(311)
وَمَا بَعْدَ رَاءٍ (شَـ)ـاعَ (حُـ)ـكْمًا وَحَفْصُهُمْ يُوَالِي بِمَجْرَاهَا وَفي هُودَ أُنْزِلاَ
حكما تمييز أي ما وقع من الألفات بعد راء فقل شاع حكمه في الإمالة وذلك لما ذكرته من مجاورتها للراء قال الكسائي للعرب في كسر الراء رأي ليس لها في غيره وروى عن أبي عمرو أنه قال أدركت أصحاب ابن مجاهد وهم لا يكسرون شيئا من القرآن إلا نحو (وما أدراك-و-أفترى-وترى) ، أي أمال ذلك حمزة والكسائي وأبو عمرو ومثاله (ذكرى-و-اشترى-و-النصارى-و-القمر) ، وتابعهم حفص في إمالة (مجريها) ، في سورة هود ولم يمل غيره وهو وحمزة والكسائي يقرءونها بفتح الميم كما يأتي في السورة وغيرهم بالضم وأما إمالة ألف مرساها فلحمزة والكسائي على أصلهما لأنها عن ياء ولم تجاور راء وقوله يوالي أي يتابع ووجه الكلام وحفص يواليهم فنقل الضمير من يوالي إلى حفص فقال وحفصهم يوالي والكل صواب وجعل في هذا البيت الإمالة لما بعد الراء وهو الألف على ما ذكرنا أن هذا هو الحق في التعبير عن ذلك وإمالة الراء قبل الألف تبع لها وما ذكره في إمالة (تراءا) ، مجاز والله أعلم
(312)
نَأَى (شَـ)ـرْعُ يُـ(مْنٍ) بِاخْتِلاَفٍ وَشُعْبَةٌ في الاِسْرَا وَهُمْ وَالنُّونُ (ضَـ)ـوْءُ (سَـ)ـنًا (تـ)ـلاَ
أي إمالة ألف-نأى-شرع يمن لأنها عن ياء والمشهور عن السوسي الفتح ووافقهم شعبة على إمالتها في سورة الإسراء دون فصلت فلهذا قال وهم أي وهم وشعبة أمالوا التي في سبحان وإنما احتاج إلى قوله وهم لما ذكرناه في قوله رمى صحبة ولم يقل شعبة ثم قال والنون يعني إمالة النون من نأى أمالها خلف والكسائي لأجل إمالة ما بعدها وهو سبب من أسباب الإمالة وأسباب الإمالة التي يذكرها أهل العربية هي انقلاب الألف عن الياء أو عن كسرة أو مجاورتها لواحدة منها أو لإمالة ولم يأت ذلك للقراء في غير هذا الحرف فلم يقرأ (هدى-ولا-رمى-ولا-نهار) ، ولا نحو ذلك في هذه الطرق المشهورة وقوله والنون مبتدأ وضوء سنا خبره أي وإمالة النون ضوء أي ذات ضوء أي لها وجه ظاهر مضيء وأضافه إلى السنا ومعناه الضوء لاختلاف اللفظين نحو ، (كجلمود صخر خطه السيل من عل ) ، وتلا خبر بعد خبر ومعناه تبع أي أميل تبعا لما بعده لا بطريق الأصالة ويجوز نصب ضوء سنا بقوله تلا ويكون تلا وحده خبر المبتدأ والثناء على هذا لإمالة ما بعد النون والله أعلم
(313)
إِنَاهُ (لَـ)ـهُ (شَـ)ـافٍ وَقُلْ أَوْ كِلاَهُمَا (شَـ)ـفَا وَلِكَسْرٍ أَوْ لِيَاءٍ تَميَّلاَ
أي لإمالته دليل شاف وهو أن ألفه منقلبة عن ياء من أنى يأتى بمعنى آن يئين آي حان يحين ومنه قول الشاعر فجمع بين اللغتين ، (ألما يئن لي أن تقضي عمايتي وأعرض عن ليلى بلى قد أناليا) ، وقال الله تعالى (ألم يأن للذين آمنوا) ، وأصل أنا أنى تحركت الياء وانفتح ما قبلها قلبت ألفا فقال أنا الطعام يأنى إناء إذا بلغ حال النضج فمعنى قوله تعالى غير ناظرين إناه أي غير متحينين وقت نضجه وإدراكه فأمال ألف إناه هشام مع حمزة والكسائي