(58)
كَمَدٍّ وَإِثْبَاتٍ وَفَتْحٍ وَمُدْغَمٍ وَهَمْزٍ وَنَقْلٍ وَاخْتِلاَسٍ تَحَصَّلاَ
شرع يمثل الألفاظ التي يستغنى بها عن أضدادها أو بأضدادها عنها أي هي كمد وما بعده ، وقوله ومدغم اسم مفعول ويجوز أن يكون مصدرا وهو أولى ليناسب ما قبله وما بعده من الكلمات المذكورات ، وهي منقسمة إلى ماله ضد معين وإلى ما ليس كذلك فالأول يفهم بالعقل والثاني بالاصطلاح وإنما أشرح ما ذكره واحدا واحدا وأبين ما فيه وأزيد على ما ذكره أمثلة أخر ، أما المد فضده القصر وهو متعين وكلاهما مستعمل مستغنى به عن الآخر في هذه القصيدة كقوله وفي حاذرون المد وفي لابثين القصر ومد وخفف ياء زاكية وآتاكم فاقصر ، وأما الإثبات فضده الحذف وكلاهما مستعمل وما في معناهما كقوله وتثبت في الحالين واحذف الواو ودخللا والواو زد بعد مفسدين وما الواو دع كفى وزد ألفا من قبله فتكملا وعدنا جميعا دون ما ألف حلا وقبل يقول الواو غصن وأسقط الأولى في اتفاقهما معا ، وأما الفتح فلم يكن له حاجة إلى ذكره لأنه سيذكر فيما بعد أنه آخا بين الفتح والكسر فصارا ضدين بالاصطلاح وإن كان أراد به أنه ضد للإمالة كما ذكره الشيخ في شرحه فهو قليل الفائدة لم يستعمله إلا في قوله في سورة يوسف والفتح عنه تفضلا وفي باب الإمالة ولكن رءوس الآي قد قل فتحها وإنما الذي يستعمله كثيرا الإمالة وضدها ترك الإمالة ويعبر عنه بعض القراء بالفتح كما يعبر بعض النحويين عن الإمالة بالكسر ويعبر الناظم عنها أيضا بالإضجاع نحو وإضجاعك التوراة ما رد حسنه ، وأما المدغم فضده المظهر وكلاهما مستعمل نحو وأدغم باقيهم تمدونني الإدغام وأظهر لدى واع ومن حيى اكسر مظهرا ، وأما الهمز فضده ترك الهمز وكلاهما مستعمل وترك الهمز قد يكون بحذفه وهو حيث لا صورة له في الرسم كقوله وفي الصابئين الهمز والصابئون خذ وننسها مثله من غير همز وقد يكون بإبداله بالحرف الذي صور به الهمز كقوله وحيث ضياء وافق الهمز قنبلا وبادئ بعد الدال بالهمز حللا ويأجوج مأجوج اهمز الكل ناصرا ويهمز ضيزى وفي ضد ذلك وورش لئلا والنسيء بيائه ويجوز أن يقال الهمز وتركه من باب الإثبات والحذف فكان مغنيا عنه ، وأما النقل فعبارة عن تحويل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها مع حذف الهمزة فضد ذلك إبقاء الهمز على حاله والساكن على حاله ولم يقع التقييد في القصيدة إلا بالعقل لا بضده نحو ونقل ردا عن نافع ونقل قران والقران وفي معنى النقل لفظا التسهيل والإبدال كقوله لأعنتكم بالخلف أحمد سهلا وسهل أخا حمدوكم مبدل جلا وتسهيل أخرى همزتين وحمزة عند الوقف سهل همزه وضد ذلك كله تحقيق الهمز وقد استعمله في قوله وحققها في فصلت صحبة أآلهه كوف يحقق ثانيا ، وأما الاختلاس فضده إكمال الحركة لأن معناه خطف الحركة والإسراع بها وضده ترك ذلك وهو التؤدة في النطق بها تامة كاملة والاختلاس كالنقل في أنه لم يقع التقييد إلا به دون ضده مع أن استعماله قليل كقوله وكم جليل عن الدوري مختلسا جلا وقد عبر عنه بالإخفاء كثيرا كقوله وإخفاء كسر العين وأخفى العين قالون وأخفى بنو حمد وأخف حلوبر وقوله تحصلا أي تحصل في الرواية وئبت والله أعلم
