سورة أم القرآن
(108)
وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (رَ)اوِيهِ (نَـ)ـاَصِرٌ وَعَنْدَ سِرَاطِ وَالسِّرَاطَ لِ قُنْبُلاَ
هذا من جملة المواضع التي استغنى فيها باللفظ عن القيد فلم يحتج إلى أن يقول ومالك بالمد أو مد أو نحو ذلك لأن الشعر لا يتزن على القراءة الأخرى فصار اللفظ كأنه مقيد فكأنه قال بالمد كما قال في موضع آخر وفي حاذرون المد أي قرأ مالك بالمد الكسائي وعاصم وقراءة الباقين بالقصر لأنه ضد المد والمد هنا هو إثبات الألف والقصر حذفها ، وكان التقييد ممكنا له لو قال ومالك ممدودا نصير رواته والقراءتان صحيحتان ثابتتان وكلا اللفظين من مالك وملك صفة لله تعالى ، وقد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الكلام في الترجيح بين هاتين القراءتين حتى إن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين وصحة اتصاف الرب سبحانه وتعالى بهما فهما صفتان لله تعالى يتبين وجه الكمال له فيهما فقط ولا ينبغي أن يتجاوز ذلك ، وممن اختار قراءة مالك بالألف عيسى بن عمر وأبو حاتم وأبو بكر بن مجاهد وصاحبه أبو طاهر بن أبي هاشم وهي قراءة قتادة والأعمش وأبي المنذر وخلف ويعقوب ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبي هريرة ومعاوية ثم عن الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود وسعيد بن جبير وأبي رجاء والنخعي وأبي عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر وغيرهم ، واختلف فيه عن علي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين ، وأما قراءة ملك بغير ألف فرويت أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ بها جماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم منهم أبو الدرداء وابن عمر وابن عباس ومروان بن الحكم ومجاهد ويحيى بن وثاب والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن جريج والجحدري وابن جندب وابن محيصن وخمسة من الأئمة السبعة وهي اختيار أبي عبيد وأبي بكر بن السراج النحوي ومكي المقري وقد بينت كلامهم في ذلك في الشرح الكبير وأنا أستحب القراءة بهما هذه تارة وهذه تارة حتى إني في الصلاة أقرأ بهذه في ركعة وهذه في ركعة ونسأل الله تعالى اتباع كل ما صح نقله والعمل به ، ثم قال وعند سراط والسراط أي مجردا عن لام التعريف ومتصلا بها ، ثم المجرد عن اللام قد يكون نكرة نحو (إلى صراط مستقيم)-(هذا صراط مستقيم)-(أهدك صراطا سويا) ، وقد تكون معرفة بالإضافة نحو (صراط الذين أنعمت عليهم)-(صراط الله الذي)-(صراطك المستقيم)-(صراطي مستقيما) ، فلهذا لم أقل إرادة المنكر والمعرف ومثله وكسر بيوت والبيوت ونقل قران والقران بخلاف قوله في لؤلؤ في العرف والنكر شعبة فإنه لم يأت مجردا عن اللام إلا وهو نكرة ولو اقتصر على لفظ النكرة في الكل لحصل الغرض فإن لام التعريف زائدة على الكلمة كما قال ووالاه في بئر وفي بئس ورشهم والحكم عام في كل ما في القرآن من لفظ بئس مجردا من الراء والفاء واللام وفي وبئس بالواو وفي فبئس بالفاء وفي لبئس باللام وإنما نبه على ما