[size=18][center][b](140)
خَلَقْ كُلَّ شَيْءٍ لَكْ قُصُوراً وأَظْهِرَا إِذَا سَكَنَ الْحَرْفُ الَّذِي قَبْلُ أُقْبِلاَ
نطق بالحرفين مدغمين في هذين المثالين ثم قال وأظهرا يعني القاف والكاف إذا سكن الحرف الذي قبلهما نحو (وفوق كل)-(وتركوك قائما) ، ويقال أقبلته الشيء إذا جعلته يلى قبالته يقال أقبلنا الرماح نحو القوم وأقبلنا الإبل أفواه الوادي فهذه ثلاثة أحرف من الستة عشر الحاء والقاف والكاف ثم ذكر الجيم فقال
(141)
وَفي ذِي المَعَارِجِ تَعْرُجُ الْجِيمُ مُدْغَمٌ وَمِنْ قَبْلُ أَخْرَجَ شَطْأَهُ قَدْ تَثَقَّلاَ
أي أدغم حرف الجيم في حرفين التاء في (ذي المعارج تعرج) والشين في (أخرج شطأه) ، وهو قبل ذي المعارج في تأليف القرآن وليس لهما نظير وحكى الإظهار فيهما وقوله قد تثقلا أي أدغم ثم ذكر الشين والضاد فقال
(142)
وَعِنْدَ سَبِيلاً شِينُ ذِي الْعَرْشِ مُدْغَمٌ وَضَادُ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ مُدْغَمًا تَلاَ
أراد قوله تعالى في سبحان (إلى ذي العرش سبيلا) ، ولا يجوز عند النحويين إدغام الشين والضاد إلا في مثلهما ولم يلتق منهما مثلان في القرآن ويجوز في قوله وضاد الرفع على الابتداء وتلا خبره أي تبع ما قبله في حال كونه مدغما ويجوز نصبه على أنه مفعول تلا وفاعله ضمير يعود على أبي عمرو أي تلاه أبو عمرو أي قرأه مدغما
(143)
وَفي زُوِّجَتْ سِينُ النُّفُوسِ وَمُدْغَمٌ لَهُ الرَّأْسُ شَيْبًا بِاخْتِلاَفٍ تَوَصَّلاَ
أي وأدغمت سين النفوس في زاي زوجت من قوله تعالى (وإذا النفوس زوجت) وموضع قوله (الرأس شيبا) ، رفع بالابتداء وقوله ومدغم له خبر مقدم عليه والضمير في له لأبي عمرو ويقال توصل إليه أي تلطف في الوصول إليه أي وصل الخلاف إلى هذا الحرف ففي هذا البيت إدغام السين في حرفين ثم قال
(144)
وَلِلدَّالِ كَلْمٌ (تُـ)رْبُ (سَـ)ـهْلٍ (ذَ)كَا (شَـ)ـذاً (ضَـ)ـفَا (ثُـ)ـمَّ (زُ)هْدٌ (صِـ)ـدْقُهُ (ظَ)ـاهِرٌ (جـَ)ـلاَ
أي وللدال كلم تدغم عندها وهي ما وافق أوائلها أوائل هذه الكلمات العشر في هذا البيت من قوله ترب سهل إلى قوله جلا ، وضمن في هذا البيت الثناء على أبي محمد سهل بن عبد الله التستري أحد أولياء الله المشهورين ، قال القشيري في رسالته هو أحد أئمة القوم ولم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع وكان صاحب كرامات ، لقي ذا النون المصري بمكة سنة حج توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقيل ثلاث وسبعين والترب والتراب وذكا من قولهم ذكت النار تذكو ذكا مقصور أي اشتعلت والشذا حدة الرائحة أي فاحت رائحة ترابه يشير بذلك إلى الثناء عليه وما ظهر من كرامته وأعماله الصالحة وشذا منصوب على التمييز أي ذكا شذاه وصفا طال يشير إلى كثرة ذلك وثم بفتح الثاء بمعنى هناك أي دفن في ذلك التراب زهد ظاهر الصدق لم يكن عن رياء ولا تصنع وجلا بمعنى كشف أي أو صح الزهد أمر سهل رحمة الله عليه وأبان أنه من خيار عباد الله ، وقال الشيخ أراد جلاء بالمد وهو منصوب على التمييز أي صدق ذلك الزهد ظاهر أي بين مكشوف جلاء مثال إدغام الدال في الحروف العشرة ، (في المساجد تلك)-(عدد سنين)-(والقلائد ذلك)-(وشهد شاهد)-(من بعد ضراء)-(يريد ثواب)-(تريد زينة)-(نفقد صواع)-(من بعد ظلمه)-(داود جالوت) وفي (دار الخلد جزاء) خلاف ، ثم ذكر حكم الدال بعد الساكن فقال
(145)
وَلَمْ تُدَّغَمْ مَفْتُوحَةً بَعْدَ سَاكِنٍ بِحَرْفٍ بِغَيْرِ التَّاءِ فَاعْلَمْهُ وَاعْمَلاَ
تدغم وتدغم لغتان بفتح الدال المشددة وإسكانها أي إذا انفتحت الدال وقبلها ساكن لم تدغم في غير التاء فالباء في بحرف وفي بغير التاء بمعنى في وبغير التاء بدل من قوله بحرف على إعادة العامل والألف في واعملا بدل من نون التأكيد ، فمثال الدال المفتوحة مع غير التاء (لداود سليمان)-(بعد ذلك زنيم)-(آل داود شكرا)-(وآتينا داود زبورا)-(بعد ضراء مسته)-(بعد ظلمه)-(بعد ثبوتها) ، فهذا كله لا يدغم ، ومثالها مع التاء (كاد تزيغ)-(بعد توكيدها) ، ولا ثالث لهما فهذان يدغمان لأن التاء من مخرج الدال فكأنهما مثلان فإن كسرت الدال أو ضمت بعد ساكن أدغمت نحو (من بعد ذلك)-(وقتل داود جالوت)
