(746)
يُسَيِّرُكُمْ قُلْ فِيهِ يَنْشُرُكُمْ (كـ)ـفَى مَتَاعَ سِوَى حَفْص بِرَفْعٍ تَحَمَّلاَ
أي جعل مكان يسيركم ينشركم من قوله تعالى (فانتشروا في الأرض)و(متاع الحياة الدنيا) ، بالرفع خبر-بغيكم-أو خبر مبتدأ محذوف أي هو متاع وخبر بغيكم-قوله-على أنفسكم-أي لا يتجاوزها ونصب متاع على أنه مصدر أي تتمتعون متاعا وقال أبو علي تبغون متاع الحياة الدنيا أو يكون متعلقا بقوله بغيكم وخبر بغيكم محذوف لطول الكلام
(747)
وَإِسْكَانُ قِطْعاً (دُ)ونَ (رَ)يْبٍ وُرُودُهُ وفِي بَاءِ تَبْلُو التَّاءُ (شَـ)ـاعَ تَنَزُّلاَ
القطع بسكون الطاء الجزء من الليل الذي فيه ظلمة قال الله تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، وقال الشاعر ، (افتحي الباب فانظري في النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم) ، وبفتح الطاء جمع قطعة وكلتا القراءتين ظاهرة وقوله مظلما صفة قطعا على قراءة الإسكان وعلى قراءة الفتح هو حال من الليل وأما (هنالك تبلوا كل نفس) ، فقرأها حمزة والكسائي بتاءين من التلاوة أو من التلو وهو الإتباع وقرأها الباقون بباء موحدة قبل اللام من الاختبار وتنزلا نصب على التمييز ولم يقيد الناظم حرفي القراءة بما لا يحتمل التصحيف على عادته مثل شاع بالثا مثلثا وغيرهما بالباء نقطة أسفلا وهو مشكل إذ من الجائز أن تقرأ وفي تاء تبلوا الباء شاع فيكون عكس مراده فلو أنه قال في البيت الأول متاع سوى حفص وقطعا رضى دلا ، (بالإسكان تبلو كل نفس من التلاوة والباقون تبلو من البلا) ، لاتضح المراد ويكون الإطلاق في متاع دالا على رفعه فلا يحتاج إلى قيد على ما عرف من اصطلاحه والله أعلم
(748)
وَيَا لاَ يَهدِّي اكْسِرْ (صَـ)ـفِيًّا وَهَاهُ (نَـ)ـلْ وَأَخْفَى (بَـ)ـنُو (حَـ)ـمْدٍ وَخُفِّفَ (شُـ)ـلْشُلاَ
قصر يا وها ضرورة أراد (أم من لا يهدي) ، قرأه حمزة والكسائي من هدى يهدى كرمى يرمي وهو بمعنى يهتدى أو على أنه على تقدير إلا بأن يهدى وحرف الجر يحذف مع أن كثيرا وقراءة الباقين أصلها يهتدى فأريد إدغام التاء في الدال فألقيت حركتها على الهاء لتدل على حركة المدغم كما قالوا يعض ويرد ويفر والأصل يعضض ويردد ويفرر وكسر عاصم الهاء لالتقاء الساكنين ولم ينبه على حركة المدغم لأنه قد علم أن تاء الافتعال لا تكون إلا مفتوحة بخلاف عين الفعل المدغمة في يعض ويرد ويفر فإن حركتها اختلفت كما ترى ولم يفعل ذلك عاصم في (لا تعدو في السبت) ، ففتح كغيره ولم يكسر لأن الكسر في لا يهدي أنسب للياء قبلها وكسر شعبة الياء إتباعا للهاء ولا يجوز كسر ياء المضارعة إلا في مثل هذا وفي ييجل لتنقلب الواو ياء ومن أخفى حركة الهاء نبه بذلك على أن أصلها السكون قال في التيسير والنص عن قالون بالإسكان ، قلت والكلام عليه كما سبق في-لا تعدو-و-نعما-وغيرهما لأنه جمع بين الساكنين على غير حدهما فلا يستقيم وشلشلا حال لأنه كتب في المصحف بغير تاء فخفف قراءة في حال كونها خفيفا في الرسم ويجوز أن يكون شلشلا صفة قامت مقام المصدر وهي في معناه لا من لفظه ل فكأنه قال وخفف