فيه لام التعريف دون المضاف لاتحاد لفظ اللام وتعدد المضاف إليه ولو أنه قال سراط بسين قنبل كيف أقبلا وبالصاد باقيهم وزايا أشمها البيت لتم له المقصود والله أعلم ، ثم هذا أيضا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد فكأنه قال بالسين واعتمد على صورة الكتابة فلم يخف التباسا إذ يقرأ بالصاد وقنبلا منصوب لأنه مفعول به لقوله (ل) وهذه اللام المنفردة هي فعل أمر من قوله ولى هذا هذا يليه إذا جاء بعده أي اتبع قنبلا عند هاتين اللفظتين فاقرأ قراءته فيهما بالسين في جميع القرآن وقد بين ذلك بقوله رحمه الله
(109)
بِحَيْثُ أَتَى وَالصَّادُ زَاياً اشِمَّهَا لَدَى خَلَفٍ وَاشْمِمْ لِخَلاَّدِ الاَوَّلاَ
أي بحيث أتى المذكور وهذا لفظ يفيد العموم كقوله تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) ، والباء في بحيث زائدة ولو لم يقل بحيث أتى لاقتصر الحكم على ما في الفاتحة وهكذا كل موضع يطلق فيه اللفظ يكون مخصوصا بتلك السورةكقوله ، وخفف كوف يكذبون سبيل برفع خذ وفي شركاي الخلف فإن كان الخلاف مطردا في موضعين قال معا وإن كان في أكثر قال جميعا أو كلا أو حيث جاء ونحو ذلك ولم يخرج عن هذا إلا حروف يسيرة كالتوراة وكأين في آل عمران وقراءة الباقين بالصاد وهي أقوى القراءات لاتفاق الرسم عليها وأفصحها لغة وعلم أن قراءة الباقين بالصاد من قوله والصاد زايا أشمها كأنه قال والباقون بالصاد وأشمها زايا خلف ، ويجوز في قوله الصاد النصب والرفع والنصب هو المختار لأجل الأمر وغلط من قال هنا الرفع أجود وأصل كلمة السراط السين والصاد بدل منها لأجل قوة الطاء ومن أشمها زايا بالغ في المناسبة بينهما وبين الطاء ، وروي عن بعضهم إبدالها زايا خالصة والمعنى بهذا الإشمام خلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي ، والإشمام في عرف القراء يطلق باعتبارات أربعة ، أحدها خلط حرف بحرف كما في الصراط وما يأتي في أصدق ومصيطر ، والثاني خلط حركة بأخرى كما يأتي في قيل وغيض وأشباههما ، والثالث إخفاء الحركة فيكون بين الإسكان والتحريك كما يأتي في (تأمنا على يوسف) ، على ظاهر عبارة صاحب التيسير ، والرابع ضم الشفتين بعد سكون الحرف ، وهو الذي يأتي في باب الوقف وفي باب وقف حمزة وهشام وآخر باب الإدغام على ما سنبين ذلك ونوضح ما فيه من الإشكالات إن شاء الله وقوله لدى خلف أي عنده ومعنى عنده أي في مذهبه وقراءته ووصل همزة القطع من قوله وأشمم لخلاد ضرورة كما صرف براءة فيما تقدم وأصله من قولهم أشممته الطيب أي أوصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة والأولا مفعول واشمم ونقل الحركة من همزة أول إلى لام التعريف فتحركت فإن لم يعتد بالحركة كان حذف التنوين من قوله لخلاد لالتقاء الساكنين تقديرا وإن اعتد بها فحذف التنوين ضرورة وسيأتي تحقيق هذين الوجهين في مسألة عادا الأولى والمراد بالأول ، (اهدنا الصراط المستقيم) ، أي أشمه وحده خلاد دون ما بقي في الفاتحة وفي جميع القرآن وهذه إحدى الروايات عنه وقل من ذكرها ، وروي أنه يوافق خلفا في حرفي الفاتحة معا دون سائر القرآن ، وروي أنه يشم ما كان بالألف واللام فقط في الفاتحة وغيرها ، والرواية الرابعة أنه يقرأ بالصاد خالصة كسائر القراء في الفاتحة وغيرها ، قال أبو الطيب بن غلبون المشهور عن خلاد بالصاد في جميع القرآن قال وهذه الرواية هي المعول عليها وبها آخذ في فاتحة الكتاب وغيرها ، وفي الشرح الكبير تعليل هذه الروايات وبسط القول في ذلك والله أعلم
