باب نقل حركة الهمز إلى الساكن قبلها
(226)
وَحَرِّكْ لِوَرْشٍ كُلَّ سَاكِنِ آخِرٍ صَحِيحٍ بِشَكْلِ الْهَمْزِ واحْذِفْهُ مُسْهِلاَ
وصف الساكن بوصفين أحدهما أن يكون آخر الكلمة والهمز أول الكلمة التي بعدها لأن الأطراف أنسب للتغيير من غيرها والثاني أن يكون الساكن الآخر صحيحا أي ليس بحرف مد ولين نحو (في أنفسهم) و(قالوا آمنا) ، لأن حرف المد لما فيه من المد بمنزلة المتحرك فلم ينقل إليه كما لم ينقل إلى المتحرك ويدخل في هذا ميم الجمع قبل الهمز لأن ورشا يصلها بواو فلا ينقل حركة ذلك الهمز في نحو ، (ومنهمو أميون) ، لأن قبله حرف مد ولين وهو الواو التي هي صلة الميم فإن كان قبل الهمزة ياء أو واو ليسا بحرفي مد ولين وذلك بأن ينفتح ما قبلهما فإنه ينقل حركة الهمزة إليهما نحو (ابني آدم)-(ذواتي أكل)-(خلو إلى)-(تعالوا أتل)-(ولو أنهم) ، ودخل في الضابط أنه ينقل حركة الهمزة في-أحسب الناس-إلى الميم من ألف لام ميم في أول العنكبوت وينقل إلى تاء التأنيث نحو (قالت أولاهم) ، وإلى التنوين نحو(كفؤا أحد) وإلى لام التعريف نحو-الأرض والآخرة-لأنها منفصلة مما بعدها فهي وهمزتها كلمة مستقلة نحو قد وهل حرف دخل لمعنى فكانت لذلك آخر كلمة وإن اتصلت خطا والتنوين معدود حرفا لأنه نون لفظا وإن لم تثبت له صورة في الخط وقد نص في التيسير على النقل إلى جميع ما ذكرناه من الأمثلة وليس هذان الشرطان بلازمين في اللغة فالنقل جائز في وسط الكلمة كما يجوز في آخرها وهذا سيأتي في مذهب حمزة في الوقف ويجوز النقل إلى حرف المد غير الألف مثل قاضو أبيك وابتغى أمره نص الزمخشري عليهما في المفصل وفي كتاب سيبويه من ذلك أمثلة كثيرة ولو كانت الألف تقبل الحركة لجاز النقل إليها وقيل لانتقل إلى الواو والياء حركة همزة مضمومة ولا مكسورة لثقل ذلك والغرض من النقل تخفيف اللفظ بتسهيل الهمز والنقل في ذلك أثقل من عدم النقل فترك الهمز بحاله وقد استعمل الناظم هنا قوله ساكن صحيح باعتبار أنه ليس بحرف مد ولين ولم يرد أنه ليس بحرف علة بدليل أنه ينقل بعد حرف اللين في نحو ابني آدم-وخلوا إلى-كما تقدم وهذا بخلاف استعماله في باب المد والقصر حيث قال أو بعد ساكن صحيح فإنه احترز بذلك عن حرف العلة مطلقا بدليل أنه لا يمد واو-الموؤودة-بعد الهمزة وقد تقدم بيان ذلك ، وقوله بشكل الهمز أي حرك ذلك الساكن الآخر بحركة الهمز الذي بعده أي حركة كانت ، قوله واحذفه يعني الهمز بعد نقل حركته لأن بقاءه ساكنا أثقل منه متحركا وربما يكون بعده ساكن في مثل-قد أفلح-فيؤدي إلى الجمع بين الساكنين ومسهلا حال أي راكبا للطريق الأسهل
(227)
وَعَنْ حَمْزَةَ في الْوَقْفِ خُلْفٌ وَعِنْدَهُ رَوَى خَلَفٌ في الْوَقْفِ سَكْتًا مُقَلَّلاَ
