قوله تعالى : ( لاريب فيه هدى للمتقين ) لو وقفت على لا ريب ثم وقفت على المتقين كان لك فيهما ستة أوجه وهي : قصر اللين مع تثليث المتقين ، ثم توسط اللين مع توسط المتقين ومده ثم مدهما ، ولو تقدم العارض على اللين كان لكَ ستة أيضاً وهي : على قصر العارض قصر اللين فقط ، وعلى توسط العارض توسط اللين وقصره وغبى مدِ العارض مدُ اللين أو توسطه أو قصره ، قال ابن الجزري في كلامه على نحو الليل والخوف : والتحقيق في ذلك أن يقال أن هذه الثلاثة أوجه لاتسوغ إلا لمن ذهب إلى الإشباع في حروف المد من هذا الباب ، وأما من ذهب إلى القصر فيها فلا يجوز له إلا القصر فقط ، ومن ذهب إلى التوسط فيها فلا يسوغ له هنا إلا التوسط والقصر سواء اعتد بالعارض أو لم يعتد ولا يسوغ له هنا إشباع ، ولذلك كان الأخذ به في هذا النوع قليلا انتهى ، وأشار إلى ذلك في الطيبة بقوله : وفي الليت يقل طول .
وقد نظم المنصوري أوجه تقدم العارض على اللين فقال :
وكل من أشبع نحو الدين ثلاثة يجري بوقف اللين
ومن يرى قصرا فبالقصر اقتصر ومن يوسطه يوسط أو قصر
ونظم المبهي أوجه تقدم اللين على العارض بقوله :
وكل من قصر حرف اللين ثلاثة يجري بنحو الدين
وإن توسطه فوسط أشبعا وإن تمده فمد مشبعا
وإذا كان فيهما أو في أحدهما روم أو إشمام كادت أوجههما على ستة ولا تخفى على الفطن ، وإذا وقفت على نحو هدى من كل مقصور منون أملته من يمل صغرى أو كبرى ، وفتحته لمن يفتح ، أما الخلاف الذي حكاه الشاطبي بقوله : وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا إلخ .. فهو خلاف نحوي لاأدائي ، وأصله أن علماء الصرف لهم في الوقف على المقصور المنون ثلاثة أقوال ، الأول : أن ألفه ألف قصر مطلقا فيرقق أي يمال ، والثاني : أنها مبدل من النتوين مطلقا فيفخم أي يفتح ، والثالث : أنها مبدلة في النصب وألف قصر في الرفع والجر فتفتح في النصب وتمال في الباقي ، ولم يصح ذلك عن أئمة القراء كما وضحه ابن الجزري في نشره وأشار إليه في طيبمه بقوله : وما بذي التنوين خلف يعتلى بل قبل ساكن بما أصل قِف اه ، وقد ضبط المنون والممال في القرآن فوجد سبعة عشر كلمة جمعها بعضهم بقوله :
ولا تمل من المنونات إلا حروفا ذات قصر تاتي
غزا مصلى ومصفى مفترى طوى ربا سطى سدى فتى قرى
مثوى مسمى وإذا مولى هدى ضحى عمى سبع وعشر فاعددا
وأمليت هدى لانقلاب ألفها عن ياء ، و هذا أحد أسباب الإمالة الثمانية وهي :
(1) كسرة موجودة في اللفظ مثل بارئكم و إناه و آنية ،
(2) عارضة في بعض الأحوال مثل خاف و طاب فإنها تؤول إلى خفت و طبت ،
(3) ياء موجودة في اللفظ مثل محياي و خطايا ،
(4) انقلاب الألف عن ياء مثل هدى و اشترى ،
(5) شبه الإنقلاب عن ياء مثل حبلى ،
(6) شبه شبه انقلاب عن الياء مثل موسى و يحيى ،
(7) مجاورة إمالة وهو ما يكون للتناسب كرؤوس الآي مثل الضحى و سجى أو المسمى بإمالة الإمالة كإمالة ألف نصارى و يتامى لدوري الكسائي من طريق الضرير ،
( ألف مرسومة ياء كحسرتى وأنى ، وكلها ترجع إلى الكسرة أو الياء والإمالة والتقليل والفتح لغات فصيحة عربية ، وفائدة الإمالة سهولة النطق و الإشعار بالأصل .
