(195)
وَأَضْرُبُ جَمْعِ الْهَمْزَتَيْنِ ثَلاَثَةٌ ءأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ أَئِنَّا أَنْزِلاَ
أي أن اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة يأتي في القرآن على ثلاثة أضرب ثم بينها بالأمثلة والهمزة الأولى مفتوحة في الأضرب الثلاثة والثانية إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة وكان الأولى تقديم هذا البيت في أول الباب وإنما احتاج إلى ذكر هذا التقسيم ليبنى عليه الخلاف في المد بين الهمزتين كما سيأتي وموضع قوله (أءنذرتهم) ، وما بعده رفع على أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره أمثلتها كذا وكذا على حذف حرف العطف وأم لم تتمة لقوله -أأنذرتهم-احتاج إليها الوزن الشعر ولا مدخل لها في الأضرب الثلاثة فقوله أأنذرتهم في سورة البقرة ويس مثال المفتوحتين (أئنا لتاركوا آلهتنا) ، ونحوه مثال ما الثانية فيه مكسورة والأولى مفتوحة وقوله أءنزل عليه الذكر مثال ما الثانية فيه مضمومة والأولى مفتوحة في الجميع ولا تكون إلا همزة الاستفهام والله أعلم
(196)
وَمَدُّكَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ (حُـ)ـجَّةٌ بِـ(ـهَا) (لُـ)ـذُّ وَقَبْلَ الْكَسْرِ خُلْفٌ لَهُ وَلاَ
أي قبل ذات الفتح وذات الكسر يعني أن أبا عمرو وقالون وهشاما مدوا قبل الهمزة الثانية المفتوحة وقبل المكسورة وحجة خبر قوله ومدك على تقدير حذف مضاف أي ذو حجة وهي إرادة الفصل بين الهمزتين لثقل اجتماعهما ولأن الأولى ليست من بنية الكلمة ففصل بينهما ءايذانا بذلك ولهذا ضعف المد في كلمة أئمة لأن الأولى من بنية الكلمة وهي لغة فاشية قال ذو الرمة ، (آأنت أم أم سالم ) ، بهالذ أي الجأ إليها وتمسك بها ثم قال ، وقبل ذات الكسر خلف لهشام إلا فيما يأتي ذكره والهاء في له يعود على الحلف والولا النصر أي لكل وجه دليل ينصره والله أعلم
(197)
وَفي سَبْعَةٍ لاَ خُلْفَ عَنْهُ بِمَرْيَمٍ وَفي حَرْفَيِ الأَعْرَافِ وَالشُّعَرَا الْعُلاَ
لا خلف لهشام في مد هذه السبعة أو يكون التقدير وفي مد سبعة لا خلف عنه ثم بينها بما بعدها أي هي بمريم أو يكون قوله بمريم بدلا من قوله وفي سبعة لأن معنى مريم أي بمريم لا خلف عنه في المد وكذا في حر في الأعراف وما بعد ذلك والذي في مريم قوله تعالى (أئذا مامت) ، وفي الأعراف موضعان (أئنكم لتأتون)-(أئن لنا لأجرا) وفي الشعراء (أئن لنا لأجرا) ، والعلا نعت السور الثلاث فهذه أربعة مواضع من السبعة ثم قال
(198)
أَئِنَّكَ آئِفْكاً مَعًا فَوْقَ صَادِهَا وَفي فُصِّلَتْ حَرْفٌ وَبِالخُلْفِ سُهِّلاَ
يريد قوله تعالى في والصافات (أئنك لمن المصدقين)-(أئفكا آلهة) ، أي وفي أءنك أئفكاً وقوله معاً حال منهما كما تقول جاء زيد وعمرو معا أي مصطحبين أي إنهما في سورة واحدة فوق صادها وهي سورة الصافات وفي قوله معا يوهم أن أئفكا موضعان كقوله (نعما) ، معا فلو قال موضعها هما فوق صادها لزال الإيهام والضمير في صادها لسور القرآن وفوق ظرف للاصطحاب الذي دل عليه معا ، أي اصطحبا فوق صادها أو ظرف الاستقرار أي ولا خلف في مد أئنك أئفكا اللذين فوق صادها وفي فصلت خلف وهو (أئنكم لتكفرون) ، وبالخلف سهلا أي روي عن هشام تسهيله ولم يسهل من المكسور