(146)
وفِى عَشْرِهَا وَالطَّاءِ تُدْغَمُ تَاؤُهَا وَفي أَحْرُفٍ وَجْهَانِ عَنْهُ تَهَلَّلاَ
أي والتاء تدغم في حروف الدال العشرة وفي الطاء إلا أن من جملة حروف الدال العشرة التاء فيكون إدغام التاء فيها من باب المثلين وإنما لم يستننها لحصول الغرض مع الاختصار من غير إلباس فإذا أسقطت التاء من العدد عددت الطاء عوضها فيكمل للتاء أيضا عشرة أحرف ولم يلق الدال طاء في القرآن فلهذا لم يذكر الطاء في حروفها وكذا لم يلق التاء دالا في القرآن إلا والتاء ساكنة نحو (أجيبت دعوتكما) ، وذلك واجب الإدغام كما سيأتي فلهذا أيضا لم يذكر الدال في حروف التاء والهاء في عشرها للدال وفي تائها يجوز أن يكون للدال ويجوز أن يكون للعشر وأن يكون للحروف السابقة الستة عشر ، وفي شرح الشيخ لك أن تعيد الضمير في عشرها على الأحرف السابقة التي للدال وهو مشكل فإنه من إضافة الشيء إلى نفسه وذلك غير جائز فمثال إدغام التاء في الطاء (الملائكة طيبين) ومع السين (بالساعة سعيرا) ومع الذال (والذاريات ذروا) ومع الشين (بأربعة شهداء) ومع الضاد (والعاديات ضبحا) ولا ثاني له ومع الثاء (والنبوة ثم يقول) ومع الزاي (إلى الجنة زمرا) ومع الصاد (والملائكة صفا) ومع الظاء (والملائكة ظالمي) ، في النساء والنحل ليس غيره ومع الجيم (وعملوا الصالحات جناح) ، ولم يذكر في التاء ما ذكره للدال من كونها لم تدغم مفتوحة بعد ساكن لأن التاء لم تقع كذلك إلا وهي حرف خطاب وهو قد علم استثناؤه نحو (دخلت جنتك)-(وأوتيت سؤلك) ، إلا في مواضع وقعت فيها مفتوحة بعد ألف فهي على قسمين منها ما نقل فيها الخلاف وهي الأربعة المذكورة في البيت الآتي وهي المشار إليها بقوله وفي أحرف وجهان عنه تهللا والألف في تهللا ضمير الوجهين أي استنارا وظهرا ونقلا عن أبي عمرو ومنها موضع واحد لا خلاف في إدغامه وهو قوله (وأقم الصلاة طرفي النهار) ، لأن الطاء من مخرج التاء فهو كاستثناء التاء مع الدال لأن الثلاثة من مخرج واحد ولو اتفق أن وقعت الطاء بعد الدال المفتوحة بعد ساكن لكان هذا حكمها ، وأما (بيت طائفة) ، فأكثر المصنفين في الإدغام لا يذكرونه في الإدغام الكبير بل يذكرونه في سورته ، وسببه أن أبا عمرو كان يدغمه وإن لم يقرأ بالإدغام الكبير وهو معنى قولهم إنه كان يدغمه في الأحوال كلها وبعضهم يقول في الحالين أي سواء قرأ بالإدغام أو بالإظهار فهذا الموضع لابد من إدغامه عنده ، ثم اختلفوا هل هو من قبيل الإدغام الكبير أو الصغير وهو مبني على أن التاء في قراءته مفتوحة أو ساكنة والظاهر أنها مفتوحة كقراءة الجماعة فيكون من باب الإدغام الكبير وقد بينا وجه الخلاف في ذلك في الشرح الكبير
(147)
فَمَعَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ الزَّكَاةَ قُلْ وَقُلْ آتِ ذَا الْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ عَلاَ
أي قل هي الزكاة مع حملوا التوراة ولو قال الزكاة ثم قل آت لكان أولى لأنه أبين لموضع الإدغام وتخلص من تكرار قل أراد قوله تعالى في البقرة (وآتوا الزكاة ثم توليتم) ، وفي سورة الجمعة (حملوا التوراة ثم لم يحملوها) ، وأراد بقوله آت ذل قوله تعالى (وآت ذا القربى) ، في سورة سبحان وفي سورة الروم (فآت ذا القربى) ، وبين الذال ولام التعريف من القربي ألفان أحدهما ألف ذا والأخرى همزة الوصل في القربى وهي تسقط في الدرج وسقطت ألف ذا لأجل لام التعريف بعدها لكونها ساكنة فلهذا كتبتها أناذل بإسقاط الألفين على صورة اللفظ ويقع في النسخ بالألفين على الأصل وقطع لام التعريف مما دخلت عليه جائز في الشعر كقوله دع ذا وقدم ذا وألحقنا بذل وقصد الناظم بذلك زيادة البيان وإلا فكان يمكنه أن يقول وقل آت ذا والهمزة في (ولتأت طائفة) تبدل ألفا في قراءة المدغم فجاءت التاء في هذه المواضع الأربعة بعد ألف فوجه الخلاف في التوراة والزكاة كونها مفتوحة بعد ساكن فخفت فلم تدغم ووجه الخلاف في آت ولتأت ما تقدم في (ومن يبتغ غير الإسلام) ، لأنها كلها من المجزوم ولا خلاف في إظهار (ولم يؤت سعة) ، وهو مثلهما وليس قوله علا رمزا لأن الباب كله لأبي عمرو وقد تقدم قوله وفي أحرف وجهان عنه