(110)
عَلَيْهِمْ إِلَيْهِمْ حَمْزَةٌ وَلَدَيْهِموُ جَمِيعاً بِضَمِّ الْهاءِ وَقْفاً وَمَوْصِلاَ
أي قرأ حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بضم الهاء وحذف واو العطف من إليهم ضرورة وسيأتي له نظائر فموضع عليهم وإليهم ولديهم نصب على المفعولية ويجوز الرفع على الابتداء وخبره حمزة أي يقرؤهن بالضم أو قراءة حمزة والأولى أن يلفظ بالثلاثة في البيت مكسورات الهاء ليتبين قراءة الباقين لأن الكسر ليس ضدا للضم فلا تتبين قراءتهم من قوله بضم الهاء ولو قال بضم الكسر لبان ذلك ولعله أراده وسبق لسانه حالة الإملاء إلى قوله بضم الهاء وسيأتي في قوله كسر الهاء بالضم شمللا وقف للكل بالكسر مكملا ما يوضح أن الخلاف في هذا الباب دائر بين كسر الهاء وضمها ومن عادته المحافظة على قيوده وإن كان موضع الخلاف مشهورا أو لا يحتمل غيره كقوله وهاهو وهاهي أسكن ثم قال والضم غيرهم وكسر مع كونه صرح بلفظي هو وهي وهذه الكلمات الثلاث ليس منها في الفاتحة إلا عليهم وأدرج معها إليهم ولديهم لاشتراكهن في الحكم وهذا يفعله كثيرا حيث يسمح النظم به كقوله وقيل وغيض وجئ وحيل وسيق وسيء وسيت ويتركه حيث يتعذر عليه فيذكر كل واحد في سورته كقوله في الأحزاب بما يعلمون اثنان عن ولد العلا ، ثم قال في سورة الفتح بما يعملون حج وقال في البقرة وفتحك سين السلم ثم ذكر في الأنفال الذي في سورة القتال فكل واحد من الجمع والتفريق يقع مع اتحاد القارئ واختلافه وقوله جميعا أي حيث وقعت هذه الثلاث في جميع القرآن ووقفا وموصلا حالان من حمزة أي ذا وقف ووصل أي في حالتي وقفه ووصله فالموصل والوصل مثل المرجع والرجع ، واعلم أن الضم في الهاء هو الأصل مطلقا للمفرد والمثنى والمجموع نحو منه وعنه ومنهما وعنهما ومنهم وعنهم ومنهن وعنهن ، وفتحت في منها وعنها لأجل الألف وكسرت إذا وقع قبلها كسر أو ياء ساكنة نحو بهم وفيهم فمن قرأ بالضم فهو الأصل ، وإن كان الكسر أحسن في اللغة كما قلنا في الصراط وإنما اختص حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بالضم لأن الياء فيها بدل عن الألف ولو نطق بالألف لم يكن إلا الضم في الهاء فلحظ الأصل في ذلك وإنما اختص جمع المذكر دون المؤنث والمفرد والمثنى فلم يضم عليهن ولا عليه ولا عليهما لأن الميم في عليهم يضم عند ساكن في قراءته ومطلقا في قراءة من يصلها بواو فكان الضم في الهاء إتباعا وتقديرا وليس في عليه وعليهما وعليهن ذلك ولم يلحظ يعقوب الحضرمي هذا الفرق فضم هاء التثنية وجمع المؤنث ونحو فيهم وسيؤتيهم وقد ضم حمزة فيما يأتي (لأهله امكثوا) ، وضم حفص (عليه الله)في الفتح (وما أنسانيه إلا الشيطان) ، والضم الأصل في الكل والله أعلم
