(329)
يُوَارِي أُوَارِي فِي العُقُودِ بِخُلْفِهِ ضِعَافًا وَحَرْفَا النَّمْلِ آتِيكَ (قَـ)ـوَّلاَ
العقود هي سورة المائدة يريد قوله تعالى (كيف يواري)-(فأواري سوأة أخي) ، ولم يذكر صاحب التيسير فيهما إمالة وقال في كتاب الإمالة اجتمعت القراءة على إخلاص الفتح فيهما إلا ما حدثنا به عبد العزيز بن جعفر بن محمد هو ابن أبي غسان الفارسي قال حدثنا أبو طاهر بن أبي هاشم قال قرأت على أبي عثمان الضرير عن أبي عمرو عن الكسائي (يواري-فأواري) ، بالإمالة قال وقرأت على أبي بكر بالفتح ولم ترو الإمالة عن غيره قال أبو عمرو وقياس ذلك الموضع الذي في الأعراف وهو قوله (يواري سوءاتكم) ، ولم يذكره ثم ذكر ضعافا من قوله تعالى في النساء (ذرية ضعافا) ، فوجه إمالة ألفها كسرة الضاد ولا اعتبار بالحاجز كما تميل العرب عمادا وفي النمل (أنا آتيك به) ، في موضعين أميلت ألف آتيك لكسرة التاء بعدها واستضعف إمالتها قوم من جهة أن أصلها همزة لأنه مضارع أتى ويمكن منع هذا ويقال هو اسم الفاعل منه كقوله تعالى (وإنهم آتيهم عذاب) ، أي أنا محضره لك فقوله ضعافا مبتدأ وحرفا النمل عطف عليه وآتيك عطف بيان له ووجه الكلام أن يقول آتيك آتيك مرتين وإنما استغنى بأحدهما عن الآخر وقولا خبر المتبدإ وما عطف عليه ونزل حرفي النمل منزلة حرف واحد لأنهما كلمة واحدة تكررت وهي آتيك وكأنه قال ضعافا وآتيك قولا فالألف في قولا للتثنية أي قيلا بالإمالة والقاف رمز خلاد ثم قال
(330)
بِخُلْفٍ (ضَـ)ـمَمْنَاهُ مَشَارِبُ (لا)مِعٌ وَآنِيَةٍ فِي هَلْ أَتَاكَ (لِـ)أَعْدِلاَ
أي الخلف عن خلاد في إمالتها والضاد في ضممناه رمز خلف أمالهما من غير خلاف ثم قال مشارب لامع وهما مبتدأ وخبر أي ظاهر واضح كالشيء اللامع أراد أن هشاما أمال (مشارب) ، في سورة يس لكسرة الراء بعدها وألف (آنية) ، في سورة الغاشية لكسرة النون بعدها وللياء التي بعد الكسرة ووزنها فاعلة وهي قوله تعالى (تسقى من عين آنية) ، أي حارة وأما (آنية) ، التي في سورة هل أتى قوله تعالى (ويطاف عليهم بآنية من فضة) ، فوزنها أفعلة لأنها جمع إناء ولم يمل ألفها أحد ولعل سببه أن ألفها بدل عن همزة فنظر إلى الأصل فلم تمل فقوله في هل أتيك أي في سورة (هل أتاك حديث الغاشية) ، احترازا من التي في (هل أتى على الإنسان) ، واللام في لأعدلا رمز لهشام أي لقارئ زائد العدل أي أماله من هذه صفته والألف للإطلاق والله أعلم
(331)
وَفِي الْكَافِرُونَ عَابِدُونَ وَعَابِدٌ وَخَلَفُهُمْ في النَّاسِ في الْجَرِّ (حُـ)ـصِّلاَ