وأما كلاهما في سبحان فوجه إمالة ألفه كسرة الكاف إن قلنا إن الألف منقلبة عن واو ولا يضرنا حجز اللام بينهما كما أمالت العرب عماد وإن قلنا ألفه عن ياء فظاهر فلهذا قال ولكسر أولياء تميلا وقياس هذا أن تمال كلتا إذا وقف عليها من قوله (كلتا الجنتين) ، ولأنها على وزن فعلى عند قوم قال الداني في كتاب الإمالة يجوز إمالتها مشبعة وغير مشبعة في مذهب من تقدم وعامة القراء وأهل الأداء على القول الأول يعني عدم الإمالة والله أعلم ، وذكر مكي أيضا فيها الوجهين وإنما احتاج الناظم إلى ذكر الإمالة في كلمة كلاهما خوفا من عدم دخولها في قاعدة ذوات الياء على قولنا إنها من ذوات الواو ولم ترسم بالياء فنص عليها لذلك وإلا فلم يوافق حمزة والكسائي على إمالتها غيرهما ولم يذكر من قوله رمى صحبة إلى هاهنا إلا المواضع التي وافقهما على الإمالة فيها غيرهما مما لو تركه لا ندرج فيما سبق وأما (راء تراءا) ، فلا اندراج لها فيما تقدم فنص عليها لحمزة وحده والله أعلم
(314)
وَذُوا الرَّاءِ وَرْشٌ بَيْنَ بَيْنَ وَفي أَرَاكَهُمْ وَذَوَاتِ الْيَالَهُ الْخُلْفُ جُمِّلاَ
شرع يبين مذهب ورش عن نافع وجميع إمالته في القرآن بين بين إلا الهاء من (طه) ، فإنها إمالة محضة على ما سيأتي في أول سورة يونس وصفة إمالة بين بين أن يكون بين لفظي الفتح والإمالة المحضة كما تقول في همزة بين يبن إنها بين لفظي الهمز وحرف المد فلا هي همزة ولا حرف مد ، فكذا هنا لا هي فتح ولا إمالة وأكثر الناس ممن سمعنا قراءتهم أو بلغنا عنهم يلفظون بها على لفظ الإمالة المحضة ويجعلون الفرق بين المحضة وبين بين رفع الصوت بالمحضة وخفضه بين بين وهذا خطأ ظاهر فلا أثر لرفع الصوت وخفضه في ذلك ما دامت الحقيقة واحدة وإنما الغرض تمييز حقيقة المحضة من حقيقة بين بين وهو ما ذكرناه فلفظ الصوت بين بين يظهر على صورة اللفظ بترقيق الراآت وقد أطلق العلماء على ترقيق الراآت لفظ بين بين فدل على ما ذكرناه وإن كان الأمر في اتضاحه لا يحتاج إلى شاهد ، قال صاحب التيسير اعلم أن ورشا كان يميل فتحة الراء قليلا بين اللفظين ، وقال في باب الإمالة وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين فعبر في البابين بعبارة واحدة فدل على اتحاد الحقيقة فيهما وكذا ذكر في كتاب الإمالة هو وأبو الطيب ابن غلبون قبله ، ومعنى قوله وذو الراء ورش أي يقرؤه ورش بين بين ، ومعنى قولهم بين بين وبين اللفظين واحد ، واللفظان هما الفتح والإمالة أي بين هذا وبين هذا وهو معنى قول مكي هو صوت بين صوتين وحكى ابن مهران عن خلف قال سمعت الفراء النحوي يحيى ابن زياد يقول أفرط عاصم في الفتح وأفرط حمزة في الكسر ، قال وأحب إلى أن تكون القراءة بين ذلك ، قال خلف فقلت له ومن يطيق هذا قال كذلك ينبغي أن تكون القراءة بين الفتح والكسر مثل قراءة أبي عمرو رحمه الله وإنما يترك ذلك من يتركه لما لا يقدر عليه لأنه أمر صعب شديد ، قلت صدق ولصعوبته غلب على ألسنة