باب البسملة
(100)
وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ (بِـ)سُنَّةٍ (رِ) جَالٌ (نَـ)ـمَوْهاَ (دِ)رْيَةً وَتَحَمُّلاَ
البسملة تقع في قراءة القراء في ثلاثة مواضع ، إذا ابتدءوا سورة أو جزءا وسيأتي الكلام فيهما والثالث بين كل سورتين فابتدأ ببيانه لأن الاختلاف فيه أكثر والحاجة إلى معرفته أمس وفاعل بسمل قوله رجال وبسنة حال مقدمة أي آخذين أو متمسكين بسنة وهي كتابة الصحابة رضي الله عنهم لها في المصحف وما روي من الآثار في ذلك أو تكون نعت مصدر محذوف أي بسملة ملتبسة بسنة منقولة ونموها أي نقلوها ورفعوها وأسندوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والضمير للبسملة أو للسنة والجملة صفة لرجال أو للسنة ودرية وتحملا مصدران في موضع الحال من فاعل نموها أي ذوي درية وتحمل أي دارين متحملين لها أي جامعين بين الدراية والرواية والمبسملون من القراء هم الذين رمز لهم في هذا البيت من قوله بسنة رجال نموها درية وعلم من ذلك أن الباقين لا يبسملون لأن هذا من قبيل الإثبات والحذف ، قال أبو طاهر بن أبي هاشم صاحب ابن مجاهد أولى القولين بالصواب عندي الفصل بين السورتين بالبسملة لاتباع المصحف وللحديث الذي يروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت اقرءوا ما في المصحف ثم ذكر قول ابن عمر فلم كتبت في المصحف إن لم تقرأ قال أبو طاهر ألا ترى أن ترك قراءتها كان عند ابن عمر كترك قراءة غيرها مما هو مرسوم في المصحف من سائر آي القرآن إذ كان رسمها في الخط كرسم ما بعدها لا فرق بينهما ، قال وقد أجمع مع ذلك من أئمة القراءة بالأمصار على الجهر بها بين السورتين أهل الحرمين وعاصم والكسائي وأهل الشام
(101)
وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ (فَـ)ـصَاحَةٌ وَصِلْ وَاسْكُتَنْ (كُـ)ـلٌّ (جَـ)ـلاَيَاهُ (حَـ)ـصَّلاَ
بين في صدر هذا البيت قراءة حمزة رضي الله عنه ورمز له بقوله فصاحة وبين في عجز البيت قراءة ابن عامر وورش وأبي عمرو ورمز لهم بقوله كل جلاياه حصلا وبين السورتين ظرف للوصل أو مفعول به وفصاحة خبره وإنما كان فصاحة لأنه يستلزم بيان إعراب أواخر السور ومعرفة أحكام ما يكسر منها وما يحذف لالتقاء الساكنين كآخر المائدة والنجم وبيان همزة القطع والوصل كأول القارعة و(ألهاكم التكاثر) وما يسكت عليه في مذهب خلف كآخر والضحى فكل ذلك لا يحكمه ويتقنه إلا من عرف كيف يصله وسكوت خلف لا يخرجه عن كونه وصلا فإنه لا يفعل ذلك إلا في الوصل كما سيأتي شرحه في قوله روى خلف في الوصل ، وقد نقل أبو علي الأهوازي عن حمزة أنه قال ، إنما فعلت ذلك ليعرف القارئ كيف إعراب أواخر السور أي ووصلك بين السورتين بعد إسقاط البسملة يستلزم فصاحة ثم بين قراءة غير حمزة ممن لم يبسمل فقال وصل واستكن وهذا على التخيير وإلا فالجمع بينهما محال إلا في حالتين أي صل إن شئت كما سبق لحمزة واسكت على آخر السورة إن شئت وبهذا التقدير دخل الكلام معنى التخيير وإلا فالواو ليست بموضوعة له وقد قيل إنها قد تأتي للتخيير مجازا والنون في واسكتن للتوكيد ولعله قصد بذلك أن السكوت لهم أرجح من الوصل ، وقال صاحب التيسير على اختيار ذلك لهم وقال الشيخ رحمة الله عليه أكثر أهل الأداء لما فيه من الفصل وقد روى السكت أيضا عن حمزة وجلاياه جمع جلية وهو مفعول حصل والهاء في جلاياه تعود على التخيير أي كل من أهل الأداء استوضح التخيير ورآه صوابا أو تعود على كل أي كل من القراء حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه والله أعلم