(111)
وَصِلْ ضَمَّ مِيمِ الْجَمْعِ قَبْلَ مُحَرَّكٍ (دِ)رَاكاً وَقاَلُونٌ بِتَخْيِيرِهِ جَلاَ
نبه على أن أصل ميم الجمع أن تكون مضمومة والمراد بوصل ضمها إشباعه فيتولد منه واو وذلك كقولهم في أنتم ومنهم أنتمو ومنهمو فيكون زيادة الجمع على حد زيادة التثنية هذه بواو وهذه بألف فأنتمو وأنتما كالزيدون والزيدان وقاما وقاموا وكلاهما لغة فصيحة وقد كثر مجيئها في الشعر وغيره ، قال لبيد (وهموا فوارسها وهم حكامها ) ، فجمع بين اللغتين وكذا فعل الكميت في قوله ، (هززتكمو لو أن فيكم مهزة ) ، وقال الفرزدق ، (من معشر حبهم دين وبغضهموا ) كفر ، وقوله قبل محرك احتراز مما بعده ساكن وسيأتي حكمه لأن الزيادة قبل الساكن مفضية إلى حذفها لالتقاء الساكنين ، وبقي عليه شرط آخر وهو أن لا يتصل بميم الجمع ضمير فإنه إن اتصل بها ضمير وصلت لجميع القراء وهي اللغة الفصيحة حينئذ وعليها جاء الرسم نحو (فإذا دخلتموه - فاتخذتموهم سخريا - فأسقيناكموه - أنلزمكموها - حيث وجدتموهم - حيث ثقفتموهم - وإذ يريكموهم) ، وقوله دراكا أي متابعة وهو مصدر في موضع الحال أي صلة تابعا لما نقل يقال دارك الرجل صوبه أي تابعه والدال رمز ابن كثير وصرف اسم قالون هنا وترك صرفه فيما تقدم فيكون صرفه أو ترك صرفه للضرورة وجلا أي كشف وذلك لأنه نبه بتخييره بين مثل قراءة ابن كثير وقراءة الجماعة على صحة القراءتين وثبوتهما أي يروى عن قالون الوجهان الوصل وتركه وهذا التخيير منقول أيضا عن نافع نفسه ويروى عن قالون مثل ورش وعن ابن كثير مثل الجماعة
(112)
(108)
وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (رَ)اوِيهِ (نَـ)ـاَصِرٌ وَعَنْدَ سِرَاطِ وَالسِّرَاطَ لِ قُنْبُلاَ
هذا من جملة المواضع التي استغنى فيها باللفظ عن القيد فلم يحتج إلى أن يقول ومالك بالمد أو مد أو نحو ذلك لأن الشعر لا يتزن على القراءة الأخرى فصار اللفظ كأنه مقيد فكأنه قال بالمد كما قال في موضع آخر وفي حاذرون المد أي قرأ مالك بالمد الكسائي وعاصم وقراءة الباقين بالقصر لأنه ضد المد والمد هنا هو إثبات الألف والقصر حذفها ، وكان التقييد ممكنا له لو قال ومالك ممدودا نصير رواته والقراءتان صحيحتان ثابتتان وكلا اللفظين من مالك وملك صفة لله تعالى ، وقد أكثر المصنفون في القراءات والتفاسير من الكلام في الترجيح بين هاتين القراءتين حتى إن بعضهم يبالغ في ذلك إلى حد يكاد يسقط وجه القراءة الأخرى وليس هذا بمحمود بعد ثبوت القراءتين وصحة اتصاف الرب سبحانه وتعالى بهما فهما صفتان لله تعالى يتبين وجه الكمال له فيهما فقط ولا ينبغي أن يتجاوز ذلك ، وممن اختار قراءة مالك بالألف عيسى بن عمر وأبو حاتم وأبو بكر بن مجاهد وصاحبه أبو طاهر بن أبي هاشم وهي قراءة قتادة والأعمش وأبي المنذر وخلف ويعقوب ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن وابن مسعود ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وأبي هريرة ومعاوية ثم عن الحسن وابن سيرين وعلقمة والأسود وسعيد بن جبير وأبي رجاء والنخعي وأبي عبد الرحمن السلمي ويحيى بن يعمر