وغيره وفي جميع المفتوح خلف مقدم سوى حرف نون والأحقاف وأأعجمي وأأمنتم ولم يذكر صاحب التيسير في حرف فصلت لهشام غير التسهيل ولم يذكر صاحب الروضة فيه لابن عامر بكماله غير التحقيق ، فإن قلت من أين يعلم أن لهشام المد في هذه المواضع السبعة بلا خلاف وكل واحد من الأمرين محتمل لأنه ذكر الخلاف له في المد قبل المكسور واستثنى هذه المواضع فمن أين تعلم المد دون القصر ، قلت هذا سؤال جيد ، وجوابه أنه قد قدم أنه يمد قبل الفتح والكسر ثم استثنى الخلاف له قبل الكسر إلا في سبعة فلو لم يذكر الخلف في المكسورة لأخذنا له المد في الجمع عملا بما ذكر أولا فغايته أنه عين ما عدا السبعة للخلاف فنزل هذا منزلة استثناء من استثناء فكأنه قال يمد مطلقا إلا قبل الكسر فإنه لا يمد إلا في سبعة مواضع فمعناه أنه يمد فيها لأن الاستثناء من النفي إثبات على أنه لو قال سوى سبعة فالمد حتم بمريم لزال هذا الإشكال والله أعلم
(199)
وَآئِمَّةً بِالخُلْفِ قَدْ مَدَّ وَحْدَهُ وَسَهِّلْ (سَمَا) وَصْفاً وَفي النَّحْوِ أُبْدِلاَ
لم يمد هنا بين الهمزتين غير هشام بخلاف عنه لأن الأولى من بنية الكلمة كما سبق ذكره ولأن الهمزة الثانية حركتها عارضة فلم يتحكم ثقلها إذا أصلها السكون وذلك أن أئمة جمع إمام وأصله أئمة على وزن مثال وأمثلة ثم نقلت حركة الميم إلى الهمزة فانكسرت وأدغم الميم في الميم فمن حقق فعلى هذا وهم الكوفيون وابن عامر على أصولهم ومن سهل أيضا فهو على أصله وهم مدلول سما إذ قد اجتمع همزتان متحركتان الآن ولا نظر إلى كون الحركة عارضة فإن ذلك الأصل مرفوض ، وقوله أئمة مفعول مقدم بالخلف أي مدها مدا ملتبسا بالخلف ووصفا تمييز أي سما وصف التسهيل ، ثم قال وفي النحو أبدلا أي رأى أهل النحو إبدال الهمزة ياء في أئمة نص على ذلك أبو علي في الحجة والزمخشري في مفصله ووجهه النظر إلى أصل الهمزة وهو السكون وذلك يقتضي الإبدال مطلقا وتعينت الياء هنا لانكسارها الآن فأبدلت ياء مكسورة ثم لم يوافق أبو القاسم الزمخشري أهل النحو في ذلك واختار مذهب القراء فقال في تفسيره في سورة براءة في قوله تعالى (فقاتلوا أئمة الكفر) ، فإن قلت كيف لفظ أئمة ، قلت همزة بعدها همزة بين بين أي بين مخرج الهمزة والياء وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة وإن لم تكن مقبولة عند البصريين ، قال وأما التصريح بالياء فليس بقراءة ، ولا يجوز أن تكون ومن صرح بها فهو لاحن محرف ، قلت ولم يذكر صاحب التيسير إبدالهما ياء ولا ذكر مسألة أئمة في هذا الباب وإنما ذكرها في سورة براءة ولفظ الناظم بأئمة على قراءة هشام بالمد والضمير في قوله أبدلا للمسهل المفهوم من قوله وسهل وهو الهمز المكسور ، وقال ابن جنى في باب شواذ الهمز من كتاب الخصائص ومن شواذ الهمز عندنا قراءة الكسائي أئمة بالتحقيق فيهما فالهمزتان لا تلتقيان في كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين نحو سأال وسأار وجأار ، وأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا وليس لحنا وذلك نحو قرأ أبوك و (السفهاء ألا)(ويمسك السماء أن تقع على الأرض)-(وأنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم) ، فهذا كله جائز عندنا على ضعف لكن التقاؤهما في كلمة واحدة غير عينين لحن إلا ما شذ مما حكيناه في خطاء وبابه