(102)
وَلاَ نَصَّ كَلاَّ حُبَّ وجْهٍ ذَكَرْتُهُ وَفِيهاَ خِلاَفٌ جِيدُهُ وَاضِحُ الطُّلاَ
أي لم يرد بذلك نص عن هؤلاء بوصل ولا سكوت وإنما التخيير بينهما لهم اختيار من المشايخ واستحباب منهم وهذا معنى قوله حب وجه ذكرته وكلا حرف ردع وزجر كأنه منع من اعتقاد النصوصية عن أحد منهم على ذلك ثم قال وفيها أي في البسلمة خلاف عنهم جيد ذلك الخلاف واضح الطلا أي أنه مشهور معروف عند العلماء والجيد العنق والطلا جمع طلاة أو طلية والطلية صفحة العنق وله طليتان فجاء بالجمع في موضع التثنية لعدم الإلباس كقولهم عريض الحواجب وطويل الشوارب وقيل الطلا الأعناق أنفسها فكأنه قال عنق هذا الخلاف واضح الأعناق أي هو الواضح من بينها وإنما تتضح الأعناق إذا كانت مرتفعة وارتفاع الأعناق والرءوس يكنى به عن ارتفاع المنزلة وعلو المرتبة ومنه الحديث الصحيح ، المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ، فحاصل ما في هذا البيت أن الخلاف في البسملة مروي عن ابن عامر وورش وأبي عمرو بل أكثر المصنفين لم يذكروا عن ابن عامر إلا البسملة وقد ذكرنا عبارة المصنفين عنهم في ذلك في الشرح الكبير فإذا قلنا لا يبسملون فهل يصلون كحمزة أو يسكتون لم يأت عنهم في ذلك نص وذكر الشيوخ الوجهين لهم استحبابا وقد بسطنا الكلام في ذلك بسطا شافيا ولم نجعل في هذا البيت رمزا لأحد كما ذكر غيرنا فإنا إذا قلنا إن كلا حب رمز ابن عامر وأبي عمرو لزم من مفهوم ذلك أن يكون ورش عنه نص في التخيير وليس كذلك بل لم يرد عنه نص في ذلك ، وإن قلنا إن جيده رمز ورش لزم أن يكون ابن عامر وأبو عمرو لم يرد عنهما خلاف في البسملة وهو خلاف المنقول فلهذا قلنا لا رمز في البيت أصلا والله أعلم
(103)
وسَكْتُهُمُ الْمُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ وَبَعْضُهُمُ فِي الْأَرْبِعِ الرُّهْرِ بَسْمَلاَ
السكت والسكوت واحد كلاهما مصدر سكت والضمير في سكتهم يعود على الثلاثة المخير لهم بين الوصل والسكت أي السكت المنسوب إليهم المختار فيه أن يكون دون تنفس فالمختار على هذا يكون مبتدأ ثانيا ويجوز أن يكون صفة السكت ويجوز أن يكون خبره كأنه لما خير أولا بين الوصل والسكت أردفه بأن السكت هو المختار على ما أشرنا إليه في قوله واسكتن وقوله بعد ذلك دون تنفس خبر بعد خبر أو خبر مبتدإ محذوف أو حال من ضمير المختار والإشارة بقولهم دون تنفس إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة وإلا فلأواخر السور حكم الوقف على أواخر الآيات وفي أثنائها من الوقوف التامة والكافية فما ساغ ثم من السكوت فهو سائغ هنا وأكثر والله أعلم ، ثم قال وبعضهم أي وبعض المشايخ من المقرئين الذين استحبوا التخيير بين الوصل والسكوت واختاروا في السكوت أن يكون دون تنفس اختاروا أيضا البسملة لهؤلاء الثلاثة في أوائل أربع سور هي القيامة والمطففين والبلد والهمزة دون سائر السور قالوا لأنهم استقبحوا وصلها بآخر السور قبلها من غير تسمية وقوله الزهر جمع زهراء تأنيث أزهر أي المضيئة المنيرة كنى بذلك عن شهرتها ووضوحها بين أهل هذا الشأن فلم يحتج إلى تعيينها
