بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي حرر رقابنا من ربقة الشرك بتوحيده ، ومنّ علينا بحفظ كتابه الكريم وتجويده ، أحمده وأشهد ألا إله إلا الله مورث كتابه من اصطفاه وأكرمه ، وأشهد أن سيدنا محمدأ عبده ورسوله ومصطفاه القائل خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حافظوا على نشر آيات الكتاب محررة موضحة المشكل مسهلة ميسرة .
( وبعد ) فيقول العبد الفقير إلى لطف ربه الخفي محمد بن عبد الرحمن الخليجي المقرئ الحنفي : لما كان العويص من مسائل فن القراءات غير مجموع أكثره في بعض الكتب إلا نظما ، على أنه غير متداول بين القارئين لقلة وجوده ، أردت أن أضع كتابا يجمع متفرقه ويبين مغلقه ويحقق طرقه ويوفي شرحه حقه ، فوفقني الله لجمع هذا الكتاب من أمهات الكتب بعد التحقيق التام فجاء بحمد الله وافيا بالمرام ، لم يترك عويصة إلا بينها ، ولا مشكلة إلا حلها ، ولا مجملا إلا فصله ، ولا خفيا إلا بين ما احتمله ، مقتصرا على ماتعلق بالشاطبية والدرة بعبارة واضحة مختصرة ليسهل تناوله ، ويكثر إن شاء الله تعالى تداوله ، وسميته :
( حل الكشكلات وتوضيح التحريرات في على القراءات )
أسأل الله أن ينفع به ، ويجزل الخير لِي بسببه ، إنه سميع مجيب . آمين .
تاريخ القرآن الكريم
القرآن الكريم هو الوحي المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز والبيان ، المنقول مضبوطا بالتواتر ، المتعبد بتلاوته ، الجامع لمصالح العباد ، في الحياة وبعد المعاد ، وقد ابتدأ الله تعالى إنزاله على رسوله في أربع وعشرين من رمضان في السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة في غار حراء بمكة ، وتابع إنزاله على حسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة ، ولما تمّ إنزاله كذلك أنزله فيه مرتبا كترتيبه في المصاحف في العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين ، وقد كانت الصحابة تكتبه لنفسها ، وللرسول فيما يجدونه من الصحف واللخاف والأكتاف ، وكان منهم من يكتب الآيات والسورة والسور ، ومنهم كتب جميعه وحفظه كله كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وأبي هريرة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وغيرهم من أجلاء الصحابة ، ومنهم من حضر العرضة الأخيرة كزيد بن ثابت لأنه كان أكبر كاتب من كتبة الوحي ، وقد ثبت أنه قرأها مرارا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبها لنفسه وللرسول فيما ذكرناه .
وقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وقام أبو بكر رضي الله عنه بأمر الأمة و القرآن مكتوب بهذه الكيفية ، ولما كان حرب اليمامة أول خلافة الصديق واستشهد فيه كثير من الصحابة جاء عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر وأشار عليه بجمع القرآن في مصحف واحد خشية أن يذهب بذهاب الصحابة الذين سمعوه من الرسول وكتبوه في حضرته فتوقف في ذلك من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر في ذلك بشئ ، ثم شرح الله صدر أبي بكر لما أشار به عمر ، فاجتمع رأيه ورأي الصحابة على ذلك فأمر زيد بن ثابت في جملة من الصحابة بتتبع القرآن وجمعه في صحف ، فقام زيد بالأمر بكمال التحري وعرض المحفوظ على المكتوب بحضرة الرسول وإقرار الصحابة عليه حتى تممه في الصحف وصارت عند أبي بكر حتى توفي ، ثم عند عمر حتى توفي ، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ، ولما كانت سنة خمس وعشرين من الهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه حضر حذيفة بن اليمان فتح أرمينية وأذربيجان فرأى الناس يختلفون في القرآن ويقول أحدهم للآخر قراءتي أصح من قراءتك فأفزعه ذلك وقدم على عثمان وقال له أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف لننسخها ثم نردها إليك ، فأرسلتها