وغيرهم ، واختلف فيه عن علي وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين ، وأما قراءة ملك بغير ألف فرويت أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ بها جماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم منهم أبو الدرداء وابن عمر وابن عباس ومروان بن الحكم ومجاهد ويحيى بن وثاب والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن جريج والجحدري وابن جندب وابن محيصن وخمسة من الأئمة السبعة وهي اختيار أبي عبيد وأبي بكر بن السراج النحوي ومكي المقري وقد بينت كلامهم في ذلك في الشرح الكبير وأنا أستحب القراءة بهما هذه تارة وهذه تارة حتى إني في الصلاة أقرأ بهذه في ركعة وهذه في ركعة ونسأل الله تعالى اتباع كل ما صح نقله والعمل به ، ثم قال وعند سراط والسراط أي مجردا عن لام التعريف ومتصلا بها ، ثم المجرد عن اللام قد يكون نكرة نحو (إلى صراط مستقيم)-(هذا صراط مستقيم)-(أهدك صراطا سويا) ، وقد تكون معرفة بالإضافة نحو (صراط الذين أنعمت عليهم)-(صراط الله الذي)-(صراطك المستقيم)-(صراطي مستقيما) ، فلهذا لم أقل إرادة المنكر والمعرف ومثله وكسر بيوت والبيوت ونقل قران والقران بخلاف قوله في لؤلؤ في العرف والنكر شعبة فإنه لم يأت مجردا عن اللام إلا وهو نكرة ولو اقتصر على لفظ النكرة في الكل لحصل الغرض فإن لام التعريف زائدة على الكلمة كما قال ووالاه في بئر وفي بئس ورشهم والحكم عام في كل ما في القرآن من لفظ بئس مجردا من الراء والفاء واللام وفي وبئس بالواو وفي فبئس بالفاء وفي لبئس باللام وإنما نبه على ما فيه لام التعريف دون المضاف لاتحاد لفظ اللام وتعدد المضاف إليه ولو أنه قال سراط بسين قنبل كيف أقبلا وبالصاد باقيهم وزايا أشمها البيت لتم له المقصود والله أعلم ، ثم هذا أيضا مما استغنى فيه باللفظ عن القيد فكأنه قال بالسين واعتمد على صورة الكتابة فلم يخف التباسا إذ يقرأ بالصاد وقنبلا منصوب لأنه مفعول به لقوله (ل) وهذه اللام المنفردة هي فعل أمر من قوله ولى هذا هذا يليه إذا جاء بعده أي اتبع قنبلا عند هاتين اللفظتين فاقرأ قراءته فيهما بالسين في جميع القرآن وقد بين ذلك بقوله رحمه الله
(109)
بِحَيْثُ أَتَى وَالصَّادُ زَاياً اشِمَّهَا لَدَى خَلَفٍ وَاشْمِمْ لِخَلاَّدِ الاَوَّلاَ
أي بحيث أتى المذكور وهذا لفظ يفيد العموم كقوله تعالى (واقتلوهم حيث ثقفتموهم) ، والباء في بحيث زائدة ولو لم يقل بحيث أتى لاقتصر الحكم على ما في الفاتحة وهكذا كل موضع يطلق فيه اللفظ يكون مخصوصا بتلك السورةكقوله ، وخفف كوف يكذبون سبيل برفع خذ وفي شركاي الخلف فإن كان الخلاف مطردا في موضعين قال معا وإن كان في أكثر قال جميعا أو كلا أو حيث جاء ونحو ذلك ولم يخرج عن هذا إلا حروف يسيرة كالتوراة وكأين في آل عمران وقراءة الباقين بالصاد وهي أقوى القراءات لاتفاق الرسم عليها وأفصحها لغة وعلم أن قراءة الباقين بالصاد من قوله والصاد زايا أشمها كأنه قال والباقون بالصاد وأشمها زايا خلف ، ويجوز في قوله الصاد النصب والرفع والنصب هو المختار لأجل الأمر وغلط