(104)
لَهُمْ دُونَ نَصٍّ وَهْوَ فِيهِنَّ سَاكِتٌ لِحَمْزَةَ فَافْهَمْهُ وَلَيْسَ مُخَذَّلاَ
لهم أي لابن عامر وورش وأبي عمرو دون نص أي من غير نص وقد استعمل رحمه الله لفظ دون بمعنى غير كثيرا كقوله ومن دون وصل ضمها (وسلطانية) من دون هاء ولفظ غير مؤات له في المواضع كلها ، قال صاحب التيسير وليس في ذلك أثر عنهم وإنما هو استحباب من الشيوخ ثم قال وهو فيهن أي وذلك البعض يسكت في هذه المواضع الأربعة لحمزة لأن حمزة مذهبه الوصل فاكتفى له هنا بالسكت ثم قال فافهمه أي افهم هذا المذهب المذكور وليس مخذلا يقال خذله إذا ترك عونه ونصرته خذلانا وخذل عنه أصحابه تخذيلا أي حملهم على خذلانه فالتقدير وليس مخذلا عنه أصحابه ويجوز أن يكون اسم ليس عائدا على البعض في قوله وبعضهم كأن التقدير ، وليس ذلك القائل مخذلا عن نصرة هذا المذهب بل قد انتصب له من ساعده ونصره وأعانه ، وإني أقول لا حاجة إلى تكلف التسمية لأجل المعنى المذكور بل السكوت كاف للجميع كما يكتفي به لحمزة وكما يكتفي به بين الآيات الموهم اتصالها أكثر مما في هذه الأربعة أو مثلها مثل (الذين يحملون العرش) بعد قوله (إنهم أصحاب النار) وقوله (لا خير في كثير) بعد قوله (وكان فضل الله عليك عظيما) ، ويمكن حمل قول الشاطبي رحمه الله وليس مخذلا على السكوت المفهوم من قوله وهو فيهن ساكت أي ليس هذا السكوت مخذلا بل هو مختار لحمزة وغيره ولقد أعجبني قول أبي الحسن الحصري ، (ولم أقر بين السورتين مبسملا لورش سوى ماجا في الأربع الغر) ، (وحجتهم فيهن عندي ضعيفة ولكن يقرون الرواية بالنصر) قال من شرح هذا لو قلا يقرون المقالة موضع قوله الرواية لكان أجود إذ لا رواية عنهم بذلك قد أشبعت الكلام في هذا في الشرح الكبير
(105)
وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ
قد سبق الكلام في مهما وأن فيها معنى الشرط فتدخل الفاء في جوابها كقوله فيما مضى فكن عند شرطي وفيما يأتي فلا تقفن الدهر وهي محذوفة في هذا البيت لضرورة الشعر ، والتقدير فلست مبسلا وقيل إنما تدخل الفاء لأنه خبر بمعنى النهي وهو فاسد فإن الفاء لازمة في النهي فكيف الخبر الذي بمعناه وقوله تصلها الضمير فيه لبراءة أضمر قبل الذكر على شريطة التفسير وبراءة مفعول بدأت والقاعدة تقتضي حذف المفعول من الأول فلا حاجة إلى إضماره كقوله تعالى (آتوني أفرغ عليه قطرا) ، وقيل براءة بدل من الضمير في تصلها بمعنى أن سورة براءة لا بسملة في أولها سواء ابتدأ بها القارئ أو وصلها بالأنفال لأن البسملة لم ترسم في أولها بخلاف غيرها من السور ، ثم بين الحكمة التي لأجلها لم تشرع في أولها البسملة فقال لتنزيلها بالسيف أي ملتبسة