(148)
وَفي جِئْتِ شَيْئًا أَظْهَرُوا لِخِطَابِهِ وَنُقْصَانِهِ وَالْكَسْرُ الإِدْغَامَ سَهَّلاَ
يريد قوله في سورة مريم عليها السلام ، (لقد جئت شيئا فريا) ، بكسر التاء فهذا الذي اختلف فيه فأما مفتوح التاء فلا خلاف في إظهاره وهو موضعان في الكهف (لقد جئت شيئا إمرا)-(فقد جئت شيئا نكرا) ، لأن تاء الخطاب لم تدغم في المثلين ففي المتقاربين أولى أن لا تدغم فعلل وجه الإظهار بالخطاب يعني بالخطاب الموجود فيه تاء الخطاب وأما مجرد الخطاب فغير مانع من الإدغام بدليل إدغام (لك كيدا) و(إنك كنت) ، ونحوه وعلل أيضا بالنقصان وهو حذف عين الفعل لسكون ما قبل تاء الخطاب وهذا مطرد في كل فعل معتل الوسط نحو قمت وبعت وسرت ووجه الإدغام ثقل الكسرة في التاء وهي ضمير تأنيث فهو الذي سهل الإدغام بخلاف ما في الكهف وبخلاف ثقل الضم في (كنت ترابا)
(149)
وَفي خَمْسَةٍ وَهْيَ الأَوائِلُ ثَاؤُهَا وَفي الصَّادِ ثُمَّ السِّينِ ذَالٌ تَدَخَّلاَ
الهاء في ثاؤها كما تقدم في تاؤها تعود على الحروف السابقة أو على الدال أو على عشرها أي أدغمت الثاء المثلثة في خمسة أحرف وهي الخمسة الأوائل من حروف الدال يريد أوائل كلمات ترب سهل ذكا شذا ضفا مثال ذلك ، (حيث تؤمرون)-(وورث سليمان)-(والحرث ذلك) و(حيث شئتم)-(وحديث ضيف) وليس غيره ، ثم ذكر أن الذال المعجمة أدغمت في السين والصاد المهملتين وذلك في (فاتخذ سبيله) ، في الكهف في موضعين وفي الجن موضع (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) ، والتدخل بمعنى الدخول يقال تدخل الشيء إذا دخل قليلا قليلا ومثله تحصل من حصل وتعلم من علم
(150)
وَفي الَّلامِ رَاءٌ وَهْيَ في الرَّا وَاُظْهِرَا إِذا انْفَتَحَا بَعدَ المُسَكَّنِ مُنْرَلاَ
أي إذا أدغمت اللام في الراء والراء في اللام ونحو (كمثل ريح)-(هن أطهر لكم) ، وفي إدغام الراء ضعف عند نحاة البصرة وإذا انفتحا بعد مسكن أظهرا نحو (فعصوا رسول ربهم)-(إن الأبرار لفي) ، ومنزلا حال من ضمير المسكن المقدر فيه وأنت ضمير اللام في قوله وهي ، ثم ذكر ضمير اللام والراء معا في قوله وأظهرا إذا انفتحا جمعا بين اللغتين وقصر الراء ضرورة
(151)
سِوَى قالَ ثُمَّ النُّونُ تُدْغَمُ فِيهِمَا عَلَى إِثْرِ تَحْرِيكٍ سِوَى نَحْنُ مُسْجَلاَ
يعني سوى كلمة قال فإنها أدغمت في كل راء بعدها وإن كانت اللام مفتوحة وقبلها حرف ساكن وهو الألف نحو (قال ربي)-(قل رجلان)-(وقال ربكم) ، لأن ذلك كثير الدور في القرآن فخفف بالإدغام بخلاف (فيقول رب)-(رسول ربهم) ونحوه ، ثم ذكر أن النون تدغم فيهما أي في الراء واللام بشرط أن يتحرك ما قبلهما وهو معنى قوله على إثر تحريك أي تكون النون بعد محرك مثل (وإذ تأذن ربك)-(خزائن رحمة ربي)-(لن نؤمن لك)-(من بعد ما تبين لهم) ، فإن وقع قبل النون ساكن لم تدغم مطلقا سواء كان ذلك الساكن ألفا أو غيرها وسواء كانت النون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة نحو (يخافون ربهم)-(بإذن ربهم)-(أنى يكون له الملك) ، ولهذا قال مسجلا أي يشترط التحريك قبلها مطلقا في جميع أحوال النون وليس الأمر فيها كما سبق في اللام والراء من أنه لم يستثن من ذلك إلا المفتوح بعد ساكن ، ثم قال الشيخ الشاطبي رحمه الله سوى نحن أي استثنى مما قبل النون فيه ساكن كلمة نحن فأدغمت في اللام بعدها حيث أتت نحو (ونحن له)-(وما نحن لك) ، وهو عشرة مواضع ومسجلا حال من فاعل تدغم العائد على النون أو هو نعت مصدر محذوف أي إدغاما مطلقا ويجوز أن يكون حالا من نحن أي في جميع القرآن والأول أولى والله أعلم
