(353)
وَمَا بَعْدَهُ كَسْرٌ أَوِ الْيَا فَمَا لَهُمْ بِتَرْقِيقِهِ نَصٌّ وَثِيقٌ فَيَمْثُلاَ
أي وما وقع من الراءات بعده كسرة أو ياء على ضد ما سبق لأن الذي تقدم الكلام فيه أن تكون الراء بعد كسر أو ياء وليس هذا على عمومه بل مراده أن ما حكوا ترقيقه مما بعده كسر أو ياء لا نص لهم فيه والذي حكوا ترقيقه من ذلك نحو (مريم-ولفظ-المرء) ، وعموم ما ذكره في هذا البيت يجئ في الراء الساكنة نحو (مريم-و-يرجعون) ، ولا تكون الياء بعدها إلا متحركة نحو (لبشرين-و-البحرين-و-إلى ربهم) ، وكان القياس يقتضي أن هذا كله يرقق كما لو تقدمت الياء أو الكسر فإن الترقيق إمالة وأسباب إمالة الألف تكون تارة بعدها وهو الأكثر وتارة قبلها فينبغي أن تكون الراء كذلك ولكن عدم النص في ترقيق مثل ذلك ونقل مكي الترقيق في نحو (مريم-و-قرية) ، فقال أما الراء الساكنة فلا اختلاف فيها أنها غير مغلظة إذا كان قبلها كسرة لازمة أو بعدها ياء نحو (مريم-و-فرعون-قال ونقلت-بين المرء) ، بالتغليظ وتركه لورش وللجماعة بالتغليظ قال الداني على الترقيق عامة أهل الأداء من المصريين القدماء قال والقياس إخلاص فتحها لفتحة الميم قبلها قوله فيمثلا أي فيظهر ثم قال
(354)
وَمَا لِقِيَاسٍ فِي الْقِرَاءة مَدْخَلٌ فَدُونَكَ مَا فِيهِ الرِّضاَ مُتَكَفِّلاَ
أي لو فتح قياس ما بعد الراء على ما قبلها لاتسع الأمر في ذلك فيقال يلزم من إمالة (مريم-إمالة نحو-يرتع) ، فلا فرق بين أن تكون الياء المفتوحة بعد الراء وقبلها بل مراعاة ما قبلها أولى بدليل أن الياء الساكنة اعتبرت قبل الراء ولم تعتبر بعدها نحو (وجرين بهم) ، وقد اعتذر قوم عن ذلك بما فيه تكلف ولو رققت الراء من (يرتع) ، لرققت لورش في نحو (يرون) ، فدونك ما فيه الرضى أي ما نقل ترقيقه وارتضاه الأئمة متكفلا بتقديره وإظهاره للطلبة أي خذه والزمه متكفلا به ويجوز أن يكون متكفلا حالا من ما وهو المفعول أي خذ الذي تكفل بالرضى للقراء والمعنى أنهم يرضون هذا المذهب دون غيره وأما نفي أصل القياس في علم القراءة مطلقا فلا سبيل إليه وقد أطلق ذلك أبو عمرو الداني في مواضع وقد سبقت عبارته في (بين المرء) ، بأن القياس إخلاص فتحها وقال في آخر باب الراءات من كتاب الإمالة فهذه أحكام الوقف على الراءات على ما أخذناه عن أهل الأداء وقسناه على الأصول إذ عدمنا النص في أكثر ذلك واستعمل ذلك أيضا في بيان إمالة ورش الألف بين اللفظين في مواضع كثيرة في كتاب الإمالة وغيره
(355)
وَتَرْقِيقُهاَ مَكْسُورَةً عِنْدَ وَصْلِهِمْ وَتَفْخِيمُهاَ في الْوَقْفِ أَجْمَعُ أَشْمُلاَ