بالسيف كنى بذلك عما اشتملت عليه السورة من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد وفيها الآية التي يسميها المفسرون آية السيف وهذا التعليل يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن غيره ، قال القاضي أبو بكر ابن الباقلاني وعليه الجمهور من أهل العلم ، وقد زدت في الشرح الكبير هذا المعنى بسطا وتقريرا وذكرت وجوها أخر في التعليل ونقل الأهوازي أن بعضهم بسمل في أول براءة
(106)
وَلاَ بُدَّ مِنْهاَ في ابْتِدَائِكَ سُورَةً سِوَاهاَ وَفي الْأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلاَ
الضمير في منها للبسملة وفي سواها لبراءة وسورة منصوب على إسقاط الخافض أي بسورة وكذا قوله أبو بدأت براءة أي براءة يقال بدأت بالشيء أي ابتدأت به وأما بدأت الشيء من غير باء فمعناه فعلته ابتداء ومنه ، (بدأ الله الخلق) ، وسورة نكرة في كلام موجب فلا عموم لها إلا من جهة المعنى فكأنه قال مهما ابتدأت سورة سوى براءة فبسمل ولو قال ولا بد منها في ابتدا كل سورة سواها لزال هذا الإشكال ، ومعنى البيت أن القراء كلهم اتفقوا في إبتداء السور على البسملة سواء في ذلك من بسمل منهم بين السورتين ومن لم يبسمل ، ووجهه أنهم حملوا كتابة ما في المصحف على ذلك كما تكتب همزات الوصل وهي ساقطة في الدرج ، قال بعض العلماء ولا خلاف بين القراء في البسملة أول فاتحة الكتاب سواء وصلها القارئ بسورة أخرى قبلها أو ابتدأ بها ولم يذكر ذلك في القصيدة اعتمادا على أن الفاتحة في غالب الأحوال لا يكون القارئ لها إلا مبتدئا ثم قال وفي الأجزاء أي وفي ابتداء الأجزاء والأحزاب والأعشار وغير ذلك ويجمع ذلك أن تقول كل آية يبتدأ بها غير أوائل السور خير المشايخ فيه فسوغوا البسملة فيه لأنه موضع ابتداء في الجملة كما يسمى في ابتداء الوضوء والأكل والشرب ومن تلا فاعل خير وتلا بمعنى قرأ كنى بذلك عن أهل الأداء ولو كان خير بضم الخاء وكسر الياء لكان حسنا أي خير التالي وهو القارئ في ذلك والله أعلم
(107)
وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ فَلاَ تَقِفَنَّ الدَّهْرَ فِيهاَ فَتَثْقُلاَ
الضمير في تصلها وفيها للبسملة وأواخر جمع في موضع مفرد أي بآخر سورة أي بالكلمات الأواخر أو نقول سورة لفظ مفرد في موضع جمع لأنه ليس المراد سورة واحدة بل جميع السور فكأنه قال مع أواخر السور والدهر نصب على الظرفية وفيها بمعنى عليها كما قيل ذلك في قوله تعالى (في جذوع النخل) ، أي عليها ولا تقفن نهي نصب في جوابه فتثقلا بإضمار أن بعد الفاء ، ومعنى فتثقل أي يستثقل ويتبرم بك لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها فإن ابتليت بوصلها بالآخر فتمم الوصل بأول السورة الأخرى فتتصل بهما كما تتصل سائر الآيات بما قبلها وما بعدها ، ولك أن تقطعها من الآخر والأول وتلفظ بها وحدها والأولى قطعها من الآخر ووصلها بالأول فهذه أربعة أوجه الأول مكروه والآخر مستحب وما بينهما وجهان متوسطان وهما وصل البسملة بهما وقطعها عنهما ويتعلق بالوصل والقطع أحكام ذكرناها في الكبير قال صاحب التيسير والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز والله أعلم