من قال هنا الرفع أجود وأصل كلمة السراط السين والصاد بدل منها لأجل قوة الطاء ومن أشمها زايا بالغ في المناسبة بينهما وبين الطاء ، وروي عن بعضهم إبدالها زايا خالصة والمعنى بهذا الإشمام خلط صوت الصاد بصوت الزاي فيمتزجان فيتولد منهما حرف ليس بصاد ولا زاي ، والإشمام في عرف القراء يطلق باعتبارات أربعة ، أحدها خلط حرف بحرف كما في الصراط وما يأتي في أصدق ومصيطر ، والثاني خلط حركة بأخرى كما يأتي في قيل وغيض وأشباههما ، والثالث إخفاء الحركة فيكون بين الإسكان والتحريك كما يأتي في (تأمنا على يوسف) ، على ظاهر عبارة صاحب التيسير ، والرابع ضم الشفتين بعد سكون الحرف ، وهو الذي يأتي في باب الوقف وفي باب وقف حمزة وهشام وآخر باب الإدغام على ما سنبين ذلك ونوضح ما فيه من الإشكالات إن شاء الله وقوله لدى خلف أي عنده ومعنى عنده أي في مذهبه وقراءته ووصل همزة القطع من قوله وأشمم لخلاد ضرورة كما صرف براءة فيما تقدم وأصله من قولهم أشممته الطيب أي أوصلت إليه شيئا يسيرا مما يتعلق به وهو الرائحة والأولا مفعول واشمم ونقل الحركة من همزة أول إلى لام التعريف فتحركت فإن لم يعتد بالحركة كان حذف التنوين من قوله لخلاد لالتقاء الساكنين تقديرا وإن اعتد بها فحذف التنوين ضرورة وسيأتي تحقيق هذين الوجهين في مسألة عادا الأولى والمراد بالأول ، (اهدنا الصراط المستقيم) ، أي أشمه وحده خلاد دون ما بقي في الفاتحة وفي جميع القرآن وهذه إحدى الروايات عنه وقل من ذكرها ، وروي أنه يوافق خلفا في حرفي الفاتحة معا دون سائر القرآن ، وروي أنه يشم ما كان بالألف واللام فقط في الفاتحة وغيرها ، والرواية الرابعة أنه يقرأ بالصاد خالصة كسائر القراء في الفاتحة وغيرها ، قال أبو الطيب بن غلبون المشهور عن خلاد بالصاد في جميع القرآن قال وهذه الرواية هي المعول عليها وبها آخذ في فاتحة الكتاب وغيرها ، وفي الشرح الكبير تعليل هذه الروايات وبسط القول في ذلك والله أعلم
(110)
عَلَيْهِمْ إِلَيْهِمْ حَمْزَةٌ وَلَدَيْهِموُ جَمِيعاً بِضَمِّ الْهاءِ وَقْفاً وَمَوْصِلاَ
أي قرأ حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بضم الهاء وحذف واو العطف من إليهم ضرورة وسيأتي له نظائر فموضع عليهم وإليهم ولديهم نصب على المفعولية ويجوز الرفع على الابتداء وخبره حمزة أي يقرؤهن بالضم أو قراءة حمزة والأولى أن يلفظ بالثلاثة في البيت مكسورات الهاء ليتبين قراءة الباقين لأن الكسر ليس ضدا للضم فلا تتبين قراءتهم من قوله بضم الهاء ولو قال بضم الكسر لبان ذلك ولعله أراده وسبق لسانه حالة الإملاء إلى قوله بضم الهاء وسيأتي في قوله كسر الهاء بالضم شمللا وقف للكل بالكسر مكملا ما يوضح أن الخلاف في هذا الباب دائر بين كسر الهاء وضمها ومن عادته المحافظة على قيوده وإن كان موضع الخلاف مشهورا أو لا يحتمل غيره كقوله وهاهو وهاهي أسكن ثم قال والضم غيرهم وكسر مع كونه صرح بلفظي هو وهي وهذه الكلمات الثلاث ليس منها في الفاتحة إلا عليهم وأدرج معها إليهم ولديهم لاشتراكهن في الحكم وهذا يفعله كثيرا حيث يسمح النظم به كقوله وقيل