(163)
وَفي الْكُلِّ قَصْرُ الْهَاءِ (كـ)ـانَ (لِـ)سَانَهُ بخُلْفٍ وَفي طه بِوَجْهَيْنِ (بُـ)ـجِّلاَ
يعني بالكل جميع الألفاظ المجزومة من قوله وسكن يؤده إلى يتقه وقصر الهاء عبارة عن ترك الصلة ويسمى أيضا الاختلاس ، وقوله بان لسانه رمز لقالون وهشام ومعناه في الظاهر اتضحت لغته وظهر نقله لأن قصر الهاء لغة فصيحة سواء اتصلت بمجزوم أو غيره أنشد الداني للأعشى جمعا بين اللغتين القصر والصلة قوله ، (وماله من مجد تليد وماله من الريح حظ لا الجنوب ولا الصباء) ، ووجه لغة القصر في المجزوم النظر إلى الحرف المحذوف قبل الهاء للجزم لأن حذفه عارض ولو كان موجودا لم توصل الهاء لوجود الساكن قبلها على ما تقرر فهذا توجيه حسن لما جاءت القراءة به من القصر في المجزوم ولم تأت في غيره لفقد هذه العلة فيه وقوله بخلف يعني عن هشام لأنه الذي يليه ولو كان الخلاف عنه وعن قالون لقال بخلفهما ولو كان عن ثلاثة لقال بخلفهم وكل هذا قد استعمله في نظمه كما سيأتي ، والخلف الذي عن هشام وجهان ، أحدهما القصر وقد ذكره ، والثاني الصلة كسائر القراء ولا يجوز أن يكون الإسكان لأنه قد ذكر الإسكان عن الذين قرءوا به ولم يذكر هشاما معهم ، وأما حرف طه فوصله هشام كسائر القراء غير السوسي ، ولقالون وجهان القصر والصلة ولا يكون الإسكان لما ذكرنا ، ووجه الصلة تحرك الحرف الذي قبل الهاء ولا نظر إلى الحرف المحذوف ، وقوله بوجهين متعلق بمحذوف أي يقرأ حرفه بوجهين بجلا أي وقرأ كلاهما يشير إلى أن القصر أفشا من الإسكان في لغة العرب كما تقدم بيانه ولأنه ضمير على حرف واحد صحيح فكان محركا كالتاء والكاف ، ووجه أسكانها تشبيهها بالألف والواو ، وفي ياء الإضافة وجهان الفتح والإسكان وسيأتيان ، ويجوز أن يكون التقدير والحرف الذي في طه بجل بوجهين
(164)
وَإِسْكَانُ يَرْضَهُ (يُـ)ـمْنُهُ (لُـ)ـبْسُ (طَ)ـيِّبٍ بِخُلْفِهِمِاَ وَالْقَصُرُ (فَـ)ـاذْكُرْهُ (نَـ)ـوْفَلاَ
أراد قوله تعالى في سورة الزمر (وإن تشكروا يرضه لكم) ، أسكنه السوسي بلا خلاف وهشام والدوري عن أبي عمرو وبخلفهما وأخبر بظاهر لفظه عن الإسكان بأن يمنه لبس طيب تقريرا له وإزالة للنفرة عنه ، ويجوز في قوله والقصر وجهان الرفع على الابتداء وخبره ما بعده أو محذوف أي والقصر كذلك يمنه ليس طيب ، أو والقصر مقروء به فهو قريب من قوله تعالى ، (الزانية والزاني فاجلدوا)-(والسارق والسارقة فاقطعوا) ، والنصب بفعل مضمر فسره ما بعده والفاء في فاذكره زائدة كقوله ، (وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ) ، والخلف الذي للدوري هو الإسكان والصلة والذي لهشام الإسكان والقصر وعلم ذلك من جهة أنه ذكر هشاما مع أصحاب القصر في أول البيت الآتي ولم يذكر الدوري معهم فكان مع المسكوت عنهم وهم أصحاب الصلة ونوفلا حال والنوفل الكثير العطاء