يعني حكى عن حمزة في الوقف على الكلمة التي نقل همزها لورش مثل قراءة ورش ومثل قراءة الجماعة وهذا مطرد فيما نقل إليه ورش وفيما لم ينقل إليه ولكنه داخل في الضابط المذكور في البيت الأول نحو (يؤده إليك) ، فإن ورشا وصل الهاء بياء وفي ميم الجمع وجوه ستأتي ولم يذكر صاحب التيسير النقل لحمزة في هذا كله وذكره جماعة غيره وسيأتي له في بابه أنه يخففه الهمز إذا كان وسطا أو آخرا وهذا الباب الهمز أولا وسيأتي له في بابه خلاف في الهمز المتوسط بسبب دخول حروف زوائد عليه هل يخفيه أولا ثم ذكر صاحب التيسير من هذا نحو -الأرض-والآخرة-دون-قد أفلح وشبهه ، فإن قلنا لا يخفف ذاك فهذا أولى لأن هذا مبتدأ حقيقة وذاك مبتدأ تقديرا ، وإن قلنا يخفف ذلك ففي هذا وجهان ، ثم لا ينبغي أن يختص الخلاف بالهمزة المنقولة إلى الساكن قبلها بل يعطى لجميع الهمزات المبتدآت حكم المتوسط فيما يستحقه من وجوه التخفيف فإن كانت المبتدأة ساكنة وذلك لا يتصور إلا فيما دخل عليها همزة وصل وحذفت لاتصال الكلمة التي قبلها بها نحو (يا صالح ائتنا) ، فإذا وقف عليها أبدلها واوا وفي-لقاءنا ائت-يبدلها ألفا وفي (الذي أؤتمن) ، يبدلها ياء وصاحب التيسير ذكر ما كان من هذا القبيل في الهمز المتوسط فقال تفرد حمزة بتسهيل الهمزة المتوسطة نحو (المؤمنون-و-يأكلون-والذئب) ، قال وكذلك (الذي أؤتمن) و(لقاءنا ائت) و(فرعون ائتوني) وشبهه ، قلت ووجهه أن دخول همزة الوصل قبلها في الابتداء صيرها متوسطة فإذا أبدل هذا الهمز حرف مد وكان قبله من جنسه وكان يحذف لأجل سكون الهمزة اتجه وجهان ، أحدهما عود الحرف المحذوف لزوال ما اقتضى حذفه وهو الهمزة الساكنة فإن الجمع بين حرفي مد من جنس واحد ممكن بتطويل المد ، والوجه الثاني حذفه لوجود الساكن وهذان الوجهان هما المذكوران في باب وقف حمزة وهشام على الهمز في قوله ، (ويبدله مهما تطرف مثله ويقصر أو يمضي على المد أطولا) ، وينبني على الوجهين جواز الإمالة في قوله تعالى (الهدى ائتنا) ، لحمزة ولورش أيضا فإن أثبتنا الألف الأصلية أملنا وإن حذفناها فلا ويلزم من الإمالة إمالة الألف المبدلة فالاختيار المنع والله أعلم ، وإن كانت همزة الابتداء متحركة وقبلها متحرك جعلت بين بين مطلقا نحو (قال إبراهيم)-(إن أبانا)-(وجد عليه أمة) ، إلا أن تقع مفتوحة بعد كسر أو ضم فتبدل ياء أو واوا نحو (فيه آيات بينات)-(منه آيات محكمات) ، وإن كانت متحركة وقبلها ساكن صحيح أو حرف لين نقل الحركة إليه على ما يتبين في مذهب ورش وإن كان حرف مد ولين امتنع النقل في الألف فتجعل الهمزة بين بين كما يفعل في المتوسطة وعلى قياس مذاهب القراء في الواو والياء يجوز قلب الهمزة والإدغام ويجوز النقل إلى الأصليتين نحو (يدعو إلى)-(تزدري أعينكم) ، والزائدتان هما نحو (قالوا آمنا)-(نفسي إن النفس) ، ويجوز النقل إليهما لغة وأما إذا كان الساكن قبل الهمزة ميم الجمع نحو (عليكم أنفسكم) ، فقال الشيخ في شرحه لا خلاف في تحقيق مثل هذا في الوقف عندنا قلت قد ذكر أبو بكر بن مهران في كتاب له قصره على معرفة مذهب حمزة في الهمز فيه مذاهب أحدها وهو الأحسن نقل حركة الهمزة