(100)
وَبَسْمَلَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ (بِـ)سُنَّةٍ (رِ) جَالٌ (نَـ)ـمَوْهاَ (دِ)رْيَةً وَتَحَمُّلاَ
البسملة تقع في قراءة القراء في ثلاثة مواضع ، إذا ابتدءوا سورة أو جزءا وسيأتي الكلام فيهما والثالث بين كل سورتين فابتدأ ببيانه لأن الاختلاف فيه أكثر والحاجة إلى معرفته أمس وفاعل بسمل قوله رجال وبسنة حال مقدمة أي آخذين أو متمسكين بسنة وهي كتابة الصحابة رضي الله عنهم لها في المصحف وما روي من الآثار في ذلك أو تكون نعت مصدر محذوف أي بسملة ملتبسة بسنة منقولة ونموها أي نقلوها ورفعوها وأسندوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والضمير للبسملة أو للسنة والجملة صفة لرجال أو للسنة ودرية وتحملا مصدران في موضع الحال من فاعل نموها أي ذوي درية وتحمل أي دارين متحملين لها أي جامعين بين الدراية والرواية والمبسملون من القراء هم الذين رمز لهم في هذا البيت من قوله بسنة رجال نموها درية وعلم من ذلك أن الباقين لا يبسملون لأن هذا من قبيل الإثبات والحذف ، قال أبو طاهر بن أبي هاشم صاحب ابن مجاهد أولى القولين بالصواب عندي الفصل بين السورتين بالبسملة لاتباع المصحف وللحديث الذي يروي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت اقرءوا ما في المصحف ثم ذكر قول ابن عمر فلم كتبت في المصحف إن لم تقرأ قال أبو طاهر ألا ترى أن ترك قراءتها كان عند ابن عمر كترك قراءة غيرها مما هو مرسوم في المصحف من سائر آي القرآن إذ كان رسمها في الخط كرسم ما بعدها لا فرق بينهما ، قال وقد أجمع مع ذلك من أئمة القراءة بالأمصار على الجهر بها بين السورتين أهل الحرمين وعاصم والكسائي وأهل الشام
(101)
وَوَصْلُكَ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ (فَـ)ـصَاحَةٌ وَصِلْ وَاسْكُتَنْ (كُـ)ـلٌّ (جَـ)ـلاَيَاهُ (حَـ)ـصَّلاَ
بين في صدر هذا البيت قراءة حمزة رضي الله عنه ورمز له بقوله فصاحة وبين في عجز البيت قراءة ابن عامر وورش وأبي عمرو ورمز لهم بقوله كل جلاياه حصلا وبين السورتين ظرف للوصل أو مفعول به وفصاحة خبره وإنما كان فصاحة لأنه يستلزم بيان إعراب أواخر السور ومعرفة أحكام ما يكسر منها وما يحذف لالتقاء الساكنين كآخر المائدة والنجم وبيان همزة القطع والوصل كأول القارعة و(ألهاكم التكاثر) وما يسكت عليه في مذهب خلف كآخر والضحى فكل ذلك لا يحكمه ويتقنه إلا من عرف كيف يصله وسكوت خلف لا يخرجه عن كونه وصلا فإنه لا يفعل ذلك إلا في الوصل كما سيأتي شرحه في قوله روى خلف في الوصل ، وقد نقل أبو علي الأهوازي عن حمزة أنه قال ، إنما فعلت ذلك ليعرف القارئ كيف إعراب أواخر السور أي ووصلك بين السورتين بعد إسقاط البسملة يستلزم فصاحة ثم بين قراءة غير حمزة ممن لم يبسمل فقال وصل واستكن وهذا على التخيير وإلا فالجمع بينهما محال إلا في حالتين أي صل إن شئت كما سبق لحمزة واسكت على آخر السورة إن شئت وبهذا التقدير دخل الكلام معنى التخيير وإلا فالواو ليست بموضوعة له وقد قيل إنها قد