(165)
(لَـ)ـهُ (ا)لرُّحّبُ وَلزِّلْزَالُ خَيْراً يَرَهْ بِهَا وَشَرًّا يَرَهْ حَرْفَيْهِ سَكِّنْ (لِـ)ـيَسْهُلاَ
الرحب السعة أشار إلى شهرته وصحته أي يجد المتصدي لنصرة القصر رحبا وسعة ومجالا من نقل ذلك لغة وقوة تعليلية فالذين قصروا يرضه حمزة وعاصم وهشام ، بخلاف عنه ونافع ، ثم قال والزلزال أي وسورة الزلزال يعني (إذا زلزلت الأرض زلزالها) ، وهو مبتدأ وسكن خبره والعائد إلى المبتدإ الضمير في بها وأنثه لأنه ضمير السورة ، (خيرا يره) و (شرا يره) ، مفعول سكن وحرفيه صفة لهما يفيد التأكيد ، وإنما أكثر من هذا البيان ولم يكتف بقوله يره كما نص على ألقه ويتقه ويؤده وغير ذلك حذرا من التي في سورة البلد قوله (لم يره أحد) ، فتلك لم يذكر في التيسير فيها خلافا وذكره في غيره والهاء في حرفيه تعود على لفظ الزلزال ويجوز أن يكون بدلا من خيرا يره وشرا يره بدل البعض من الكل ويعني بحرفيه هاءى الكناية في هذا اللفظ وكأن الوجه على هذا أن يقول حرفيهما وإنما وحد ردا على يره لأنه لفظ واحد تكرر والألف في ليسهلا للتثنية أي ليسهل الحرفان بالإسكان ويجوز أن يكون خبر الزلزال قوله خيرا يره بها وشرا يره ، ثم قال سكن حرفي هذا اللفظ كما تقول الدار بها زيد وعمرو أكرمهما ، وقيل أشار بقوله ليسهلا إلى ثقل الصلة هنا من جهة أن بعد كل هاء منهما واو فيلتقي واوان في قوله يرهو ومن يعمل يرهو والعاديات لأن هذه الصلة إنما اعتبارها في الوصل وأما الوقف فبالإسكان لا صلة فيه لجميع القراء في جميع الهاءات وقد تقدم ذكره ، فإن قلت هذه المواضع التي نص لبعض القراء على إسكانها من أين تعلم قراءة الباقين ، قلت قد سبق الإعلام بها في قوله وما قبله التحريك للكل وصلا وهذه المواضع المسكنة كلها قبل هاآتها متحركات فكأنه قال القراء كلهم على صلة الهاء إذا تحرك ما قبلها ، واستثنى هؤلاء هذه المواضع فأسكنوها والله أعلم
(166)
وَعى (نَفَرٌ) أَرْجِئْهُ بِالْهَمْزِ سَاكِناً وَفي الْهَاءِ ضَمٌّ (لَـ)ـفَّ (دَ)عْوَاهُ (حَـ)ـرْمَلاَ
أرجئه موضعان في الأعراف والشعراء ومعنى وعى حفظ أي حفظ مدلول نفر وهم ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر أرجئه بهمزة ساكنة وحفظ الباقون بلا همز وهما لغتان فصيحتان قرئ بهما قوله تعالى (وآخرون مرجئون)-(وترجي من تشاء) ، ونفر همزوا الجميع يقال أرجأت الأمر إذا أخرته وبعض العرب يقول أرجيت كما يقول أخطيت وتوضيت فلا يهمز حكاه الجوهري وقوله بالهمز يؤخذ منه أن قراءة الباقين بلا همز ولم تكن له حاجة إلى قوله ساكنا فإنه قد لفظ به كذلك ، فإن قلت فيه زيادة بيان ، قلت صدقت ولكنه يلبس الضد إذ يلزم من ذلك أن يكون الضد فتح الهمز كقوله (ويطهرن) في الطاء السكون (والأيكة) اللام ساكن (منسأته) سكون همزته