(780)
وَنَكْتَلْ بِيَا (شَـ)ـافٍ وَحَيْثُ يَشَاءُ نُونُ (دَ)ارٍ وَحِفْظاً حَافِظاً (شَـ)ـاعَ عُقلاَ
يريد (فأرسل معنا أخانا نكتل) ، الياء للأخ والنون لجماعة الأخوة وقوله تعالى (يتبوأ منها حيث يشاء) ، الياء ليوسف والنون نون العظمة ولا خلاف في قوله (نصيب برحمتنا من نشاء) ، أنه بالنون ودار اسم فاعل من دريت والتقدير ذو نون قاريء دار وشاف كذلك أي بياء قاريء شاف ويجوز أن يكون شاف صفة يا أو خبر نكتل وبيا متعلق به أي ونكتل شاف بيا ووزن نكتل نفتل والعين محذوفة والأصل نكتال حذفت الألف لالتقاء الساكنين في حال الجزم وأصل نكتال نكتيل على وزن نفتعل مثل نكتحل ويتعلق بذلك حكاية ظريفة جرت بين أبي عثمان المازني وابن السكيت في مجلس المتوكل أو وزيره ابن الزيات قد ذكرتها في ترجمة يعقوب بن السكيت في مختصر تاريخ دمشق وقوله حفظا مبتدأ وخبره مضمر أي يقرأ حافظا أو يكون خبره شاع عقلا وعقلا تمييز وهو جمع عاقل أي شاع ذكر الذين عقلوه وحافظا حال أي شاع على هذه الحالة في القراءة ويجوز أن يكون عقلا حال على معنى ذا عقل وانتصب حفظا في الآية وحافظا على التمييز وجوز الزمخشري أن يكون حافظا حالا ومنعه أبو علي والتمييز في حفظا ظاهر أي حفظ لله خير من حفظكم ووجه حافظا أن لله تعالى حفظة كما له حفظ نحو قوله تعالى (ويرسل عليكم حفظة) ، فالتقدير حافظه خير من حافظكم كما كان حفظه خيرا من حفظكم ويجوز أن يكون التمييز من باب قولهم لله دره فارسا أي در فروسيته فيرجع المعنى إلى القراءة الأخرى وهذا التمييز الذي هو حافظ يجوز إضافة خير إليه وقد قريء-خير حافظ-ولا تجوز الإضافة إلى حفظ إلا على تقدير خير ذي حفظ والله أعلم ، وقدم ذكر الخلاف في-نكتل-على-حيث يشاء-ضرورة للنظم وإلا فالأمر بالعكس وقدمه
(781)
وَفِتْيَتِهِ فِتْيَانِهِ (عَـ)ـنْ (شَـ)ـذاً وَرُدْ بِالاخْبَارِ فِي قَالُوا أَئِنَّكَ (دَ)غْفَلاَ
أي يقرأ فتيانه أو التقدير وقراءة فتيته بلفظ فتيانه لحفص وحمزة والكسائي وهم الذين قرءوا-حافظا فلو قال عنهم موضع قوله عن شذا لاستقام لفظا ومعنى وفتية وفتيان كلاهما جمع فتى كإخوة وإخوان الأول للقلة والثاني للكثرة فكأن الخطاب كان لجميع الأتباع والذين باشروا الفعل قليل منهم وقوله ورد أي اطلب من راد وارتاد إذا طلب الكلأ ، ود غفلا مفعول به وهو العيش الواسع أي اطلب عيشا واسعا بالقراءة بالأخبار في قوله (إنك لأنت يوسف) ، لأنها ظاهرة المعنى وذلك أنهم جزموا بمعرفته لما اتضح لهم من قرائن دالة على ذلك فهذه قراءة ابن كثير وقرأ الباقون بالاستفهام وهم على أصولهم في التحقيق والتسهيل والمد بين الهمزتين ثم يحتمل أن يكون استفهاما على الحقيقة ولم يكن بعد قد تحقق عندهم وتكون قراءة ابن كثير على حذف همزة الاستفهام كما قيل ذلك في قوله (وتلك نعمة تمنها علي) ، أي وتلك نعمة وله نظائر ويحتمل أن يكون استفهاما على سبيل الاستغراب والاستعظام وإن كانوا قد عرفوه حق المعرفة أي إنك لهو ونحن وأنت يعامل بعضنا بعضا معاملة الغرباء ولعل بعض الإخوة قالوه خبرا وبعضهم استفهاما فجاءت القراءتان كذلك ومن عادة الناظم أن يجعل الاستفهام ضد الإخبار وقد تقدم تقرير ذلك في سورة