خفيفا أي تخفيفا كما قال قم قائما أي قياما وعنى بالتخفيف قراءة ترك تشديد الدال وبقي سكون الهاء لم ينبه عليه وهذا قد سبق له نظائر ولكنه نطق فيها بالكلمات مخففة نحو وفي الكل تلقف خف حفص ولا يتبعوكم خف ويغشى سما خفا وموهن بالتخفيف ذاع ولو قال في موضع وخفف شلشلا ويهدي شمردلا لكان أبين لكونه نص على لفظ القراءة كما نص على لفظ قراءة الباقين في قوله ويا لا يهدي اكسر فيكون المعنى وقريء يهدي في حال كونه شمردلا أي خفيفا
(749)
وَلكِنْ خَفِيفٌ وَارْفَعِ النَّاسَ عَنْهُمَا وَخَاطَبَ فِيهَا يَجْمَعُونَ (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ
أراد (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) ، الخلاف فيها كما سبق في (ولكن الشياطين كفروا)-(ولكن البر من آمن)-(ولكن الله رمى) ، وقوله عنهما أي عن حمزة والكسائي والغيبة والخطاب في قوله-هو خير مما يجمعون-ظاهر أن الخطاب للكفار والغيب إخبار عنهم وقوله فيها أي في هذه السورة وملا جمع ملاءة وهي الملحفة وقد ذكرنا المراد بها
(750)
وَيَعْزُبُ كَسْرُ الضَّمِّ مَعْ سَبَأ (رَ)سَا وَأَصْغَرَ فَارْفَعْهُ وَأَكْبَرَ (فَـ)ـيْصَلاَ
أي مع حرف سبأ والكسر والضم في زاي يعزب لغتان ومعناه وما يبعد وما يغيب ومعنى رسا ثبت واستقر ورفع ولا أصغر على الابتداء والفتح على أنه اسم لا بني معها كالوجهين في لا حول ولا قوة إلا بالله بفتحهما ورفعهما على ما ذكرناه ، وقال كثير من الناس أن الرفع عطف على موضع من مثقال والفتح على لفظ مثقال أو على ذرة ولكنه لا ينصرف وهو مشكل من جهة المعنى ويزيل الإشكال أن يقدر قبل قوله-إلا في كتاب-ليس شيء من ذلك إلا في كتاب مبين وكذا يقدر في آية الأنعام (وعنده مفاتح الغيب) ، وأما الذي في سورة سبأ فلم يقرأ (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) ، إلا بالرفع فقط وهو يقوى قول من يقول إنه معطوف وسببه أن-مثقال-فيها بالرفع لأنه ليس قبله حرف جر وفيصلا حال من المرفوع وكأنه أشار إلى الوجه المذكور أولا أي انفصل مما قبله في المعنى فارتفع بالابتداء والخبر وقال الشيخ فيصلا حال من الفاعل في ارفعه أي حاكما في ذلك
(751)
مَعَ الْمدِّ قَطْعُ السِّحْرِ (حُـ)ـكْمٌ تَبَوَّءا بِيَا وَقْفِ حَفْصٍ لَمْ يَصِحَّ فَيُحْمَلاَ
أي قطع همز السحر مع ما بعدما حكم من الأحكام المنقول في علم القراءات يريد قوله تعالى (ما جئتم به السحر) ، قرأه أبو عمرو بقطع الهمزة على أنها للاستفهام وبالمد بعدها بدلا من همزة الوصل فصار مثل-آلذكرين-وهو استفهام بمعنى التقرير والإنكار عليهم وما في-ما جئتم به-استفهامية أيضا أي أي شيء جئتم به ثم ابتدأ-آلسحر-أي أهو السحر وقراءة الجماعة بهمزة وصل من غير مد على أن ما موصولة بجئتم به وهي مبتدأ والسحر خبرها أي الذي جئتم به السحر حقيقة وحكى أبو علي الأهوازي من طريق الأصمعي عن أبي عمرو مثل قراءة الجماعة وأما (أن تبوءا لقومكما) ، فروي عن حفص أنه إذا وقف عليه أبدل الهمزة ياء مفتوحة وأنكر ذلك أبو العباس الأشناني فيما حكاه ابن أبي هاشم عنه ولم يعرفه ، قال وقال في الوقف مثل الوصل يعني بالهمز قال الداني وبذلك قرأت وبه آخذ ، قلت وهو أيضا فاسد من جهة العربية فإنه ليس على قياس تسهيل الهمز وقول الناظم تبوءا مبتدأ ووقف حفص إن كان مرفوعا فهو مبتدأ ثان أي وقف حفص عليه بياء لم يصح وإن كان وقف مجرورا بإضافة يا إليه فالخبر لم يصح أي تبوءا باليا لم يصح ونصب فيحملا في جواب النفي بالفاء
