(242)
وَفي غَيْرِ هذَا بَيْنَ بَيْنَ وَمِثْلُهُ يَقُولُ هِشَامٌ مَا تَطَرَّفَ مُسْهِلاَ
أي ويسمع همزه في غير ما تقدم ذكره بلفظ بين بين وهذا الغير الذي أشار إليه هو ما بقى من أقسام الهمز المتحرك بعد متحرك ومجموعهما تسعة لأن الحركات ثلاث كل واحدة قبلها ثلاث حركات فثلاثة في ثلاثة تسعة ، ذكر في البيت السابق منها قسمين مفتوحة بعد كسر مفتوحة بعد ضم وحكمهما الإبدال كما سبق فبقي لبين بين سبعة أقسام ، مفتوحة بعد مفتوح نحو-سأل-مآرب- ، مكسورة بعد فتح وكسر وضم نحو-بئس-وخاسئين وسئلوا ، مضمومة بعد فتح وكسر وضم نحو (رءوف-فمالئون-برءوسكم) ، وقد عرفت أن معنى قولهم بين بين أن تجعل الهمزة بين لفظها وبين لفظ الحرف الذي منه حركتها أي بين هذا وبين هذا ثم حذفت الواو والمضاف إليه منهما وبنيت الكلمتان على الفتح فهذه أصول مذهب حمزة في تخفيف الهمز على ما اقتضته لغة العرب ، ثم يذكر بعد ذلك فروعا على ما تقدم وقع فيها اختلاف ووجوها أخر من التخفيف غير ما سبق ذكره ، ثم قال ومثله أي ومثل مذهب حمزة مذهب هشام فيما تطرف من الهمز أي كل ما ذكرناه لحمزة في المتطرفة فمثله لهشام ولم يوافقه في المتوسطة لأن المتطرفة أحرى بالتخفيف لأنها آخر لفظ القارئ وموضع استراحته وانقطاع نفسه ويقع في النسخ ومثله بضم اللام ونصبها أجود لأنه نعت مصدر محذوف أي ويقول هشام في تسهيل ما تطرف من الهمز قولا مثل قول حمزة وما في قوله ما تطرف ظرفية كقوله (فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم) ، أي مهما تطرف الهمز فهشام موافق لحمزة في تخفيفه أو تكو ما مفعول يقول لأن يقول هنا بمعنى يقرأ أي يقرأ ما تطرف كقراءة حمزة له ومسهلا حال من هشام أي راكبا للسهل وأجاز الشيخ أن يكون حالا من الهاء في مثله العائدة على حمزة ثم ذكر الناظم فروعا للقواعد المتقدمة فقال
(243)
وَرِءْيَا عَلَى إِظْهَارِهِ وَإِدْغَامِهِ وَبَعْضٌ بِكَسْرِ الْها لِيَاءِ تَحَوَّلاَ
أي-ورءيا-مقروء أو مروي أو مستقر على إظهاره وإدغامه -أو-ورءيا-على إظهاره وإدغامه جماعة أي اختار قوم الإظهار وآخرون الإدغام يريد قوله تعالى في مريم (هم أحسن أثاثا ورءيا) ، وقد روي عن حمزة أنه استثناها فهمزها كما استثناها أبو عمرو فيما تقدم ذكره ثم قياس تخفيف همزها أن يبدل ياء لأنه ساكن بعد كسر فإذا فعل ذلك اجتمع ياءان فروى الإدغام لاجتماع ياءين وروى الإظهار نظرا إلى أصل الياء المدغمة وهو الهمز وكذلك الخلاف في-تؤوى-وتؤويه-لاجتماع واوين فكأن الناظم أراد ورءيا وما كان في معناه وكان يمكنه أن يقول ورءيا وتؤوى أظهرن أدغمن معا ، قال صاحب التيسير اختلف أصحابنا في إدغام الحرف المبدل من الهمز وفي إظهاره في قوله ورئيا وتؤوى وتؤويه فمنهم من يدغم إتباعا للخط ومنهم من يظهر لكون البدل عارضا والوجهان جائزان ثم ذكر أن بعضهم يكسر هاء الضمير المضمومة لأجل ياء قبلها تحولت تلك الياء عن همزة ويكون الضمير في تحولا للياء وذكر ضميره لأن حروف الهجاء كما ذكرنا فيها وجهان التذكير والتأنيث ويجوز أن يكون فاعل تحولا ضمير الهمز أي تحول الهمز إلى تلك الياء ثم مثل ذلك فقال