قوله تعالى ( والذين يؤمنون با أنزل إليك وما أنزل من قبلك .. إلى .. هم المفلحون ) فيها لقالون أربعة أوجه وهي : قصر المنفصل ومده وعلى كل منهما سكون وصلة في ميم الجمع رويت كلها من طريق أبي نشيط ، وأطلق الخلاف فيها في الشاطبية ، وقرأت بها وبها أقرئ ، وإذا ولي الميم همزة قطع عوملت في الصلة معاملة المنفصل فيكون فيها وحدها حينئذ ثلاثة أوجه ، وهي الصلة بالمد و القصر والسكون ، وقد نظمت الجميع فقلت :
إذا ميم جمع يتلها نحو ما أتى فسكن وصل واقصر ومد في الكل
وإن عكس ذاْ سكن على القصر ثم صِل وكل على مدٍ لقالون ذي الفضل
وإن يتلها همز فسكن وصل لها بقصر ومد مثل منفصل أصلي
وفيها لورش إبدال الهمز الساكن في يؤمنون لأنها فاء كلمة وقد ضبط بعضهم الحروف االتي تأتي بعدها الهمزة فاء والكلمات التي تبدل والممنوع إبداله فقال :
يبدل ورش بعد ستٍ تسبق تبْ فرو دُم يأتيك نور مشرق
بشرط أن يكون ما أبدله فاء للفظ ربنا أنزله
وبعد همز الوصل كالذي اؤتمن وبئس و الذئب و بئر يا فطن
وأبدلا واوا له من همزة مفتوحة فاء وبعد ضمةِ
نحو يؤيد و مؤجلا ولا تبدل فؤدا لؤلؤا نلت العلا
وما يجي من جملة الإيوا فلا يبدله كن عالما محصلا
و بما أنزل مده المنفصل لانفصال سببه عن شرطه جائز لاختلاف الاقراء في مده وقصره ، و أولئك مده متصل واجب لإجماع القراء على مده ، والقصر في المنفصل عبارة عن تحقيق النطق بحرف المد دون زيادة عليه ، وقدر بألف واحدة ويعبر عنه بالطبيعي ، والمد هو الزيادة على ما ذكر ، والقراء متفاوتون بالمد على حسب مذاهبهم في التحقيق والترتيل والحدر ، فأطولهم مدا ورش وحمزة ، وقدر بثلاث ألفات ودونهما عاصم وقدر بألفين ونصف ثم ابن عامر والكسائي وخلف وقدر بألفين ، ثم ابن كثير والبصريان وأبو جعفر وقدر بألف ونصف ، فهي أربع مراتب ذكر في التيسير وغيره ، ومشى عليها كثير من القراء والمقرئين ، وبعضهم لا يرى في المد إلا مرتبتين طولى لورش وحمزة وقدرها ثلاث ألفات ووسطى وقدرها ألفان سواء ذلك في المتصل و المنفصل وهو اختيار الشاطبي رحمه الله تعالى ، ( إن قلت ) من أين تأخذ للشاطبي بذلك مع أنه أهمل في القصيدة ذكر تفاوت المد ولم ينبه عليه ، والمرتبتان خلاف التيسير ، قلت من السماع الصحيح المتلقى بالسند فقد نقل الجعبري عن السخاوي أن الشاطبي كان يقرئ برتبتين طولى ووسطى فقط ، وأنه عدل عن المراتب الأربع لأنها لا تتحقق ولا يمكن الإتيان بها كل مرة على قدر السابقة بخلاف المرتبتين فإنهما تتحققان ويمكن ضبطهما وتتيسران على النبيه والغبي ، أما كونهما خلاف التيسير فهذا لا يضر لأنه خلاف إلى أقوى ، على أن المحقق انتصر لهما وعزاهما إلى كثير من أئمة المحققين ، قال في نشره : وهو الذي استقر عليه رأي المحققين من أئمتنا قديما وحديثا وذكر كثيرين منهم : ابن مجاهد والطرسوسي وغيرهما وقال عنهم أنهم لم يذكروا من سوى القصر غير مرتبتين طولى ووسطى ، وقال : وهو الذي أميل إليه وآخذ به غالبا وأعول عليه انتهى .
بقي كيفية التحرير بين المتصل والمنفصل حين اجتماعهما من أربع مراتب وهاكه موضحا :
إذا اجتمع منفصل ومتصل متوسط أو متطرف موصول وسبق المنفصل ، فمن له قصر المنفصل ( وهو قالون وابن كثير والبصريان وأبو جعفر ) له في المتصل المد ثلاثا وأربعا ولقالون والدوري مدُ المنفصل ثلاثا مع مدِ المتصل ثلاثا وأربعا ، ولابن عامر والكسائي وخلف مدُ المنفصل والمتصل أربعا على التساوي لاغير ، ولعاصم مدُ المنفصل أربعا مع مدِ المتصل أربعا وخمسا الثامن مدهما خمسا ، ولورش وحمزة مدهما ستا لاغير ، فإذا كان المتصل متطرفا موقوفا عليه جاز للجميع مدُ المتصل ستا نظرا لسكون الوقف ، ويجري فيه الإشمام في جميع مراتبه ويكون رومه كحال وصله كما قال العلامة الطباخ .
وواقفا لقدر مدِ الوصل ضُم ستا ويجري حكم وصل إن ترم
وتوضيح تحريرهما حينئذ ، إن قصر المنفصل جاز في المتصل مدُ ثلاث وأربع وست ، وإن مدَ المنفصل ثلاثا مدَ المتصل ثلاثا وستا ، وإن مدَ المنفصل أربعا مدَ المتصل أربعا وستا ، وإن مدَ المنفصل خمسا مدَ المنفصل خمسا وستا ، وإن مدَ المنفصل ستا مدَ المتصل ستا لاغير ، وإليك توضيح ما يتأتى فيهما من الأوجه للجميع من أربع مراتب ومن مرتبتين في قوله تعالى ( وإذا قيل لهم آمنوا .. إلى .. السفهاء ) فلقالون ومن معه قصر المنفصل عليه مدُ المتصل ثلاثا وأربعا مع السكون والروم والإشمام ،ومده ستا بسكون وإشمام فقط فهي ثمانية ، ويزيد قالون والدوري مدَ المنفصل ثلاثا عليه مدُ المتصل ثلاثا بسكون وروم وإشمام ومده ستا بسكون وإشمام فقط ، ومد المنفصل أربعا عليه مدَ المتصل أربعا بسكون وروم وإشمام بسكون وروم وإشمام ومده ستا بسكون وإشمام لاغير فتتم الأوجه حينئذ ثمانية عشر ، فإذا كان المتصل مجرورا امتنع الإشمام وكانت الأوجه أحد عشر ، وفي المنصوب سبعة لاغير إذ لاروم فيه ولا إشمام .
ولابن ذكوان والكسائي وخلف خمسة أوجه في المرفوع وهي : مدُ المنفصل أربعا عليه مدُ المتصل أربعا بسكون وروم وإشمام ومده ستا بسكون وإشمام ، وفي المجرور ثلاثة وفي المنصوب اثنان ، ولعاصم عشرة أوجه وهي مدُ المنفصل أربعا عليه مدُ المتصل أربعا بسكون وروم وإشمام وستا بسكون وإشمام فقط ، ومد المنفصل خمسا عليه مدَ المتصل خمسا بسكون وروم وإشمام وستا بسكون وإشمام ، ومنع الروم حال مدِ المتصل ستا لأنه كالوصل ، ولا يوصل المتصل بست هؤلاء ، ولورش ثلاثة فقط وهي مدهما ستا بثلاثة لاغير ، وإلى ذلك أشار العلامة الطباخ بقوله :
وذو اتصال وانفصال سوّ أو زِد ما به انفراد آخر رأوا
وإن يمدُ قدر ما به انفرد فأزجه الثاني جميعها تعد
وقد أوضحنا من النشر فيهما لحفص من كتابنا ( تيسير الأمر لما زاده حفص من طريق النشر ) فارجع إليه وقس الباقين عليه .