الأعراف وسيأتي مثله في الرعد واتفق لي نظم أربعة أبيات عوض الثلاثة المتقدمة تبين فيها القراءتان في حاشا وصلا ووقفا وذكر فيها الخبر والاستفهام في أئنك مع التنبيه على أنهم على أصولهم في ذلك تجديدا للعهد بما تقدمت معرفته وتذكيرا بذلك خوفا من الذهول عنه ولم يستقم لي إيضاح جميع ذلك إلا بزيادة بيت فقلت ، (وفي الوصل حاشا حج بالمد آخرا معاد أبا حرك لحفص فتقبلا) ، أراد بالمد بعد الشين احترازا عن المد بعد الحاء ثم قال ، (ونكتل بياء يعصرون الخطاب شذ وحيث يشا النون دار وأقبلا) ، استغنى برمز واحد وهو قوله شذ لقراءتين في نكتل ويعصرون ثم قال ، (وفي حافظا حفظا صفا حق عمهم وفتيته عنهم لفتيانه انجلا) ، (والأخبار في قالوا أئنك دغفلا ويستفهم الباقي على ما تأصلا)
(782)
وَيَيْأَسْ مَعًا وَاسْتَيْأَسَ اسْتَيْأَسُوا وَتَيْأَسُوا اقْلِبْ عَنِ الْبَزِّي بِخُلْفٍ وَأَبْدِلاَ
معا يعني هنا وفي الرعد (إنه لا ييأس من روح الله)-(أفلم ييأس الذين آمنوا)-(حتى إذا استيأس الرسل)-(فلما استيأسوا منه)-(ولا تيأسوا من روح الله) ، فهذه خمسة مواضع استفعل فيها بمعنى فعل كاستعجب واستسخر بمعنى عجب وسخر وكلها من اليأس من الشيء وهو عدم توقعه لا التي في الرعد قيل إنها بمعنى علم فقراءة الجماعة في هذه المواضع على الأصل الهمز فيها بين الياء والسين وروي عن البزي أنه قرأها بألف مكان الياء وبياء مكان الهمزة وكذلك رسمت في المصحف وحمل ذلك على القلب والإبدال قال أبو علي قلبت العين إلى موضع الفاء فصار استفعل وأصله استيأس ثم خفف الهمزة وأبدلها ألفا لسكونها وانفتاح ما قبلها فصار مثل راس وفاس فهذا معنى قول الناظم اقلب وأبدلا ولم يذكر ما هو المقلوب وما هو المبدل وأراد بالقلب التقديم والتأخير وعرفنا أن مراده تقديم الهمزة على الياء قوله وأبدلا فإن الإبدال في الهمز ثم لم يبين أي شيء يبدل بل أحال ذلك على قياس تسهيلها لأنها إذا جعلت في موضع الياء وأعطيت حكمها بقيت ساكنة بعد فتح وبقيت الياء مفتوحة على ما كانت عليه الهمزة ثم لما اتصفت الهمزة بالسكون جاز إبدالها ألفا فقرأ البزي بذلك في وجه وإن لم يكن من أصله إبدال الهمزة المنفردة كما أنه سهل همزة (لأعنتكم) ، بين بين في وجه وإن لم يكن ذلك من أصله جمعا بين اللغات القلب في هذه اللغة في الفعل الماضي يقال يئس وأيس فيبني المضارع على ذلك فقراءة الجماعة من لغة يئس وهي الأصل عندهم وقراءة البزي من لغة أيس فمضارعه ييأس وأراد الناظم وأبدلن فأبدل النون ألفا
(783)
وَيُوحى إِلَيْهِمْ كَسْرُ حَاءِ جَمِيعِهَا وَنُونٌ عُلاً يُوحى إِلَيْهِ (شَـ)ـذاً (عَـ)ـلاَ
أي وحيث أتى وعلا خبر أي القراءة بالكسر وبالنون ذات علا لإسناد الفعل فيها إلى الله تعالى والقراءة الأخرى بالياء وفتح الحاء على أنه فعل ما لم يسم فاعله وأراد بقوله يوحي إليه قوله تعالى في سورة الأنبياء (إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) ، فقرأ حفص الجميع بالنون وكسر الحاء ووافقه حمزة والكسائي على الذي في الأنبياء ولا خلاف في الذي في أول الشورى (كذلك يوحى إليك أنه) ، بالياء واختلف في كسر الحاء وفتحها كما سيأتي وتقدم معنى شذا علا