(752)
وَتَتَّبِعَانِ النُّونُ خَفَّ (مَـ)ـدًّا وَمَاجَ بِالْفَتْحِ وَالإِسْكَانِ قَبْلُ مُثَقَّلاَ
أي خف مداه لأن الناطق بالخفيفة أقصر مدا من الناطق بالشديدة وهي نون رفع الفعل على أن تكون لا للنفي لا للنهي والواو للحال أي فاستقيما غير متعبين أو تكون جملة خبرية معناها النهي كقوله تعالى (لا تعبدون إلا الله) ، أو يكون إخبارا محضا بجملة مستأنفة أي ولستما تتبعان وإن قلنا إن لا نهي كانت النون نون التأكيد الخفيفة على قول يونس والفراء وكسرت لالتقاء الساكنين وقيل خففت الثقيلة للتضعيف كما تخفف رب وإن ثم إن الناظم ذكر رواية أخرى عن ابن ذكوان وليست في التيسير وهي بسكون التاء وفتح الباء وتشديد النون من تبع يتبع والنون المشددة للتأكيد فهذا معنى قوله وماج أي اضطرب بالفتح في الباء والإسكان في التاء قبل الباء ومثقلا حال من فاعل ماج وهو ضمير تتبعان وهذه قراءة جيدة لا إشكال فيها ، قال الداني في غير التيسير وقد ظن عامة البغداديين أن ابن ذكوان أراد تخفيف التاء دون النون لأنه قال في كتابه بالتخفيف ولم يذكر حرفا بعينه قال وليس كما ظنوا لأن الذين تلقوا ذلك أداء وأخذوه منه مشافهة أولى أن يصار إلى قولهم ويعتمد على روايتهم وإن لم يتفق ذلك في قياس العربية ولم يذكر ابن مجاهد عن ابن ذكوان غير هذا الوجه وذكر الأهوازي عن ابن عامر في هذه الكلمة أربع قراءات تشديد التاء والنون كالجماعة وتخفيفهما وتشديد التاء وتخفيف النون وعكسه تخفيف التاء وتشديد النون وهما الوجهان المذكوران في القصيدة وساق الأخير من طريق ابن ذكوان ، فإن قلت هل يجوز أن تكون الميم في وماج رمزا نحو الكاف من وكم صحبة لأنها قراءة ولم يذكر لها قارئا ، قلت لا يجوز لأن الرمز الحرفي إذا تمحض يجب تأخيره عن القراءة بل تكون هذه القراءة لمن رمز له في القراءة قبلها كقوله وعم بلا واو الذين البيت فالقراءتان متى اجتمعتا في بيت لقاريء متحد تارة يتقدم رمزه وتارة يتأخر مثل كفلا في البيت الذي أوله عليم وقالوا وقد رد القراءة في بيت لا رمز فيه على رمز في بيت قبله في قراءة فتثبتوا في سورة النساء فما هنا أولى والله أعلم
(753)
وَفِي أَنَّهُ اكْسِرْ (شَـ)ـافِياً وَبِنُونِهِ وَنَجْعَلُ (صِفْ) وَالْخِفُّ نُنْجِ (رِ)ضىً (عَـ)ـلاَ