يعني إذا كانت الراء مكسورة فكلهم يرققها إذا وقعت وسطا مطلقا نحو (قادرين-و-الصابرين) ، أو أولا نحو (ريح-ورجال) ، وإن وقعت الراء المكسورة آخر كلمة رققت للجميع في الوصل سواء كان الكسر أصلا أو عارضا نحو (من أمر الله-و-أنذر الناس) ، فإن وقفت زالت كسرة الراء الموجبة لترقيقها فتفخم حينئذ وفيه إشكال فإن السكون عارض وقد تقدم في باب الإمالة أن السكون العارض في الوقف لا يمنع الإمالة فيتجه مثل ذلك هنا وقد أشار إليه مكي فقال أكثر هذا الباب إنما هو قياس على الأصول وبعضه أخذ سماعا ولو قال قائل إنني أقف في جميع الباب كما أصل سواء سكنت أو رمت لكان لقوله وجه لأن الوقف عارض والحركة حذفها عارض وفي كثير من أصول القراءات لا يعتدون بالعارض قال فهذا وجه من القياس مستتب والأول أحسن قلت وقد ذكر الحصري الترقيق في قصيدته فقال ، (وما أنت بالترقيق واصله فقف عليه به إذ لست فيه بمضطر) ، ويمكن الفرق بين إمالة الألف وترقيق الراء بأن إمالة الألف أقوى وأقيس وأفشى في اللغة من ترقيق الراء بدليل أن الألف تمال ولا كسر يجاورها كذوات الياء ويمال أيضا نحو (خاف) ، لأن الخاء قد تكسر إذا قيل خفت فاتسع في إمالة الألف كثيرا فجاز أن يمنع الأضعف ما يمنع الأقوى لكن يضعف هذا الفرق نصهم على ترقيق الراء الأولى من (شرر) ، في الوقف فهذا دليل على اعتبار الكسر فيها بعد ذهابه بسكون الوقف قالوا وترقيق الثانية لأجل إمالة الأولى وهذا دليل على عدم اعتبار الكسر فيها وإلا لآثر في نفسها الترقيق ولم يعتبر بإمالة ما قبلها ووجه ذلك أن ترقيق الأولى أشبه إمالة الألف في نحو (النار) ، وكلاهما رقق لكسرة بعده فبقي الترقيق بعد زوال الكسرة في الوقف كما تقدم في الألف وقوله وترقيقها مبتدأ وخبره قوله عند وصلهم وأجمع أشملا خبر قوله وتفخيمها وأشملا تمييز وهو جمع شمل والمعنى هو أجمع أشملا من ترقيقها إشارة إلى كثرة القائلين به وقلة من نبه على جواز الترقيق فيه كما نبه عليه مكي والحصري فإن قلت ما تقول في قوله تعالى (فالفارقات فرقا) ، هل تمنع القاف من ترقيق الراء المكسورة قلت لا لقوة مقتضى الترقيق وهو الكسر في نفس الراء وإنما يمنع حرف الاستعلاء ترقيق غير المكسورة لأن مقتضى ترقيقها في غيرها فضعف فقوى حرف الاستعلاء على منع مقتضاه قال الداني أما الراء المكسورة فلا خلاف في ترقيقها بأي حركة تحرك ما قبلها ولا يجوز غير ذلك والله أعلم
(356)
وَلكِنَّهَا في وَقْفِهِمْ مَعْ غَيْرِهاَ تُرَقِّقُ بَعْدَ الْكَسْرِ أَوْ مَا تَمَيَّلاَ
الضمير في ولكنها للمكسورة أي مع غيرها من الراءات المفتوحة والمضمومة والساكنة ترقق في الوقف إذا كان قبلها أحد أسباب ثلاثة ذكر منها في هذا البيت اثنين الكسر والإمالة والثالث يأتي في البيت الآتي وهو الياء الساكنة فمثال ذلك بعد الكسر (فهل من مدكر-يحلون فيها من أساور-إنما أنت مذكر-فانتصر) ، ومن ذلك ما كان بين الراء وبين الكسر فيه ساكن نحو- الذكر-و-السحر-و-الشعر ، نص عليه الداني في كتاب الإمالة فكأن الشاطبي أراد بعد الكسر المؤثر في مذهب ورش وقد