(784)
وَثَانِيَ نُنْجِ احْذِفْ وَشَدِّدْ وَحَرِّكَنْ (كَـ)ـذَا (نَـ)ـلْ وَخَفِّفْ (كُـ)ـذِّبُوا (ثَـ)ـابِتاً تَلاَ
يريد حذف النون الثانية وتشديد الجيم وتحريك الياء بالفتح فيصير فعلا ماضيا لم يسم فاعله من أنجى والقراءة الأخرى على أنه فعل مضارع من أنجى وهو قوله تعالى (فنجي من نشاء) ، فالنون الأولى حرف المضارعة والثانية من أصل الفعل فالمحذوف في قراءة التشديد هي الأولى حقيقة لأن الفعل فيها ماض ولكن الناظم أراد حذف الثاني صورة لا حقيقة وكانت هذه العبارة أخصر لبقاء النون الأولى مضمومة فلو كان نص على حذف الأولى لاحتاج إلى أن يقول وضم الثانية ولولا الاحتياج إلى هذا لأمكن أن يقال أراد الثاني من فننجي لأن لفظ القرآن كذلك والثاني من فننجي هي النون الأولى وكان يستقيم له أن يقول وثاني فننجي احذف ولكنه عدل إلى تلك العبارة لما ذكرناه والنون في قوله وحركنى نون التأكيد الخفيفة التي تبدل ألفا في الوقف وقوله كذا نل دعاء للمخاطب بالنجاة وأما (وظنوا أنهم قد كذبوا) ، فخفف الكوفيون الذال وثابتا حال من التخفيف وتلا بمعنى تبع ما قبله من القراءات الثابتة وقيل أراد تلا بالمد أي ذمة فالتشديد وجهه ظاهر هو من التكذيب ويكون ظنوا بمعنى تيقنوا وجوز أبو علي أن يكون بمعنى حسبوا والتكذيب من الكافر كان مقطوعا به فلا وجه للحسبان على هذا إلا ما سنذكره من تفسير صحيح عن عائشة رضي الله عنها وأما قراءة التخفيف فمن قولهم كذبته الحديث أي لم أصدقه فيه ومنه (وقعد الذين كذبوا الله ورسوله) ، فالمفعول الثاني في الآيتين محذوف ثم في تأويل هذه القراءة وجوه أربعة اثنان على تقدير أن يكون الضمير في-وظنوا أنهم-الرسل واثنان على تقدير أن يكون الضمير للمرسل إليهم وقد تقدم ذكرهم في قوله (عاقبة الذين من قبلهم) ، ولفظ الرسل أيضا دال على مرسل إليهم فإن عاد الضمير على المرسل وهو الظاهر لجرى الضمير على الظاهر قبله فله وجهان أحدهما وظن الرسل أن أنفسهم كذبتهم حين حدثتهم بالنصر أو كذبهم رجاؤهم كذلك وانتظارهم له من غير أن يكون الله تعالى وعدهم به ولهذا يقال رجا صادق ورجا كاذب وقوله بعد ذلك جاءهم نصرنا أي جاءهم بغتة من غير موعد والوجه الثاني منقول عن ابن عباس قال وظن من أعطاهم الرضى في العلانية وأن يكذبهم في السريرة وذلك لطول البلاء عليهم أي على الأتباع وقد قيل في قراءة التشديد نحو من هذا روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لم يزل البلاء بالأنبياء صلوات الله عليهم حتى خافوا أن يكون من معهم من المؤمنين كذبوهم وفي صحيح البخاري عن عائشة في قراءة التشديد قالت هم أتباع الرسل الذين آمنوا بربهم وصدقوا وطال عليهم البلاء واستأخر عنهم النصر حتى إذا استيأس الرسل ممن كذبهم من قومهم وظنت الرسل أن أتباعهم قد كذبوهم جاءهم نصر الله عند ذلك فاتحد على ذلك معنى القراءتين وأما إن كان الضمير في-وظنوا أنهم-للمرسل إليهم فلتأويله وجهان أحدهما وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوا فيما وعدوا به من النصر والثاني وظن المرسل إليهم أنهم قد كذبوا من جهة الرسل فيما أخبروا به من أنهم ينصرون عليهم وهذا قول يحكى عن سعيد بن