ولهشام خمسة أوجه وهي : مدُ المنفصل أربعا عليه في المتصل قصر وتوسط ، ومد بالإبدال وروم بالتسهيل بالقصر والتوسط ، ولحمزة خمسة أيضاً : مدُ المنفصل ستا عليه في المتصل ثلاثة الإبدال والروم بالقصر والمد اه .
كل ذلك من الأوجه الجائزة وجميعها مأخوذ من القواعد ومنصوص عليه في النشر وغيره .
قوله تعالى ( أأنذرتهم ) كل من له إدخال حرف مدٍ بين الهمزتين فإنما يمد قدر ألف واحدة ، وما ورد من زيادة المد فيه عن هشام ضعيف لا يقرأ به ، والمد بمقدار الألف هنا يسمى مدُ الحجز وهو أحد ألقاب المد العشرة ، وباقيها مدُ العدل وهو اللازم لأنه يعدل الحركة ، ومد التمكين وهو المتصل كأولئك للتمكن من تحقيق الهمز ومد البدل كآدم لأنه يبدل من الهمز ، ومد الروم نحو هأنتم لمن يسهل لأنه يروم الهمزة ، ومد الفرق مثل آلله أذن للفرق بين الإستفهام والخبر ، ومد البنية نحو زكرياء بالمد لبيان بنية الممدود والمقصور ونحو دعاء ونداء فإن الكلمة فيها بنيت على المد ، ومد البسط أو الفصل وهو المنفصل لأنه يبسط االصوت بين الكلمتين ، ومد المبالغة نحو لاإله إلا الله للمبالغة في نفي الألوهية عن غير الله ، ومد الأصل وهو الطبيعي ، وقد جمعت هذه الألقاب في قولي :
للمد عشرة ألقاب أفيدكها الحجز والعدل والتمكين والبدل
ومد روم وفرق بنية وكذا بسط مبالغة والأصل قد نقلوا
والكسائي وهشام يشمان كسر قيل ضمة وليس لهما في قيلا وقيله إلا إخلاص الكسر .
قوله تعالى ( وعلى أبصارهم غشاوة ) أمال الكسائي وقفا ما قبل هاء التأنيث من حروف التهجي ما عدا الألف في قول وما عدا حروف الإستعلاء وحاع وحروف اكهر بعد فتح وضم في قول آخر ، ولم يمل الألف اللينة أصلا كالحياة ، ووضح ذلك بعضهم بقوله :
من غير خلف أميلت زينب فجثت لذود شمس لدى هاء الوقوف يرى
كذاك اكهر بعد الياء إن سكنت أو كسرة وسكون بعدها جبرا
والخلف في العلو مع حاع له ذكروا وبعد فتح وضم اكهر اشتهرا
واستثن من خص ضغط قظ حما ألفا فالفتح فيها بلا خلف له ذكرا
قوله تعالى ( ومن الناس .. إلخ ) ذكر الشاطبي الخلاف في إمالة الناس عاما لأبي عمرو بقوله – وخلفهم في الناس في الجر حصلا ، ولكن المنقول عنه توزيع الخلاف بين الراويين ، فللدوري الإمالة فقط ، وللسوسي الفتح فقط وهو الذي أخذناه ، على أن صاحب النشر لم يذكر الخلاف لغير الدوري .
وللأزرق في مدِ البدل في آمنا و الآخر ثلاثة أوجه : القصر والتوسط والمد ، ولا فرق بين المحقق والمغير فقد أطلق المذاهب فيهما الشاطبي وغيره ، وكل من له مذهب في البدل لم يفرق بينهما ، فقول الشيخ شلبي في تحريره أن قصرالمغير مذهب لا يتمشى إلا إذا كان مع قصر المحقق ، لأن المذاهب فيها ثلاثة كما علمت ، أما قصر المغير مع توسط المحقق أو مده فيأتي على قاعدة تغير السبب والاعتداد بالعارض عند من يعتد به وتكون الأوجه حينئذ خمسة وهي : قصرهما ثم توسط المحقق مع توسط المغير وقصره ثم مدُ المحقق مع مدِ المغير وقصره .
قال ابن الجزري في نشره : وتظهر فائدة الخلاف في ذلك في نحو ( من يقول آمنا بالله واليوم الآخر ) فمن لم يعتد بالعارض ساوى بين آمنا و الآخر قصرا وتوسطا ومدا ، ومن اعتد به مدَ وتوسط في آمنا وقصر في الآخر ، ولكن العمل على عدم الاعتداد بالعارض في الباب كله سوى مااستثني من ذلك فيما تقدم وبه قرأت وبه آخذ ولاأمنع الاعتداد بالعارض انتهى .
قوله تعالى ( وإذا لقوا الذين آمنوا .. إلى .. مستهزئون ) لفظ مستهزئون بدل وصلا ومد عارض للسكون وقفا ، ومعلوم أم مدَ العارض أقوى من البدل ففيهما لورش ستة أوجه نصَ عليها في النشر بقوله : إذا وقفت لورش من طريق الأزرق على نحو يستهزئون و متكئون و مآب فمن روى عنه المد وصلا وقف كذلك ، سواء اعتد بالعارض أم لم يعتد ، ومن روى عنه التوسط وصلا وقف به إن لم يعتد بالعارض وبالمد إن اعتد به ، ومن روى القصر كأبي الحسن بن غلبون وابن بليمة وقف كذلك إذا لم يعتد بالعارض وبالتوسط أو الإشباع إن اعتد به ، انتهت عبارته ، وقد نظمت ذلك فقلت :
ثلث كمستهزئون مع قصر البدل وإن توسط وسطا وامدد تجل
وإن تمد امدده لاغير لدا وقف لورش ستة نلت الأمل
وليس ذلك مخصوصا بعارض السكون الذي فيه همز بل هو عام في جميع المد العارض لكونه أقوى من البدل كما علمت ونبه على ذلك العلامة الطباخ في تحريره فقال :
وحرف مدٍ حرف لين إن تلا في الوقف أو عارض وقف بدلا
فليأت فيس الثان الذي في الأول وزده ما عنه علا إن يقبل
ومثل أول مع الأدنى أتى في الثان مع عكس فصارت ستتا
قوله تعالى ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) اختص بإمالة طغيانهم الدوري عن الكسائي ولا تقليل فيه لورش .