علم ذلك من أول الباب ومثال ذلك بعد الإمالة (عذاب النار) ، في مذهب الدوري وأبي عمرو و(بشرر) ، في مذهب ورش نص عليه الداني وغيره وهو مشكل من وجه أن الراء الأولى إنما أميلت لكسرة الثانية فإذا اعتبرت الكسرة بعد سكون الوقف لأجل إمالة الأولى فلم لا تعتبر لأجل ترقيقها في نفسها ولا يقع هذا المثال إلا في المكسورة وعلى مذهب بعض القراء بخلاف المثال بعد الكسر فإنه وقع في أنواع الراء الأربعة وفي مذهب جميع القراء وسبب الترقيق سكون الراء بعد الكسر أو ما يناسبه وهو الإمالة وقد سبق قوله ولا بد من ترقيقها بعد كسرة وهذا الاستدراك المفهوم من قوله ولكنها لأجل قوله في البيت السابق وتفخيمها في الوقف أجمع أشملا فكأنه استثنى من هذا فقال إلا أن تكون بعد كسر أو حرف تميل ثم ذكر الياء الساكنة فقال
(357)
أَوِ الْيَاء تَأْتِي بِالسُّكُونِ وَرَوْمُهُمْ كَمَا وَصْلِهِمْ فَابْلُ الذَّكَاءَ مُصَقَّلاَ
لا تقع الراء الساكنة بعد الياء الساكنة وإنما تقع بعدها الراء المتحركة بالحركات الثلاث في قراءة جميع القراء نحو (ذلك خير-وما تفعلوا من خير-وافعلوا الخير) ، ولا يستقيم التمثيل بالمنصوب المنون فإن الوقف لا يكون فيه على الراء بل على الألف المبدلة من التنوين فيبقى الترقيق فيه لورش وحده بشرطه هذا كله إذا وقفت على الراء بالسكون فإن وقفت بالروم على ما سيأتي شرحه كان حكم الوقف حكم الوصل لأنه قد نطق ببعض الحركة فترقق المكسورة للجميع وغيرها لورش بشرطه ويفخم الباقي للجميع وما في قوله كما زائدة أي رومهم كوصلهم وفابل بمعنى اختبر ومصقلا نعت مصدر محذوف أي بلاء مصقلا أي مصقولا يشير إلى صحة الاختبار ونقائه مما يكدره ويشوبه من التخاليط فبذلك يتم الغرض في تحرير هذه المسألة لأنها مسائل متعددة عبر عنها بهذه العبارة الوجيزة وبسط هذا أن نقول لا تخلو الياء إما أن تكون مكسورة أو غير مكسورة فإن كانت مكسورة رققت وصلا وروما وفخمت إن وقفت بالسكون إلا في ثلاث صور وهي أن يكون قبلها كسر أو ياء ساكنة فترقق لجميع القراء في هاتين الصورتين الصورة الثالثة أن يكون قبلها إمالة فترقق لأصحاب الإمالة دون غيرهم وإن كانت غير مكسورة فهي مفخمة لجميع القراء وقفا بالسكون إلا أن يكون قبلها أحد الثلاثة فالحكم ما تقدم في الوصل والروم مفخمة لغير ورش مرققة لورش بعد الكسر والياء الساكنة على ما في أول الباب ولا يقع الروم في المنصوبة فاعتبر ذلك وقس عليه ، ثم أشار إلى أن الأصل التفخيم بقوله
(358)
وَفِيماَ عَدَا هذَا الَّذِي قَدْ وَصَفْتُهُ عَلَى الْأَصْلِ بِالتَّفْخِيمِ كُنْ مُتَعَمِّلاَ
أي كن متعملا بالتفخيم على الأصل ومتعملا بمعنى عاملا وفي الصحاح تعمل فلان لكذا وقال غيره سوف أتعمل في حاجتك أي أقضي فيجوز في موضع بالتفخيم بالباء للتفخيم باللام على ما نقله الجوهري والله أعلم