ماض فإنه ضد السكون فيها فتح الطاء واللام والهمزة ، وعذره في ذلك أن الهمز هو صاحب الضد فضده لا همز كما ذكر ذلك في (الصابئين) و (الأيكة) ولم يقدح في ذلك وصفه الهمز بالسكون وهذا كما أن الحركة ضدها السكون ولا يقدح في ذلك ذكره الكسر والضم والفتح معها على ما مهدناه في شرح الخطبة وساكنا حال من الهمز ، ولو قال مكانه فيهما لكان جيدا وارتفع الإيهام المذكور أي في الموضعين ، ثم ذكر أن جميع من همز أرجئه ضم الهاء إلا ابن ذكوان فإنه كسرها ، واستبعدت قراءته وتكلم فيها من جهة أن الهاء إنما تكسر بعد كسر أو ياء ساكنة وحقها الضم في غير ذلك فأرجئه مثل منه وزنه وأهبه ، وقد اعتذر له بأن الهمز لم يعتد به حاجزا لقبوله الإبدال فكأن الهاء وليت الجيم المكسورة أو كأنها بعد ياء ساكنة في التقدير لو أبدلت الهمزة ياء ، ويضعف هذا الاعتذار وجوه ، الأول أن الهمز معتد به حاجزا بإجماع في (أنبئهم ونبئهم) والحكم واحد في ضمير الجمع والمفرد فيما يرجع إلى الكسر والضم ، الثاني أنه كان يلزمه صلة الهاء إذ هي في حكمه كأنها قد وليت الجيم ، الثالث أن الهمز لو قلب ياء لكان الوجه المختار ضم الهاء مع صريح الياء نظرا إلى أن أصلها همزة فما الظن بمن يكسر الهاء مع صريح الهمزة وسيأتي تحقيق ذلك في باب وقف حمزة فضم الهاء مع الهمز هو الوجه فلهذا قال فيه لف دعواه حرملا والهاء في دعواه للضم ، والحرمل ثبت معروف له في الأدوية مدخل أشار بذلك إلى ظهور وجه الضم مع الهمز ، أي في طي الدعوى به ما يبين حسنه وجودة القراءة به ، وذكر ابن جني في كتابه المحتسب قال وروى عن ابن عامر (أنبئهم) بهمزة وكسر الهاء ، قال ابن مجاهد وهذا لا يجوز ، قال ابن جنى طريقه أن هذه الهمزة ساكنة والساكن ليس بحاجز حصين عندهم فكأن لا همز هناك أصلا ، ثم قرر ذلك بنحو مما تقدم والله أعلم قال
(167)
وَأَسْكِنْ (نَـ)ـصِيراً (فَـ)ـازَ وَاكْسِرْ لِغَيْرِهِمْ وَصِلْهَا (جـ)ـوَاداً (دُ)ونَ (رَ)يْبٍ (لِـ)ـتُوصَلاَ
نصيرا حال من فاعل أسكن أي ناصرا فائزا بظهور الحجة وقد تقدم وجه الإسكان وقرأ به سنا عاصم وحمزة ولا همز في قراءتهما فصار أرجه كألقه وهما يسكنانهما وأبو عمرو وافقهما على ألقه ولم يمكنه الإسكان في أرجه لأنه يهمز ففي الإسكان جمع بين ساكنين ثم قال واكسر لغيرهم أي لغير الذين ضموا والذين سكنوا وهم نافع والكسائي وابن ذكوان ، وقد مضى الكلام في قراءة ابن ذكوان ونافع والكسائي كسرا الهاء لكسرة الجيم قبلها إذ ليسا من أصحاب الهمز ، ثم ذكر الذين وصلوا الهاء وهم أربعة اثنان من أصحاب الضم والهمز وهما ابن كثير وهشام واثنان من أصحاب الكسر بلا همز وهما الكسائي وورش وصلاها بياء على أصلهما في صلة ما قبله متحرك وابن كثير وصلها بواو على أصله في صلة ما قبله ساكن وهشام وافقه وخالف أصله