(452)
وَآدَمَ فَارْفَعْ نَاصِباً كَلِمَاتِهِ بِكَسْرٍ وَلِلْمَكِّيِّ عَكْسٌ تَحَوَّلاَ
أي القراءة (فتلقى آدم من ربه كلمات) ، فيكون آدم فاعلا وكلمات مفعولا وعلامة نصبه الكسرة وعكس ابن كثير فجعل آدم مفعولا فنصبه وكلمات فاعلا فرفعها والمعنى واحد لأن ما تلقيته فقد تلقاك وكذا ما أصبته فقد أصابك وقوله وللمكي عكس أي عكس ما ذكر وحقيقة العكس لا تتحقق هنا من جهة أن نصب آدم ليس بكسر بل بفتح فهو عكس مع قطع النظر عن لفظ الكسر ولم يمكنه أن يقول وللمكي رفع لأنه لا يعرف الخلاف في آدم حينئذ لمن هو لأن رفع المكي مخصوص بكلمات وقوله تحولا أي المذكور إليه أو عكس تحول إلى هذا والله أعلم
(453)
وَيُقْبَلُ الأُولى أَنَّثُوا (دُ)ونَ (حَا)جِزٍ وَعُدْنَا جَمِيعاً دُونَ مَا أَلِفَ (حَـ)لاَ
يريد قوله تعالى (ولا تقبل منها شفاعة) ، يقرأ بالتأنيث والتذكير أي بالتاء والياء فوجه التأنيث ظاهر لأن الشفاعة مؤنثة ولهذا قال دون حاجز أي مانع ووجه التذكير أن تأنيث الشفاعة غير حقيقي وكل ما كان كذلك جاز تذكيره لا سيما وقد وقع بينه وبين فعله فاصل وسيأتي له نظائر كثيرة واحترز بقوله الأولى أي الكلمة الأولى عن الأخيرة وهي (ولا يقبل منها عدل) ، فإن الفعل مذكر بلا خلاف لأنه مسند إلى مذكر وهو عدل وبعده (ولا تنفعها شفاعة) ، لم يختلف في تأنيثها لأنه لم يفصل بينهما كلمة مستقلة بخلاف الأولى وقرأ أبو عمرو (وعدنا) ، في البقرة والأعراف وطه بغير ألف بعد الواو لأن الله تعالى وعده وقرأ غيره-واعدنا- بألف بعد الواو على معنى وعدنا كقوله فحاسبناها وقيل يصح فيه معنى المفاعلة فإن قلت من أين يعلم من النظم أن قراءة الباقين بألف بعد الواو دون أن يكون بألف قبلها فيكون أوعدنا لأنه قال دون ما ألف ولم ينطق بقراءة الجماعة ولو كان لفظ بها لسهل الأمر قلت يعلم ذلك من حيث أنه أراد أوعدنا للزمه أن يبين إسكان الواو وتحريكها فلما لم يتعرض لذلك علم أنه غير مراد وأيضا فإن حقيقة الألف ثابتة في لفظ (واعدنا) ، وأما أوعدنا فهي حمزة قبل الواو فإطلاق الألف عليها مجاز والأصل الحمل على الحقيقة فيزول الإشكال على هذا مع ظهور القراءتين واشتهارهما وعدم صحة معنى الوعيد في هذه المواضع ولو قال وفي الكل واعدنا أو وجملة واعدنا بلا ألف حلا بطل هذا الإشكال لكن في-وعدنا-و-واعدنا-ألف بعد النون كان ينبغي الاحتراز عنها أيضا فإن قلت تلك لا يمكن حذفها ، فإن قلت وليس كل ما لا يمكن حذفه لا يحترز منه فإنه سيأتي في قوله وقالوا الواو الأولى سقوطها ولا يمكن إسقاط الثانية مع بقاء ضمة اللام ثم إنه أيضا يرد عليه ما في سورة القصص (أفمن وعدناه) وعدا حسنا ، فهو بغير ألف بلا خلاف وكذا الذي في الزخرف (أو نرينك الذي وعدناهم) ، فإن اعتذر له بأنه قال وعدنا بغير هاء والذي في القصص بزيادة هاء والذي في الزخرف بزيادة هاء وميم فلا ينفع هذا الاعتذار فإن الذي في طه بزيادة كاف وميم وهو قوله تعالى (وواعدناكم جانب الطور الأيمن) ، وصاحب التيسير نص على أن الخلاف في-وعدنا-و-وعدناكم-فخرج الذي في القصص فإنه لفظ ثالث والذي في الزخرف فإنه لفظ رابع فلو قال الناظم وعدنا وعدناكم بلا ألف حلا لخلص من هذا الإشكال ولكن خلفه إشكال آخر وهو أنه لم يقل جميعا ولكن يكون له أسوة بما ذكر في بيتي الإشمام ويبقى عليه الإشكالان المتقدمان في موضع الألف وما في قوله دون ما ألف زائدة والله أعلم
(454)
وَإِسْكَانُ بَارِئِكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ لَهُ وَيَأْمُرُهُمْ أَيْضاً وَتَأْمُرُهُمْ تَلاَ
(455)
وَيَنْصُرُكُمْ أَيْضاً وَيُشْعِرُكُمْ وَكَمْ جَلِيلٍ عَنِ الْدُّورِيِّ مُخْتَلِساً جَلاَ