جبير رضي الله عنه سئل عن ذلك فقال نعم حتى إذا استيأس الرسل من قومهم أن يصدقوهم وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فقال الضحاك ابن مزاحم وكان حاضرا لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا قال أبو علي وإن ذهب ذاهب إلى أن المعنى ظن الرسل أن الذي وعد الله أممهم على لسانهم قد كذبوا فيه فقد أتى عظيما لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء ولا إلى صالحي عباد لله قال وكذلك من زعم أن ابن عباس ذهب إلى أن الرسل قد ضعفوا وظنوا أنهم قد أخلفوا لأن الله لا يخلف الميعاد ولا مبدل لكلمات الله قلت وإنما قال ابن عباس ما تقدم ذكره فخفى معناه على من عبر بهذه العبارة والله أعلم
(785)
وَأَنِّي وَإِنَّى الْخَمْسُ رَبِّي بِأَرْبَعٍ أَرَانِي مَعاً نَفْسِي لَيُحْزِنُنِي حُلاَ
أني وما عطف عليه مبتدا وحلا خبره والخمس نعت لإنى المكسورة وحدها والمفتوحة واحدة وهي-أني أوف الكيل-فتحها نافع وحده والخمس المكسورة-إني أراني-مرتين فتحهما نافع وأبو عمرو-إني أرى سبع بقرات-إني أنا أخوك-إني أعلم من الله-فتحهن الحرميان وأبو عمرو وربي في أربعة مواضع و-ربي أحسن مثواي-فتحها أيضا الحرميان وأبو عمرو-ذلكما مما علمني ربي إني تركت-إلا ما رحم ربي إن-سوف استغفر لكم ربي إنه-فتحهن نافع وأبو عمرو وأراني معا يعني أراني أعصر-أراني أحمل-فتحهما الحرميان وأبو عمرو-وما أبريء نفسي إن-فتحها نافع وأبو عمرو-وقال إني ليحزنني-فتحها الحرميان فهذه أربع عشرة ياء من جملة اثنين وعشرين ثم ذكر الثماني الباقية فقال
(786)
وَفِي إِخْوَتِي حُزْنِي سَبِيلِي بِي وَلِي لَعَلِّي آبَاءِي أَبِي فَاخْشَ مَوْحَلاَ
أراد-وبين إخوتي إن-فتحها ورش وحده-وحزني إلى الله-فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر- هذه سبيلي أدعو-فتحها نافع وحده-بي إذ أخرجني-لي أبي-فتحهما نافع وأبو عمرو-لعلي أرجع-فتحها الحرميان وأبو عمرو وابن عامر-ملة آبائ إبراهيم كذلك-أبي أو يحكم-فتحها الحرميان وأبو عمرو وقوله وفي إخوتي تقديره والياءات المختلف فيها أيضا في هذه الألفاظ إخوتي وما بعده وقوله فاخش موحلا يعني في عددها واستخراج مواضعها فإنها ملبسة لا سيما قوله الخمس فقد يظن أنه نعت لأنى المفتوحة وتقرأ الأولى بالكسر وإنما هو نعت للمكسورة والأولى مفتوحة وقد يظن أن الخمس نعت لهما ومجموعهما خمسة مواضع أحدهما اثنان والآخر ثلاثة كما قال وفي مريم والنحل خمسة أحرف وقال-تسؤ-و-نشأ- ست أي مجموعهما ست كل واحد ثلاثة وقد تقدم بيان ذلك أو فاخش غلطا في استخراجها من السورة فلا تعد ما ليس منها نحو-إن ربي لطيف لما يشاء-إني حفيظ عليم-ونحو ذلك ولا خلاف في تسكينه والموحل مصدر وحل الرجل بكسر الحاء إذا وقع في الوحل بفتح الحاء وهو الطين الرقيق وقال الشيخ رحمه الله أي فاخش موحلا في إخوتي وما نسق عليه كما تقول وفي دار عمرو فاجلس وفيها ثلاث زوائد نرتع أثبت ياءه قنبل بخلاف عنه في الحالين-حتى تؤتوني موثقا-أثبتها ابن كثير في الحالين وأبو عمرو في الوصل-من يتقي ويصبر-أثبتها قنبل وحده وقلت في ذلك ، (روائدها نرتع وتؤتون موثقا ومن يتقي أيضا ثلاث تجملا)