في ترك صلة ما قبله ساكن فقد وافق ابن كثير على مذهبه في الصلة راويان كل واحد منهما في حرف واحد أحدهما في صلة الضم بواو وهو هشام في هذا الحرف ، والآخر في صلة الكسر بياء وهو حفص في (فيه مهانا) ، وقد تقدم وأبو عمرو ضم من غير صلة على أصله وقالون قصر الهاء فكسرها من غير صلة على أصله في المواضع المجزومة كلها ، فالحاصل أن في كلمة أرجه ست قراءات ثلاث لأصحاب الهمز لابن كثير وهشام وجه ولأبي عمرو وجه ولابن ذكوان وجه ، وثلاث لمن لم يهمز لعاصم وحمزة وجه ، وللكسائي وورش وجه ولقالون وجه وقد جمعت هذه القراءات الست في بيت واحد في النصف الأول قراءات الهمز الثلاث وفي النصف الآخر قراءات من لم يهمز الثلاث فقلت ، وأرجئه مل والضم خر صله دع لنا وأرجه ف نل صل جي رضي قصره بلا) ، فابتدأت بقراءة ابن ذكوان ولم أخف تصحيفها بغيرها إذ لا يمكن في موضعها من جهة الوزن شيء من القراءات الست إلا قراءة أبي عمرو وهي مبينة بعدها وقراءة قالون على زحاف في البيت وقراءة قالون سنبين في آخر البيت مع أن صورة الكتابة مختلفة فتعين ما ابتدأ به لابن ذكوان والله أعلم وجميع الكلمات المجزومة الخمسة عشر توصل بالياء إلا كلمتين يرضه ويره فإنهما يوصلان بالواو ، وفي أرجئه الوجهان من وصل هامزا فبالواو وغير الهامز يصل بالياء ، وقوله جوادا حال من فاعل صلها ، والريب الشك وقوله لتوصل من محاسن الكلام
وَفي الْكُلِّ قَصْرُ الْهَاءِ (كـ)ـانَ (لِـ)سَانَهُ بخُلْفٍ وَفي طه بِوَجْهَيْنِ (بُـ)ـجِّلاَ
يعني بالكل جميع الألفاظ المجزومة من قوله وسكن يؤده إلى يتقه وقصر الهاء عبارة عن ترك الصلة ويسمى أيضا الاختلاس ، وقوله بان لسانه رمز لقالون وهشام ومعناه في الظاهر اتضحت لغته وظهر نقله لأن قصر الهاء لغة فصيحة سواء اتصلت بمجزوم أو غيره أنشد الداني للأعشى جمعا بين اللغتين القصر والصلة قوله ، (وماله من مجد تليد وماله من الريح حظ لا الجنوب ولا الصباء) ، ووجه لغة القصر في المجزوم النظر إلى الحرف المحذوف قبل الهاء للجزم لأن حذفه عارض ولو كان موجودا لم توصل الهاء لوجود الساكن قبلها على ما تقرر فهذا توجيه حسن لما جاءت القراءة به من القصر في المجزوم ولم تأت في غيره لفقد هذه العلة فيه وقوله بخلف يعني عن هشام لأنه الذي يليه ولو كان الخلاف عنه وعن قالون لقال بخلفهما ولو كان عن ثلاثة لقال بخلفهم وكل هذا قد استعمله في نظمه كما سيأتي ، والخلف الذي عن هشام وجهان ، أحدهما القصر وقد ذكره ، والثاني الصلة كسائر القراء ولا يجوز أن يكون الإسكان لأنه قد ذكر الإسكان عن الذين قرءوا به ولم يذكر هشاما معهم ، وأما حرف طه فوصله هشام كسائر القراء غير السوسي ، ولقالون وجهان القصر والصلة ولا يكون الإسكان لما ذكرنا ، ووجه الصلة تحرك الحرف الذي قبل الهاء ولا نظر إلى الحرف المحذوف ، وقوله بوجهين متعلق بمحذوف أي يقرأ حرفه بوجهين بجلا أي وقرأ كلاهما يشير إلى أن القصر أفشا من الإسكان في لغة العرب كما تقدم بيانه ولأنه ضمير على حرف واحد صحيح فكان محركا كالتاء والكاف ، ووجه أسكانها تشبيهها بالألف والواو ، وفي ياء الإضافة وجهان الفتح والإسكان وسيأتيان ، ويجوز أن يكون التقدير والحرف الذي في طه بجل بوجهين