يريد قوله تعالى (آمنت أنه) ، الكسر فيه للإستئناف أو على إضمار القول والقول هنا هو المعبر عنه بالإيمان أو ضمن-آمنت-معنى قلت والفتح على حذف الباء أي آمنت بأنه كذا نحو يؤمنون بالغيب وهو مفعوله من غير تقدير حرف جر أي صدقت أنه كذا والخلف في قوله سبحانه (ونجعل الرجس) ، بالنون والياء ظاهر النون للعظمة والياء لأن قبله-إلا بإذن الله-والهاء في قوله وبنونه لقوله ونجعل نحو في داره زيد لأن الواو في-ونجعل-من التلاوة فيكون-ونجعل-مبتدا وبنونه خبر مقدم أي استقر بنونه ويجوز أن تكون-ونجعل-مفعول صف أي صف بنونه والخف مبتدأ وننجي مفعول به كما ذكرنا في قوله في الأعراف والخف أبلغكم ورضى خبر المبتدا وعلا تمييز أو خبر بعد خبر وننجي المختلف في تخفيفه وتشديده هو (كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين) ، وهما لغتان أنجى ونجى كأنزل ونزل ولا خلاف في تشديد الذي قبله (ثم ننجي رسلنا) ، ولا في تشديد-ننجيك ببدنك-في هذه الطريقة المنظومة وقد ذكر أبو علي الأهوازي الخلاف فيهما أيضا ونسب تخفيفهما إلى أبي عمرو والكسائي وكتبت ننجي المؤمنين بلا ياء في المصاحف الأئمة فلهذا يقع في كتب مصنفي القراءات بلا ياء ، قال الشيخ والوقف عليه على رسمه بغير ياء ، قلت ويقع في نسخ القصيدة ننج بلا ياء والأصل الياء كتابة ولفظا ، فإن قلت لعله ذكره بلا ياء ليدل على موضع الخلاف لأن الياء فيه محذوفة في الوصل لالتقاء الساكنين ، قلت لو كان أراد ذلك لم يحتج إلى تقييده بما ذكره في البيت الآتي وهو
(754)
وَذَاكَ هُوَ الثَّانِي وَنَفْسِي تَاؤُهَا وَرَبِّيَ مَعْ أَجْرِيَ وَإِنِّي وَلِي حُلاَ
يعني هو الثاني بعد كلمة-ونجعل الرجس-وإلا فهو الثالث لوعد-ننجيك-والكلام في هذا كما سبق في الأعراف في قوله-لا يعلمون-قل لشعبة في الثاني يعني بعد خالصة وإلا فهو ثالث ثم ذكر ياءات الإضافة وهي خمس وأراد (من تلقاء نفسي إن أتبع)-(قل إي وربي إنه لحق) ، فتحها نافع وأبو عمرو (إن أجري إلا على الله) ، فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص (إني أخاف إن عصيت)-(لي أن أبدله) ، فتحهما الحرميان وأبو عمرو وحلا ليس برمز وكذا كل ما كان مثله مما مضى ومما يأتي من الأبيات المذكور فيها عدد ياءات الإضافة لأنه لم يذكر أحكامها في أواخر السور كما سبق بيانه والهاء في ياؤها للسورة وليس فيها من الزوائد شيء والله أعلم
يُسَيِّرُكُمْ قُلْ فِيهِ يَنْشُرُكُمْ (كـ)ـفَى مَتَاعَ سِوَى حَفْص بِرَفْعٍ تَحَمَّلاَ
أي جعل مكان يسيركم ينشركم من قوله تعالى (فانتشروا في الأرض)و(متاع الحياة الدنيا) ، بالرفع خبر-بغيكم-أو خبر مبتدأ محذوف أي هو متاع وخبر بغيكم-قوله-على أنفسكم-أي لا يتجاوزها ونصب متاع على أنه مصدر أي تتمتعون متاعا وقال أبو علي تبغون متاع الحياة الدنيا أو يكون متعلقا بقوله بغيكم وخبر بغيكم محذوف لطول الكلام
(747)
وَإِسْكَانُ قِطْعاً (دُ)ونَ (رَ)يْبٍ وُرُودُهُ وفِي بَاءِ تَبْلُو التَّاءُ (شَـ)ـاعَ تَنَزُّلاَ