إليه فأمر زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث وعبد الله بن الزبير أن ينسخوها في المصاحف وقال : إذا اختلفتم أنتم وزيد في شئ فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ، فكتبوا منها عدة مصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فوجه بمصحف إلى البصرة وبمصحف إلى اليمن وإلى البحرين وبمصحف إلى مكة وبمصحف إلى الشام وبمصحف إلى الكوفة وترك بالمدينة مصحفا وأمسك لنفسه مصحفا وهو الذي يقال له الإمام ، واجتمعت الأمة المعصومة من الخطأ على ما تضمنته هذه المصاحف وترك ماخالفها من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى مما كان مأذونا فيه ولم يثبت ثبوتا مستفيضا أنه من القرآن ، وجردت هذه المصاحف جميعها من النقط والشكل ليحتملها ما صَح نقله وثبتت تلاوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان الإعتماد على الحفظ المتلقى عن الرسول لا على مجرد الخط ، وقرأ أهل كل مصر بما في مصحفهم وتلقوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقوه من في رسول صلى الله عليه وآله وسلم ثم قاموا مقام الصحابة في تعليم ذلك لغيرهم ( ومن ثم كانت موافقة خط المصاحف العثمانية شرطا من شروط صحة القراءة ) و كذلك قام من بعدهم من أئمة الحفاظ عدد لا يحصى وكثر القراء وانتشروا ، وكان منهم المتقن والمقصر إلى أثناء المائة الثالثة فقام جهابذة أئمتهم وجعلوا للقراءة الصحيحة ضابطا وهو كل ما صَح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسند الصحيح ووافق وجها في العربية ووافق خط المصاحف العثمانية فهو القرآن وكل قراءة كذلك تكون من جملة الأحرف السبعة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : أنزل القرآن على سبعة أحرف ، و القراءات العشر التي يقرأ بها في زماننا كذلك ، والأحرف السبعة مندرجة فيها ، وما عداها مما لم يستوف الشروط المذكرة شاذ وليس بقرآن ، وقد أجمع الأصوليون على أن الشاذ ليس بقرآن لعدم صدق الحد عليه ، والجمهور على تحريم القراءة به على اعتقاد أو إيهام أنه قرآن ، أما القراءة به لما فيه من الأحكام الشرعية أو الأدبية فلا خلاف في جوازها ، وذلك كقراءة ابن مسعود : فصيام ثلاثة أيا متتابعات في المائدة بزيادة متتابعات ، وبها أخذ أبو حنيفة تتابع صيام كفارة اليمين ، وكالقراءة المنسوبة لعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة في : إنما يخشى الله من عباده العلماء برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء ، ووجهت بأن الخشية فيهل استعارة للجلال والتعظيم ، أي إنما يجل الله العلماء من عباده ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الناس بين جميع عباده ، وكقراءة الأعمش : وكان عبدا لله وجيها في الأحزاب بالباء الموحدة وتنوين الدال وجر لفظ الجلالة باللام ، وقد أفادت هذه القراءة عبودية موسى عليه السلام لله ووجاهته ، و قراءة الجمهور أوجه لأنها مفصحة عن وجاهته عند الله بعد براءته وذلك أقوى وعبوديته لله ثابتة بالضرورة ، ووجه شذوذ القراءة الأولى أنها لم توافق أحد المصاحف العثمانية بزيادة متتابعات ووجه شذوذ الأخيرتين أنهما لم يثبتا بالسند الصحيح المتواتر ولم يرد في الشاذ فبرئ والله مما قالوا ، وإن لهج به بعض الجهلة كما لهجوا في سورة التوبة بأنه قرئ شاذ فسيحوا في الطين ولم يوجد ذلك في الشواذ المعروفة فلا تصدق كل ما تسمع حتى تعرضه على أربابه الثقات ، وأجمعوا على أنه لم يتواتر شئ مما زاد على العشرة المشهورة ولا يتوهمن أحد أن الأحرف السبعة المشار إليها في الحديث هي القراءات السبع المعروفة اليوم فإن ذلك خطأ على أنها لم تجمع إلا أثناء المائة الرابعة ، جمعها ابن مجاهد وقد سبقه ولحقه غيره في جمعها والزيادة عليها ، ومن أراد زيادة البيان فليراجع النشر فإن فيه الكفاية .