(164)
وَإِسْكَانُ يَرْضَهُ (يُـ)ـمْنُهُ (لُـ)ـبْسُ (طَ)ـيِّبٍ بِخُلْفِهِمِاَ وَالْقَصُرُ (فَـ)ـاذْكُرْهُ (نَـ)ـوْفَلاَ
أراد قوله تعالى في سورة الزمر (وإن تشكروا يرضه لكم) ، أسكنه السوسي بلا خلاف وهشام والدوري عن أبي عمرو وبخلفهما وأخبر بظاهر لفظه عن الإسكان بأن يمنه لبس طيب تقريرا له وإزالة للنفرة عنه ، ويجوز في قوله والقصر وجهان الرفع على الابتداء وخبره ما بعده أو محذوف أي والقصر كذلك يمنه ليس طيب ، أو والقصر مقروء به فهو قريب من قوله تعالى ، (الزانية والزاني فاجلدوا)-(والسارق والسارقة فاقطعوا) ، والنصب بفعل مضمر فسره ما بعده والفاء في فاذكره زائدة كقوله ، (وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي ) ، والخلف الذي للدوري هو الإسكان والصلة والذي لهشام الإسكان والقصر وعلم ذلك من جهة أنه ذكر هشاما مع أصحاب القصر في أول البيت الآتي ولم يذكر الدوري معهم فكان مع المسكوت عنهم وهم أصحاب الصلة ونوفلا حال والنوفل الكثير العطاء
(165)
(لَـ)ـهُ (ا)لرُّحّبُ وَلزِّلْزَالُ خَيْراً يَرَهْ بِهَا وَشَرًّا يَرَهْ حَرْفَيْهِ سَكِّنْ (لِـ)ـيَسْهُلاَ
الرحب السعة أشار إلى شهرته وصحته أي يجد المتصدي لنصرة القصر رحبا وسعة ومجالا من نقل ذلك لغة وقوة تعليلية فالذين قصروا يرضه حمزة وعاصم وهشام ، بخلاف عنه ونافع ، ثم قال والزلزال أي وسورة الزلزال يعني (إذا زلزلت الأرض زلزالها) ، وهو مبتدأ وسكن خبره والعائد إلى المبتدإ الضمير في بها وأنثه لأنه ضمير السورة ، (خيرا يره) و (شرا يره) ، مفعول سكن وحرفيه صفة لهما يفيد التأكيد ، وإنما أكثر من هذا البيان ولم يكتف بقوله يره كما نص على ألقه ويتقه ويؤده وغير ذلك حذرا من التي في سورة البلد قوله (لم يره أحد) ، فتلك لم يذكر في التيسير فيها خلافا وذكره في غيره والهاء في حرفيه تعود على لفظ الزلزال ويجوز أن يكون بدلا من خيرا يره وشرا يره بدل البعض من الكل ويعني بحرفيه هاءى الكناية في هذا اللفظ وكأن الوجه على هذا أن يقول حرفيهما وإنما وحد ردا على يره لأنه لفظ واحد تكرر والألف في ليسهلا للتثنية أي ليسهل الحرفان بالإسكان ويجوز أن يكون خبر الزلزال قوله خيرا يره بها وشرا يره ، ثم قال سكن حرفي هذا اللفظ كما تقول الدار بها زيد وعمرو أكرمهما ، وقيل أشار بقوله ليسهلا إلى ثقل الصلة هنا من جهة أن بعد كل هاء منهما واو فيلتقي واوان