القطع بسكون الطاء الجزء من الليل الذي فيه ظلمة قال الله تعالى (فأسر بأهلك بقطع من الليل) ، وقال الشاعر ، (افتحي الباب فانظري في النجوم كم علينا من قطع ليل بهيم) ، وبفتح الطاء جمع قطعة وكلتا القراءتين ظاهرة وقوله مظلما صفة قطعا على قراءة الإسكان وعلى قراءة الفتح هو حال من الليل وأما (هنالك تبلوا كل نفس) ، فقرأها حمزة والكسائي بتاءين من التلاوة أو من التلو وهو الإتباع وقرأها الباقون بباء موحدة قبل اللام من الاختبار وتنزلا نصب على التمييز ولم يقيد الناظم حرفي القراءة بما لا يحتمل التصحيف على عادته مثل شاع بالثا مثلثا وغيرهما بالباء نقطة أسفلا وهو مشكل إذ من الجائز أن تقرأ وفي تاء تبلوا الباء شاع فيكون عكس مراده فلو أنه قال في البيت الأول متاع سوى حفص وقطعا رضى دلا ، (بالإسكان تبلو كل نفس من التلاوة والباقون تبلو من البلا) ، لاتضح المراد ويكون الإطلاق في متاع دالا على رفعه فلا يحتاج إلى قيد على ما عرف من اصطلاحه والله أعلم
(748)
وَيَا لاَ يَهدِّي اكْسِرْ (صَـ)ـفِيًّا وَهَاهُ (نَـ)ـلْ وَأَخْفَى (بَـ)ـنُو (حَـ)ـمْدٍ وَخُفِّفَ (شُـ)ـلْشُلاَ
قصر يا وها ضرورة أراد (أم من لا يهدي) ، قرأه حمزة والكسائي من هدى يهدى كرمى يرمي وهو بمعنى يهتدى أو على أنه على تقدير إلا بأن يهدى وحرف الجر يحذف مع أن كثيرا وقراءة الباقين أصلها يهتدى فأريد إدغام التاء في الدال فألقيت حركتها على الهاء لتدل على حركة المدغم كما قالوا يعض ويرد ويفر والأصل يعضض ويردد ويفرر وكسر عاصم الهاء لالتقاء الساكنين ولم ينبه على حركة المدغم لأنه قد علم أن تاء الافتعال لا تكون إلا مفتوحة بخلاف عين الفعل المدغمة في يعض ويرد ويفر فإن حركتها اختلفت كما ترى ولم يفعل ذلك عاصم في (لا تعدو في السبت) ، ففتح كغيره ولم يكسر لأن الكسر في لا يهدي أنسب للياء قبلها وكسر شعبة الياء إتباعا للهاء ولا يجوز كسر ياء المضارعة إلا في مثل هذا وفي ييجل لتنقلب الواو ياء ومن أخفى حركة الهاء نبه بذلك على أن أصلها السكون قال في التيسير والنص عن قالون بالإسكان ، قلت والكلام عليه كما سبق في-لا تعدو-و-نعما-وغيرهما لأنه جمع بين الساكنين على غير حدهما فلا يستقيم وشلشلا حال لأنه كتب في المصحف بغير تاء فخفف قراءة في حال كونها خفيفا في الرسم ويجوز أن يكون شلشلا صفة قامت مقام المصدر وهي في معناه لا من لفظه ل فكأنه قال وخفف خفيفا أي تخفيفا كما قال قم قائما أي قياما وعنى بالتخفيف قراءة ترك تشديد الدال وبقي سكون الهاء لم ينبه عليه وهذا قد سبق له نظائر ولكنه نطق فيها بالكلمات مخففة نحو وفي الكل تلقف خف حفص ولا يتبعوكم خف ويغشى سما خفا وموهن بالتخفيف ذاع ولو قال في موضع وخفف شلشلا ويهدي شمردلا لكان أبين لكونه نص على لفظ القراءة كما نص على لفظ قراءة الباقين في قوله ويا لا يهدي اكسر فيكون المعنى وقريء يهدي في حال كونه شمردلا أي خفيفا
(749)
وَلكِنْ خَفِيفٌ وَارْفَعِ النَّاسَ عَنْهُمَا وَخَاطَبَ فِيهَا يَجْمَعُونَ (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ
أراد (ولكن الناس أنفسهم يظلمون) ، الخلاف فيها كما سبق في (ولكن الشياطين كفروا)-(ولكن البر من آمن)-(ولكن الله رمى) ، وقوله عنهما أي عن حمزة والكسائي والغيبة والخطاب في قوله-هو خير مما يجمعون-ظاهر أن الخطاب للكفار والغيب إخبار عنهم وقوله فيها أي في هذه السورة وملا جمع ملاءة وهي الملحفة وقد ذكرنا المراد بها
(750)
