(337)
وَقَدْ فَخَّمُوا التَّنْوِينَ وَقْفاً وَرَقَّقُوا وَتَفْخِيمُهُمْ في النَّصْبِ أَجْمَعُ أَشْمُلاَ
هذا فرع من فروع المسئلة المتقدمة داخل تحت قوله وقبل سكون قف بما في أصولهم وأفردها بالذكر لما فيها من الخلاف والأصح والأقوى أن حكمها حكم ما تقدم تمال لمن مذهبه الإمالة وهو الذي لم يذكر صاحب التيسير غيره وجعل للمنون ولما سبق ذكره حكما واحدا فقال كلما امتنعت الإمالة فيه في حال الوصل من أجل ساكن لقيه تنوين أو غيره نحو (هدى-و-مصفى-و-مصلى-و-مسمى-و-ضحى-و-غزى-و-مولى-و-ربا-و-مفترى-و-الأقصا الذي-و-طغا الماء-و-النصارى المسيح-و-جنا الجنتين) ، وشبهه فالإمالة فيه سائغة في الوقف لعدم ذلك الساكن وذكر مكي في المنون وجهين أحدهما هذا وهو الذي اختاره وقرأه على شيخه أبي الطيب ابن غلبون قال ونص على (مصلى-و-غزى) ، أن الوقف عليهما بالإمالة لحمزة والكسائي وكلاهما في موضع نصب والوجه الثاني الفرق بين المنصوب وغيره فلا يمال المنصوب ويمال المرفوع والمجرور قال الشيخ وقال قوم يفتح ذلك كله فقد صار في المسئلة ثلاثة أوجه وهي مبنية على أن الألف في الوقف على جميع الأسماء المقصورة المنونة هي الأصلية رجعت لما سقط الموجب لحذفها وهو التنوين أو يقال هي مبدلة من التنوين إذا كانت منصوبة المحل وهي الأصلية في الرفع والجر لأنه قد ألف من اللغة الفصيحة التي نزل بها القرآن أن تبدل من التنوين ألفا في جميع الأحوال لأن التنون إنما يبدل ألفا في النصب لانفتاح ما قبله والانفتاح موجود في الأحوال كلها في الأسماء المعتلة المقصورة بخلاف الصحيحة وهذه الأوجه الثلاثة معروفة عند النحويين فإن قلنا الوقف إنما هو على الألف المبدلة في جميع الأحوال أو في حال النصب فلا إمالة لأن ألف التنوين لا حظ لها في الإمالة كما لو وقف على (أمتا-و-همسا-و-علما) ، وقد سبق بيان ذلك فقد صار المنصوب مفخما على قولين وممالا على قول فلهذا قال وتفخيمهم في النصب اجمع أشملا وليس ذلك منه اختيارا لهذا القول وإنما أشار إلى أن الوجهين اتفقا عليه والأجود وجه الإمالة مطلقا والرسم دال عليه والنقل أيضا ومن وجهة المعنى أن الوقف لا تنوين فيه وإنما كانت الألف الأصلية تحذف للتنوين في الوصل فالنطق بالكلمة على أصلها إلى أن يلقاها ما يغيرها وأيضا فإن المبدل من التنوين إنما هو الألف والأصلية أيضاألف فلا حاجة إلى حذف ما هو أصل وجلب ما هو مثله في موضعه فترك اعتقاد الحذف فيه أولى وقول الناظم وقد فخموا التنوين فيه تجوز فإن التنوين لا يوصف بتفخيم ولا إمالة لعدم قبوله لهما فهو على حذف مضاف تقديره ذا التنوين ولا تقول التقدير ألف التنوين لما فيه من الإلباس بألف نحو (أمتا-وهمسا) ، مما لا يمال وسمى في هذا الموضع الفتح تفخيما والإمالة ترقيقا كما سمى ترقيق الراء إمالة على ما سيأتي وأشملا جمع شمل ونصبه على التمييز أي اجتمع شمل الأصحاب على الوجهين فيه بخلاف المرفوع والمجرور فإن كل واحد منهما مفخم على قول واحد وهو أضعف الأقوال وممال على قولين فهما في الترقيق أجمع أشملا لاقي التفخيم ثم مثل ذلك فقال
(338)
مُسَمَّى وَمَوْلًى رَفْعُهُ مَعْ جَرِّهِ وَمَنْصُوبُهُ غُزَّى وَتَتْرًى تَزَيَّلاَ
أي لفظ (مسمى-ومولى) ، وقع كل واحد منهما في القرآن مرفوعا ومجرورا كقوله تعالى (وأجل مسمى عنده)-(إلى أجل مسمى) وقال تعالى (يوم لا يغني مولى عن مولى)-(وأما-غزى-و-تترى) ، فلم يقعا في القرآن إلا منصوبين في قوله تعالى في آل عمران (أو كانوا غزى) ، ونصبه على أنه خبر كان وهو جمع غاز ووزنه فعل مثل كافر وكفر وأما (تترى) ، ففي سورة (قد أفلح) منصوب على الحال وإنما ينفع التمثيل به على قراءة أبي عمرو فهو الذي نونه وأما حمزة والكسائي فلا ينونانه فهو لهما ممال بلا خلاف في الوقف والوصل وكذا ورش يميله بين اللفظين وصلا ووقفا لأنه غير منون في قراءته أيضا فلم يمنع فتح من نون إمالة من لم ينون وهذا مما يقوى ما ذكرناه من ترقيق ورش راء (ذكرى الدار) ، في الوصل فلا يمنع ترك الإمالة لزوال محلها ترقيق الراء لوجود مقتضيه والله أعلم ، وقوله تزيلا أي تميز المذكور وهو التنوين أي ظهرت أنواعه وتميز بعضها من بعض بالأمثلة المذكورة ومنه قوله تعالى (لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما) ، فزيلنا بينهم والهاء في رفعه مع جره ومنصوبه راجعة إلى التنوين أيضا والكل على تقدير ذي التنوين وهو المنون وقال الشيخ تميز المنصوب من غيره بالمثال فإن قلت الألف الممالة في (غزى) ، منقلبة عن واو لأنه من غزا يغزو فكيف تمال قلت هو داخل في قوله وكل ثلاثي يزيد فإنه ممال (ك-زكاها) والله أعلم