(152)
وَتُسْكُنُ عَنْهُ الْمِيمُ مِنْ قَبْلِ بَائِهَا عَلَى إِثْرِ تَحْرِيكٍ فَتَخْفَى تَنَزُّلاَ
عنه يعني عن أبي عمرو والهاء في بائها تعود على الحروف السابقة أو على الميم وتخفي عطف على تسكن غير أن تاء تخفي مفتوحة وتاء تسكن مضمومة وتنزلا تمييز وقوله على إثر تحريك أي تكون الميم بعد محرك نحو (آدم بالحق)-(أعلم بالشاكرين)-(علم بالقلم)-(حكم بين العباد) والمصنفون في التعبير عن هذا مختلفون فمنهم من يعبر عنه بالإدغام كما يطلق على ما يفعل بالنون الساكنة والتنوين عند الواو والياء أنه إدغام وإن بقي لكل واحد منهم غنه كما يبقى الإطباق في الحرف المطبق إذا أدغم ومنهم من يعبر عنه بالإخفاء لوجود الغنة وهي صفة لازمة للميم الساكنة فلم يكن إدغاما محضا فإن سكن ما قبل الميم أظهرت نحو (إبراهيم بنيه)-(اليوم بجالوت)-(وأولوا الأرحام بعضهم) وقيل في ذلك خلاف
(153)
وَفي مَنْ يَشَاءُ با يُعَذِّبُ حَيْثُمَا أَتَى مُدْغَمٌ فَادْرِ الأُصُولَ لِتَأْصُلاَ
أي وإدغام الباء من كلمة (يعذب) في (من يشاء) حيث أتى في القرآن (يعذب من يشاء) ، بضم الباء وهو خمسة مواضع سوى الذي في البقرة فإنه ساكن الباء في قراءة أبي عمرو فهو واجب الإدغام عنده من جهة الإدغام الصغير لا الإدغام الكبير ولهذا وافقه عليه جماعة على ما سنذكره فقوله با مبتدأ وقصره ضرورة ومدغم خبره وما عدا كلمة يعذب لا يدغم باؤها في الميم نحو (ضرب مثل)-(سنكتب ما قالوا) ، لأنه اقتون بكلمة بعذب ما يجب إدغامه في أصله وهو (يرحم من)-(ويغفر لمن) ، إما قبلها أو بعدها فطرد الإدغام فيه موافقة لما جاورها فهذا آخر ذكر إدغام الحروف الستة عشر ولهذا ختم ذلك بقوله فادر الأصول أي قف على أصول الإدغام وحصلها لتأصلا أي لتشرف يقال رجل أصيل الرأي أي محكم الرأي وقد أصل أصالة ، ثم لما فرغ من تفصيل الحروف المدغمة في باب المتقاربين ذكر بعد ذلك ثلاث قواعد تتعلق بجميع باب الإدغام الكبير مثليا كان أو متقاربيا كل قاعدة في بيت فقال في القاعدة الأولى
(154)
وَلاَ يَمْنَعُ الإِدْغامُ إِذْ هُوَ عَارِضٌ إِمَالَةَ كَالأَبْرَارِ وَالنَّارِ أُثْقِلاَ
أثقلا أي ثقيلا وهو حال من الإدغام يريد بالثقل التشديد الحاصل بالإدغام ولم يرد أنه أثقل لفظا من الإظهار لأنه ما أدغم إلا طلبا للخفة وإذ هو عارض ظرف خرج مخرج التعليل ، وقد سبق تحقيق القول فيه في شرح قوله إذ ما نسوه فيمحلا وإمالة مفعول يمنع وسقط التنوين منه لإضافته إلى كالأبرار وهو مشكل فإنه ليس في القرآن كالأبرار بالكاف فالوجه أن يقال هو مضاف إلى الكاف وحدها وهي هنا اسم بمعنى مثل كقول الراجز ، (يضحكن عن كالبرد المثهم ) ، أي إمالة مثل الأبرار ويجوز أن تكون الكاف ضمير المخاطب والأبرار مفعول إمالة أي إمالتك الأبرار فهو مثل قوله وإضجاعك التوراة والناظم رحمه الله كان ضريرا فأملى هذا اللفظ فسبق إلى ذهن الكاتب السامع منه أنها كاف التشبيه فكتبها متصلة بالأبرار والله أعلم أي لا يمنع الإدغام في حال ثقله إمالة الألف في نحو (وتوفنا مع الأبرار ربنا)-(إن كتاب الأبرار لفي علين) ، لزوال الكسر الموجب للإمالة بالإدغام وعلة ذلك أن الإدغام عارض فكأن الكسرة موجودة وهو كالوقف الذي تحذف الحركة فيه أيضا فهي وإن حذفت مرادة منوية وهذه مسألة من مسائل الإمالة فبابها أليق من باب الإدغام ، وقد ذكر في باب الإمالة أن عروض الوقف لا يمنع الإمالة فالإدغام معه كذلك ، وكان يغنيه عن البيتين هنا وثم أن يقول ، (ولا يمنع الإدغام والوقف ساكنا إمالة ما للكسر في الوصل ميلا) ، فيستغني عن بيتين مفرقين في بابين بهذا البيت الواحد في باب الإمالة ، ثم ذكر القاعدة الثانية فقال