وَيَعْزُبُ كَسْرُ الضَّمِّ مَعْ سَبَأ (رَ)سَا وَأَصْغَرَ فَارْفَعْهُ وَأَكْبَرَ (فَـ)ـيْصَلاَ
أي مع حرف سبأ والكسر والضم في زاي يعزب لغتان ومعناه وما يبعد وما يغيب ومعنى رسا ثبت واستقر ورفع ولا أصغر على الابتداء والفتح على أنه اسم لا بني معها كالوجهين في لا حول ولا قوة إلا بالله بفتحهما ورفعهما على ما ذكرناه ، وقال كثير من الناس أن الرفع عطف على موضع من مثقال والفتح على لفظ مثقال أو على ذرة ولكنه لا ينصرف وهو مشكل من جهة المعنى ويزيل الإشكال أن يقدر قبل قوله-إلا في كتاب-ليس شيء من ذلك إلا في كتاب مبين وكذا يقدر في آية الأنعام (وعنده مفاتح الغيب) ، وأما الذي في سورة سبأ فلم يقرأ (ولا أصغر من ذلك ولا أكبر) ، إلا بالرفع فقط وهو يقوى قول من يقول إنه معطوف وسببه أن-مثقال-فيها بالرفع لأنه ليس قبله حرف جر وفيصلا حال من المرفوع وكأنه أشار إلى الوجه المذكور أولا أي انفصل مما قبله في المعنى فارتفع بالابتداء والخبر وقال الشيخ فيصلا حال من الفاعل في ارفعه أي حاكما في ذلك
(751)
مَعَ الْمدِّ قَطْعُ السِّحْرِ (حُـ)ـكْمٌ تَبَوَّءا بِيَا وَقْفِ حَفْصٍ لَمْ يَصِحَّ فَيُحْمَلاَ
أي قطع همز السحر مع ما بعدما حكم من الأحكام المنقول في علم القراءات يريد قوله تعالى (ما جئتم به السحر) ، قرأه أبو عمرو بقطع الهمزة على أنها للاستفهام وبالمد بعدها بدلا من همزة الوصل فصار مثل-آلذكرين-وهو استفهام بمعنى التقرير والإنكار عليهم وما في-ما جئتم به-استفهامية أيضا أي أي شيء جئتم به ثم ابتدأ-آلسحر-أي أهو السحر وقراءة الجماعة بهمزة وصل من غير مد على أن ما موصولة بجئتم به وهي مبتدأ والسحر خبرها أي الذي جئتم به السحر حقيقة وحكى أبو علي الأهوازي من طريق الأصمعي عن أبي عمرو مثل قراءة الجماعة وأما (أن تبوءا لقومكما) ، فروي عن حفص أنه إذا وقف عليه أبدل الهمزة ياء مفتوحة وأنكر ذلك أبو العباس الأشناني فيما حكاه ابن أبي هاشم عنه ولم يعرفه ، قال وقال في الوقف مثل الوصل يعني بالهمز قال الداني وبذلك قرأت وبه آخذ ، قلت وهو أيضا فاسد من جهة العربية فإنه ليس على قياس تسهيل الهمز وقول الناظم تبوءا مبتدأ ووقف حفص إن كان مرفوعا فهو مبتدأ ثان أي وقف حفص عليه بياء لم يصح وإن كان وقف مجرورا بإضافة يا إليه فالخبر لم يصح أي تبوءا باليا لم يصح ونصب فيحملا في جواب النفي بالفاء
(752)
وَتَتَّبِعَانِ النُّونُ خَفَّ (مَـ)ـدًّا وَمَاجَ بِالْفَتْحِ وَالإِسْكَانِ قَبْلُ مُثَقَّلاَ
أي خف مداه لأن الناطق بالخفيفة أقصر مدا من الناطق بالشديدة وهي نون رفع الفعل على أن تكون لا للنفي لا للنهي والواو للحال أي فاستقيما غير متعبين أو تكون جملة خبرية معناها النهي كقوله تعالى (لا تعبدون إلا الله) ، أو يكون إخبارا محضا بجملة مستأنفة أي ولستما تتبعان وإن قلنا إن لا نهي كانت النون نون التأكيد الخفيفة على قول يونس والفراء وكسرت لالتقاء الساكنين وقيل خففت الثقيلة للتضعيف كما تخفف رب وإن ثم إن الناظم ذكر رواية أخرى عن ابن ذكوان وليست في التيسير وهي بسكون التاء وفتح الباء وتشديد النون من تبع يتبع