلت فهذا معنى قول الناظم وقطرب حكاها مع الفراء فالهاء في حكاها ضمير هذه اللغة ولم يتقدم ذكرها ولكنها مفهومة من سياق الخفض في تقرير هذه القراءة فهو مثل قوله تعالى-(فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها)-أي عالي مدائن قوم لوط ولم يتقدم لها ذكر ولكن علم ذلك من سياق القصة وقال الفراء في كتاب المعاني وقد سمعت بعض العرب ينشد ، (قال لها هل لك يا قافي قالت له ما أنت بالمرضي) ، فخفض الياء من في فإن يكن ذلك صحيحا فهو مما يلتقي من الساكنين وتمام كلام سننقله فيما بعد فانظر إلى الفراء كيف يتوقف في صحة ما أنشده ومعناه يا هذه هل لك في قال الزجاج هذا الشعر مما لا يلتفت إليه وعمل مثل هذا سهل وليس يعرف قائل هذا الشعر من العرب ولا هو مما يحتج به في كتاب الله تعالى اسمه وقال الزمخشري هي قراءة ضعيفة واستشهدوا لها ببيت مجهول فذكره ، قلت ليس بمجهول فقد نسبه غيره إلى الأغلب العجلي الرجز ورأيته أنا في أول ديوانه وأول هذا الزجر ، (أقبل في ثوبي معافري بين اختلاط الليل والعشى) ، وهذه اللغة باقية في أفواه الناس إلى اليوم يقول القائل ما في أفعل كذا وفي شرح الشيخ قال حسين الجعفي سألت أبا عمرو بن العلاء عن كسر الياء فأجازه وهذه الحكاية تروى على وجوه ذكرها ابن مجاهد في كتاب الياآت من طرق قال خلاد المقريء حدثنا حسين الجعفي قال قلت لأبي عمرو ابن العلاء إن أصحاب النحو يلحنوننا فيها فقال هي جائزة أيضا إنما أراد تحريك الياء فليس يبالي إذا حركتها وفي رواية لا تبالي إلى أسفل حركتها أو إلى فوق وفي رواية سألت أبا عمرو بن العلاء عنها فقال من شاء فتح ومن شاء كسر وقال خلف سمعت حسين الجعفي يروي عن أبي عمرو بن العلاء فقال إنها بالخفض حسنة وقال محمد بن عمر الرومي حدثني الثقة عن حسين الجعفي قال قدم علينا أبو عمرو بن العلاء فسألته عن القرآن فوجدته به عالما فسألته عن شيء قرأ به الأعمش واستشنعته-وما أنتم بمصرخي-بالجر فقال جائزة قال فلما أجازها أبو عمرو وقرأ بها الأعمش أخذت بها قال وهي عند أهل الأعراب ليست بذاك فهذا معنى قول الناظم مع ولد العلا يعني أن أبا عمرو حكى هذه اللغة ونقلها وعلى ضعفها وشذوذها قد وجهها العلماء بوجهين أحدهما أن ياء الإضافة شبهت بهاء الضمير التي توصل بواو إذا كانت مضمومة وبياء إذا كانت مكسورة وتكسر بعد الكسر والياء الساكنة ووجه المشابهة أن الياء ضمير كالهاء كلاهما على حرف واحد يشترك في لفظه النصب والجر وقد وقع قبل الياء هنا ياء ساكنة فكسرت كما تكسر الهاء في عليه وبنو يربوع يصلونها بياء كما يصل ابن كثير نحو عليه بياء وحمزة كسر هذه الياء من غير صلة لأن الصلة ليست من مذهبه ومعنى المصرخ المغيث وأصل مصرخي مصرخيني حذفت النون للإضافة فالتقت الياء التي هي علامة الجر مع ياء الإضافة فأدغمت فيها وتوجيه هذه اللغة بهذا الوجه هو الذي اعتمد عليه أبو علي في كتاب الحجة فقال وجه ذلك من القياس أن الياء ليست تخلو من أن تكون في موضع نصب أو جر فالياء في النصب والجر كالهاء فيهما وكالكاف في أكرمتك وهذا لك فكما أن الهاء قد لحقتها الزيادة في هذا لهو وضربهو ولحق الكاف أيضا الزيادة في قول من قال أعطيتكاه وأعطيتكيه فيما حكاه سيبويه وهما أختا الياء ولحقت التاء الزيادة في نحو قول الشاعر ، (رميتيه فأصميت وما أخطأت الرمية) ، كذلك ألحقوا الياء الزيادة من المد فقالوا في ثم حذفت الياء الزائدة على الياء كما حذفت الزيادة من الهاء في قول من قال له أرقان وزعم أبو الحسن أنها لغة ، قلت ليس التمثيل بقوله له أرقان مطابقا لمقصوده فإن الهاء ساكنة حذفت حركتها مع حذف صلتها وليس مراده إلا حذف الصلة فقط فالأولى لو كان مثل بنحو عليه وفيه ثم قال أبو علي وكما حذفت الزيادة من الكاف فقيل أعطيتكه وأعطيتكيه كذلك حذفت الياء اللاحقة للياء كما حذفت من أختها وأقرت الكسرة التي كانت تلي الياء المحذوفة فبقيت الياء على ما كانت عليه من الكسر قال فإذا كانت هذه الكسرة في الياء على هذه اللغة وإن كان غيرها أفشى منها وعضده من القياس ما ذكرنا لم يجز لقائل أن يقول إن القراءة بذلك لحن لاستقامة ذلك في السماع والقياس وما كان كذلك لا يكون لحنا قلت فهذا معنى قول الشاطبي رحمه الله كها وصل أي نزلت الياء في-مصرخي-منزلة هاء الضمير الموصلة بحرف المد فوصلت هذه الياء أيضا بما يليق بها وهو الياء ثم حذفت الصلة منها كما تحذف من الهاء ، الوجه الثاني أشار إليه الناظم بقوله أو للساكنين أي أو يكون الكسر في-بمصرخي-لأجل التقاء الساكنين وذلك بأن تقدر ياء الإضافة ساكنة وقبلها ياء الإعراب ساكنة أيضا ولم يمكن تحريكها لأنها علامة الجر ولأنها مدغمة في الثانية فلزم تحريك ياء الإضافة فكسرت تحريكا لها بما هو الأصل في التقاء الساكنين وهذا الوجه نبه عليه الفراء أولا وتبعه فيه الناس قال الزجاج أجاز الفراء على وجه ضعيف الكسر لأن أصل التقاء الساكنين الكسر قال الفراء ألا ترى أنهم يقولون لم أره منذ اليوم ومذ اليوم والرفع في الذال هو الوجه لأنه أصل حركة منذ والخفض جائز فكذلك الياء من-مصرخي-خفضت ولها أصل في النصب قال الزمخشري كأنه قدر ياء الإضافة ساكنة ولكنه غير فصيح لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف في نحو-عصاي-فما بالها وقبلها ياء وقال بعضهم كسرها إتباعا للكسرة التي بعدها كما قرأ بعضهم الحمد لله بكسر الدال إتباعا لكسر اللام بعدها فكما تقول العرب بعير وشعير ورحيم بكسر أوائلها إتباعا لما بعدها فهذا وجه ثالث وكلها ضعيفة والله أعلم