(59)
وَجَزْمٍ وَتَذْكِيرٍ وَغَيْبٍ وَخِفَّةٍ وَجَمْعٍ وَتَنْوِينٍ وَتَحْرِيكٍ اْعَمِلاَ
ضد الجزم عنده الرفع ولا ينعكس الأمر فهذا مما اصطلح عليه فإذا كانت القراءة دائرة بين الجزم والرفع فإن ذكر قراءة الجزم ذكر الجزم مطلقا بلا قيد فتكون القراءة الأخرى بالرفع لأنه ضده عنده كقوله وحرفا يرث بالجزم وإن ذكر قراءة الرفع لم يطلق ذلك لأن ضد الرفع النصب على ما يأتي من اصطلاحه بل يقيد ذلك كقوله وتلقف ارفع الجزم يضاعف ويخلد رفع جزم يصدقني ارفع جزمه فكان الواجب أن يذكر الجزم مع الرفع والضم في قوله وحيث أقول الضم والرفع لأن كل واحد منهما لا ينعكس ضده به ، وأما التذكير فضده التأنيث وكلاهما مستعمل كقوله وذكر تسقي عاصم وأنث يكن عن دارم وليس بلازم أن يكونا عبارتين عن الياء والتاء في أفعال المضارعة فقد يأتي غير ذلك كقوله وذكر فناداه وذكر مضجعا توفاه ، وأما الغيبة فضدها الخطاب عنده وكلاهما مستعمل كقوله ولا يعبدون الغيب وبالغيب عما يعملون وخاطب تروا شرعا وفي أم تقولون الخطاب وللتحقيق أن ضد الغيبة الحضور ، والحضور ينقسم إلى خطاب وتكلم وتردد القراءة بين الغيبة والخطاب كثير فجعلهما ضدين والتردد بين الغيب والتكلم قليل كقوله تعالى في الأعراف (وإذ أنجيناكم من آل فرعون) ، يقرؤه ابن عامر على الغيبة وإذ أنجاكم فعبر الناظم عن هذا بالحذف والإثبات فقال وانجا بحذف الياء والنون كفلا ، والخفة ضدها الثقل وكلاهما قد جاء كقوله وخف قدرنا دار وثقل غساقا معا ومثله وشدد حفص منزل ، والجمع ضده التوحيد ومثله الإفراد والكل مستعمل كقوله وجمع رسالاتي رسالات فرد ووحد حق مسجد الله خطيئته التوحيد لكنه إذا ذكر لفظ الجمع كان ضده معلوما وهو الإفراد والتوحيد وإذا ذكر التوحيد فضده الجمع إلا أن الجمع على قسمين جمع سلامة وجمع تكسير فإن لفظ به اتضح كقوله رسالات فرد وإن لفظ بالإفراد فتارة يكون ضده جمع السلامة كقوله خطيئته التوحيد وتارة جمع التكسير كقوله ووحد حق مسجد الله وهنا يمكن التلفظ بالجمع فيقرأ البيت خطيآته التوحيد ولكل واحد من الجمع والإفراد ضد آخر وهو التثنية ولكن لم يجيء إلا ضميرها ولقلته أدرجه في باب الحذف والإثبات تارة كقوله ودع ميم خيرا منهما وتارة أدرجه في باب المد والقصر كقوله وحكم صحاب قصر همزة جاءنا والتنوين ضده ترك التنوين إما لعدم الصرف وإما للإضافة وكلاهما قد استعمله بهذا اللفظ وبما يؤدي معناه كقوله ونونوا عزيز رضا نص ثمود مع الفرقان والعنكبوت لم ينون وقلب نونوا من حميد خالصة أضف أكل أضف حلا ، وقد يعبر عن التنوين