إليها مطلقا فتضم تارة وتفتح تارة وتكسر تارة نحو (ومنهم أميون)-(عليهم استغفرت)-(ذلكم إصرى) ، الثاني تضم مطلقا وإن كانت الهمزة مفتوحة أو مكسورة حذرا من تحرك الميم بغير حركتها الأصلية الثالث تنقل في الضم والكسر دون الفتح لئلا يشبه لفظ التثنية فإن كانت الهمزة قبلها همزة وهما متفقتان أو مختلفتان سهل الثانية بما تقتضيه لأنها في الكلمة الموقوف عليها ، وفي نحو (ءأندرتهم) ، تنقل الأولى وتسهل الثانية ويكون تخفيف الثانية مخرجا على الخلاف فيما هو متوسط بزائد دخل عليه لأن همزة الاستفهام زائدة على كلمة أنذر فإن تحققت هذه القواعد انبنى عليها مسألة حسنة وهي قوله تعالى (قل أؤنبئكم) ، فيها ثلاث همزات فنص ابن مهران فيها على ثلاثة أوجه أحدها أنه يخفف الثلاثة الأولى تنقل حركتها إلى لام قل والثانية والثالثة تجعلان بين الهمزة والواو لأنهما مضمومتان بعد متحرك أما تسهيل الثالثة فلا خلاف فيه لأنها همزة متوسطة أو متطرفة إن لم يعتد بالضمير وفي ذلك بحث سيأتي في موضعه وفي كيفية تخفيفها وجوه ستأتي وأما الثانية فهي متوسطة بسبب الزائد ففي تخفيفها خلاف وأما الأولى فمبتدأه ففي نقل حركتها الخلاف المذكور في هذا الباب ، الوجه الثاني تخفيف الثالثة فقط وذلك رأي من لا يرى تخفيف المبتدأة ولا يعتد بالزائد ، الوجه الثالث تخفيف الأخيرتين فقط إعتدادا بالزائد وإعراضا عن المبتدأة وكان يحتمل وجها رابعا وهو أن يخفف الأولى والأخيرة دون الثانية لولا أن من خفف الأولى يلزمه تخفيف الثانية بطريق الأولى لأنها متوسطة صورة فهي أحرى بذاك من المبتدأة فهذا الكلام كله جره قوله وعن حمزة في الوقف خلف فاحتجنا إلى استيعاب الكلام في وقفه على كل همزة مبتدأة وفهمت كل ما ذكرته من كلام الأئمة مفرق في كتبهم حتى قال ابن مهران بتركها ، وإن كانت في أول الكلمة قال وعلى هذا يدل كلام المتقدمين وبه كان يأخذ أبو بكر ابن مقسم ويقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها إلا إذا ابتدأ بها فإنه لا بد له منها ولا يجد السبيل إلى تركها وقال مكي ذكر ابن مجاهد أنه يسهل لحمزة في الوقف ما كان من كلمتين نحو (يعلم أعمالكم) ، قال يلحقها بواو ونحو (ألا يظن أولئك) ، قال يجعلها بين الهمزة والواو أجرى الباب كله على أصل واحد
(228)
وَيَسْكُتُ في شَيْءٍ وَشَيْئًا وَبَعْضُهُمْ لَدَى الَّلامِ لِلتَّعْرِيفِ عَنْ حَمْزَةٍ تَلاَ
أي وسكت خلف أيضا على الساكن قبل الهمزة في هاتين الكلمتين وهو الياء وهما كلمة واحدة وإنما غاير بينهما باعتبار لفظ النصب وغيره لاختلاف ذلك في خط المصحف فالمنصوب بألف دون المرفوع والمجرور وهذه عبارة المصنفين من القراء فسلك سبيلهم في ذلك وإنما فعلوا ذلك مبالغة في البيان لئلا يتوهم من الاقتصار على لفظ أحدهما عدم جريان الحكم في الآخر ومثله قوله وجزأ وجزء ضم الإسكان صف ، فإن قلت لِم لم يفعل ذلك في-صراط-و-بيوت-مع أنهما في القرآن بلفظ النصب