(384)
وَقِفْ وَيْكَأَنَّهْ وَيْكَأَنَّ بِرَسْمِهِ وَبِالْيَاءِ قِفْ (رِ)فْقًا وَبِالْكَافِ (حُـ)لِّلاَ
أي هكذا رسمتا فقف على هذه الصورة لجميع القراء إلا الكسائي وأبا عمرو فإن الكسائي وقف على الياء لأنه جعل (وى-كلمة-و-كأن-كلمة) ، ووى كلمة يقولها المتندم والمتعجب ووجه الكاف بعدها تشبيه الحالة الراهنة بحال الوقوع لحصول اليقين والمتيقن كالمعاين ، قلت تقدير البيت ، (كأنك بالدنيا غير كائنة ) أي غير موجودة أي إنها ذاهبة واجبة الذهاب ، (وكأنك بالآخرة غير زائلة ) أي إذا وجدت فهي واجبة الدوام والله أعلم ، ومن قوله عليه الصلاة والسلام كأنك بالدنيا لم تكن وبالآخرة لم تزل ، وقول امرؤ القيس ، (كأني لم أركب جوادا للذة ) ، وقول عبد يغوث بن وقاص ، (كأني لم أركب جوادا ولم أقل ) ، وقول الجرهمي ، (كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر) ، ووقف أبو عمرو على الكاف جعل (ويك) ، كلمة ويكون أصلها ويلك حذفت منها اللام وهي لغة ، قال عنترة ، (ولقد شفا نفسي وأيرأ سقمها قيل الفوارس ويك عنتر أقدم) ، وقال آخر ، (ألا ويك المسرة لا تدوم ولا يبقى على البوسى النعيم) ، وفتح أن بعدها على إضمار اعلم أو إضمار لام الجر أي لأنه ، وقراءة الجماعة تحتمل معنى قراءة الكسائي ومعنى قراءة أبي عمرو قال أبو الفتح بن جني في باب توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين من ذلك قوله تعالى (ويكأنه لا يفلح الكافرون) ، مذهب الخليل وسيبويه فيه أنه (وى) ، مفصول وهو اسم سمى به الفعل في الخبر وهو اسم أعجب ثم قال مبتدئا (كأنه لا يفلح الكافرون) وأنشد فيه ، (وى كأن من يكن له نشب يحبب ومن يفتقر يعش عيش ضر) وذهب أبو الحسن فيه إلى أنه (ويك) ، أراد بويك أعجب أي اعجب لسوء اختيارهم فعلق أن بما في ويك من معنى الفعل وجعل الكاف حرف خطاب بمنزلة كاف ذلك وهنالك قال أبو علي ناصرا لقول سيبويه قد جاءت كأن كالزائدة وأنشد بيت عمر ، (كأنني حين أمسي لا يكلمني ذو بغية يشتهي ما ليس موجودا) أي أنا كذلك وكذلك قوله (كأنه لا يفلح الكافرون) ، أي هم لا يفلحون وقوله رفقا أي رافقا مصدر في موضع الحال أي ارفق في تقدير وجه ذلك وفهم معناه وحللا من التحليل أي جوز الوقف على الكاف ردا على من أنكر ذلك وقوله برسمه في موضع الحال أي ملتبسا برسمه فكأنه قال على رسمه وأفاد قوله هذا أن الرسم على هذه الصورة فلا تقتصر على بعض هذا اللفظ في الكلمتين وهما في آخر سورة القصص والله أعلم
(385)
وَأَيّاً بأَيّاً مَا (شَـ)فَا وَسِوَاهُمَا بِمَا وَبِوَادِي النَمْلِ بِالْيَا (سَـ)ناً تَلاَ