وغيض وجئ وحيل وسيق وسيء وسيت ويتركه حيث يتعذر عليه فيذكر كل واحد في سورته كقوله في الأحزاب بما يعلمون اثنان عن ولد العلا ، ثم قال في سورة الفتح بما يعملون حج وقال في البقرة وفتحك سين السلم ثم ذكر في الأنفال الذي في سورة القتال فكل واحد من الجمع والتفريق يقع مع اتحاد القارئ واختلافه وقوله جميعا أي حيث وقعت هذه الثلاث في جميع القرآن ووقفا وموصلا حالان من حمزة أي ذا وقف ووصل أي في حالتي وقفه ووصله فالموصل والوصل مثل المرجع والرجع ، واعلم أن الضم في الهاء هو الأصل مطلقا للمفرد والمثنى والمجموع نحو منه وعنه ومنهما وعنهما ومنهم وعنهم ومنهن وعنهن ، وفتحت في منها وعنها لأجل الألف وكسرت إذا وقع قبلها كسر أو ياء ساكنة نحو بهم وفيهم فمن قرأ بالضم فهو الأصل ، وإن كان الكسر أحسن في اللغة كما قلنا في الصراط وإنما اختص حمزة هذه الألفاظ الثلاثة بالضم لأن الياء فيها بدل عن الألف ولو نطق بالألف لم يكن إلا الضم في الهاء فلحظ الأصل في ذلك وإنما اختص جمع المذكر دون المؤنث والمفرد والمثنى فلم يضم عليهن ولا عليه ولا عليهما لأن الميم في عليهم يضم عند ساكن في قراءته ومطلقا في قراءة من يصلها بواو فكان الضم في الهاء إتباعا وتقديرا وليس في عليه وعليهما وعليهن ذلك ولم يلحظ يعقوب الحضرمي هذا الفرق فضم هاء التثنية وجمع المؤنث ونحو فيهم وسيؤتيهم وقد ضم حمزة فيما يأتي (لأهله امكثوا) ، وضم حفص (عليه الله)في الفتح (وما أنسانيه إلا الشيطان) ، والضم الأصل في الكل والله أعلم
(111)
وَصِلْ ضَمَّ مِيمِ الْجَمْعِ قَبْلَ مُحَرَّكٍ (دِ)رَاكاً وَقاَلُونٌ بِتَخْيِيرِهِ جَلاَ
نبه على أن أصل ميم الجمع أن تكون مضمومة والمراد بوصل ضمها إشباعه فيتولد منه واو وذلك كقولهم في أنتم ومنهم أنتمو ومنهمو فيكون زيادة الجمع على حد زيادة التثنية هذه بواو وهذه بألف فأنتمو وأنتما كالزيدون والزيدان وقاما وقاموا وكلاهما لغة فصيحة وقد كثر مجيئها في الشعر وغيره ، قال لبيد (وهموا فوارسها وهم حكامها ) ، فجمع بين اللغتين وكذا فعل الكميت في قوله ، (هززتكمو لو أن فيكم مهزة ) ، وقال الفرزدق ، (من معشر حبهم دين وبغضهموا ) كفر ، وقوله قبل محرك احتراز مما بعده ساكن وسيأتي حكمه لأن الزيادة قبل الساكن مفضية إلى حذفها لالتقاء الساكنين ، وبقي عليه شرط آخر وهو أن لا يتصل بميم الجمع ضمير فإنه إن اتصل بها ضمير وصلت لجميع القراء وهي اللغة الفصيحة حينئذ وعليها جاء الرسم نحو (فإذا دخلتموه - فاتخذتموهم سخريا - فأسقيناكموه - أنلزمكموها - حيث وجدتموهم - حيث ثقفتموهم - وإذ يريكموهم) ، وقوله دراكا أي متابعة وهو مصدر في موضع الحال أي صلة تابعا لما نقل يقال دارك الرجل صوبه أي تابعه والدال رمز ابن كثير وصرف اسم قالون هنا وترك صرفه فيما تقدم فيكون صرفه أو ترك صرفه للضرورة وجلا أي كشف وذلك لأنه نبه بتخييره بين مثل قراءة ابن كثير وقراءة الجماعة على صحة القراءتين وثبوتهما أي يروى عن قالون الوجهان الوصل وتركه وهذا التخيير منقول أيضا عن نافع نفسه ويروى عن قالون مثل ورش وعن ابن كثير مثل الجماعة
(112)