(200)
وَمَدُّكَ قَبْلَ الضَّمِّ (لَـ)ـبَّى (حَـ)ـبِيبُهُ بِخُلْفهِمَا (بَـ)رَّا وَجَاءَ لِيَفْصِلاَ
مضى الكلام في المد قبل الفتح والكسر ثم ذكر المد قبل الضم فنص على أن لهشام وأبي عمرو خلافا في ذلك ولم يذكر عن قالون خلافا في المد وقد ذكره ابن الفحام في تجريده وأما أبو عمر فالمشهور عنه ترك المد ولم يذكر له صاحب التيسير غيره وذكره غيره ، وأما هشام فله ثلاثة أوجه اثنان كالوجهين عن أبي عمرو والثالث فصله في البيت الآتي والهاء في حبيبه تعود إلى المد أي لباه حبيبه ويكون الحبيب كناية عن القارئ كأن المد ناداه ليجعله في قراءته فأجابه بالتلبية والقبول له وبرا حال من حبيبه أي لباه في حال بره وشفقته عليه أو يكون برا مفعول لبى حبيبه قارئا بارا بالمد مختارا له والبر والبار ، بمعنى واحد وهو ضد العاق المخالف والضمير في جاء للمد أي جاء المد للفصل بين الهمزتين
(201)
وَفي آلِ عِمْرَانَ رَووْا لِهِشَامِهِمْ كَحَفْصٍ وَفي الْبَاقِي كَقَالُونَ وَاعْتَلاَ
فصل في هذا البيت الوجه الثالث الذي لهشام ، وشرحه أن يقال إن هذه الهمزة المضمومة بعد المفتوحة جاءت في القرآن في ثلاثة مواضع وجاءت لبعضهم في موضع رابع ، أما الثلاثة ففي آل عمران (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) وفي ص (أؤنزل عليه الذكر) وفي القمر (أؤلقى الذكر عليه) والرابع في الزخرف (أءشهدوا خلقهم) ، على قراءة نافع وحده وسيأتي في سورته والباقون بهمزة واحدة فلا مد فيه لغير نافع ، ومذهب هشام في الثلاثة على ما في التيسير أنه في آل عمران بلا خلاف فإنه قال وهشام من قراءتي على أبي الحسن بتحقيق الهمزتين من غير ألف بينهما في آل عمران ويسهل الثانية ويدخل قبلها ألفا في الباقيتين كقالون والباقون يحققون الهمزتين في ذلك وهشام من قراءتي على أبي الفتح كذلك ويدخل بينهما ألفا ، فقد اتفق الشيخان أبو الحسن وأبو الفتح على التحقيق في آل عمران وعلى المد في ص والقمر واختلفا في المد في آل عمران والتسهيل في ص والقمر فتكون قراءة هشام في ص والقمر كقراءته (أئنكم) في فصلت مد بلا خلاف وتسهيل بخلاف فيكون قد فعل في المكسورة في بعض مواضعها وجماعتنا أشكل عليهم تنزيل النظم على ما في التيسير ، وصوابه أن يقال لهشام في هذه الثلاثة ثلاثة أوجه ، القصر التحقيق في الجميع وهذا الوجه ذكره صاحب الروضة وغيره وهو من زيادات هذه القصيدة ، والوجه الثاني المد في الجميع مع التحقيق وهذا الذي قرأه صاحب التيسير على أبي الفتح فارس بن أحمد وهو شيخه الذي ذكره في آخر باب التكبير ، والوجه الثالث التفصيل القصر والتحقيق في آل عمران والمد والتسهيل في الباقيين وهذا الذي قرأه صاحب التيسير على أبي الحسن طاهر بن غلبون الذي سبق ذكره في باب المد والقصر فالوجهان الأولان لهشام يماثل فيهما أبا عمرو في أنه يمد في الجميع ولا يمد فلهذا أدرجه الناظم معه فقال في البيت الأول بخلفهما ثم ذكر لهشام الوجه الثالث في البيت الثاني ولو أنه نظم مقتصرا على ما في التيسير لقال ما كنت قد نظمته قديما تسهيلا على الطلبة ، (ومدك قبل الضم بر حبيبه بخلف هشام في الثلاثة أصلا) ، (ففي آل عمران يمد بخلفه وفي غيرها حتما وبالخلف سهلا) ، أي مد حتما بلا خلاف والله أعلم