وغيره نحو (ويهديك صراطا مستقيما)-(فإذا دخلتم بيوتا) ، قلت كأنه لما ضبط ذلك لخلوه عن لام التعريف استغنى عنه وإنما احتاج إلى ذكر شيء وشيئا لأنهما لا يدخلان في الضابط السابق لورش لأن ورشا لا ينقل فيهما الحركة لأن ساكنهما ليس بآخر كلمته فحاصله أن خلفا يسكت بين الكلمتين ولم يسكت في كلمة واحدة إلا في هاتين اللفظتين ، وحكى صاحب التيسير هذا السكت عن حمزة في الكلمة الواحدة مطلقا نحو (قرآن)-(ولا يسأم الإنسان) ، كما في شيء وهو متجه لأن المعنى الذي لأجله فعل السكت موجود في الجميع والذي قرأه الداني على أبي الفتح لخلف هو ما ذكره الناظم وكان لا يرى لخلاد سكتا في موضع ما وقرأ الداني على طاهر بن غلبون بالسكت لخلف وخلاد جميعا على لام التعريف وشيء وشيئا فقط وهو المراد بقوله وبعضهم أي وبعض أهل الأداء تلا بالسكوت لحمزة عند لام التعريف كالأرض والآخرة وعنه سكوت شيء وشيئا وتمم ذلك بقوله
(229)
وَشَيْءٍ وَشَيْئًا لَمْ يَزِدْ وَلِنَافِعٍ لَدَى يُونُسٍ آلانَ بِالنَّقْلِ نُقِّلاَ
أي لم يزد بعضهم على ذلك شيئا بل اقتصر على السكت وقال الشيخ المراد لم يزد المذكور فقد صار لخلف وجهان أحدهما السكوت عند كل ساكن بالشرط المقدم وفي شيء وشيئا والثاني يختص السكت بلام المعرفة وشيء وشيئا فسكوته على لام التعريف وشيء وشيئا بلا خلاف عن خلف لأن الطريقتين اجتمعتا عليه وفي غير ذلك له خلاف وصار لخلاد وجهان أحدهما السكوت على لام التعريف وشيء وشيئا فقط والوجه الثاني لخلف والآخر لا سكوت لخلاد في موضع أصلا وهذا الموضع من مشكلات القصيدة فافهمه فإن وقفت لحمزة على الكلمة من ذلك فإن كانت لفظ شيء وشيئا وقفت بتخفيف الهمزة وله وجهان على ما يأتي وإن كانت غيره نحو-قد أفلح-والأرض فإن قلنا إن حمزة ينقل الحركة في الوقف نقلت لأن تخفيف الهمزة في الوقف هو مذهبه فيقدم على غيره كما قلنا في وقفه على شيء وشيئا وإن قلنا لا ينقل وقفت لخلف بالسكت في-الأرض-وبالسكت وعدمه في-قد أفلح-ووقفت لخلاد بعدم السكت في-قد أفلح-وبالسكت وعدمه في-الأرض-فلهما ثلاثة أوجه لخلف ولخلاد وجهان ، النقل وعدمه وفي نحو-الأرض-بالعكس لخلاد ثلاثة أوجه ولخلف وجهان النقل والسكوت وهذا من عجيب ما اتفق وأما ميم الجمع فإن قلنا يجوز النقل إليها فهي مثل-قد أفلح-وإلا ففيها لخلف وجهان السكوت وعدمه وصلا ووقفا وخلاد كغيره وصلا ووقفاه
(230)
وَقُلْ عَادًا الاُوْلَى بِإِسْكَانِ لامِهِ وَتَنْوِينِهِ بِالْكَسْرِ (كَـ)ـاسِيهِ (ظَ)ـلّلاَ
يعني إسكان لام التعريف وكسر التنوين الذي في عادا لالتقاء الساكنين هو واللام وهذه القراءة جاءت على الأصل كما تقول رأيت زيدا الطويل فلهذا أثنى عليها بقوله كاسيه ظللا أي حجتها قوية بخلاف قراءة الباقين ففيها كلام وكنى بكاسيه عن قارئه لأنه كساه تنوينا فظلله بذلك أي ستره عن اعتراض معترض تعرض للقراءة الأخرى وإن كان لا يؤثر اعتراضه والحمد لله ، وهذا الحرف في سورة النجم وأنه أهلك عادا الأولى