قوله تعالى ( إن الله على كل شئ قدير ) يفهم من قول الشاطبي – وعن حمزة في الوقف خلف .. إلى و شئ و شيئا لم يزد – أن خلفا اختلف عنه في السكت على المفصول نحو لهم آمنوا ولم يختلف عنه في السكت على أل و شئ ، وأن خلادا اختلف عنه في سكت أل و شئ ولم يختلف عنه في عدم سكت المفصول ، وقد أوضح ذلك بعضهم بقوله :
و شئ و أل بالسكت عن خلف بلا خلاف وفي المفصول خلف تقبلا
وخلادهم بالخلف في أل و شيئه ولا سكت في المفصول عنه فحصلا
ولحمزة وهشام في الوقف على شئ النقل و الإدغام وكلاهما مع السكون أو الروم لكونه مجرورا فتصير أربعة أوجه ، ويزيد في المرفوع الإشمام فيهما ففيه ستة ، والحذف اتباعا للرسم متحد مع النقل بالسكون فلا يعد وجها لاندراجه فيه ، وفي المنصوب النقل و الإدغام فقط ، وقد نظم العلامة المرادي أوجه المرفوع فقال :
في شئ المرفوع ستة أوجه نقل و إدغام بغير منازع
وكلاهما معه ثلاثة أوجه والحذف مندرج فليس بسابع
وزاد بعضهم أوجه المجرور والمنصوب فقال :
ويجوز في مجرورها هذا سوى إشمامه فامنع لأمر مانع
والنقل والإدغام في منصوبها لاغير فافهم ذاك غير مدافع
قوله تعالى ( فسواهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم ) لو وقف يعقوب على فسواهن وعلى هو و هي بهاء السكت فقط من طريق الدرة ، وكذلك لو وقف على ياء المتكلم المشددة نحو إلي و علي و مصرخي ، وله في الوقف على ما الإستفهامية المجرورة نحو لِم و بم و فيم هاء السكت وعدمها ، هذا ما قرأت به من طريق الدرة ونص عليه شارحها الرميلي وأفتيت به وأخذت عليه خطوط مشيخة مقارئ الإسكندرية سنة 1316هجرية .
قوله تعالى ( هؤلاء إن كنتم صادقين ) اجتمع في هؤلاء مدان منفصل ومتصل ، وقد أسلفنا مراتب مدهما عند ممن يحقق الهمزة ، وبقي أن من غير همزة المتصل وصلا بتسهيل أو حذف يجوز له القصر والمد فيه عملا بقول الشاطبي ( وإن حرف مدٍ قبل همز مغير .. إلخ ) وأن المد أولى من القصر عند قالون لبقاء أثر السبب عكس أبي عمرو لعدم أثره كما قال في الطيبة ( والمد أولى إن تغير السبب وبقي الأثر أو فاقصر أحب ) ، ولقالون والدوري فيهما ثلاثة أوجه : قصر هاء مع قصر ومد أولاء ، ثم مدهما لاغير ، ولا يجوز قصر المتصل المغير بالإسقاط مع مدِ المنفصل لأنه لو قدر منفصلا ساوى غيره وإن قدر متصلا تعين مده ، وتجري الأوجه الثلاثة فيما لو تأخر المنفصل عن المتصل المغير نحو ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) فعلى مدِ السماء أن قصر ومد في بإذنه إن ، ثم قصرهما ، ولقنبل وجهان تسهيل الثانية بين بين وإبدالها مدا طويلا للساكن ملحقا باللازم . ولورش ثلاثة أوجه وهي : وجها قنبل ، والثالث إبدالها ياء مكسورة خفيفة ، وليس للأزرق في إبدالها ياء ساكنة مدية ثلاثة البدل بل له المد الطويل فقط كما قال الطيبي :
وآخر الهمزين حيث أبدله مداً فلا تأتي الوجوه فيه له
أي وجوه البدل ، ومثل هؤلاء إن البغاء إن أردن بالنور لورش ، إلا أن إبدالها مدا يجوز القصر والمد لتغير السبب بالنقل ، وفي جمع هؤلاء إن لورش مع البدل قبلها إلى صادقين يتأتى ثمانية عشر وجها وهي ستة على قاعدة اجتماع البدل والعارض في كل منها ثلاثة هؤلاء إن وهذا هو التحقيق ، أما قول الإسقاطي أنها سبع وعشرون فهو تساهل لا يصح إذ لا يقصر العارض مع مدِ البدل أو توسطه . وفيها لقالون ثلاثة هؤلاء إن مع السكون أو الصلة ، وعلى كل ثلاثة صادقين فهي ثمانية عشر أيضاً ، ولايخفى ما للباقين إلى صادقين . ولحمزة في الوقف على هؤلاء ( وليس محل وقف ، والذي يسوغ الوقف عليه هو ولا إلى هؤلاء بالنساء ) ثلاثة عشر وجها وهي تحقيق الهمزة الأولى بالمد خمسة الأخيرة وهي : ثلاثة إبدالها ووجها تسهليلها بالروم ثم تسهيل همزة ها بقصر ومدها وعلى كل خمسة الأخيرة المتقدمة ، ويمتنع حينئذ وجهان وهما : روم الأخيرة بالمد مع قصر الأولى والعكس ، وحكي إبدال الأولى واوا مع القصر والمد فتكون الأوجه بذلك خمسة وعشرين ، والصحيح ماذكرنا ، وقد نظمته فقلت :
في هؤلاء إن تقف لحمزة ثلاث أوجه أتت مع عشرة
وهي إذا حققت ما توسطا فاقصر مطرفا ومد موسطا
ورم على القصر ومد وإذا سهلت ما توسط المد خذا
والقصر فيه وعلى كل أتى ماجاء في التحقيق لكن أثبتا
منعا لروم إن قصرت ها بمد وإن مددت المنع بالقصر ورد
ولهشام تسهيل المتطرفة فقط بأوجهها الخمسة له .