أي أسكن أبو عمرو في هذه المواضع كلها حيث وقعت حركة الإعراب تخفيفا وقد جاء ذلك عنه من طريق الرقيين كذا ذكر الداني ومكي وغيرهما ورواية العراقيين عن أبي عمرو الاختلاس وهي الرواية الجيدة المختارة فإن الإسكان في حركات الإعراب لغير إدغام ولا وقف ولا اعتلال منكر فإنه على مضادة حكمة مجيء الإعراب وجوزه سيبويه في ضرورة الشعر لأجل ما ورد من ذلك فيه نحو ، (وقد بدا هنك من الميزر فاليوم أشرب غير مستحقب) ، (ولا أعلام قد تعلل بالمناة فما تعرفكم العرب) ، ونحوه إذا اعوججن قلت صاحب مقوم ، قال أبو علي في الحجة أما حركة الإعراب فمختلف في تجويز إسكانها فمن الناس من ينكره فيقول إن إسكانها لا يجوز من حيث كان علما للإعراب قال وسيبويه يجوز ذلك في الشعر ، قال الزجاج روي عن أبي عمرو ابن العلا أنه قرأ (بارئكم) ، بإسكان الهمزة ، قال وهذا رواه سيبويه باختلاس الكسر قال وأحسب الرواية الصحيحة ما روى سيبويه فإنه أضبط لما روي عن أبي عمرو ، والإعراب أشبه بالرواية عن أبي عمرو لأن حذف الكسر في مثل هذا وحذف الضم إنما يأتي في اضطرار الشعر وفي كتاب أبي بكر بن مجاهد قال سيبويه كان أبو عمرو يختلس الحركة (من بارئكم-و-يأمركم) ، وما أشبه ذلك مما تتوالى فيه الحركات فيرى من يسمعه أنه قد أسكن ولم يسكن قال أبو بكر وهذا القول أشبه بمذهب أبي عمرو لأنه كان يستعمل في قراءته التخفيف كثيرا كان يقرأ (ويعلمهم الكتاب-ويلعنهم الله) ، يشم الميم من يعلمهم-والنون من-يلعنهم-الضم من غير إشباع وكذلك (عن أسلحتكم وأمتعتكم) ، يشم التاء شيئا من الخفض وكذلك (يوم يجمعكم) ، يشمها شيئا من الضم وفي كتاب أبي علي الأهوازي عن المازني عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلا قال سمعت أعرابيا يقول (بارئكم) ، فاختلس الكسر حتى كدت لا أفهم الهمزة قال أبو علي الفارسي وهذا الاختلاس وإن كان الصوت فيه أضعف من التمطيط وأخفى فإن الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك قال وعلى هذا المذهب حمل سيبويه قول أبي عمرو (على بارئكم) ، فذهب إلى أنه اختلس الحركة ولم يشبعها فهو بزنة حرف متحرك فمن روى عن أبي عمرو الإسكان في هذا النحو فلعله سمعه يختلس فحسبه لضعف الصوت به والخفاء إسكانا وقال أبو الفتح بن جني في كتاب الخصائص الذي رواه صاحب الكتاب اختلاس هذه الحركة لا حذفها البتة وهو أضبط لهذا الأمر من غيره من القراء الذي رووه ساكنا ، قال ولم يؤت القوم في ذلك من ضعف أمانة لكن أتوا من ضعف دراية قال الشيخ في شرحه وقد ثبت الإسكان عن أبي عمرو والاختلاس معا ووجه الإسكان أن من العرب من يجتزى بإحدى الحركتين عن الأخرى قال وقد عزا الفراء ذلك إلى بني تميم وبني أسد وبعض النجديين وذكر أنهم يحققون مثل-يأمركم-فيسكنون الراء لتوالي الحركات ، قلت وكان الناظم رحمه الله مائلا إلى رواية الاختلاس وهو الذي لا يليق بمحقق سواه فقال وكم جليل أي كثير من الشيوخ الجلة جلوا الاختلاس عن الدوري وكشفوه وقرروه وعملوا به ومختلسا حال من الدوري أي جلا عن مذهبه في حال اختلاسه ونسب الناظم ذلك إلى الدوري وهو محكي عن أبي عمرو نفسه كما نسب إبدال الهمز الساكن إلى السوسي وهي محكي عن أبي عمرو كما سبق وسبب ذلك أن رواية الرقيين هي رواية السوسي ومن وافقه ورواية العراقيين هي رواية الدوري وأضرابه قال أبو علي الأهوازي ومعنى الاختلاس أن تأتي بالهمز وبثلثي حركتها فيكون الذي تحذفه من الحركة أقل مما تأتي به قال ولا يؤخذ ذلك إلا من أفواه الرجال ، قلت وقراءة الباقين بإشباع الكسر في (بارئكم) ، وإشباع الضم في البواقي ، فإن قلت من أين يؤخذ ذلك ، قلت ما بعد (بارئكم) ، قد لفظ به مضموما فهو داخل في قوله وباللفظ أستغنى عن القيد إن جلا وقد سبق في شرح الخطبة أن قوله وإسكان (بارئكم) ، لا يفهم منه القراءة الأخرى فإنه ليس ضد السكون الكسر ولو حصل التلفظ بالكسر لصار كالذي بعده ولو قال وبارئكم سكن لاستقام وقوله له أي لأبي عمرو ، فإن قلت لم لم يكن رمزا لهشام كما قال في موضع آخر بخلف له ولا يكون له ثوى ، قلت له لفظ صريح حيث يكون له ما يرجع إليه كهذا المكان وإن لم يكن له ما يرجع إليه فهو رمز وعلامة ذلك اقترانه في الغالب برمز آخر معه ومتى تجرد وكان له ما يرجع فحكمه حكم الصريح وقوله تلا ليس برمز وهو مشكل إذ لا مانع من جعله رمزا ويكون إسكان يأمرهم وما بعده للدوري عن الكسائي وكان ينبغي أن يحترز عنه بأن بقوله وتأمرهم حلا أو غير ذلك مما لم يوهم رمزا لغير أبي عمرو وأما جلا فظاهر أنه ليس برمز لتصريحه بالدوي والله أعلم