الناس جعله كالإمالة المحضة وفرقوا بينهما برفع الصوت وخفضه وهو خطأ وأسهل ما يظهر فيه إمالة بين بين الراء فهو في نحو (ذكرى) ، أشد بيانا فافهم ذلك وابن عليه ، وعنى الناظم بقوله وذو الراء ما كانت الألف الممالة المتطرفة فيه بعد الراء نحو (قد نرى-و-القرى) ، وهو الذي وافق أبو عمرو وحمزة والكسائي في إمالته في قوله وما بعد راء شاع حكما ولا يدخل في ذلك ما بعد راء (تراءا الجمعان) ، فإنها ليست بمتطرفة ولكنها واردة على إطلاقه فإنه لم يقيدها بالألف المتطرفة كما لم يقيد ألفات ذوات الياء في أول الباب وأما قوله تعالى (ولو أراكهم كثيرا) ، فعن ورش فيه وجهان الفتح وبين بين والفتح رواية المصريين لبعد الألف عن الطرف لكثرة الحروف المتصلة بها بعدها والوجهان جاريان له في ذوات الياء والصحيح وجه بين بين وعليه الأكثر ، قال في التيسير وهو الذي لا يوجد نص بخلافه عنه وقال في موضع آخر وهو الصحيح الذي يؤخذ به رواية وتلاوة ، وليس يريد الناظم بقوله ذوات الياء تخصيص الحكم بالألفات المنقلبات عن الياء فإن إمالة ورش أعم من ذلك فالأولى حمله على ذلك وعلى المرسوم بالياء مطلقا مما أماله حمزة والكسائي أو تفرد به الكسائي أو الدوري عنه أو زاد مع حمزة والكسائي في إمالته غيرهما نحو (رمى-و-أعمى-و-نأى-و-إناه) ، ودخل في ذلك ما فيه ألف التأنيث من فعلى وفعالى كيف تحركت الفاء وكذلك (ألى-و-متى-و-عسى-و-بلى) ، وكل ثلاثي زائد كـ (أزكى-و-تدعى-وكذا-خطايا-ومزجاة-وتقاة-وحق تقاته-والرءيا-كيف أتت-و-مثواي-و-محياي-و-هداي) ، وقد نص على ذلك كله أبو عمرو الداني في كتاب الإمالة مفرقا في أبوابه وكشفت الأبواب التي فيه ذوات الواو مما جازت إمالته لحمزة والكسائي أو الكسائي وحده فوجدته لم يذكر لورش بين بين في (مشكاة-ولا-مرضاة-ولا-كلاهما-وأما-تلاها-و-دحاها-و- طحاها ، فساقها في باب فعل المعتل اللام نحو (أتي-و-سعى-و-قضى-و-سجى) ، وقال في آخره وقرأ نافع الباب كله على نحو ما تقدم من الاختلاف عنه في ذوات الياء وأقرأني ابن غلبون لورش بفتح جميع ذلك إلا ما وقع منه رأس آية في سورة أواخر آيها على ياء وليس بعد الياء كناية مؤنث فإنه بين اللفظين ، قلت فخرج من مذهب ابن غلبون أن ورشا يميل (سجى) ، في سورة والضحى لأنه رأس آية وليس في آخرها هاء ولا يميل (دحاها)و(تلاها)و(طحاها) ، ويميل الجميع على الرواية الأولى وسنوضح ذلك أيضا في البيت الآتي وأما ما كسر أوله أو ضم من ذوات الواو وهو الذي اتفق حمزة والكسائي على إمالته وهو (ضحاها-و-الضحى-و-الربا-و-القوى) ، ففيه نظر فإن الداني جمع في باب واحد من كتاب الإمالة ذكر الأسماء المقصورة في القرآن سواء انفتح أولها نحو (الهوى-و-فتاها) ، أو انكسر نحو (الربا-والزنا) ، أو انضم نحو (الهدى-والضحى-والقوى) ، وقال في آخره وقرأ نافع جميع ذلك على ما تقدم من الاختلاف عنه في باب فعل ، واقرأني ابن غلبون لورش ما كان من ذلك فيه راء أو وقع رأس آية ولم يتصل بها