بالنون نفيا وإثباتا كقوله شهاب بنون ثق معا سبأ افتح دون نون وفي درجات النون ولا نون شركا ولو تجنب ذلك لكان أحسن لأنه قد آخى بين النون والياء كما يأتي فيتحد اللفظ والضد يختلف فيقول تارة نغفر بنونه فيكون ضده الياء وضابطه أن يكون الحرف المختلف فيه فعلا مضارعا ، وحيث يكون الحرف المختلف فيه اسما تكون النون فيه عبارة عن التنوين ، وأما التحريك فضده الإسكان سواء كان التحريك مقيدا أو مطلقا وكلاهما مستعمل كقوله معا قدر حرك وحرك عين الرعب ضما وسكن معا شنآن وأرنا وأرني ساكنا الكسر وقوله اعملا أي اجعل عاملا في الحرف ما يتصف به الحرف من ارتفاع وانفتاح وانخفاض فمتى ذكر التحريك فضده السكون ومتى ذكر اسم الحركة دونها فالضد له مثاله إذا قال ارفع فضده انصب وإذا قال انصب فضده اخفض وإذا قال اخفض فضده انصب ولا مدخل للسكون في القراءة المسكوت عنها ، وإن ذكر التحريك مع واحد من هذه الثلاثة فالضد له وهو السكون ولا التفات إلى كونه قد قيد التحريك بضم أو فتح أو كسر مثاله قوله وتسأل ضموا التاء واللام حركوا برفع فلأجل قوله حركوا أخذنا السكون للقراءة الأخرى ولم نأخذ ضد الرفع ولو قال موضع حركوا برفع رفعوا لأخذنا ضد الرفع وهو النصب وكذا قوله وحمزة وليحكم بكسر ونصبه يحركه لولا قوله يحركه لكانت قراءة الباقين بفتح اللام وخفض الميم فلما قال يحركه سكن الحرفان فاعرف ذلك فإنه قل من أتقنه فهذا شرح ما ذكر من أمثلة الأضداد في هذين البيتين وقد استعمل ألفاظا أخر كثيرة لم يذكرها هنا منها التقديم والتأخير كقوله هنا قاتلوا أخر وختامه بفتح وقدم مده ومنها القطع والوصل كقوله وشام قطع اشدد وشدد وصل وامدد ، ويجيء صل بمعنى آخر وهو وصل ميم الجمع وهاء الكناية بواو أو ياء وضده ترك ذلك ، ومنها الإهمال الدال على النقط في القراءة الأخرى كقوله في سورة الأنعام في يقض الحق شدد وأهملا ومنها الاستفهام والخبر كقوله واستفهام إنا صفا ولا وأخبروا بخلف إذا ما مت وغير ذلك مما يأتي في مكانه إن شاء الله تعالى
(60)
وَحَيْثُ جَرَى التَّحْرِيكُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ هُوَ الْفَتْحُ وَالْإِسْكانُ آخَاهُ مَنْزِلاَ
يعني إذا أطلق التحريك فمراده به الفتح دون الضم والكسر مثاله معا قدر حرك من صحاب أي افتح الدال وقال في الضم والكسر وحرك عين الرعب ضما وضيقا مع الفرقان حرك مثقلا بكسر فقيدهما ولم يطلق لفظ التحريك ، وقوله والإسكان آخاه فيه وجهان أحدهما أن السكون آخا التحريك غير المقيد في أنه متى ذكر غير مقيد فضده التحريك المطلق وهو الفتح أي كأنه قال سكن حركة الفتح كقوله ويطهرون في الطاء السكون فضد السكون هنا الفتح ، أما إذا كان ضد السكون حركة غير الفتح فإنه يقيدها كقوله وأرنا وأرني ساكنا الكسر وفي سبلنا في الضم الإسكان ، وقد استعمل الأمرين معا في نصف بيت في حرف دار