معنى الأحرف السبعة أو القراءات
ورد متواترا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) وقد اختلف العلماء في المراد بهذه الأحرف مع إجماعهم على أنه ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبعة أوجه وعلى لأنه ليس المراد هؤلاء القراء السبعة المشهورين ، وأرجح الأقوال وأولاها بالصواب ما صححه البيهقي واختاره الأبهري و الداني صاحب التيسير واقتصر عليه في القاموس أنها سبعة أوجه من اللغات العربية ، قال أبو عبيدة هي : قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن ، وقال غيره خمس لغات في أكناف هوازن وهي : سعد وثقيف وكنانة وهذيل وقريش ولغتان على جميع ألسنة العرب ، والسبب في ذلك تهوين الله على الأمة المحمدية كما صرح بذلك في الأحاديث الصحيحة التي منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن ربي أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي ، ولم يزل يردد حتى بلغ سبعة أحرف ) لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى الخلق وألسنتهم مختلفة والعرب قبائل شتى ولغاتهم متباينة وكلهم مأمورون بقراءة القرآن فلو كلفوا النطق بلغة واحدة لعسر ذلك عليهم ، فاقتضى يسر الدين أن يكون على لغات ، وكانت سبعة نظرا لأصل لغات العرب ، وأيضاً ليعم التحدي بالقرآن جميع العرب ويصدق قوله تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن .. الآية ) وأما كون تعدد اللغات يدعو إلى الاختلاف في النطق فلا يضر لأنه اختلاف وفاق ولو من وجه لا اختلاف تضاد كما وضحه صاحب النشر ***
الحمد لله الذي حرر رقابنا من ربقة الشرك بتوحيده ، ومنّ علينا بحفظ كتابه الكريم وتجويده ، أحمده وأشهد ألا إله إلا الله مورث كتابه من اصطفاه وأكرمه ، وأشهد أن سيدنا محمدأ عبده ورسوله ومصطفاه القائل خيركم من تعلم القرآن وعلمه ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين حافظوا على نشر آيات الكتاب محررة موضحة المشكل مسهلة ميسرة .
( وبعد ) فيقول العبد الفقير إلى لطف ربه الخفي محمد بن عبد الرحمن الخليجي المقرئ الحنفي : لما كان العويص من مسائل فن القراءات غير مجموع أكثره في بعض الكتب إلا نظما ، على أنه غير متداول بين القارئين لقلة وجوده ، أردت أن أضع كتابا يجمع متفرقه ويبين مغلقه ويحقق طرقه ويوفي شرحه حقه ، فوفقني الله لجمع هذا الكتاب من أمهات الكتب بعد التحقيق التام فجاء بحمد الله وافيا بالمرام ، لم يترك عويصة إلا بينها ، ولا مشكلة إلا حلها ، ولا مجملا إلا فصله ، ولا خفيا إلا بين ما احتمله ، مقتصرا على ماتعلق بالشاطبية والدرة بعبارة واضحة مختصرة ليسهل تناوله ، ويكثر إن شاء الله تعالى تداوله ، وسميته :
( حل الكشكلات وتوضيح التحريرات في على القراءات )
أسأل الله أن ينفع به ، ويجزل الخير لِي بسببه ، إنه سميع مجيب . آمين .
تاريخ القرآن الكريم
القرآن الكريم هو الوحي المنزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز والبيان ، المنقول مضبوطا بالتواتر ، المتعبد بتلاوته ، الجامع لمصالح العباد ، في الحياة وبعد المعاد ، وقد ابتدأ الله تعالى إنزاله على رسوله في أربع وعشرين من رمضان في السنة الثالثة عشرة قبل الهجرة في غار حراء بمكة ، وتابع إنزاله على حسب الوقائع في ثلاث وعشرين سنة ، ولما تمّ إنزاله كذلك أنزله فيه مرتبا كترتيبه في المصاحف في العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم مرتين ، وقد كانت الصحابة تكتبه لنفسها ، وللرسول فيما يجدونه من الصحف واللخاف والأكتاف ، وكان منهم من يكتب الآيات والسورة والسور ، ومنهم كتب جميعه وحفظه كله كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وزيد بن ثابت وأبي هريرة ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وغيرهم من أجلاء الصحابة ، ومنهم من حضر العرضة الأخيرة كزيد بن ثابت لأنه كان أكبر كاتب من كتبة الوحي ، وقد ثبت أنه قرأها مرارا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتبها لنفسه وللرسول فيما ذكرناه .