في قوله يرهو ومن يعمل يرهو والعاديات لأن هذه الصلة إنما اعتبارها في الوصل وأما الوقف فبالإسكان لا صلة فيه لجميع القراء في جميع الهاءات وقد تقدم ذكره ، فإن قلت هذه المواضع التي نص لبعض القراء على إسكانها من أين تعلم قراءة الباقين ، قلت قد سبق الإعلام بها في قوله وما قبله التحريك للكل وصلا وهذه المواضع المسكنة كلها قبل هاآتها متحركات فكأنه قال القراء كلهم على صلة الهاء إذا تحرك ما قبلها ، واستثنى هؤلاء هذه المواضع فأسكنوها والله أعلم
(166)
وَعى (نَفَرٌ) أَرْجِئْهُ بِالْهَمْزِ سَاكِناً وَفي الْهَاءِ ضَمٌّ (لَـ)ـفَّ (دَ)عْوَاهُ (حَـ)ـرْمَلاَ
أرجئه موضعان في الأعراف والشعراء ومعنى وعى حفظ أي حفظ مدلول نفر وهم ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر أرجئه بهمزة ساكنة وحفظ الباقون بلا همز وهما لغتان فصيحتان قرئ بهما قوله تعالى (وآخرون مرجئون)-(وترجي من تشاء) ، ونفر همزوا الجميع يقال أرجأت الأمر إذا أخرته وبعض العرب يقول أرجيت كما يقول أخطيت وتوضيت فلا يهمز حكاه الجوهري وقوله بالهمز يؤخذ منه أن قراءة الباقين بلا همز ولم تكن له حاجة إلى قوله ساكنا فإنه قد لفظ به كذلك ، فإن قلت فيه زيادة بيان ، قلت صدقت ولكنه يلبس الضد إذ يلزم من ذلك أن يكون الضد فتح الهمز كقوله (ويطهرن) في الطاء السكون (والأيكة) اللام ساكن (منسأته) سكون همزته ماض فإنه ضد السكون فيها فتح الطاء واللام والهمزة ، وعذره في ذلك أن الهمز هو صاحب الضد فضده لا همز كما ذكر ذلك في (الصابئين) و (الأيكة) ولم يقدح في ذلك وصفه الهمز بالسكون وهذا كما أن الحركة ضدها السكون ولا يقدح في ذلك ذكره الكسر والضم والفتح معها على ما مهدناه في شرح الخطبة وساكنا حال من الهمز ، ولو قال مكانه فيهما لكان جيدا وارتفع الإيهام المذكور أي في الموضعين ، ثم ذكر أن جميع من همز أرجئه ضم الهاء إلا ابن ذكوان فإنه كسرها ، واستبعدت قراءته وتكلم فيها من جهة أن الهاء إنما تكسر بعد كسر أو ياء ساكنة وحقها الضم في غير ذلك فأرجئه مثل منه وزنه وأهبه ، وقد اعتذر له بأن الهمز لم يعتد به حاجزا لقبوله الإبدال فكأن الهاء وليت الجيم المكسورة أو كأنها بعد ياء ساكنة في التقدير لو أبدلت الهمزة ياء ، ويضعف هذا الاعتذار وجوه ، الأول أن الهمز معتد به حاجزا بإجماع في (أنبئهم ونبئهم) والحكم واحد في ضمير الجمع والمفرد فيما يرجع إلى الكسر والضم ، الثاني أنه كان يلزمه صلة الهاء إذ هي في حكمه كأنها قد وليت الجيم ، الثالث أن الهمز لو قلب ياء لكان الوجه المختار ضم الهاء مع صريح الياء نظرا إلى أن أصلها همزة فما الظن بمن يكسر الهاء مع صريح الهمزة وسيأتي تحقيق ذلك في باب وقف حمزة فضم الهاء مع الهمز هو الوجه فلهذا قال فيه لف دعواه حرملا والهاء في دعواه للضم ، والحرمل ثبت معروف له في الأدوية مدخل أشار بذلك إلى ظهور وجه الضم مع الهمز ، أي في طي الدعوى به ما يبين حسنه وجودة القراءة به ، وذكر ابن جني في كتابه المحتسب قال وروى عن ابن عامر (أنبئهم) بهمزة وكسر الهاء ، قال ابن مجاهد وهذا لا يجوز ، قال ابن جنى طريقه أن هذه الهمزة ساكنة والساكن ليس بحاجز حصين عندهم فكأن لا همز هناك أصلا ، ثم قرر ذلك بنحو مما تقدم والله أعلم قال
(167)
وَأَسْكِنْ (نَـ)ـصِيراً (فَـ)ـازَ وَاكْسِرْ لِغَيْرِهِمْ وَصِلْهَا (جـ)ـوَاداً (دُ)ونَ (رَ)يْبٍ (لِـ)ـتُوصَلاَ
نصيرا حال من فاعل أسكن أي ناصرا فائزا بظهور الحجة وقد تقدم وجه الإسكان وقرأ به سنا عاصم وحمزة ولا همز في قراءتهما فصار أرجه كألقه وهما يسكنانهما وأبو عمرو وافقهما على ألقه ولم يمكنه الإسكان في أرجه لأنه يهمز ففي الإسكان جمع بين ساكنين ثم قال واكسر لغيرهم أي لغير الذين ضموا والذين سكنوا وهم نافع والكسائي وابن ذكوان ، وقد مضى الكلام في قراءة ابن ذكوان ونافع والكسائي كسرا الهاء لكسرة الجيم قبلها إذ ليسا من أصحاب الهمز ، ثم ذكر الذين وصلوا الهاء وهم أربعة اثنان من أصحاب الضم والهمز وهما ابن كثير وهشام واثنان من أصحاب الكسر بلا همز وهما الكسائي وورش وصلاها بياء على أصلهما في صلة ما قبله متحرك وابن كثير وصلها بواو على أصله في صلة ما قبله ساكن وهشام وافقه وخالف أصله في ترك صلة ما قبله ساكن فقد وافق ابن كثير على مذهبه في الصلة راويان كل واحد منهما في حرف واحد أحدهما في صلة الضم بواو وهو هشام في هذا الحرف ، والآخر في صلة الكسر بياء وهو حفص في (فيه مهانا) ، وقد تقدم وأبو عمرو ضم من غير صلة على أصله وقالون قصر الهاء فكسرها من غير صلة على أصله في المواضع المجزومة كلها ، فالحاصل أن في كلمة أرجه ست قراءات ثلاث لأصحاب الهمز لابن كثير وهشام وجه ولأبي عمرو وجه ولابن ذكوان وجه ، وثلاث لمن لم يهمز لعاصم وحمزة وجه ، وللكسائي وورش وجه ولقالون وجه وقد جمعت هذه القراءات الست في بيت واحد في النصف الأول قراءات الهمز الثلاث وفي النصف الآخر قراءات من لم يهمز الثلاث فقلت ، وأرجئه مل والضم خر صله دع لنا وأرجه ف نل صل جي رضي قصره بلا) ، فابتدأت بقراءة ابن ذكوان ولم أخف تصحيفها بغيرها إذ لا يمكن في موضعها من جهة الوزن شيء من القراءات الست إلا قراءة أبي عمرو وهي مبينة بعدها وقراءة قالون على زحاف في البيت وقراءة قالون سنبين في آخر البيت مع أن صورة الكتابة مختلفة فتعين ما ابتدأ به لابن ذكوان والله أعلم وجميع الكلمات المجزومة الخمسة عشر توصل بالياء إلا كلمتين يرضه ويره فإنهما يوصلان بالواو ، وفي أرجئه الوجهان من وصل هامزا فبالواو وغير الهامز يصل بالياء ، وقوله جوادا حال من فاعل صلها ، والريب الشك وقوله لتوصل من محاسن الكلام