(244)
كَقَوْلِكَ أَنْبِئْهُمْ وَنَبِّئْهُمْ وَقَدْ رَوَوْا أَنَّهُ بِالخَطِّ كانَ مُسَهَّلاَ
يعني (أنبئهم) في البقرة (ونبئهم)في الحجر والقمر ، قال صاحب التيسير اختلف أهل الأداء في تغيير حركة الهاء مع إبدال الهمز ياء قبلها في قوله أنبئهم ونبئهم فكان بعضهم يرى كسرها من أجل الياء وكان آخرون يبقونها على ضمتها لأن الياء عارضة قال وهما صحيحان يعني الوجهين ووجه قلب الهمزة في هاتين الكلمتين ياء أنها ساكنة بعد كسر فهو قياس تخفيفها فوجه كسر الهاء وجود الياء قبلها فصار نحو فيهم ويهديهم وهو اختيار ابن مجاهد وأبي الطيب بن غلبون وقال ابنه أبو الحسن كلا الوجهين حسن قال ابن مهران سمعت أبا بكر بن مقسم يقول ذهب ابن مجاهد إلى أبي أيوب الضبي فقال له كيف يقف حمزة على قوله تعالى (يا آدم أنبئهم) ، فقال أنبيهم خفف الهمزة وضم الهاء فقال له ابن مجاهد أخطأت وذكر تمام الحكاية ، ووجه ضم الهاء أن الياء عارضة لأن الهمزة لم تترك أصلا وإنما خففت وهي مرادة وهو اختيار مكي وابن مهران وهو الأشبه بمذهب حمزة ألا تراه ضم هاء-عليهم -وإليهم-و-لديهم-لأن الياء قبلها مبدلة من ألف وهاتان المسألتان (رءيا-وأنبئهم) ، فرعان لقوله فأبدله عنه حرف مد مسكنا ثم ذكر قاعدة أخرى مستقلة فقال وقد رووا أنه بالخط كان مسهلا أي أن حمزة كان يعتبر تسهيل الهمز بخط المصحف الكريم على ما كتب في زمن الصحابة رضي الله عنهم وذلك يعرف من مصنفات موضوعة له ، روى سليم عن حمزة أنه كان يتبع في الوقف على الهمز خط المصحف الكريم ، قال صاحب التيسير واعلم أن جميع ما يسهله حمزة فإنما يراعى فيه خط المصحف الكريم دون القياس ، قلت وضابط ذلك أن ينظر في القواعد المتقدم ذكرها فكل موضع أمكن إجراؤها فيه من غير مخالفة للرسم لم يتعد إلى غيره نحو جعل (بارئكم) ، بين الهمزة والياء وإبدال همز-أبرئ ياء وهمز-ملجأ-ألفا وإن لزم فيها مخالفة الرسم فسهل على موافقة الرسم فاجعل(تفتؤا) ، بين الهمزة والواو (من نبأ) ، بين الهمزة والياء ولا تبدلهما ألفا وكان القياس على ما مضى ذلك لأنهما يسكنان للوقف وقبلهما فتح فيبدلان ألفا وهذا الوجه يأتي تحقيقه في قوله فالبعض بالروم سهلا ومثله في المتوسطة (أنبئكم) ، تجعل من بين الهمزة والياء أو تبدل ياء على خلاف يأتي وحكى ابن مهران خلافا في نحو (تائبات-سائحات) ، بين بين وإبدال الياء المحضة وكذا في نحو (رؤوف-تؤزهم) ، بين بين وإبدال الواو المحضة اتباعا للرسم ، قال غيره وقد تأتي مواضع يتعذر فيها اتباع الرسم فيرجع فيها إلى الأصول المتقدمة وما روي عن حمزة رحمه الله تعالى يحمل على ما يسوغ فيه ذلك والله أعلم
(245)
فَفِي الْيَا يَلِي والْوَاوِ وَالحَذْفِ رَسْمَهُ وَالاَخْفَشُ بَعْدَ الْكَسْرِ والضَّمِّ أَبْدَلاَ