وقد نظم المنصوري أوجه تقدم العارض على اللين فقال :
وكل من أشبع نحو الدين ثلاثة يجري بوقف اللين
ومن يرى قصرا فبالقصر اقتصر ومن يوسطه يوسط أو قصر
ونظم المبهي أوجه تقدم اللين على العارض بقوله :
وكل من قصر حرف اللين ثلاثة يجري بنحو الدين
وإن توسطه فوسط أشبعا وإن تمده فمد مشبعا
وإذا كان فيهما أو في أحدهما روم أو إشمام كادت أوجههما على ستة ولا تخفى على الفطن ، وإذا وقفت على نحو هدى من كل مقصور منون أملته من يمل صغرى أو كبرى ، وفتحته لمن يفتح ، أما الخلاف الذي حكاه الشاطبي بقوله : وقد فخموا التنوين وقفا ورققوا إلخ .. فهو خلاف نحوي لاأدائي ، وأصله أن علماء الصرف لهم في الوقف على المقصور المنون ثلاثة أقوال ، الأول : أن ألفه ألف قصر مطلقا فيرقق أي يمال ، والثاني : أنها مبدل من النتوين مطلقا فيفخم أي يفتح ، والثالث : أنها مبدلة في النصب وألف قصر في الرفع والجر فتفتح في النصب وتمال في الباقي ، ولم يصح ذلك عن أئمة القراء كما وضحه ابن الجزري في نشره وأشار إليه في طيبمه بقوله : وما بذي التنوين خلف يعتلى بل قبل ساكن بما أصل قِف اه ، وقد ضبط المنون والممال في القرآن فوجد سبعة عشر كلمة جمعها بعضهم بقوله :
ولا تمل من المنونات إلا حروفا ذات قصر تاتي
غزا مصلى ومصفى مفترى طوى ربا سطى سدى فتى قرى
مثوى مسمى وإذا مولى هدى ضحى عمى سبع وعشر فاعددا
وأمليت هدى لانقلاب ألفها عن ياء ، و هذا أحد أسباب الإمالة الثمانية وهي :
(1) كسرة موجودة في اللفظ مثل بارئكم و إناه و آنية ،
(2) عارضة في بعض الأحوال مثل خاف و طاب فإنها تؤول إلى خفت و طبت ،
(3) ياء موجودة في اللفظ مثل محياي و خطايا ،
(4) انقلاب الألف عن ياء مثل هدى و اشترى ،
(5) شبه الإنقلاب عن ياء مثل حبلى ،
(6) شبه شبه انقلاب عن الياء مثل موسى و يحيى ،
(7) مجاورة إمالة وهو ما يكون للتناسب كرؤوس الآي مثل الضحى و سجى أو المسمى بإمالة الإمالة كإمالة ألف نصارى و يتامى لدوري الكسائي من طريق الضرير ،
( ألف مرسومة ياء كحسرتى وأنى ، وكلها ترجع إلى الكسرة أو الياء والإمالة والتقليل والفتح لغات فصيحة عربية ، وفائدة الإمالة سهولة النطق و الإشعار بالأصل .
قوله تعالى ( والذين يؤمنون با أنزل إليك وما أنزل من قبلك .. إلى .. هم المفلحون ) فيها لقالون أربعة أوجه وهي : قصر المنفصل ومده وعلى كل منهما سكون وصلة في ميم الجمع رويت كلها من طريق أبي نشيط ، وأطلق الخلاف فيها في الشاطبية ، وقرأت بها وبها أقرئ ، وإذا ولي الميم همزة قطع عوملت في الصلة معاملة المنفصل فيكون فيها وحدها حينئذ ثلاثة أوجه ، وهي الصلة بالمد و القصر والسكون ، وقد نظمت الجميع فقلت :
إذا ميم جمع يتلها نحو ما أتى فسكن وصل واقصر ومد في الكل
وإن عكس ذاْ سكن على القصر ثم صِل وكل على مدٍ لقالون ذي الفضل
وإن يتلها همز فسكن وصل لها بقصر ومد مثل منفصل أصلي
وفيها لورش إبدال الهمز الساكن في يؤمنون لأنها فاء كلمة وقد ضبط بعضهم الحروف االتي تأتي بعدها الهمزة فاء والكلمات التي تبدل والممنوع إبداله فقال :
يبدل ورش بعد ستٍ تسبق تبْ فرو دُم يأتيك نور مشرق
بشرط أن يكون ما أبدله فاء للفظ ربنا أنزله
وبعد همز الوصل كالذي اؤتمن وبئس و الذئب و بئر يا فطن
وأبدلا واوا له من همزة مفتوحة فاء وبعد ضمةِ
نحو يؤيد و مؤجلا ولا تبدل فؤدا لؤلؤا نلت العلا
وما يجي من جملة الإيوا فلا يبدله كن عالما محصلا
و بما أنزل مده المنفصل لانفصال سببه عن شرطه جائز لاختلاف الاقراء في مده وقصره ، و أولئك مده متصل واجب لإجماع القراء على مده ، والقصر في المنفصل عبارة عن تحقيق النطق بحرف المد دون زيادة عليه ، وقدر بألف واحدة ويعبر عنه بالطبيعي ، والمد هو الزيادة على ما ذكر ، والقراء متفاوتون بالمد على حسب مذاهبهم في التحقيق والترتيل والحدر ، فأطولهم مدا ورش وحمزة ، وقدر بثلاث ألفات ودونهما عاصم وقدر بألفين ونصف ثم ابن عامر والكسائي وخلف وقدر بألفين ، ثم ابن كثير والبصريان وأبو جعفر وقدر بألف ونصف ، فهي أربع مراتب ذكر في التيسير وغيره ، ومشى عليها كثير من القراء والمقرئين ، وبعضهم لا يرى في المد إلا مرتبتين طولى لورش وحمزة وقدرها ثلاث ألفات ووسطى وقدرها ألفان سواء ذلك في المتصل و المنفصل وهو اختيار الشاطبي رحمه الله تعالى ، ( إن قلت ) من أين تأخذ للشاطبي بذلك مع أنه أهمل في القصيدة ذكر تفاوت المد ولم ينبه عليه ، والمرتبتان خلاف التيسير ، قلت من السماع الصحيح المتلقى بالسند فقد نقل الجعبري عن السخاوي أن الشاطبي كان يقرئ برتبتين طولى ووسطى فقط ، وأنه عدل عن المراتب الأربع لأنها لا تتحقق ولا يمكن الإتيان بها كل مرة على قدر السابقة بخلاف المرتبتين فإنهما تتحققان ويمكن ضبطهما وتتيسران على النبيه والغبي ، أما كونهما خلاف التيسير فهذا لا يضر لأنه خلاف إلى أقوى ، على أن المحقق انتصر لهما وعزاهما إلى كثير من أئمة المحققين ، قال في نشره : وهو الذي استقر عليه رأي المحققين من أئمتنا قديما وحديثا وذكر كثيرين منهم : ابن مجاهد والطرسوسي وغيرهما وقال عنهم أنهم لم يذكروا من سوى القصر غير مرتبتين طولى ووسطى ، وقال : وهو الذي أميل إليه وآخذ به غالبا وأعول عليه انتهى .
بقي كيفية التحرير بين المتصل والمنفصل حين اجتماعهما من أربع مراتب وهاكه موضحا :
إذا اجتمع منفصل ومتصل متوسط أو متطرف موصول وسبق المنفصل ، فمن له قصر المنفصل ( وهو قالون وابن كثير والبصريان وأبو جعفر ) له في المتصل المد ثلاثا وأربعا ولقالون والدوري مدُ المنفصل ثلاثا مع مدِ المتصل ثلاثا وأربعا ، ولابن عامر والكسائي وخلف مدُ المنفصل والمتصل أربعا على التساوي لاغير ، ولعاصم مدُ المنفصل أربعا مع مدِ المتصل أربعا وخمسا الثامن مدهما خمسا ، ولورش وحمزة مدهما ستا لاغير ، فإذا كان المتصل متطرفا موقوفا عليه جاز للجميع مدُ المتصل ستا نظرا لسكون الوقف ، ويجري فيه الإشمام في جميع مراتبه ويكون رومه كحال وصله كما قال العلامة الطباخ .
وواقفا لقدر مدِ الوصل ضُم ستا ويجري حكم وصل إن ترم
وتوضيح تحريرهما حينئذ ، إن قصر المنفصل جاز في المتصل مدُ ثلاث وأربع وست ، وإن مدَ المنفصل ثلاثا مدَ المتصل ثلاثا وستا ، وإن مدَ المنفصل أربعا مدَ المتصل أربعا وستا ، وإن مدَ المنفصل خمسا مدَ المنفصل خمسا وستا ، وإن مدَ المنفصل ستا مدَ المتصل ستا لاغير ، وإليك توضيح ما يتأتى فيهما من الأوجه للجميع من أربع مراتب ومن مرتبتين في قوله تعالى ( وإذا قيل لهم آمنوا .. إلى .. السفهاء ) فلقالون ومن معه قصر المنفصل عليه مدُ المتصل ثلاثا وأربعا مع السكون والروم والإشمام ،ومده ستا بسكون وإشمام فقط فهي ثمانية ، ويزيد قالون والدوري مدَ المنفصل ثلاثا عليه مدُ المتصل ثلاثا بسكون وروم وإشمام ومده ستا بسكون وإشمام فقط ، ومد المنفصل أربعا عليه مدَ المتصل أربعا بسكون وروم وإشمام بسكون وروم وإشمام ومده ستا بسكون وإشمام لاغير فتتم الأوجه حينئذ ثمانية عشر ، فإذا كان المتصل مجرورا امتنع الإشمام وكانت الأوجه أحد عشر ، وفي المنصوب سبعة لاغير إذ لاروم فيه ولا إشمام .
ولابن ذكوان والكسائي وخلف خمسة أوجه في المرفوع وهي : مدُ المنفصل أربعا عليه مدُ المتصل أربعا بسكون وروم وإشمام ومده ستا بسكون وإشمام ، وفي المجرور ثلاثة وفي المنصوب اثنان ، ولعاصم عشرة أوجه وهي مدُ المنفصل أربعا عليه مدُ المتصل أربعا بسكون وروم وإشمام وستا بسكون وإشمام فقط ، ومد المنفصل خمسا عليه مدَ المتصل خمسا بسكون وروم وإشمام وستا بسكون وإشمام ، ومنع الروم حال مدِ المتصل ستا لأنه كالوصل ، ولا يوصل المتصل بست هؤلاء ، ولورش ثلاثة فقط وهي مدهما ستا بثلاثة لاغير ، وإلى ذلك أشار العلامة الطباخ بقوله :
وذو اتصال وانفصال سوّ أو زِد ما به انفراد آخر رأوا
وإن يمدُ قدر ما به انفرد فأزجه الثاني جميعها تعد
وقد أوضحنا من النشر فيهما لحفص من كتابنا ( تيسير الأمر لما زاده حفص من طريق النشر ) فارجع إليه وقس الباقين عليه .
ولهشام خمسة أوجه وهي : مدُ المنفصل أربعا عليه في المتصل قصر وتوسط ، ومد بالإبدال وروم بالتسهيل بالقصر والتوسط ، ولحمزة خمسة أيضاً : مدُ المنفصل ستا عليه في المتصل ثلاثة الإبدال والروم بالقصر والمد اه .