أي في سورة الكافرون أمال هشام (ولا أنتم عابدون) في موضعين (ولا أنا عابد) ، لكسرة الباء بعد الألف واحترز بذلك من قوله تعالى (ونحن له عابدون) ، ثم قال وخلفهم أي خلف الناقلين من أهل الأداء في إمالة لفظ الناس إذا كان مجرورا نحو (جميع) ، الذي في سورة الناس فروى عن أبي عمرو الوجهان واختار الداني الإمالة في كتاب الإمالة ووجهها كسرة السين بعد الألف وقيل إن ذلك لغة أهل الحجاز قال الشيخ وكان شيخنا يعني الشاطبي رحمه الله يقرئ بالإمالة يعني لأبي عمرو من طريق الدوري وبالفتح من طريق السوسي وهو مسطور في كتب الأئمة كذلك قلت وكذلك أقرأنا شيخنا أبو الحسن ولم يذكر أبو الحسن ابن غلبون غيره ويتجه في هذا البيت من الإشكال ما اتجه فيما مضى في قوله ومع كافرين الكافرين بيائه من أنه يحتمل أن تكون الواو في قوله وفي الكافرون فاصلة وإذا كان كذلك فلم يذكر لقارئها رمزا فيكون حصلا رمزا لها وللناس وتكون الواو في وخلفهم عاطفة ولو قال وفي الكافرون عابدون وعابد له خلفهم في الناس لخلص من ذلك الإيهام ولا يحتاج إلى واو فاصلة في خلفهم لأن هذا من باب قوله سوى أحرف لا ريبة في اتصالها كما قال بعد هذا حمارك والمحراب إلى آخره ولم يأت بواو فاصلة فإن قلت فقد سنح إشكال آخر وهو أنه يحتمل أن يكون بعض ما في البيت الآتي لأبي عمرو إذا لم يأت بواو والباقي من عند الواو لابن ذكوان فمن أين يتمحض الجميع لابن ذكوان قلت من جهة استفتاحه ذلك بقوله حمارك وهو مما قد علم أن أبا عمرو يميله فدل ذلك على أنه إنما ساقه مع ما عطف عليه لغير أبي عمرو فينتظر من يرمز له وليس إلا قوله مثلا والله أعلم
(332)
حِمَارِكَ وَالمِحْرَابِ إِكْرَاهِهِنَّ وَالْحِمَارِ وَفي الإِكْرَامِ عِمْرَانَ مُثِّلاَ
أي أمال ابن ذكوان جميع ما في هذا البيت (حمارك-في البقرة-و-الحمار) ، في الجمعة والمحراب ، وعمران حيث وقعا و-إكراههن-في النور-والإكرام-في موضعين في سورة الرحمن عز وجل ووجهه كسرة أوائل الجميع وما بعد الألف غير عمران والمحراب المنصوب ووافق في حمارك والحمار مذهب أبي عمرو والدوري عن الكسائي في ذلك فإن قلت فماله لم يذكرهما معه عندما ذكر حمارك والحمار كما أعاد ذكر حمزة والكسائي مع من وافقهما في إمالة-رمى-و-نأى-و-إناه ، قلت لأنه نص على الحمار وحمارك في إمالة أبي عمرو والدوري في قوله كأبصارهم والدار ثم الحمار مع حمارك فلم يضره بعد ذلك أن يذكر مذهب ابن ذكوان وحده ومثل ذلك قوله فيما مضى وجاء ابن ذكوان وفي شاء ميلا وإن كان حمزة يقرأ كذلك لأنه قد تقدم ذكره له معينا بخلاف-رمى-و-نأى-و-إناه-فإنه لم يتقدم النص عليها معينة وإنما اندرجت في قاعدة ذوات الياء فلو لم يعد ذكر حمزة والكسائي لظن أن ذلك مستنثى من الأصل المقدم كما تفرد الكسائي بإمالة مواضع من ذلك والله أعلم
(333)
وَكُلٌّ بِخُلْفٍ لاِبْنِ ذَكْوَانَ غَيْرَ مَا يُجَرُّ مِنَ الْمِحْرَابِ فَاعْلَمْ لِتَعْمَلاَ
أي كل هذه الألفاظ الستة في إمالتها لابن ذكوان خلاف إلا المحراب المجرور فلم يختلف عنه إمالته وهو موضعان في آل عمران ومريم فتفردا ابن ذكوان بإمالة هذه الكلم الأربع-المحراب-و-إكراههن-والإكرام-وعمران وباقي القراء على فتحها إلا ورشا فإنه يقرؤها بين اللفظين إلا عمران وهو المعبر عنه بترقيق الراء على ما يأتي في بابه ويتضح لك الفرق بين الإمالة وبين اللفظين بقراءة ورش وابن ذكوان في هذه الكلمات وهو عين ما نبهنا عليه في شرح قوله وذو الراء ورش بين بين وأكثر الناس يجهلون ذلك والله أعلم