(226)
وَحَرِّكْ لِوَرْشٍ كُلَّ سَاكِنِ آخِرٍ صَحِيحٍ بِشَكْلِ الْهَمْزِ واحْذِفْهُ مُسْهِلاَ
وصف الساكن بوصفين أحدهما أن يكون آخر الكلمة والهمز أول الكلمة التي بعدها لأن الأطراف أنسب للتغيير من غيرها والثاني أن يكون الساكن الآخر صحيحا أي ليس بحرف مد ولين نحو (في أنفسهم) و(قالوا آمنا) ، لأن حرف المد لما فيه من المد بمنزلة المتحرك فلم ينقل إليه كما لم ينقل إلى المتحرك ويدخل في هذا ميم الجمع قبل الهمز لأن ورشا يصلها بواو فلا ينقل حركة ذلك الهمز في نحو ، (ومنهمو أميون) ، لأن قبله حرف مد ولين وهو الواو التي هي صلة الميم فإن كان قبل الهمزة ياء أو واو ليسا بحرفي مد ولين وذلك بأن ينفتح ما قبلهما فإنه ينقل حركة الهمزة إليهما نحو (ابني آدم)-(ذواتي أكل)-(خلو إلى)-(تعالوا أتل)-(ولو أنهم) ، ودخل في الضابط أنه ينقل حركة الهمزة في-أحسب الناس-إلى الميم من ألف لام ميم في أول العنكبوت وينقل إلى تاء التأنيث نحو (قالت أولاهم) ، وإلى التنوين نحو(كفؤا أحد) وإلى لام التعريف نحو-الأرض والآخرة-لأنها منفصلة مما بعدها فهي وهمزتها كلمة مستقلة نحو قد وهل حرف دخل لمعنى فكانت لذلك آخر كلمة وإن اتصلت خطا والتنوين معدود حرفا لأنه نون لفظا وإن لم تثبت له صورة في الخط وقد نص في التيسير على النقل إلى جميع ما ذكرناه من الأمثلة وليس هذان الشرطان بلازمين في اللغة فالنقل جائز في وسط الكلمة كما يجوز في آخرها وهذا سيأتي في مذهب حمزة في الوقف ويجوز النقل إلى حرف المد غير الألف مثل قاضو أبيك وابتغى أمره نص الزمخشري عليهما في المفصل وفي كتاب سيبويه من ذلك أمثلة كثيرة ولو كانت الألف تقبل الحركة لجاز النقل إليها وقيل لانتقل إلى الواو والياء حركة همزة مضمومة ولا مكسورة لثقل ذلك والغرض من النقل تخفيف اللفظ بتسهيل الهمز والنقل في ذلك أثقل من عدم النقل فترك الهمز بحاله وقد استعمل الناظم هنا قوله ساكن صحيح باعتبار أنه ليس بحرف مد ولين ولم يرد أنه ليس بحرف علة بدليل أنه ينقل بعد حرف اللين في نحو ابني آدم-وخلوا إلى-كما تقدم وهذا بخلاف استعماله في باب المد والقصر حيث قال أو بعد ساكن صحيح فإنه احترز بذلك عن حرف العلة مطلقا بدليل أنه لا يمد واو-الموؤودة-بعد الهمزة وقد تقدم بيان ذلك ، وقوله بشكل الهمز أي حرك ذلك الساكن الآخر بحركة الهمز الذي بعده أي حركة كانت ، قوله واحذفه يعني الهمز بعد نقل حركته لأن بقاءه ساكنا أثقل منه متحركا وربما يكون بعده ساكن في مثل-قد أفلح-فيؤدي إلى الجمع بين الساكنين ومسهلا حال أي راكبا للطريق الأسهل
(227)
وَعَنْ حَمْزَةَ في الْوَقْفِ خُلْفٌ وَعِنْدَهُ رَوَى خَلَفٌ في الْوَقْفِ سَكْتًا مُقَلَّلاَ