كل ذلك من الأوجه الجائزة وجميعها مأخوذ من القواعد ومنصوص عليه في النشر وغيره .
قوله تعالى ( أأنذرتهم ) كل من له إدخال حرف مدٍ بين الهمزتين فإنما يمد قدر ألف واحدة ، وما ورد من زيادة المد فيه عن هشام ضعيف لا يقرأ به ، والمد بمقدار الألف هنا يسمى مدُ الحجز وهو أحد ألقاب المد العشرة ، وباقيها مدُ العدل وهو اللازم لأنه يعدل الحركة ، ومد التمكين وهو المتصل كأولئك للتمكن من تحقيق الهمز ومد البدل كآدم لأنه يبدل من الهمز ، ومد الروم نحو هأنتم لمن يسهل لأنه يروم الهمزة ، ومد الفرق مثل آلله أذن للفرق بين الإستفهام والخبر ، ومد البنية نحو زكرياء بالمد لبيان بنية الممدود والمقصور ونحو دعاء ونداء فإن الكلمة فيها بنيت على المد ، ومد البسط أو الفصل وهو المنفصل لأنه يبسط االصوت بين الكلمتين ، ومد المبالغة نحو لاإله إلا الله للمبالغة في نفي الألوهية عن غير الله ، ومد الأصل وهو الطبيعي ، وقد جمعت هذه الألقاب في قولي :
للمد عشرة ألقاب أفيدكها الحجز والعدل والتمكين والبدل
ومد روم وفرق بنية وكذا بسط مبالغة والأصل قد نقلوا
والكسائي وهشام يشمان كسر قيل ضمة وليس لهما في قيلا وقيله إلا إخلاص الكسر .
قوله تعالى ( وعلى أبصارهم غشاوة ) أمال الكسائي وقفا ما قبل هاء التأنيث من حروف التهجي ما عدا الألف في قول وما عدا حروف الإستعلاء وحاع وحروف اكهر بعد فتح وضم في قول آخر ، ولم يمل الألف اللينة أصلا كالحياة ، ووضح ذلك بعضهم بقوله :
من غير خلف أميلت زينب فجثت لذود شمس لدى هاء الوقوف يرى
كذاك اكهر بعد الياء إن سكنت أو كسرة وسكون بعدها جبرا
والخلف في العلو مع حاع له ذكروا وبعد فتح وضم اكهر اشتهرا
واستثن من خص ضغط قظ حما ألفا فالفتح فيها بلا خلف له ذكرا
قوله تعالى ( ومن الناس .. إلخ ) ذكر الشاطبي الخلاف في إمالة الناس عاما لأبي عمرو بقوله – وخلفهم في الناس في الجر حصلا ، ولكن المنقول عنه توزيع الخلاف بين الراويين ، فللدوري الإمالة فقط ، وللسوسي الفتح فقط وهو الذي أخذناه ، على أن صاحب النشر لم يذكر الخلاف لغير الدوري .
وللأزرق في مدِ البدل في آمنا و الآخر ثلاثة أوجه : القصر والتوسط والمد ، ولا فرق بين المحقق والمغير فقد أطلق المذاهب فيهما الشاطبي وغيره ، وكل من له مذهب في البدل لم يفرق بينهما ، فقول الشيخ شلبي في تحريره أن قصرالمغير مذهب لا يتمشى إلا إذا كان مع قصر المحقق ، لأن المذاهب فيها ثلاثة كما علمت ، أما قصر المغير مع توسط المحقق أو مده فيأتي على قاعدة تغير السبب والاعتداد بالعارض عند من يعتد به وتكون الأوجه حينئذ خمسة وهي : قصرهما ثم توسط المحقق مع توسط المغير وقصره ثم مدُ المحقق مع مدِ المغير وقصره .
قال ابن الجزري في نشره : وتظهر فائدة الخلاف في ذلك في نحو ( من يقول آمنا بالله واليوم الآخر ) فمن لم يعتد بالعارض ساوى بين آمنا و الآخر قصرا وتوسطا ومدا ، ومن اعتد به مدَ وتوسط في آمنا وقصر في الآخر ، ولكن العمل على عدم الاعتداد بالعارض في الباب كله سوى مااستثني من ذلك فيما تقدم وبه قرأت وبه آخذ ولاأمنع الاعتداد بالعارض انتهى .
قوله تعالى ( وإذا لقوا الذين آمنوا .. إلى .. مستهزئون ) لفظ مستهزئون بدل وصلا ومد عارض للسكون وقفا ، ومعلوم أم مدَ العارض أقوى من البدل ففيهما لورش ستة أوجه نصَ عليها في النشر بقوله : إذا وقفت لورش من طريق الأزرق على نحو يستهزئون و متكئون و مآب فمن روى عنه المد وصلا وقف كذلك ، سواء اعتد بالعارض أم لم يعتد ، ومن روى عنه التوسط وصلا وقف به إن لم يعتد بالعارض وبالمد إن اعتد به ، ومن روى القصر كأبي الحسن بن غلبون وابن بليمة وقف كذلك إذا لم يعتد بالعارض وبالتوسط أو الإشباع إن اعتد به ، انتهت عبارته ، وقد نظمت ذلك فقلت :
ثلث كمستهزئون مع قصر البدل وإن توسط وسطا وامدد تجل
وإن تمد امدده لاغير لدا وقف لورش ستة نلت الأمل
وليس ذلك مخصوصا بعارض السكون الذي فيه همز بل هو عام في جميع المد العارض لكونه أقوى من البدل كما علمت ونبه على ذلك العلامة الطباخ في تحريره فقال :
وحرف مدٍ حرف لين إن تلا في الوقف أو عارض وقف بدلا
فليأت فيس الثان الذي في الأول وزده ما عنه علا إن يقبل
ومثل أول مع الأدنى أتى في الثان مع عكس فصارت ستتا
قوله تعالى ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) اختص بإمالة طغيانهم الدوري عن الكسائي ولا تقليل فيه لورش .