خَلَقْ كُلَّ شَيْءٍ لَكْ قُصُوراً وأَظْهِرَا إِذَا سَكَنَ الْحَرْفُ الَّذِي قَبْلُ أُقْبِلاَ
نطق بالحرفين مدغمين في هذين المثالين ثم قال وأظهرا يعني القاف والكاف إذا سكن الحرف الذي قبلهما نحو (وفوق كل)-(وتركوك قائما) ، ويقال أقبلته الشيء إذا جعلته يلى قبالته يقال أقبلنا الرماح نحو القوم وأقبلنا الإبل أفواه الوادي فهذه ثلاثة أحرف من الستة عشر الحاء والقاف والكاف ثم ذكر الجيم فقال
(141)
وَفي ذِي المَعَارِجِ تَعْرُجُ الْجِيمُ مُدْغَمٌ وَمِنْ قَبْلُ أَخْرَجَ شَطْأَهُ قَدْ تَثَقَّلاَ
أي أدغم حرف الجيم في حرفين التاء في (ذي المعارج تعرج) والشين في (أخرج شطأه) ، وهو قبل ذي المعارج في تأليف القرآن وليس لهما نظير وحكى الإظهار فيهما وقوله قد تثقلا أي أدغم ثم ذكر الشين والضاد فقال
(142)
وَعِنْدَ سَبِيلاً شِينُ ذِي الْعَرْشِ مُدْغَمٌ وَضَادُ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ مُدْغَمًا تَلاَ
أراد قوله تعالى في سبحان (إلى ذي العرش سبيلا) ، ولا يجوز عند النحويين إدغام الشين والضاد إلا في مثلهما ولم يلتق منهما مثلان في القرآن ويجوز في قوله وضاد الرفع على الابتداء وتلا خبره أي تبع ما قبله في حال كونه مدغما ويجوز نصبه على أنه مفعول تلا وفاعله ضمير يعود على أبي عمرو أي تلاه أبو عمرو أي قرأه مدغما
(143)
وَفي زُوِّجَتْ سِينُ النُّفُوسِ وَمُدْغَمٌ لَهُ الرَّأْسُ شَيْبًا بِاخْتِلاَفٍ تَوَصَّلاَ
أي وأدغمت سين النفوس في زاي زوجت من قوله تعالى (وإذا النفوس زوجت) وموضع قوله (الرأس شيبا) ، رفع بالابتداء وقوله ومدغم له خبر مقدم عليه والضمير في له لأبي عمرو ويقال توصل إليه أي تلطف في الوصول إليه أي وصل الخلاف إلى هذا الحرف ففي هذا البيت إدغام السين في حرفين ثم قال
(144)
وَلِلدَّالِ كَلْمٌ (تُـ)رْبُ (سَـ)ـهْلٍ (ذَ)كَا (شَـ)ـذاً (ضَـ)ـفَا (ثُـ)ـمَّ (زُ)هْدٌ (صِـ)ـدْقُهُ (ظَ)ـاهِرٌ (جـَ)ـلاَ
أي وللدال كلم تدغم عندها وهي ما وافق أوائلها أوائل هذه الكلمات العشر في هذا البيت من قوله ترب سهل إلى قوله جلا ، وضمن في هذا البيت الثناء على أبي محمد سهل بن عبد الله التستري أحد أولياء الله المشهورين ، قال القشيري في رسالته هو أحد أئمة القوم ولم يكن له في وقته نظير في المعاملات والورع وكان صاحب كرامات ، لقي ذا النون المصري بمكة سنة حج توفي سنة ثلاث وثمانين ومائتين وقيل ثلاث وسبعين والترب والتراب وذكا من قولهم ذكت النار تذكو ذكا مقصور أي اشتعلت والشذا حدة الرائحة أي فاحت رائحة ترابه يشير بذلك إلى الثناء عليه وما ظهر من كرامته وأعماله الصالحة وشذا منصوب على التمييز أي ذكا شذاه وصفا طال يشير إلى كثرة ذلك وثم بفتح الثاء بمعنى هناك أي دفن في ذلك التراب زهد ظاهر الصدق لم يكن عن رياء ولا تصنع وجلا بمعنى كشف أي أو صح الزهد أمر سهل رحمة الله عليه وأبان أنه من خيار عباد الله ، وقال الشيخ أراد جلاء بالمد وهو منصوب على التمييز أي صدق ذلك الزهد ظاهر أي بين مكشوف جلاء مثال إدغام الدال في الحروف العشرة ، (في المساجد تلك)-(عدد سنين)-(والقلائد ذلك)-(وشهد شاهد)-(من بعد ضراء)-(يريد ثواب)-(تريد زينة)-(نفقد صواع)-(من بعد ظلمه)-(داود جالوت) وفي (دار الخلد جزاء) خلاف ، ثم ذكر حكم الدال بعد الساكن فقال
(145)
وَلَمْ تُدَّغَمْ مَفْتُوحَةً بَعْدَ سَاكِنٍ بِحَرْفٍ بِغَيْرِ التَّاءِ فَاعْلَمْهُ وَاعْمَلاَ
تدغم وتدغم لغتان بفتح الدال المشددة وإسكانها أي إذا انفتحت الدال وقبلها ساكن لم تدغم في غير التاء فالباء في بحرف وفي بغير التاء بمعنى في وبغير التاء بدل من قوله بحرف على إعادة العامل والألف في واعملا بدل من نون التأكيد ، فمثال الدال المفتوحة مع غير التاء (لداود سليمان)-(بعد ذلك زنيم)-(آل داود شكرا)-(وآتينا داود زبورا)-(بعد ضراء مسته)-(بعد ظلمه)-(بعد ثبوتها) ، فهذا كله لا يدغم ، ومثالها مع التاء (كاد تزيغ)-(بعد توكيدها) ، ولا ثالث لهما فهذان يدغمان لأن التاء من مخرج الدال فكأنهما مثلان فإن كسرت الدال أو ضمت بعد ساكن أدغمت نحو (من بعد ذلك)-(وقتل داود جالوت)