يعني حكى عن حمزة في الوقف على الكلمة التي نقل همزها لورش مثل قراءة ورش ومثل قراءة الجماعة وهذا مطرد فيما نقل إليه ورش وفيما لم ينقل إليه ولكنه داخل في الضابط المذكور في البيت الأول نحو (يؤده إليك) ، فإن ورشا وصل الهاء بياء وفي ميم الجمع وجوه ستأتي ولم يذكر صاحب التيسير النقل لحمزة في هذا كله وذكره جماعة غيره وسيأتي له في بابه أنه يخففه الهمز إذا كان وسطا أو آخرا وهذا الباب الهمز أولا وسيأتي له في بابه خلاف في الهمز المتوسط بسبب دخول حروف زوائد عليه هل يخفيه أولا ثم ذكر صاحب التيسير من هذا نحو -الأرض-والآخرة-دون-قد أفلح وشبهه ، فإن قلنا لا يخفف ذاك فهذا أولى لأن هذا مبتدأ حقيقة وذاك مبتدأ تقديرا ، وإن قلنا يخفف ذلك ففي هذا وجهان ، ثم لا ينبغي أن يختص الخلاف بالهمزة المنقولة إلى الساكن قبلها بل يعطى لجميع الهمزات المبتدآت حكم المتوسط فيما يستحقه من وجوه التخفيف فإن كانت المبتدأة ساكنة وذلك لا يتصور إلا فيما دخل عليها همزة وصل وحذفت لاتصال الكلمة التي قبلها بها نحو (يا صالح ائتنا) ، فإذا وقف عليها أبدلها واوا وفي-لقاءنا ائت-يبدلها ألفا وفي (الذي أؤتمن) ، يبدلها ياء وصاحب التيسير ذكر ما كان من هذا القبيل في الهمز المتوسط فقال تفرد حمزة بتسهيل الهمزة المتوسطة نحو (المؤمنون-و-يأكلون-والذئب) ، قال وكذلك (الذي أؤتمن) و(لقاءنا ائت) و(فرعون ائتوني) وشبهه ، قلت ووجهه أن دخول همزة الوصل قبلها في الابتداء صيرها متوسطة فإذا أبدل هذا الهمز حرف مد وكان قبله من جنسه وكان يحذف لأجل سكون الهمزة اتجه وجهان ، أحدهما عود الحرف المحذوف لزوال ما اقتضى حذفه وهو الهمزة الساكنة فإن الجمع بين حرفي مد من جنس واحد ممكن بتطويل المد ، والوجه الثاني حذفه لوجود الساكن وهذان الوجهان هما المذكوران في باب وقف حمزة وهشام على الهمز في قوله ، (ويبدله مهما تطرف مثله ويقصر أو يمضي على المد أطولا) ، وينبني على الوجهين جواز الإمالة في قوله تعالى (الهدى ائتنا) ، لحمزة ولورش أيضا فإن أثبتنا الألف الأصلية أملنا وإن حذفناها فلا ويلزم من الإمالة إمالة الألف المبدلة فالاختيار المنع والله أعلم ، وإن كانت همزة الابتداء متحركة وقبلها متحرك جعلت بين بين مطلقا نحو (قال إبراهيم)-(إن أبانا)-(وجد عليه أمة) ، إلا أن تقع مفتوحة بعد كسر أو ضم فتبدل ياء أو واوا نحو (فيه آيات بينات)-(منه آيات محكمات) ، وإن كانت متحركة وقبلها ساكن صحيح أو حرف لين نقل الحركة إليه على ما يتبين في مذهب ورش وإن كان حرف مد ولين امتنع النقل في الألف فتجعل الهمزة بين بين كما يفعل في المتوسطة وعلى قياس مذاهب القراء في الواو والياء يجوز قلب الهمزة والإدغام ويجوز النقل إلى الأصليتين نحو (يدعو إلى)-(تزدري أعينكم) ، والزائدتان هما نحو (قالوا آمنا)-(نفسي إن النفس) ، ويجوز النقل إليهما لغة وأما إذا كان الساكن قبل الهمزة ميم الجمع نحو (عليكم أنفسكم) ، فقال الشيخ في شرحه لا خلاف في تحقيق مثل هذا في الوقف عندنا قلت قد ذكر أبو بكر بن مهران في كتاب له قصره على معرفة مذهب حمزة في الهمز فيه مذاهب أحدها وهو الأحسن نقل حركة الهمزة إليها