تأتي للتخيير مجازا والنون في واسكتن للتوكيد ولعله قصد بذلك أن السكوت لهم أرجح من الوصل ، وقال صاحب التيسير على اختيار ذلك لهم وقال الشيخ رحمة الله عليه أكثر أهل الأداء لما فيه من الفصل وقد روى السكت أيضا عن حمزة وجلاياه جمع جلية وهو مفعول حصل والهاء في جلاياه تعود على التخيير أي كل من أهل الأداء استوضح التخيير ورآه صوابا أو تعود على كل أي كل من القراء حصل جلايا ما ذهب إليه وصوبه والله أعلم
(102)
وَلاَ نَصَّ كَلاَّ حُبَّ وجْهٍ ذَكَرْتُهُ وَفِيهاَ خِلاَفٌ جِيدُهُ وَاضِحُ الطُّلاَ
أي لم يرد بذلك نص عن هؤلاء بوصل ولا سكوت وإنما التخيير بينهما لهم اختيار من المشايخ واستحباب منهم وهذا معنى قوله حب وجه ذكرته وكلا حرف ردع وزجر كأنه منع من اعتقاد النصوصية عن أحد منهم على ذلك ثم قال وفيها أي في البسلمة خلاف عنهم جيد ذلك الخلاف واضح الطلا أي أنه مشهور معروف عند العلماء والجيد العنق والطلا جمع طلاة أو طلية والطلية صفحة العنق وله طليتان فجاء بالجمع في موضع التثنية لعدم الإلباس كقولهم عريض الحواجب وطويل الشوارب وقيل الطلا الأعناق أنفسها فكأنه قال عنق هذا الخلاف واضح الأعناق أي هو الواضح من بينها وإنما تتضح الأعناق إذا كانت مرتفعة وارتفاع الأعناق والرءوس يكنى به عن ارتفاع المنزلة وعلو المرتبة ومنه الحديث الصحيح ، المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة ، فحاصل ما في هذا البيت أن الخلاف في البسملة مروي عن ابن عامر وورش وأبي عمرو بل أكثر المصنفين لم يذكروا عن ابن عامر إلا البسملة وقد ذكرنا عبارة المصنفين عنهم في ذلك في الشرح الكبير فإذا قلنا لا يبسملون فهل يصلون كحمزة أو يسكتون لم يأت عنهم في ذلك نص وذكر الشيوخ الوجهين لهم استحبابا وقد بسطنا الكلام في ذلك بسطا شافيا ولم نجعل في هذا البيت رمزا لأحد كما ذكر غيرنا فإنا إذا قلنا إن كلا حب رمز ابن عامر وأبي عمرو لزم من مفهوم ذلك أن يكون ورش عنه نص في التخيير وليس كذلك بل لم يرد عنه نص في ذلك ، وإن قلنا إن جيده رمز ورش لزم أن يكون ابن عامر وأبو عمرو لم يرد عنهما خلاف في البسملة وهو خلاف المنقول فلهذا قلنا لا رمز في البيت أصلا والله أعلم
(103)
وسَكْتُهُمُ الْمُخْتَارُ دُونَ تَنَفُّسٍ وَبَعْضُهُمُ فِي الْأَرْبِعِ الرُّهْرِ بَسْمَلاَ
السكت والسكوت واحد كلاهما مصدر سكت والضمير في سكتهم يعود على الثلاثة المخير لهم بين الوصل والسكت أي السكت المنسوب إليهم المختار فيه أن يكون دون تنفس فالمختار على هذا يكون مبتدأ ثانيا ويجوز أن يكون صفة السكت ويجوز أن يكون خبره كأنه لما خير أولا بين الوصل والسكت أردفه بأن السكت هو المختار على ما أشرنا إليه في قوله واسكتن وقوله بعد ذلك دون تنفس خبر بعد خبر أو خبر مبتدإ محذوف أو حال من ضمير المختار والإشارة بقولهم دون تنفس إلى عدم الإطالة المؤذنة بالإعراض عن القراءة وإلا فلأواخر السور حكم الوقف على أواخر الآيات وفي أثنائها من الوقوف التامة والكافية فما ساغ ثم من السكوت فهو سائغ هنا وأكثر والله أعلم ، ثم قال وبعضهم أي وبعض المشايخ من المقرئين الذين استحبوا التخيير بين الوصل والسكوت واختاروا في السكوت أن يكون دون تنفس اختاروا أيضا البسملة لهؤلاء الثلاثة في أوائل أربع سور هي القيامة والمطففين والبلد والهمزة دون سائر السور قالوا لأنهم استقبحوا وصلها بآخر السور قبلها من غير تسمية وقوله الزهر جمع زهراء تأنيث أزهر أي المضيئة المنيرة كنى بذلك عن شهرتها ووضوحها بين أهل هذا الشأن فلم يحتج إلى تعيينها