بين بهذا مذهبه في اتباع الخط عند التسهيل ومعنى بلى يتبع ورسمه مفعول به أي يتبع رسم الخط في الياء والواو والحذف أي أن الهمز تارة تكتب صورته ياء وتارة واوا وتارة يحذف أي لا تكتب له صورة ، وإنما ذكر هذه الأقسام الثلاثة ولم يذكر الألف وإن كانت الهمزة تصور بها كثيرا لأن تخفيف كل همزة صورت ألفا على القواعد المتقدمة لا يلزم منه مخالفة الرسم لأنها إما أن تجعل بين بين نحو (سأل) ، أي بين الهمزة والألف أو تبدل ألفا في نحو (ملجأ) ، فهو موافق للرسم وإنما تجيء المخالفة في رسمها بالياء والواو وفي عدم رسمها وقد بينا المخالفة في الياء والواو في كلمتي (تفتؤا-ومن نبأ) ، وقد رسم الهمز في كلمة واحدة رسمين مرة ألفا ومرة واوا نحو (الملأ) ، رسم بالألف إلا في أربعة مواضع ثلاثة في النمل وواحد في أول المؤمنون فسهل في كل موضع باعتبار رسمه وأما الحذف ففي كل همزة بعدها واو جمع نحو (فمالئون-يطئون-مستهزءون) ، فكل هذا لو خفف همزه باعتبار ما تقدم من القواعد لجعل الجميع بين بين باعتبار حركته في نفسه فإذا أريد تخفيفه باعتبار خط المصحف حذف الهمز حذفا حتى أنهم نصوا أنه يقول في-الموءودة المودة بوزن الموزة وفي نحو(برءاء) ، كتبت الأولى بالواو والثانية بالألف فلزم من اتباع الرسم أن تبدل الأولى واوا مفتوحة إذ لم يمكن تسهيلها بين الهمزة والواو لأن الهمزة مفتوحة وإنما تسهل على قياس ما تقدم بين الهمزة والألف والثانية تبدل ألفا على القاعدتين معا وهما اتباع الرسم والقياس لأنها سكنت للوقف وقبلها فتحة فأبدلت ألفا واتفق أن كان الرسم كذلك فلا وجه غيره وعلى اتباع الخط تكون الهمزة في (تراءى الجمعان)وفي(رءا القمر) ، متطرفة فلها حكم المتطرفة لأنه لم يرسم بعد الهمز فيهما شيء بل كتبا على لفظ الوصل ، ثم بين الناظم رحمه الله تعالى مذهب الأخفش النحوي وهو أبو الحسن سعيد بن مسعدة وهو الذي يأتي ذكره في سورة الأنعام وغير الذي ذكره في سورة النحل ، ووجه اتصاله بما تقدم من وجهين ، أحدهما أنه ذكره استئناسا لمذهب حمزة في إبدال الهمزة المتحرك المتحرك ما قبله حرف مد إتباعا للخط حيث يلزم من تسهيله على القياس المقدم مخالفة الرسم فذكر أن من أئمة العربية الأكابر من رأى بعض ذلك في هذا الموضع بشرطه ، وقد ذكره صاحب التيسير فقال نحو (أنبئكم)-(وسنقرئك) ، يبدلها ياء مضمومة اتباعا لمذهب حمزة في اتباع الخط عند الوقف على الهمز وهو قول الأخفش أعني التسهيل في ذلك بالبدل ، الوجه الثاني أن يكون في المعنى متصلا بقوله وفي غير هذا بين بين كأنه قال إلا في موضعين فإن الأخفش أبدل فيهما فتصير مواضع الإبدال على قوله أربعة من تسعة هذا نوعان ونوعان وافق فيهما سيبويه وهما المذكوران في قوله ويسمع بعد الكسر والضم وقوله ذا الضم مفعول أبدلا أي أبدل الهمز المضموم بعد الكسر بياء وتمم بيان مذهب الأخفش فقال
(246)
بِيَاءِ وَعَنْهُ الْوَاوُ في عَكْسِهِ وَمَنْ حَكَى فِيهِمَا كَالْيَا وَكَالْوَاوِ أَعْضَلاَ