(146)
وفِى عَشْرِهَا وَالطَّاءِ تُدْغَمُ تَاؤُهَا وَفي أَحْرُفٍ وَجْهَانِ عَنْهُ تَهَلَّلاَ
أي والتاء تدغم في حروف الدال العشرة وفي الطاء إلا أن من جملة حروف الدال العشرة التاء فيكون إدغام التاء فيها من باب المثلين وإنما لم يستننها لحصول الغرض مع الاختصار من غير إلباس فإذا أسقطت التاء من العدد عددت الطاء عوضها فيكمل للتاء أيضا عشرة أحرف ولم يلق الدال طاء في القرآن فلهذا لم يذكر الطاء في حروفها وكذا لم يلق التاء دالا في القرآن إلا والتاء ساكنة نحو (أجيبت دعوتكما) ، وذلك واجب الإدغام كما سيأتي فلهذا أيضا لم يذكر الدال في حروف التاء والهاء في عشرها للدال وفي تائها يجوز أن يكون للدال ويجوز أن يكون للعشر وأن يكون للحروف السابقة الستة عشر ، وفي شرح الشيخ لك أن تعيد الضمير في عشرها على الأحرف السابقة التي للدال وهو مشكل فإنه من إضافة الشيء إلى نفسه وذلك غير جائز فمثال إدغام التاء في الطاء (الملائكة طيبين) ومع السين (بالساعة سعيرا) ومع الذال (والذاريات ذروا) ومع الشين (بأربعة شهداء) ومع الضاد (والعاديات ضبحا) ولا ثاني له ومع الثاء (والنبوة ثم يقول) ومع الزاي (إلى الجنة زمرا) ومع الصاد (والملائكة صفا) ومع الظاء (والملائكة ظالمي) ، في النساء والنحل ليس غيره ومع الجيم (وعملوا الصالحات جناح) ، ولم يذكر في التاء ما ذكره للدال من كونها لم تدغم مفتوحة بعد ساكن لأن التاء لم تقع كذلك إلا وهي حرف خطاب وهو قد علم استثناؤه نحو (دخلت جنتك)-(وأوتيت سؤلك) ، إلا في مواضع وقعت فيها مفتوحة بعد ألف فهي على قسمين منها ما نقل فيها الخلاف وهي الأربعة المذكورة في البيت الآتي وهي المشار إليها بقوله وفي أحرف وجهان عنه تهللا والألف في تهللا ضمير الوجهين أي استنارا وظهرا ونقلا عن أبي عمرو ومنها موضع واحد لا خلاف في إدغامه وهو قوله (وأقم الصلاة طرفي النهار) ، لأن الطاء من مخرج التاء فهو كاستثناء التاء مع الدال لأن الثلاثة من مخرج واحد ولو اتفق أن وقعت الطاء بعد الدال المفتوحة بعد ساكن لكان هذا حكمها ، وأما (بيت طائفة) ، فأكثر المصنفين في الإدغام لا يذكرونه في الإدغام الكبير بل يذكرونه في سورته ، وسببه أن أبا عمرو كان يدغمه وإن لم يقرأ بالإدغام الكبير وهو معنى قولهم إنه كان يدغمه في الأحوال كلها وبعضهم يقول في الحالين أي سواء قرأ بالإدغام أو بالإظهار فهذا الموضع لابد من إدغامه عنده ، ثم اختلفوا هل هو من قبيل الإدغام الكبير أو الصغير وهو مبني على أن التاء في قراءته مفتوحة أو ساكنة والظاهر أنها مفتوحة كقراءة الجماعة فيكون من باب الإدغام الكبير وقد بينا وجه الخلاف في ذلك في الشرح الكبير
(147)
فَمَعَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ الزَّكَاةَ قُلْ وَقُلْ آتِ ذَا الْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ عَلاَ
أي قل هي الزكاة مع حملوا التوراة ولو قال الزكاة ثم قل آت لكان أولى لأنه أبين لموضع الإدغام وتخلص من تكرار قل أراد قوله تعالى في البقرة (وآتوا الزكاة ثم توليتم) ، وفي سورة الجمعة (حملوا التوراة ثم لم يحملوها) ، وأراد بقوله آت ذل قوله تعالى (وآت ذا القربى) ، في سورة سبحان وفي سورة الروم (فآت ذا القربى) ، وبين الذال ولام التعريف من القربي ألفان أحدهما ألف ذا والأخرى همزة الوصل في القربى وهي تسقط في الدرج وسقطت ألف ذا لأجل لام التعريف بعدها لكونها ساكنة فلهذا كتبتها أناذل بإسقاط الألفين على صورة اللفظ ويقع في النسخ بالألفين على الأصل وقطع لام التعريف مما دخلت عليه جائز في الشعر كقوله دع ذا وقدم ذا وألحقنا بذل وقصد الناظم بذلك زيادة البيان وإلا فكان يمكنه أن يقول وقل آت ذا والهمزة في (ولتأت طائفة) تبدل ألفا في قراءة المدغم فجاءت التاء في هذه المواضع الأربعة بعد ألف فوجه الخلاف في التوراة والزكاة كونها مفتوحة بعد ساكن فخفت فلم تدغم ووجه الخلاف في آت ولتأت ما تقدم في (ومن يبتغ غير الإسلام) ، لأنها كلها من المجزوم ولا خلاف في إظهار (ولم يؤت سعة) ، وهو مثلهما وليس قوله علا رمزا لأن الباب كله لأبي عمرو وقد تقدم قوله وفي أحرف وجهان عنه