ضمير مؤنث بين اللفظين وما عدا ذلك بإخلاص الفتح ، قلت فحصل لنا من ظاهر مجموع ذلك أن رءوس الآى مما لا هاء فيه تمال بلا خلاف ، (كالضحى-و-القوى) ، وما فيه الهاء من رءوس الآى كالذي لا هاء فيه من غير رءوس الآى ففيه الوجهان كـ (ضحاها-و-تلاها-وجلاها-و-بناها) ، واستخراج ذلك من كتاب التيسير مشكل فإنه ذكر ذوات الياء ثم قال وقرأ ورش جميع ذلك بين اللفظين إلا ما كان من ذلك في سورة أواخر آيها على هاء فإنه أخلص الفتح فيه على خلاف بين أهل الأداء في ذلك ، هذا ما لم يكن في ذلك راء يعني فإنه يميله بلا خلاف بين بين نحو (ذكراها-كما يميل-ذكرى) ، في غير رءوس الآى وهو داخل في قوله وذو الراء ورش بين بين ثم ذكر صاحب التيسير ما تفرد الكسائي بإمالته وفيه أربع كلمات من ذوات الواو (سجى-و-دحاها-و-تلاها-و-طحاها-وفيه-مرضاة) ، وذكر في الفصل بعينه ما اتفقا عليه من إمالة (الضحى-و-الربا-و-كلاهما) ، ثم قال وقد تقدم مذهب ورش في ذوات الياء وهذه العبارة تحتمل معنيين ، أحدهما أن يريد أنه فعل في هذا الفصل ما فعله في ذوات الياء فيلزم من ذلك أنه يميل (مرضاة-و-كلاهما-كما يميل-الربا-و-الضحى-و-سجى-و-دحاها) ، ولم أره في كتاب الإمالة ذكر لورش إمالة فيهما ، والثاني أن يريد أنه أمال من هذا الفصل ما كان من ذوات الياء كما تقدم فيلزم من ذلك أن لا يميل ذوات الواو في رءوس الآى ولا الربا وقد ذكرنا عبارته من كتاب الإمالة وهي تقتضي إمالة ذلك ثم ذكر صاحب التيسير ما انفرد الدوري بإمالته ثم قال وفتح الباقون ذلك كله إلا قوله عز وجل (رءياك) ، فإن أبا عمرو وورشا يقرآنه بين بين على أصلهما ولم يستثن (مثواي-ولا-محياي-و-هداي) ، وهي ممالة لورش بين بين لأنها من ذوات الياء فأعمل على ما ذكره في كتاب الإمالة فإنه بين فيه مذهب ورش في كل فصل وباب وحرف وأما (الدنيا-و-العليا) ، فممالان إذ أنهما من باب فعلى إلا أنهما من ذوات الواو ولم يرسما بالياء فلا يمكن إدخالهما في قوله وذوات اليا فإنهما ليسا من ذوات الياء أصلا ولا رسما وإنما هما منها إلحاقا فإن ألفهما ألف تأنيث ترجع ياء في التثنية والجمع والله أعلم ، فهذا البيت والذي بعده من مشكلات هذه القصيدة واستخراج مذهب ورش منهما صعب لا سيما إذا أريد ضبط مواضع الوفاق والخلاف وقد تحيلنا في إدخال كثير مما أماله في قوله ذوات اليا باعتبار الأصل والرسم والإلحاق وأما كل ما أماله من ذوات الواو فهو رأس آية سيأتي بيانه وشرحه في البيت الآتي إلا لفظ (الربا) ، فإنه ليس برأس آية وفي إمالته نظر عن ورش على ما دل عليه كلام الداني في كتاب الإمالة ولكنه نص في كتاب إيجاز البيان على أن جميع ما كان من ذوات الواو في الأسماء والأفعال نحو (الصفا-و-الربا-و-عصاي-و-سنا برقه-و-شفا جرف-و-مرضاة الله-و-خلا-و-عفا-و-دعا-و-بدا-و-دنا-و-علا-و-ما زكى) ، فورش يخلص الفتح في جميعه إلا ما وقع آخر آية نحو (الضحى-و-سجى-وكذا-(وأن يحشر الناس ضحى) ، عند الوقف والله أعلم