(104)
لَهُمْ دُونَ نَصٍّ وَهْوَ فِيهِنَّ سَاكِتٌ لِحَمْزَةَ فَافْهَمْهُ وَلَيْسَ مُخَذَّلاَ
لهم أي لابن عامر وورش وأبي عمرو دون نص أي من غير نص وقد استعمل رحمه الله لفظ دون بمعنى غير كثيرا كقوله ومن دون وصل ضمها (وسلطانية) من دون هاء ولفظ غير مؤات له في المواضع كلها ، قال صاحب التيسير وليس في ذلك أثر عنهم وإنما هو استحباب من الشيوخ ثم قال وهو فيهن أي وذلك البعض يسكت في هذه المواضع الأربعة لحمزة لأن حمزة مذهبه الوصل فاكتفى له هنا بالسكت ثم قال فافهمه أي افهم هذا المذهب المذكور وليس مخذلا يقال خذله إذا ترك عونه ونصرته خذلانا وخذل عنه أصحابه تخذيلا أي حملهم على خذلانه فالتقدير وليس مخذلا عنه أصحابه ويجوز أن يكون اسم ليس عائدا على البعض في قوله وبعضهم كأن التقدير ، وليس ذلك القائل مخذلا عن نصرة هذا المذهب بل قد انتصب له من ساعده ونصره وأعانه ، وإني أقول لا حاجة إلى تكلف التسمية لأجل المعنى المذكور بل السكوت كاف للجميع كما يكتفي به لحمزة وكما يكتفي به بين الآيات الموهم اتصالها أكثر مما في هذه الأربعة أو مثلها مثل (الذين يحملون العرش) بعد قوله (إنهم أصحاب النار) وقوله (لا خير في كثير) بعد قوله (وكان فضل الله عليك عظيما) ، ويمكن حمل قول الشاطبي رحمه الله وليس مخذلا على السكوت المفهوم من قوله وهو فيهن ساكت أي ليس هذا السكوت مخذلا بل هو مختار لحمزة وغيره ولقد أعجبني قول أبي الحسن الحصري ، (ولم أقر بين السورتين مبسملا لورش سوى ماجا في الأربع الغر) ، (وحجتهم فيهن عندي ضعيفة ولكن يقرون الرواية بالنصر) قال من شرح هذا لو قلا يقرون المقالة موضع قوله الرواية لكان أجود إذ لا رواية عنهم بذلك قد أشبعت الكلام في هذا في الشرح الكبير
(105)
وَمَهْمَا تَصِلْهَا أَوْ بَدَأْتَ بَرَاءَةً لِتَنْزِيلِهاَ بالسَّيْفِ لَسْتَ مُبَسْمِلاَ
قد سبق الكلام في مهما وأن فيها معنى الشرط فتدخل الفاء في جوابها كقوله فيما مضى فكن عند شرطي وفيما يأتي فلا تقفن الدهر وهي محذوفة في هذا البيت لضرورة الشعر ، والتقدير فلست مبسلا وقيل إنما تدخل الفاء لأنه خبر بمعنى النهي وهو فاسد فإن الفاء لازمة في النهي فكيف الخبر الذي بمعناه وقوله تصلها الضمير فيه لبراءة أضمر قبل الذكر على شريطة التفسير وبراءة مفعول بدأت والقاعدة تقتضي حذف المفعول من الأول فلا حاجة إلى إضماره كقوله تعالى (آتوني أفرغ عليه قطرا) ، وقيل براءة بدل من الضمير في تصلها بمعنى أن سورة براءة لا بسملة في أولها سواء ابتدأ بها القارئ أو وصلها بالأنفال لأن البسملة لم ترسم في أولها بخلاف غيرها من السور ، ثم بين الحكمة التي لأجلها لم تشرع في أولها البسملة