(148)
وَفي جِئْتِ شَيْئًا أَظْهَرُوا لِخِطَابِهِ وَنُقْصَانِهِ وَالْكَسْرُ الإِدْغَامَ سَهَّلاَ
يريد قوله في سورة مريم عليها السلام ، (لقد جئت شيئا فريا) ، بكسر التاء فهذا الذي اختلف فيه فأما مفتوح التاء فلا خلاف في إظهاره وهو موضعان في الكهف (لقد جئت شيئا إمرا)-(فقد جئت شيئا نكرا) ، لأن تاء الخطاب لم تدغم في المثلين ففي المتقاربين أولى أن لا تدغم فعلل وجه الإظهار بالخطاب يعني بالخطاب الموجود فيه تاء الخطاب وأما مجرد الخطاب فغير مانع من الإدغام بدليل إدغام (لك كيدا) و(إنك كنت) ، ونحوه وعلل أيضا بالنقصان وهو حذف عين الفعل لسكون ما قبل تاء الخطاب وهذا مطرد في كل فعل معتل الوسط نحو قمت وبعت وسرت ووجه الإدغام ثقل الكسرة في التاء وهي ضمير تأنيث فهو الذي سهل الإدغام بخلاف ما في الكهف وبخلاف ثقل الضم في (كنت ترابا)
(149)
وَفي خَمْسَةٍ وَهْيَ الأَوائِلُ ثَاؤُهَا وَفي الصَّادِ ثُمَّ السِّينِ ذَالٌ تَدَخَّلاَ
الهاء في ثاؤها كما تقدم في تاؤها تعود على الحروف السابقة أو على الدال أو على عشرها أي أدغمت الثاء المثلثة في خمسة أحرف وهي الخمسة الأوائل من حروف الدال يريد أوائل كلمات ترب سهل ذكا شذا ضفا مثال ذلك ، (حيث تؤمرون)-(وورث سليمان)-(والحرث ذلك) و(حيث شئتم)-(وحديث ضيف) وليس غيره ، ثم ذكر أن الذال المعجمة أدغمت في السين والصاد المهملتين وذلك في (فاتخذ سبيله) ، في الكهف في موضعين وفي الجن موضع (ما اتخذ صاحبة ولا ولدا) ، والتدخل بمعنى الدخول يقال تدخل الشيء إذا دخل قليلا قليلا ومثله تحصل من حصل وتعلم من علم
(150)
وَفي الَّلامِ رَاءٌ وَهْيَ في الرَّا وَاُظْهِرَا إِذا انْفَتَحَا بَعدَ المُسَكَّنِ مُنْرَلاَ
أي إذا أدغمت اللام في الراء والراء في اللام ونحو (كمثل ريح)-(هن أطهر لكم) ، وفي إدغام الراء ضعف عند نحاة البصرة وإذا انفتحا بعد مسكن أظهرا نحو (فعصوا رسول ربهم)-(إن الأبرار لفي) ، ومنزلا حال من ضمير المسكن المقدر فيه وأنت ضمير اللام في قوله وهي ، ثم ذكر ضمير اللام والراء معا في قوله وأظهرا إذا انفتحا جمعا بين اللغتين وقصر الراء ضرورة
(151)
سِوَى قالَ ثُمَّ النُّونُ تُدْغَمُ فِيهِمَا عَلَى إِثْرِ تَحْرِيكٍ سِوَى نَحْنُ مُسْجَلاَ
يعني سوى كلمة قال فإنها أدغمت في كل راء بعدها وإن كانت اللام مفتوحة وقبلها حرف ساكن وهو الألف نحو (قال ربي)-(قل رجلان)-(وقال ربكم) ، لأن ذلك كثير الدور في القرآن فخفف بالإدغام بخلاف (فيقول رب)-(رسول ربهم) ونحوه ، ثم ذكر أن النون تدغم فيهما أي في الراء واللام بشرط أن يتحرك ما قبلهما وهو معنى قوله على إثر تحريك أي تكون النون بعد محرك مثل (وإذ تأذن ربك)-(خزائن رحمة ربي)-(لن نؤمن لك)-(من بعد ما تبين لهم) ، فإن وقع قبل النون ساكن لم تدغم مطلقا سواء كان ذلك الساكن ألفا أو غيرها وسواء كانت النون مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة نحو (يخافون ربهم)-(بإذن ربهم)-(أنى يكون له الملك) ، ولهذا قال مسجلا أي يشترط التحريك قبلها مطلقا في جميع أحوال النون وليس الأمر فيها كما سبق في اللام والراء من أنه لم يستثن من ذلك إلا المفتوح بعد ساكن ، ثم قال الشيخ الشاطبي رحمه الله سوى نحن أي استثنى مما قبل النون فيه ساكن كلمة نحن فأدغمت في اللام بعدها حيث أتت نحو (ونحن له)-(وما نحن لك) ، وهو عشرة مواضع ومسجلا حال من فاعل تدغم العائد على النون أو هو نعت مصدر محذوف أي إدغاما مطلقا ويجوز أن يكون حالا من نحن أي في جميع القرآن والأول أولى والله أعلم