مطلقا فتضم تارة وتفتح تارة وتكسر تارة نحو (ومنهم أميون)-(عليهم استغفرت)-(ذلكم إصرى) ، الثاني تضم مطلقا وإن كانت الهمزة مفتوحة أو مكسورة حذرا من تحرك الميم بغير حركتها الأصلية الثالث تنقل في الضم والكسر دون الفتح لئلا يشبه لفظ التثنية فإن كانت الهمزة قبلها همزة وهما متفقتان أو مختلفتان سهل الثانية بما تقتضيه لأنها في الكلمة الموقوف عليها ، وفي نحو (ءأندرتهم) ، تنقل الأولى وتسهل الثانية ويكون تخفيف الثانية مخرجا على الخلاف فيما هو متوسط بزائد دخل عليه لأن همزة الاستفهام زائدة على كلمة أنذر فإن تحققت هذه القواعد انبنى عليها مسألة حسنة وهي قوله تعالى (قل أؤنبئكم) ، فيها ثلاث همزات فنص ابن مهران فيها على ثلاثة أوجه أحدها أنه يخفف الثلاثة الأولى تنقل حركتها إلى لام قل والثانية والثالثة تجعلان بين الهمزة والواو لأنهما مضمومتان بعد متحرك أما تسهيل الثالثة فلا خلاف فيه لأنها همزة متوسطة أو متطرفة إن لم يعتد بالضمير وفي ذلك بحث سيأتي في موضعه وفي كيفية تخفيفها وجوه ستأتي وأما الثانية فهي متوسطة بسبب الزائد ففي تخفيفها خلاف وأما الأولى فمبتدأه ففي نقل حركتها الخلاف المذكور في هذا الباب ، الوجه الثاني تخفيف الثالثة فقط وذلك رأي من لا يرى تخفيف المبتدأة ولا يعتد بالزائد ، الوجه الثالث تخفيف الأخيرتين فقط إعتدادا بالزائد وإعراضا عن المبتدأة وكان يحتمل وجها رابعا وهو أن يخفف الأولى والأخيرة دون الثانية لولا أن من خفف الأولى يلزمه تخفيف الثانية بطريق الأولى لأنها متوسطة صورة فهي أحرى بذاك من المبتدأة فهذا الكلام كله جره قوله وعن حمزة في الوقف خلف فاحتجنا إلى استيعاب الكلام في وقفه على كل همزة مبتدأة وفهمت كل ما ذكرته من كلام الأئمة مفرق في كتبهم حتى قال ابن مهران بتركها ، وإن كانت في أول الكلمة قال وعلى هذا يدل كلام المتقدمين وبه كان يأخذ أبو بكر ابن مقسم ويقول بتركها كيف ما وجد السبيل إليها إلا إذا ابتدأ بها فإنه لا بد له منها ولا يجد السبيل إلى تركها وقال مكي ذكر ابن مجاهد أنه يسهل لحمزة في الوقف ما كان من كلمتين نحو (يعلم أعمالكم) ، قال يلحقها بواو ونحو (ألا يظن أولئك) ، قال يجعلها بين الهمزة والواو أجرى الباب كله على أصل واحد
(228)
وَيَسْكُتُ في شَيْءٍ وَشَيْئًا وَبَعْضُهُمْ لَدَى الَّلامِ لِلتَّعْرِيفِ عَنْ حَمْزَةٍ تَلاَ
أي وسكت خلف أيضا على الساكن قبل الهمزة في هاتين الكلمتين وهو الياء وهما كلمة واحدة وإنما غاير بينهما باعتبار لفظ النصب وغيره لاختلاف ذلك في خط المصحف فالمنصوب بألف دون المرفوع والمجرور وهذه عبارة المصنفين من القراء فسلك سبيلهم في ذلك وإنما فعلوا ذلك مبالغة في البيان لئلا يتوهم من الاقتصار على لفظ أحدهما عدم جريان الحكم في الآخر ومثله قوله وجزأ وجزء ضم الإسكان صف ، فإن قلت لِم لم يفعل ذلك في-صراط-و-بيوت-مع أنهما في القرآن بلفظ النصب وغيره نحو (ويهديك صراطا