ست حق في سورة الأنعام فقال وحرك وسكن كافيا فأطلق التحريك والإسكان فكان المراد بما نطق به من الحركة وبضد السكون الفتح فابن عامر افتح السين وسكن التاء والباقون سكنوا السين وفتحوا التاء ، الوجه الثاني أن تكون الهاء في آخاه عائدة على التحريك كله المطلق والمقيد والمراد بالإخوة الضدية كما قال في البيت بعده وآخيت بين النون والياء ويفهم من الإسكان المطلق أن ضده الفتح لأن ضده الحركة المطلقة ، وقد قال وحيث جرى التحريك غير مقيد هو الفتح يعني سواء جرى ذكره نصا صريحا أو أخذ ضدا لما نص على إسكانه مطلقا ولهذا قلت أنا بدل هذا البيت ما أظنه وفيا إن شاء الله تعالى بالمقصود ، (وإن أطلق التحريك نصا ولازما من الضد فهو الفتح حيث تنزلا) ، ولم يخرج عن الأصل الذي ذكره إلا قوله وفي الصعقة اقصر مسكن العين وكان حقه أن يقول مسكن الكسر وأما قوله وإسكان بارئكم فيأتي الكلام عليه في موضعه ومنزلا تمييز وهو مصدر أي آخاه نزولا أو اسم مكان أي آخا منزل كل واحد منهما الآخر وقيل هو ظرف والله تعالى أعلم
(61)
وَآخَيْتُ بَيْنَ النُّونِ وَالْيَأ وَفَتْحِهِمْ وَكَسْرٍ وَبَيْنَ النَّصْبِ وَالخَفْضِ مُنْزِلاَ
أي وبين فتحهم وكسر فحذف بين لدلالة ما قبله وبعده عليه والمعنى بالمؤاخاة أنه جعل كل اثنين مقترنين من هذه الستة يغني ذكر أحدهما عن الآخر كقوله ويدخله نون مع طلاق ويؤتيه باليا في حماه أن الدين بالفتح رفلا إن الله يكسر في كلا وانصب بينكم عم وقوم بخفض الميم وأراد بالفتح والكسر حركتي البناء وبالنصب والخفض حركتي الإعراب وفائدة محافظته على ذلك الاختصار فإن الكلمة تشتمل على حركات البناء والإعراب فإذا اتفق الخلاف في كلمة فيها حركتا إعراب وبناء من جنس واحد كضمة ورفع وفتحة ونصب وكسرة وجر أولا من جنس واحد فإذا كان الخلاف في حركة البناء قال اكسر وإذا كان في حركة الإعراب قال اخفض أو جر ولو لم يكن ملتزما لهذه التفرقة لما علم عند إطلاقه أنه قصد الحرف الذي فيه حركة البناء أو حرف الإعراب مثاله قوله والوتر بالكسر شائع فلفظ الوتر مشتمل على الكسر والفتح في الواو والجر في الراء فتعلم من قوله بالكسر أنه أراد كسر الواو وقوله وفك ارفعن تعلم أنه أراد حركة الكاف لا الفاء ثم قال وبعد اخفضن يعني آخر رقبة واكسر يعني همزة إطعام مع الرفع يعني في ميم إطعام وقد اختل عليه هذا الالتزام في موضع واحد سهوا وهو قوله في الزخرف وفي قيله اكسر واكسر الضم وصوابه اخفض في الأول لأنه للام وهو حرف إعراب وأما قوله في تضارر وضم الراء حق وهي حركة إعراب فلأجل القراءة الأخرى بالفتح لأنها حركة بناء فلم يكن له بد من الإخلال بأحدهما وأما قوله في الأنعام رسالات فرد وافتحوا وإنما هو نصب وكذا قوله في الأعراف ويقصر ذريات مع فتح تائه فسيأتي عذر حسن عنهما في موضعهما إن شاء تعالى ومنزلا حال من التاء في وآخيت