(152)
وَتُسْكُنُ عَنْهُ الْمِيمُ مِنْ قَبْلِ بَائِهَا عَلَى إِثْرِ تَحْرِيكٍ فَتَخْفَى تَنَزُّلاَ
عنه يعني عن أبي عمرو والهاء في بائها تعود على الحروف السابقة أو على الميم وتخفي عطف على تسكن غير أن تاء تخفي مفتوحة وتاء تسكن مضمومة وتنزلا تمييز وقوله على إثر تحريك أي تكون الميم بعد محرك نحو (آدم بالحق)-(أعلم بالشاكرين)-(علم بالقلم)-(حكم بين العباد) والمصنفون في التعبير عن هذا مختلفون فمنهم من يعبر عنه بالإدغام كما يطلق على ما يفعل بالنون الساكنة والتنوين عند الواو والياء أنه إدغام وإن بقي لكل واحد منهم غنه كما يبقى الإطباق في الحرف المطبق إذا أدغم ومنهم من يعبر عنه بالإخفاء لوجود الغنة وهي صفة لازمة للميم الساكنة فلم يكن إدغاما محضا فإن سكن ما قبل الميم أظهرت نحو (إبراهيم بنيه)-(اليوم بجالوت)-(وأولوا الأرحام بعضهم) وقيل في ذلك خلاف
(153)
وَفي مَنْ يَشَاءُ با يُعَذِّبُ حَيْثُمَا أَتَى مُدْغَمٌ فَادْرِ الأُصُولَ لِتَأْصُلاَ
أي وإدغام الباء من كلمة (يعذب) في (من يشاء) حيث أتى في القرآن (يعذب من يشاء) ، بضم الباء وهو خمسة مواضع سوى الذي في البقرة فإنه ساكن الباء في قراءة أبي عمرو فهو واجب الإدغام عنده من جهة الإدغام الصغير لا الإدغام الكبير ولهذا وافقه عليه جماعة على ما سنذكره فقوله با مبتدأ وقصره ضرورة ومدغم خبره وما عدا كلمة يعذب لا يدغم باؤها في الميم نحو (ضرب مثل)-(سنكتب ما قالوا) ، لأنه اقتون بكلمة بعذب ما يجب إدغامه في أصله وهو (يرحم من)-(ويغفر لمن) ، إما قبلها أو بعدها فطرد الإدغام فيه موافقة لما جاورها فهذا آخر ذكر إدغام الحروف الستة عشر ولهذا ختم ذلك بقوله فادر الأصول أي قف على أصول الإدغام وحصلها لتأصلا أي لتشرف يقال رجل أصيل الرأي أي محكم الرأي وقد أصل أصالة ، ثم لما فرغ من تفصيل الحروف المدغمة في باب المتقاربين ذكر بعد ذلك ثلاث قواعد تتعلق بجميع باب الإدغام الكبير مثليا كان أو متقاربيا كل قاعدة في بيت فقال في القاعدة الأولى
(154)
وَلاَ يَمْنَعُ الإِدْغامُ إِذْ هُوَ عَارِضٌ إِمَالَةَ كَالأَبْرَارِ وَالنَّارِ أُثْقِلاَ
أثقلا أي ثقيلا وهو حال من الإدغام يريد بالثقل التشديد الحاصل بالإدغام ولم يرد أنه أثقل لفظا من الإظهار لأنه ما أدغم إلا طلبا للخفة وإذ هو عارض ظرف خرج مخرج التعليل ، وقد سبق تحقيق القول فيه في شرح قوله إذ ما نسوه فيمحلا وإمالة مفعول يمنع وسقط التنوين منه لإضافته إلى كالأبرار وهو مشكل فإنه ليس في القرآن كالأبرار بالكاف فالوجه أن يقال هو مضاف إلى الكاف وحدها وهي هنا اسم بمعنى مثل كقول الراجز ، (يضحكن عن كالبرد المثهم ) ، أي إمالة مثل الأبرار ويجوز أن تكون الكاف ضمير المخاطب والأبرار مفعول إمالة أي إمالتك الأبرار فهو مثل قوله وإضجاعك التوراة والناظم رحمه الله كان ضريرا فأملى هذا اللفظ فسبق إلى ذهن الكاتب السامع منه أنها كاف التشبيه فكتبها متصلة بالأبرار والله أعلم أي لا يمنع الإدغام في حال ثقله إمالة الألف في نحو (وتوفنا مع الأبرار ربنا)-(إن كتاب الأبرار لفي علين) ، لزوال الكسر الموجب للإمالة بالإدغام وعلة ذلك أن الإدغام عارض فكأن الكسرة موجودة وهو كالوقف الذي تحذف الحركة فيه أيضا فهي وإن حذفت مرادة منوية وهذه مسألة من مسائل الإمالة فبابها أليق من باب الإدغام ، وقد ذكر في باب الإمالة أن عروض الوقف لا يمنع الإمالة فالإدغام معه كذلك ، وكان يغنيه عن البيتين هنا وثم أن يقول ، (ولا يمنع الإدغام والوقف ساكنا إمالة ما للكسر في الوصل ميلا) ، فيستغني عن بيتين مفرقين في بابين بهذا البيت الواحد في باب الإمالة ، ثم ذكر القاعدة الثانية فقال