أي وعن الأخفش إبدال الواو في عكس ذلك وهو أن تكون الهمزة مكسورة بعد ضم نحو-سئل-والأول نحو (تنبئهم بما) ، فأبدل المضمومة ياء والمكسورة واوا أبدلهما حرفين من جنس حركة ما قبلها فتارة يوافق مذهبه الرسم في نحو (تنبئهم) ، ومذهب سيبويه ما تقدم وهو جعل كل واحدة منها بين بين قال من قرر مذهب الأخفش لو جعلت هنا بين بين لقربت من الساكن فيؤدي إلى واو ساكنة قبلها كسرة وياء ساكنة قبلها ضمة ولا مثل لذلك في العربية كما أن المفتوحة بعد كسر أبدلت ياء وبعد ضم واوا كذلك ، وأجيب بأنه يلزمه أيضا في مذهبه أن تكون ياء مضمومة بعد كسرة وواو مكسورة بعد ضمة وذلك مطرح الاستعمال حقيقة وما اختاره سيبويه يشبه ما اطرح استعماله فما ذكره أفظع وأما إلزامه المفتوحة فلأن إبدالها لا يؤدي إلى ما اطرح استعماله بخلاف ما ذكره ، ثم قال ومن حكى فيهما أي في المضمومة بعد كسر والمكسورة بعد ضم أن تجعل المضمومة كالياء والمكسورة كالواو أي تسهل كل واحدة منها بينها وبين حرف من جنس حركة ما قبلها لا من جنس حركتها ليسلم من الاعتراضين الواردين على مذهب سيبويه والأخفش فمن حكى ذلك أعضل قال الشيخ أي أتى بعضلة وهي الأمر الشاق لأنه جعل همزة بين بين مخففة بينها وبين الحرف الذي منه حركة ما قبلها ، قلت وهذا الوجه مذكور في كتاب الكشف لأبي محمد مكي بن أبي طالب وغيره عن الأخفش ويقوى في مواضع توافق خط المصحف الكريم كالوقف على (لؤلؤ) ، المخفوض بروم الحركة لأنه يجعلها بين الهمزة والواو وذلك موافق للخط وعلى رأي سيبويه تصير بين الهمزة والياء فتخالف الخط فيوقفه بلا روم ليجد قبلها واوا فيوافق الرسم نص عليه مكي وقد تقدم مثل هذين الوجهين المحكيين عن الأخفش في مذهب الفراء في نحو (يشاء إلى) ، أكثرهم أبدل الثانية واوا وبعضهم جعلها بين الهمزة المكسورة والواو وقد غلط بعض الجهال لسوء فهمه فظن أن من سهل الهمزة بينها وبين الحرف الذي من جنس حركة ما قبلها قدر أن الحركة تكون على الهمزة من جنس حركة الحرف قبلها ففي (تنبئهم)-(ويستهزءون) ، تسهل بين الهمزة المكسورة والياء الساكنة وفي نحو (سئل-و-يشاء إلى) ، تسهل بين الهمزة المضمومة والواو الساكنة وهذا جهل مفرط وغلط بين ولولا أني سمعته من قائله لما صدقت أن أحدا يقوله فإن الهمزة محركة والحاجة داعية إلى تسهيلها وذلك ممكن مع بقائها على حركتها فأي حاجة إلى تغير حركتها ونختل في وزنها ولفظها وإنما لما احتيج إلى الحرف الذي يسهل إليه قال أهل المذهب الصحيح يكون الحرف من جنس حركتها فهو أقرب إليها وقال قوم يجعل الحرف من جنس حركة ما قبلها كما لو كانت الهمزة ساكنة والفرق أن الساكنة لما لم تكن لها حركة اضطررنا إلى إبدالها حرفا من جنس حركة ما قبلها إذ لم يكن اعتبارها بنفسها وفيما ذكرناه لها حركة فاعتبارها بها أولى وهذا واضح لمن تأمله والله أعلم ، ويقال قد أعضل الأمر أي اشتد وغلظ واستغلق وأمر معضل لا يهتدي لوجهه والله أعلم