قوله تعالى ( إن الله على كل شئ قدير ) يفهم من قول الشاطبي – وعن حمزة في الوقف خلف .. إلى و شئ و شيئا لم يزد – أن خلفا اختلف عنه في السكت على المفصول نحو لهم آمنوا ولم يختلف عنه في السكت على أل و شئ ، وأن خلادا اختلف عنه في سكت أل و شئ ولم يختلف عنه في عدم سكت المفصول ، وقد أوضح ذلك بعضهم بقوله :
و شئ و أل بالسكت عن خلف بلا خلاف وفي المفصول خلف تقبلا
وخلادهم بالخلف في أل و شيئه ولا سكت في المفصول عنه فحصلا
ولحمزة وهشام في الوقف على شئ النقل و الإدغام وكلاهما مع السكون أو الروم لكونه مجرورا فتصير أربعة أوجه ، ويزيد في المرفوع الإشمام فيهما ففيه ستة ، والحذف اتباعا للرسم متحد مع النقل بالسكون فلا يعد وجها لاندراجه فيه ، وفي المنصوب النقل و الإدغام فقط ، وقد نظم العلامة المرادي أوجه المرفوع فقال :
في شئ المرفوع ستة أوجه نقل و إدغام بغير منازع
وكلاهما معه ثلاثة أوجه والحذف مندرج فليس بسابع
وزاد بعضهم أوجه المجرور والمنصوب فقال :
ويجوز في مجرورها هذا سوى إشمامه فامنع لأمر مانع
والنقل والإدغام في منصوبها لاغير فافهم ذاك غير مدافع
قوله تعالى ( فسواهن سبع سموات وهو بكل شئ عليم ) لو وقف يعقوب على فسواهن وعلى هو و هي بهاء السكت فقط من طريق الدرة ، وكذلك لو وقف على ياء المتكلم المشددة نحو إلي و علي و مصرخي ، وله في الوقف على ما الإستفهامية المجرورة نحو لِم و بم و فيم هاء السكت وعدمها ، هذا ما قرأت به من طريق الدرة ونص عليه شارحها الرميلي وأفتيت به وأخذت عليه خطوط مشيخة مقارئ الإسكندرية سنة 1316هجرية .
قوله تعالى ( هؤلاء إن كنتم صادقين ) اجتمع في هؤلاء مدان منفصل ومتصل ، وقد أسلفنا مراتب مدهما عند ممن يحقق الهمزة ، وبقي أن من غير همزة المتصل وصلا بتسهيل أو حذف يجوز له القصر والمد فيه عملا بقول الشاطبي ( وإن حرف مدٍ قبل همز مغير .. إلخ ) وأن المد أولى من القصر عند قالون لبقاء أثر السبب عكس أبي عمرو لعدم أثره كما قال في الطيبة ( والمد أولى إن تغير السبب وبقي الأثر أو فاقصر أحب ) ، ولقالون والدوري فيهما ثلاثة أوجه : قصر هاء مع قصر ومد أولاء ، ثم مدهما لاغير ، ولا يجوز قصر المتصل المغير بالإسقاط مع مدِ المنفصل لأنه لو قدر منفصلا ساوى غيره وإن قدر متصلا تعين مده ، وتجري الأوجه الثلاثة فيما لو تأخر المنفصل عن المتصل المغير نحو ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) فعلى مدِ السماء أن قصر ومد في بإذنه إن ، ثم قصرهما ، ولقنبل وجهان تسهيل الثانية بين بين وإبدالها مدا طويلا للساكن ملحقا باللازم . ولورش ثلاثة أوجه وهي : وجها قنبل ، والثالث إبدالها ياء مكسورة خفيفة ، وليس للأزرق في إبدالها ياء ساكنة مدية ثلاثة البدل بل له المد الطويل فقط كما قال الطيبي :
وآخر الهمزين حيث أبدله مداً فلا تأتي الوجوه فيه له
أي وجوه البدل ، ومثل هؤلاء إن البغاء إن أردن بالنور لورش ، إلا أن إبدالها مدا يجوز القصر والمد لتغير السبب بالنقل ، وفي جمع هؤلاء إن لورش مع البدل قبلها إلى صادقين يتأتى ثمانية عشر وجها وهي ستة على قاعدة اجتماع البدل والعارض في كل منها ثلاثة هؤلاء إن وهذا هو التحقيق ، أما قول الإسقاطي أنها سبع وعشرون فهو تساهل لا يصح إذ لا يقصر العارض مع مدِ البدل أو توسطه . وفيها لقالون ثلاثة هؤلاء إن مع السكون أو الصلة ، وعلى كل ثلاثة صادقين فهي ثمانية عشر أيضاً ، ولايخفى ما للباقين إلى صادقين . ولحمزة في الوقف على هؤلاء ( وليس محل وقف ، والذي يسوغ الوقف عليه هو ولا إلى هؤلاء بالنساء ) ثلاثة عشر وجها وهي تحقيق الهمزة الأولى بالمد خمسة الأخيرة وهي : ثلاثة إبدالها ووجها تسهليلها بالروم ثم تسهيل همزة ها بقصر ومدها وعلى كل خمسة الأخيرة المتقدمة ، ويمتنع حينئذ وجهان وهما : روم الأخيرة بالمد مع قصر الأولى والعكس ، وحكي إبدال الأولى واوا مع القصر والمد فتكون الأوجه بذلك خمسة وعشرين ، والصحيح ماذكرنا ، وقد نظمته فقلت :
في هؤلاء إن تقف لحمزة ثلاث أوجه أتت مع عشرة
وهي إذا حققت ما توسطا فاقصر مطرفا ومد موسطا
ورم على القصر ومد وإذا سهلت ما توسط المد خذا
والقصر فيه وعلى كل أتى ماجاء في التحقيق لكن أثبتا
منعا لروم إن قصرت ها بمد وإن مددت المنع بالقصر ورد
ولهشام تسهيل المتطرفة فقط بأوجهها الخمسة له .