وَأَضْرُبُ جَمْعِ الْهَمْزَتَيْنِ ثَلاَثَةٌ ءأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ أَئِنَّا أَنْزِلاَ
أي أن اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة يأتي في القرآن على ثلاثة أضرب ثم بينها بالأمثلة والهمزة الأولى مفتوحة في الأضرب الثلاثة والثانية إما مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة وكان الأولى تقديم هذا البيت في أول الباب وإنما احتاج إلى ذكر هذا التقسيم ليبنى عليه الخلاف في المد بين الهمزتين كما سيأتي وموضع قوله (أءنذرتهم) ، وما بعده رفع على أنه خبر مبتدإ محذوف تقديره أمثلتها كذا وكذا على حذف حرف العطف وأم لم تتمة لقوله -أأنذرتهم-احتاج إليها الوزن الشعر ولا مدخل لها في الأضرب الثلاثة فقوله أأنذرتهم في سورة البقرة ويس مثال المفتوحتين (أئنا لتاركوا آلهتنا) ، ونحوه مثال ما الثانية فيه مكسورة والأولى مفتوحة وقوله أءنزل عليه الذكر مثال ما الثانية فيه مضمومة والأولى مفتوحة في الجميع ولا تكون إلا همزة الاستفهام والله أعلم
(196)
وَمَدُّكَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ (حُـ)ـجَّةٌ بِـ(ـهَا) (لُـ)ـذُّ وَقَبْلَ الْكَسْرِ خُلْفٌ لَهُ وَلاَ
أي قبل ذات الفتح وذات الكسر يعني أن أبا عمرو وقالون وهشاما مدوا قبل الهمزة الثانية المفتوحة وقبل المكسورة وحجة خبر قوله ومدك على تقدير حذف مضاف أي ذو حجة وهي إرادة الفصل بين الهمزتين لثقل اجتماعهما ولأن الأولى ليست من بنية الكلمة ففصل بينهما ءايذانا بذلك ولهذا ضعف المد في كلمة أئمة لأن الأولى من بنية الكلمة وهي لغة فاشية قال ذو الرمة ، (آأنت أم أم سالم ) ، بهالذ أي الجأ إليها وتمسك بها ثم قال ، وقبل ذات الكسر خلف لهشام إلا فيما يأتي ذكره والهاء في له يعود على الحلف والولا النصر أي لكل وجه دليل ينصره والله أعلم
(197)
وَفي سَبْعَةٍ لاَ خُلْفَ عَنْهُ بِمَرْيَمٍ وَفي حَرْفَيِ الأَعْرَافِ وَالشُّعَرَا الْعُلاَ
لا خلف لهشام في مد هذه السبعة أو يكون التقدير وفي مد سبعة لا خلف عنه ثم بينها بما بعدها أي هي بمريم أو يكون قوله بمريم بدلا من قوله وفي سبعة لأن معنى مريم أي بمريم لا خلف عنه في المد وكذا في حر في الأعراف وما بعد ذلك والذي في مريم قوله تعالى (أئذا مامت) ، وفي الأعراف موضعان (أئنكم لتأتون)-(أئن لنا لأجرا) وفي الشعراء (أئن لنا لأجرا) ، والعلا نعت السور الثلاث فهذه أربعة مواضع من السبعة ثم قال
(198)
أَئِنَّكَ آئِفْكاً مَعًا فَوْقَ صَادِهَا وَفي فُصِّلَتْ حَرْفٌ وَبِالخُلْفِ سُهِّلاَ
يريد قوله تعالى في والصافات (أئنك لمن المصدقين)-(أئفكا آلهة) ، أي وفي أءنك أئفكاً وقوله معاً حال منهما كما تقول جاء زيد وعمرو معا أي مصطحبين أي إنهما في سورة واحدة فوق صادها وهي سورة الصافات وفي قوله معا يوهم أن أئفكا موضعان كقوله (نعما) ، معا فلو قال موضعها هما فوق صادها لزال الإيهام والضمير في صادها لسور القرآن وفوق ظرف للاصطحاب الذي دل عليه معا ، أي اصطحبا فوق صادها أو ظرف الاستقرار أي ولا خلف في مد أئنك أئفكا اللذين فوق صادها وفي فصلت خلف وهو (أئنكم لتكفرون) ، وبالخلف سهلا أي روي عن هشام تسهيله ولم