يريد قوله تعالى (أيا ما تدعوا) ، في آخر سورة سبحان هي كلمة أي زيدت عليها ما فهي مثل حيثما وكيفما وعمّا فوقف حمزة والكسائي على (أيا) ، وحدها وأبدلا من التنوين ألفا لأنها كلمة مستقلة مفصولة من ما خطا ومعنى ووقف الباقون على ما وهو مشكل فإنها لم تتصل بما قبلها خطا فصارت مثل عن ما المفصولة فإنهم يقفون على عن دون ما وقد تقدم بيان ذلك ولكن الفرق تحقق الانقطاع في نحو عن ما لأن الاتصال كان ممكنا وههنا لم يتحقق ذلك فإن الألف لا يتصل بها شيء في الخط بعدها والأكثر في الخط اتصال ما المزيدة بما قبلها فاحتاطوا وأجروا هذا الموضع مجراها خوفا من أن يكونوا قصدوا الاتصال ولحظوه حال الكتابة معنى وتعلقا كما لحظوه فيما تحقق اتصاله ثم منعهم من ذلك خطا أن الألف لا تقبل ذلك فتركوه فقوله وأيا بأياما أي والوقف على أيا في قوله أياما شفا لظهور دليله بالفصل في الخط وسوى مدلول شفا وهما حمزة والكسائي وقفوا بما أي عليها يقال وقفت به وعليه قال طرفة (وقفت بها أبكي ) وقال عنترة (قف على دراسات الدمن ) وكذلك الياء في قوله وبواد النمل أي وقف الكسائي عليها بالياء لأنها الأصل والباقون بحذفها على الرسم وكان ينبغي أن يذكر هذا في سورته كما ذكر-هاد-و-وال-و-واق-و-باق-في سورة الرعد وذكر (يوم يناد) ، في سورة ق فالجميع اختلفوا في إثبات يائه في الوقف واتفقوا على حذفها في الوصل ولهذا لم يذكرها في باب الزوائد على ما يأتي شرحه إن شاء الله تعالى
(386)
وَفِي مَهْ وَمِمَّهْ قِفْ وَعَمَّهْ لِمَهْ بِمَهْ بِخُلْفٍ عَنِ الْبَزِّيِّ وَادْفَعْ مُجَهِّلاَ
انفرد البزي في رواية عنه بزيادة هذه الهاء في الوقف على ما الاستفهامية الداخل عليها حرف الجر وهي هاء السكت لأن بعض العرب يلحقها في هذه المواضع جبرا لما حذف من ما وهو ألفها وإبقاء لحركة الميم لئلا تذهب في الوقف فيجتمع في ما وهي حرفان حذف أحدهما وإسكان الآخر وأنشدوا (صاح الغراب بمه ) وأراد بما ذكره (فيم أنت من ذكراها)-مم خلق-عم يتساءلون-لم تقولون-بم يرجع المرسلون) ، وشبه ذلك ووقف غير البزي بلا هاء إتباعا للرسم وهي اللغة المشهورة وقوله مجهلا منصوب على أنه مفعول به أراد أن من جهل قارئ هذه القراءة فهو كالصائل الظالم فادفعه عنه وحجة من يردعه ويزجره عن تجهيله له ويجوز أن يكون حالا من فاعل ادفع والمفعول محذوف أي ادفع من رد هذه القراءة مجهلا له بقلة معرفته وفي حواشي النسخة المقروءة على الناظم قال الحوفي في البرهان لا يجوز هذا واحتج بالرسم قال فيقال له أليس ابن كثير وغيره يثبت الزوائد في الوقف وليست في الرسم وقد وقف قوم بخلاف الرسم في مواضع والمعول عليه صحة النقل لا غير ، قلت وحكى صاحب المستنير أن يعقوب كان يقف على هو وهي النون المفتوحة نحو (العالمين-و-الذين) ، بهاء السكت كما فعل البزي في هذا فيقول (هوه-و-هيه-العالمينهْ-الذينهْ) ، وشبهه وحكى الحافظ أبو العلاء عن ابن جبير عن أبي عمرو (يا ويلتاه-و-أسفاه-و-يا حسرتاه-والله أعلم)