مستقيما)-(فإذا دخلتم بيوتا) ، قلت كأنه لما ضبط ذلك لخلوه عن لام التعريف استغنى عنه وإنما احتاج إلى ذكر شيء وشيئا لأنهما لا يدخلان في الضابط السابق لورش لأن ورشا لا ينقل فيهما الحركة لأن ساكنهما ليس بآخر كلمته فحاصله أن خلفا يسكت بين الكلمتين ولم يسكت في كلمة واحدة إلا في هاتين اللفظتين ، وحكى صاحب التيسير هذا السكت عن حمزة في الكلمة الواحدة مطلقا نحو (قرآن)-(ولا يسأم الإنسان) ، كما في شيء وهو متجه لأن المعنى الذي لأجله فعل السكت موجود في الجميع والذي قرأه الداني على أبي الفتح لخلف هو ما ذكره الناظم وكان لا يرى لخلاد سكتا في موضع ما وقرأ الداني على طاهر بن غلبون بالسكت لخلف وخلاد جميعا على لام التعريف وشيء وشيئا فقط وهو المراد بقوله وبعضهم أي وبعض أهل الأداء تلا بالسكوت لحمزة عند لام التعريف كالأرض والآخرة وعنه سكوت شيء وشيئا وتمم ذلك بقوله
(229)
وَشَيْءٍ وَشَيْئًا لَمْ يَزِدْ وَلِنَافِعٍ لَدَى يُونُسٍ آلانَ بِالنَّقْلِ نُقِّلاَ
أي لم يزد بعضهم على ذلك شيئا بل اقتصر على السكت وقال الشيخ المراد لم يزد المذكور فقد صار لخلف وجهان أحدهما السكوت عند كل ساكن بالشرط المقدم وفي شيء وشيئا والثاني يختص السكت بلام المعرفة وشيء وشيئا فسكوته على لام التعريف وشيء وشيئا بلا خلاف عن خلف لأن الطريقتين اجتمعتا عليه وفي غير ذلك له خلاف وصار لخلاد وجهان أحدهما السكوت على لام التعريف وشيء وشيئا فقط والوجه الثاني لخلف والآخر لا سكوت لخلاد في موضع أصلا وهذا الموضع من مشكلات القصيدة فافهمه فإن وقفت لحمزة على الكلمة من ذلك فإن كانت لفظ شيء وشيئا وقفت بتخفيف الهمزة وله وجهان على ما يأتي وإن كانت غيره نحو-قد أفلح-والأرض فإن قلنا إن حمزة ينقل الحركة في الوقف نقلت لأن تخفيف الهمزة في الوقف هو مذهبه فيقدم على غيره كما قلنا في وقفه على شيء وشيئا وإن قلنا لا ينقل وقفت لخلف بالسكت في-الأرض-وبالسكت وعدمه في-قد أفلح-ووقفت لخلاد بعدم السكت في-قد أفلح-وبالسكت وعدمه في-الأرض-فلهما ثلاثة أوجه لخلف ولخلاد وجهان ، النقل وعدمه وفي نحو-الأرض-بالعكس لخلاد ثلاثة أوجه ولخلف وجهان النقل والسكوت وهذا من عجيب ما اتفق وأما ميم الجمع فإن قلنا يجوز النقل إليها فهي مثل-قد أفلح-وإلا ففيها لخلف وجهان السكوت وعدمه وصلا ووقفا وخلاد كغيره وصلا ووقفاه
(230)
وَقُلْ عَادًا الاُوْلَى بِإِسْكَانِ لامِهِ وَتَنْوِينِهِ بِالْكَسْرِ (كَـ)ـاسِيهِ (ظَ)ـلّلاَ
يعني إسكان لام التعريف وكسر التنوين الذي في عادا لالتقاء الساكنين هو واللام وهذه القراءة جاءت على الأصل كما تقول رأيت زيدا الطويل فلهذا أثنى عليها بقوله كاسيه ظللا أي حجتها قوية بخلاف قراءة الباقين ففيها كلام وكنى بكاسيه عن قارئه لأنه كساه تنوينا فظلله بذلك أي ستره عن اعتراض معترض تعرض للقراءة الأخرى وإن كان لا يؤثر اعتراضه والحمد لله ، وهذا الحرف في سورة النجم وأنه أهلك عادا الأولى