يسهل من المكسور وغيره وفي جميع المفتوح خلف مقدم سوى حرف نون والأحقاف وأأعجمي وأأمنتم ولم يذكر صاحب التيسير في حرف فصلت لهشام غير التسهيل ولم يذكر صاحب الروضة فيه لابن عامر بكماله غير التحقيق ، فإن قلت من أين يعلم أن لهشام المد في هذه المواضع السبعة بلا خلاف وكل واحد من الأمرين محتمل لأنه ذكر الخلاف له في المد قبل المكسور واستثنى هذه المواضع فمن أين تعلم المد دون القصر ، قلت هذا سؤال جيد ، وجوابه أنه قد قدم أنه يمد قبل الفتح والكسر ثم استثنى الخلاف له قبل الكسر إلا في سبعة فلو لم يذكر الخلف في المكسورة لأخذنا له المد في الجمع عملا بما ذكر أولا فغايته أنه عين ما عدا السبعة للخلاف فنزل هذا منزلة استثناء من استثناء فكأنه قال يمد مطلقا إلا قبل الكسر فإنه لا يمد إلا في سبعة مواضع فمعناه أنه يمد فيها لأن الاستثناء من النفي إثبات على أنه لو قال سوى سبعة فالمد حتم بمريم لزال هذا الإشكال والله أعلم
(199)
وَآئِمَّةً بِالخُلْفِ قَدْ مَدَّ وَحْدَهُ وَسَهِّلْ (سَمَا) وَصْفاً وَفي النَّحْوِ أُبْدِلاَ
لم يمد هنا بين الهمزتين غير هشام بخلاف عنه لأن الأولى من بنية الكلمة كما سبق ذكره ولأن الهمزة الثانية حركتها عارضة فلم يتحكم ثقلها إذا أصلها السكون وذلك أن أئمة جمع إمام وأصله أئمة على وزن مثال وأمثلة ثم نقلت حركة الميم إلى الهمزة فانكسرت وأدغم الميم في الميم فمن حقق فعلى هذا وهم الكوفيون وابن عامر على أصولهم ومن سهل أيضا فهو على أصله وهم مدلول سما إذ قد اجتمع همزتان متحركتان الآن ولا نظر إلى كون الحركة عارضة فإن ذلك الأصل مرفوض ، وقوله أئمة مفعول مقدم بالخلف أي مدها مدا ملتبسا بالخلف ووصفا تمييز أي سما وصف التسهيل ، ثم قال وفي النحو أبدلا أي رأى أهل النحو إبدال الهمزة ياء في أئمة نص على ذلك أبو علي في الحجة والزمخشري في مفصله ووجهه النظر إلى أصل الهمزة وهو السكون وذلك يقتضي الإبدال مطلقا وتعينت الياء هنا لانكسارها الآن فأبدلت ياء مكسورة ثم لم يوافق أبو القاسم الزمخشري أهل النحو في ذلك واختار مذهب القراء فقال في تفسيره في سورة براءة في قوله تعالى (فقاتلوا أئمة الكفر) ، فإن قلت كيف لفظ أئمة ، قلت همزة بعدها همزة بين بين أي بين مخرج الهمزة والياء وتحقيق الهمزتين قراءة مشهورة وإن لم تكن مقبولة عند البصريين ، قال وأما التصريح بالياء فليس بقراءة ، ولا يجوز أن تكون ومن صرح بها فهو لاحن محرف ، قلت ولم يذكر صاحب التيسير إبدالهما ياء ولا ذكر مسألة أئمة في هذا الباب وإنما ذكرها في سورة براءة ولفظ الناظم بأئمة على قراءة هشام بالمد والضمير في قوله أبدلا للمسهل المفهوم من قوله وسهل وهو الهمز المكسور ، وقال ابن جنى في باب شواذ الهمز من كتاب الخصائص ومن شواذ الهمز عندنا قراءة الكسائي أئمة بالتحقيق فيهما فالهمزتان لا تلتقيان في كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين نحو سأال وسأار وجأار ، وأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا وليس لحنا وذلك نحو قرأ أبوك و (السفهاء ألا)(ويمسك السماء أن تقع على الأرض)-(وأنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم) ، فهذا كله جائز عندنا على ضعف لكن التقاؤهما في كلمة واحدة غير عينين لحن إلا ما شذ مما حكيناه في خطاء وبابه