فقال لتنزيلها بالسيف أي ملتبسة بالسيف كنى بذلك عما اشتملت عليه السورة من الأمر بالقتل والأخذ والحصر ونبذ العهد وفيها الآية التي يسميها المفسرون آية السيف وهذا التعليل يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن غيره ، قال القاضي أبو بكر ابن الباقلاني وعليه الجمهور من أهل العلم ، وقد زدت في الشرح الكبير هذا المعنى بسطا وتقريرا وذكرت وجوها أخر في التعليل ونقل الأهوازي أن بعضهم بسمل في أول براءة
(106)
وَلاَ بُدَّ مِنْهاَ في ابْتِدَائِكَ سُورَةً سِوَاهاَ وَفي الْأَجْزَاءِ خُيِّرَ مَنْ تَلاَ
الضمير في منها للبسملة وفي سواها لبراءة وسورة منصوب على إسقاط الخافض أي بسورة وكذا قوله أبو بدأت براءة أي براءة يقال بدأت بالشيء أي ابتدأت به وأما بدأت الشيء من غير باء فمعناه فعلته ابتداء ومنه ، (بدأ الله الخلق) ، وسورة نكرة في كلام موجب فلا عموم لها إلا من جهة المعنى فكأنه قال مهما ابتدأت سورة سوى براءة فبسمل ولو قال ولا بد منها في ابتدا كل سورة سواها لزال هذا الإشكال ، ومعنى البيت أن القراء كلهم اتفقوا في إبتداء السور على البسملة سواء في ذلك من بسمل منهم بين السورتين ومن لم يبسمل ، ووجهه أنهم حملوا كتابة ما في المصحف على ذلك كما تكتب همزات الوصل وهي ساقطة في الدرج ، قال بعض العلماء ولا خلاف بين القراء في البسملة أول فاتحة الكتاب سواء وصلها القارئ بسورة أخرى قبلها أو ابتدأ بها ولم يذكر ذلك في القصيدة اعتمادا على أن الفاتحة في غالب الأحوال لا يكون القارئ لها إلا مبتدئا ثم قال وفي الأجزاء أي وفي ابتداء الأجزاء والأحزاب والأعشار وغير ذلك ويجمع ذلك أن تقول كل آية يبتدأ بها غير أوائل السور خير المشايخ فيه فسوغوا البسملة فيه لأنه موضع ابتداء في الجملة كما يسمى في ابتداء الوضوء والأكل والشرب ومن تلا فاعل خير وتلا بمعنى قرأ كنى بذلك عن أهل الأداء ولو كان خير بضم الخاء وكسر الياء لكان حسنا أي خير التالي وهو القارئ في ذلك والله أعلم
(107)
وَمَهْمَا تَصِلْهَا مَعْ أَوَاخِرِ سُورَةٍ فَلاَ تَقِفَنَّ الدَّهْرَ فِيهاَ فَتَثْقُلاَ
الضمير في تصلها وفيها للبسملة وأواخر جمع في موضع مفرد أي بآخر سورة أي بالكلمات الأواخر أو نقول سورة لفظ مفرد في موضع جمع لأنه ليس المراد سورة واحدة بل جميع السور فكأنه قال مع أواخر السور والدهر نصب على الظرفية وفيها بمعنى عليها كما قيل ذلك في قوله تعالى (في جذوع النخل) ، أي عليها ولا تقفن نهي نصب في جوابه فتثقلا بإضمار أن بعد الفاء ، ومعنى فتثقل أي يستثقل ويتبرم بك لأن البسملة لأوائل السور لا لأواخرها فإن ابتليت بوصلها بالآخر فتمم الوصل بأول السورة الأخرى فتتصل بهما كما تتصل سائر الآيات بما قبلها وما بعدها ، ولك أن تقطعها من الآخر والأول وتلفظ بها وحدها والأولى قطعها من الآخر ووصلها بالأول فهذه أربعة أوجه الأول مكروه والآخر مستحب وما بينهما وجهان متوسطان وهما وصل البسملة بهما وقطعها عنهما ويتعلق بالوصل والقطع أحكام ذكرناها في الكبير قال صاحب التيسير والقطع عليها إذا وصلت بأواخر السور غير جائز والله أعلم