وقد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وقام أبو بكر رضي الله عنه بأمر الأمة و القرآن مكتوب بهذه الكيفية ، ولما كان حرب اليمامة أول خلافة الصديق واستشهد فيه كثير من الصحابة جاء عمر رضي الله عنه إلى أبي بكر وأشار عليه بجمع القرآن في مصحف واحد خشية أن يذهب بذهاب الصحابة الذين سمعوه من الرسول وكتبوه في حضرته فتوقف في ذلك من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر في ذلك بشئ ، ثم شرح الله صدر أبي بكر لما أشار به عمر ، فاجتمع رأيه ورأي الصحابة على ذلك فأمر زيد بن ثابت في جملة من الصحابة بتتبع القرآن وجمعه في صحف ، فقام زيد بالأمر بكمال التحري وعرض المحفوظ على المكتوب بحضرة الرسول وإقرار الصحابة عليه حتى تممه في الصحف وصارت عند أبي بكر حتى توفي ، ثم عند عمر حتى توفي ، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ، ولما كانت سنة خمس وعشرين من الهجرة في خلافة عثمان رضي الله عنه حضر حذيفة بن اليمان فتح أرمينية وأذربيجان فرأى الناس يختلفون في القرآن ويقول أحدهم للآخر قراءتي أصح من قراءتك فأفزعه ذلك وقدم على عثمان وقال له أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا الصحف لننسخها ثم نردها إليك ، فأرسلتها إليه فأمر زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث وعبد الله بن الزبير أن ينسخوها في المصاحف وقال : إذا اختلفتم أنتم وزيد في شئ فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم ، فكتبوا منها عدة مصاحف على اللفظ الذي استقر عليه في العرضة الأخيرة على الرسول صلى الله عليه وسلم ، فوجه بمصحف إلى البصرة وبمصحف إلى اليمن وإلى البحرين وبمصحف إلى مكة وبمصحف إلى الشام وبمصحف إلى الكوفة وترك بالمدينة مصحفا وأمسك لنفسه مصحفا وهو الذي يقال له الإمام ، واجتمعت الأمة المعصومة من الخطأ على ما تضمنته هذه المصاحف وترك ماخالفها من زيادة ونقص وإبدال كلمة بأخرى مما كان مأذونا فيه ولم يثبت ثبوتا مستفيضا أنه من القرآن ، وجردت هذه المصاحف جميعها من النقط والشكل ليحتملها ما صَح نقله وثبتت تلاوته عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان الإعتماد على الحفظ المتلقى عن الرسول لا على مجرد الخط ، وقرأ أهل كل مصر بما في مصحفهم وتلقوا ما فيه عن الصحابة الذين تلقوه من في رسول صلى الله عليه وآله وسلم ثم قاموا مقام الصحابة في تعليم ذلك لغيرهم ( ومن ثم كانت موافقة خط المصاحف العثمانية شرطا من شروط صحة القراءة ) و كذلك قام من بعدهم من أئمة الحفاظ عدد لا يحصى وكثر القراء وانتشروا ، وكان منهم المتقن والمقصر إلى أثناء المائة الثالثة فقام جهابذة أئمتهم وجعلوا للقراءة الصحيحة ضابطا وهو كل ما صَح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالسند الصحيح ووافق وجها في العربية ووافق خط المصاحف العثمانية فهو القرآن وكل قراءة كذلك تكون من جملة الأحرف السبعة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : أنزل القرآن على سبعة أحرف ، و القراءات العشر التي يقرأ بها في زماننا كذلك ، والأحرف السبعة مندرجة فيها ، وما عداها مما لم يستوف الشروط المذكرة شاذ وليس بقرآن ، وقد أجمع الأصوليون على أن الشاذ ليس بقرآن لعدم صدق الحد عليه ، والجمهور على تحريم القراءة به على اعتقاد أو إيهام أنه قرآن ، أما القراءة به لما فيه من الأحكام الشرعية أو الأدبية فلا خلاف في جوازها ، وذلك كقراءة ابن مسعود : فصيام ثلاثة أيا متتابعات في المائدة بزيادة متتابعات ، وبها أخذ أبو حنيفة تتابع صيام كفارة اليمين ، وكالقراءة المنسوبة لعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة في : إنما يخشى الله من عباده العلماء برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء ، ووجهت بأن الخشية فيهل استعارة للجلال والتعظيم ، أي إنما يجل الله العلماء من عباده ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الناس بين جميع عباده ، وكقراءة الأعمش : وكان عبدا لله وجيها في الأحزاب بالباء الموحدة وتنوين الدال وجر لفظ الجلالة باللام ، وقد أفادت هذه القراءة عبودية موسى عليه السلام لله ووجاهته ، و قراءة الجمهور أوجه لأنها مفصحة عن وجاهته عند الله بعد براءته وذلك أقوى وعبوديته لله ثابتة بالضرورة ، ووجه شذوذ القراءة الأولى أنها لم توافق أحد المصاحف العثمانية بزيادة متتابعات ووجه شذوذ الأخيرتين أنهما لم يثبتا بالسند الصحيح المتواتر ولم يرد في الشاذ فبرئ والله مما قالوا ، وإن لهج به بعض الجهلة كما لهجوا في سورة التوبة بأنه قرئ شاذ فسيحوا في الطين ولم يوجد ذلك في الشواذ المعروفة فلا تصدق كل ما تسمع حتى تعرضه على أربابه الثقات ، وأجمعوا على أنه لم يتواتر شئ مما زاد على العشرة المشهورة ولا يتوهمن أحد أن الأحرف السبعة المشار إليها في الحديث هي القراءات السبع المعروفة اليوم فإن ذلك خطأ على أنها لم تجمع إلا أثناء المائة الرابعة ، جمعها ابن مجاهد وقد سبقه ولحقه غيره في جمعها والزيادة عليها ، ومن أراد زيادة البيان فليراجع النشر فإن فيه الكفاية .
معنى الأحرف السبعة أو القراءات
ورد متواترا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال ( أن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) وقد اختلف العلماء في المراد بهذه الأحرف مع إجماعهم على أنه ليس المراد أن كل كلمة تقرأ على سبعة أوجه وعلى لأنه ليس المراد هؤلاء القراء السبعة المشهورين ، وأرجح الأقوال وأولاها بالصواب ما صححه البيهقي واختاره الأبهري و الداني صاحب التيسير واقتصر عليه في القاموس أنها سبعة أوجه من اللغات العربية ، قال أبو عبيدة هي : قريش وهذيل وثقيف وهوازن وكنانة وتميم واليمن ، وقال غيره خمس لغات في أكناف هوازن وهي : سعد وثقيف وكنانة وهذيل وقريش ولغتان على جميع ألسنة العرب ، والسبب في ذلك تهوين الله على الأمة المحمدية كما صرح بذلك في الأحاديث الصحيحة التي منها قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( إن ربي أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي ، ولم يزل يردد حتى بلغ سبعة أحرف ) لأنه صلى الله عليه وآله وسلم أرسل إلى الخلق وألسنتهم مختلفة والعرب قبائل شتى ولغاتهم متباينة وكلهم مأمورون بقراءة القرآن فلو كلفوا النطق بلغة واحدة لعسر ذلك عليهم ، فاقتضى يسر الدين أن يكون على لغات ، وكانت سبعة نظرا لأصل لغات العرب ، وأيضاً ليعم التحدي بالقرآن جميع العرب ويصدق قوله تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن .. الآية ) وأما كون تعدد اللغات يدعو إلى الاختلاف في النطق فلا يضر لأنه اختلاف وفاق ولو من وجه لا اختلاف تضاد كما وضحه صاحب النشر ***