(200)
وَمَدُّكَ قَبْلَ الضَّمِّ (لَـ)ـبَّى (حَـ)ـبِيبُهُ بِخُلْفهِمَا (بَـ)رَّا وَجَاءَ لِيَفْصِلاَ
مضى الكلام في المد قبل الفتح والكسر ثم ذكر المد قبل الضم فنص على أن لهشام وأبي عمرو خلافا في ذلك ولم يذكر عن قالون خلافا في المد وقد ذكره ابن الفحام في تجريده وأما أبو عمر فالمشهور عنه ترك المد ولم يذكر له صاحب التيسير غيره وذكره غيره ، وأما هشام فله ثلاثة أوجه اثنان كالوجهين عن أبي عمرو والثالث فصله في البيت الآتي والهاء في حبيبه تعود إلى المد أي لباه حبيبه ويكون الحبيب كناية عن القارئ كأن المد ناداه ليجعله في قراءته فأجابه بالتلبية والقبول له وبرا حال من حبيبه أي لباه في حال بره وشفقته عليه أو يكون برا مفعول لبى حبيبه قارئا بارا بالمد مختارا له والبر والبار ، بمعنى واحد وهو ضد العاق المخالف والضمير في جاء للمد أي جاء المد للفصل بين الهمزتين
(201)
وَفي آلِ عِمْرَانَ رَووْا لِهِشَامِهِمْ كَحَفْصٍ وَفي الْبَاقِي كَقَالُونَ وَاعْتَلاَ
فصل في هذا البيت الوجه الثالث الذي لهشام ، وشرحه أن يقال إن هذه الهمزة المضمومة بعد المفتوحة جاءت في القرآن في ثلاثة مواضع وجاءت لبعضهم في موضع رابع ، أما الثلاثة ففي آل عمران (قل أؤنبئكم بخير من ذلكم) وفي ص (أؤنزل عليه الذكر) وفي القمر (أؤلقى الذكر عليه) والرابع في الزخرف (أءشهدوا خلقهم) ، على قراءة نافع وحده وسيأتي في سورته والباقون بهمزة واحدة فلا مد فيه لغير نافع ، ومذهب هشام في الثلاثة على ما في التيسير أنه في آل عمران بلا خلاف فإنه قال وهشام من قراءتي على أبي الحسن بتحقيق الهمزتين من غير ألف بينهما في آل عمران ويسهل الثانية ويدخل قبلها ألفا في الباقيتين كقالون والباقون يحققون الهمزتين في ذلك وهشام من قراءتي على أبي الفتح كذلك ويدخل بينهما ألفا ، فقد اتفق الشيخان أبو الحسن وأبو الفتح على التحقيق في آل عمران وعلى المد في ص والقمر واختلفا في المد في آل عمران والتسهيل في ص والقمر فتكون قراءة هشام في ص والقمر كقراءته (أئنكم) في فصلت مد بلا خلاف وتسهيل بخلاف فيكون قد فعل في المكسورة في بعض مواضعها وجماعتنا أشكل عليهم تنزيل النظم على ما في التيسير ، وصوابه أن يقال لهشام في هذه الثلاثة ثلاثة أوجه ، القصر التحقيق في الجميع وهذا الوجه ذكره صاحب الروضة وغيره وهو من زيادات هذه القصيدة ، والوجه الثاني المد في الجميع مع التحقيق وهذا الذي قرأه صاحب التيسير على أبي الفتح فارس بن أحمد وهو شيخه الذي ذكره في آخر باب التكبير ، والوجه الثالث التفصيل القصر والتحقيق في آل عمران والمد والتسهيل في الباقيين وهذا الذي قرأه صاحب التيسير على أبي الحسن طاهر بن غلبون الذي سبق ذكره في باب المد والقصر فالوجهان الأولان لهشام يماثل فيهما أبا عمرو في أنه يمد في الجميع ولا يمد فلهذا أدرجه الناظم معه فقال في البيت الأول بخلفهما ثم ذكر لهشام الوجه الثالث في البيت الثاني ولو أنه نظم مقتصرا على ما في التيسير لقال ما كنت قد نظمته قديما تسهيلا على الطلبة ، (ومدك قبل الضم بر حبيبه بخلف هشام في الثلاثة أصلا) ، (ففي آل عمران يمد بخلفه وفي غيرها حتما وبالخلف سهلا) ، أي مد حتما بلا خلاف والله أعلم