(334)
وَلاَ يَمْنَعُ الإِسْكَانُ فِي الْوَقْفِ عَارِضًا إِمَالَةَ مَا لِلكَسْرِ فِي الْوَصْلِ مُيِّلاَ
في الوقف معمول عارضا ولو جعلناه معمول الإسكان لقلت فائدته فإن إسكان الوقف لا يكون إلا عارضا ومعنى البيت كل ألف أميلت في الوصل لأجل كسرة بعدها نحو-النار-و-الناس-فتلك الكسرة تزول في الوقف وتوقف بالسكون فهذا السكون في الوقف لا يمنع إمالة الألف لأنه عارض ولأن الإمالة سبقت الوقف ولم يذكر في التيسير غير هذا الوجه وذهب قوم إلى منع الإمالة لزوال الكسر الموجب لها فإن رمت الحركة فالإمالة لا غير والله أعلم
(335)
وَقَبْلَ سُكُونٍ قِفْ بِمَا فِي أُصُولِهِمْ وَذُو الرَّاءِ فِيهِ الخُلْفُ في الْوَصْلِ (يُـ)ـجُتَلاَ
أي كل ألف قبل ساكن لو لم يكن بعدها ساكن لجازت إمالتها ففي الوصل لا يمكن إمالتها لذهابها فإن وقف عليها كانت على ما تقرر من أصول القراء تمال لمن يميل وتفتح لمن لم يمل وتقرأ بين اللفظين لمن مذهبه ذلك لكن الألف التي قبلها راء اختلف عن السوسي في إمالتها في الوصل ولا يظهر إلا كسر الراء ولم يذكر صاحب التيسير للسوسي إلا الإمالة وابن شريح وغيره من المصنفين لم يذكروا وجه الإمالة أصلا وشرط ما يميله السوسي من هذا الباب أن لا يكون الساكن تنوينا فإن كان تنوينا لم يمل بلا خلف نحو-قرى-و-مفترى-ثم مثل النوعين وهما ذو الراء وما ليس فيه راء والألف ظرف الكلمة فقال
(336)
كَمُوسَى الْهُدى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ والْقُرَى الْتِي مَعَ ذِكْرَى الدَّارِ فَافْهَمْ مُحَصِّلاَ
إذا وقفت على موسى من قوله تعالى (ولقد آتينا موسى الهدى) ، أملت ألف موسى لحمزة والكسائي وجعلتها بين بين لأبي عمرو وورش وفتحت للباقين وكذا في (عيسى ابن مريم) ، فهذا مثال ما ليس فيه راء ومنه (إنا لما طغى الماء) ، نص مكي وغيره على أن الوقف على طغى بالإمالة لحمزة والكسائي ومثال ما فيه الراء (القرى التي باركنا فيها) ، في سبأ (ذكرى الدار) ، في ص فإذا وقفت على القرى وذكرى أملت لأبي عمرو وحمزة والكسائي ولورش بين اللفظين وههنا أمر لم أر أحدا نبه عليه وهو أن (ذكرى الدار) ، وإن امتنعت إمالة ألفها وصلا فلا يمتنع ترقيق رائها في مذهب ورش على أصله لوجود مقتضى ذلك وهو الكسر قبلها ولا يمنع ذلك حجز الساكن بينهما فيتخذ لفظ الترقيق وإمالته بين بين في هذا فكأنه أمال الألف وصلا وما ذكره الشيخ في شرح قوله وحيران بالتفخيم بعض تقبلا من قوله الترقيق في (ذكرى) ، من أجل الياء لا من أجل الكسر أراد بالترقيق الإمالة فهو من أسمائها والله أعلم ، والسوسي في أحد الوجهين يكسر الراء في الوصل ومثله (حتى نرى الله-و-يرى الذين أوتوا العلم) بخلاف قوله -(أو لم ير الذين كفروا) ، لأن ألف يرى قد ذهبت للجازم فإذا وقفت عليها قلت أو لم ير ثم ذكر ما حذفت فيه الألف لأجل التنوين لأنه ساكن فقال