والنون المشددة للتأكيد فهذا معنى قوله وماج أي اضطرب بالفتح في الباء والإسكان في التاء قبل الباء ومثقلا حال من فاعل ماج وهو ضمير تتبعان وهذه قراءة جيدة لا إشكال فيها ، قال الداني في غير التيسير وقد ظن عامة البغداديين أن ابن ذكوان أراد تخفيف التاء دون النون لأنه قال في كتابه بالتخفيف ولم يذكر حرفا بعينه قال وليس كما ظنوا لأن الذين تلقوا ذلك أداء وأخذوه منه مشافهة أولى أن يصار إلى قولهم ويعتمد على روايتهم وإن لم يتفق ذلك في قياس العربية ولم يذكر ابن مجاهد عن ابن ذكوان غير هذا الوجه وذكر الأهوازي عن ابن عامر في هذه الكلمة أربع قراءات تشديد التاء والنون كالجماعة وتخفيفهما وتشديد التاء وتخفيف النون وعكسه تخفيف التاء وتشديد النون وهما الوجهان المذكوران في القصيدة وساق الأخير من طريق ابن ذكوان ، فإن قلت هل يجوز أن تكون الميم في وماج رمزا نحو الكاف من وكم صحبة لأنها قراءة ولم يذكر لها قارئا ، قلت لا يجوز لأن الرمز الحرفي إذا تمحض يجب تأخيره عن القراءة بل تكون هذه القراءة لمن رمز له في القراءة قبلها كقوله وعم بلا واو الذين البيت فالقراءتان متى اجتمعتا في بيت لقاريء متحد تارة يتقدم رمزه وتارة يتأخر مثل كفلا في البيت الذي أوله عليم وقالوا وقد رد القراءة في بيت لا رمز فيه على رمز في بيت قبله في قراءة فتثبتوا في سورة النساء فما هنا أولى والله أعلم
(753)
وَفِي أَنَّهُ اكْسِرْ (شَـ)ـافِياً وَبِنُونِهِ وَنَجْعَلُ (صِفْ) وَالْخِفُّ نُنْجِ (رِ)ضىً (عَـ)ـلاَ
يريد قوله تعالى (آمنت أنه) ، الكسر فيه للإستئناف أو على إضمار القول والقول هنا هو المعبر عنه بالإيمان أو ضمن-آمنت-معنى قلت والفتح على حذف الباء أي آمنت بأنه كذا نحو يؤمنون بالغيب وهو مفعوله من غير تقدير حرف جر أي صدقت أنه كذا والخلف في قوله سبحانه (ونجعل الرجس) ، بالنون والياء ظاهر النون للعظمة والياء لأن قبله-إلا بإذن الله-والهاء في قوله وبنونه لقوله ونجعل نحو في داره زيد لأن الواو في-ونجعل-من التلاوة فيكون-ونجعل-مبتدا وبنونه خبر مقدم أي استقر بنونه ويجوز أن تكون-ونجعل-مفعول صف أي صف بنونه والخف مبتدأ وننجي مفعول به كما ذكرنا في قوله في الأعراف والخف أبلغكم ورضى خبر المبتدا وعلا تمييز أو خبر بعد خبر وننجي المختلف في تخفيفه وتشديده هو (كذلك حقا علينا ننجي المؤمنين) ، وهما لغتان أنجى ونجى كأنزل ونزل ولا خلاف في تشديد الذي قبله (ثم ننجي رسلنا) ، ولا في تشديد-ننجيك ببدنك-في هذه الطريقة المنظومة وقد ذكر أبو علي الأهوازي الخلاف فيهما أيضا ونسب تخفيفهما إلى أبي عمرو والكسائي وكتبت ننجي المؤمنين بلا ياء في المصاحف الأئمة فلهذا يقع في كتب مصنفي القراءات بلا ياء ، قال الشيخ والوقف عليه على رسمه بغير ياء ، قلت ويقع في نسخ القصيدة ننج بلا ياء والأصل الياء كتابة ولفظا ، فإن قلت لعله ذكره بلا ياء ليدل على موضع الخلاف لأن الياء فيه محذوفة في الوصل لالتقاء الساكنين ، قلت لو كان أراد ذلك لم يحتج إلى تقييده بما ذكره في البيت الآتي وهو
(754)
وَذَاكَ هُوَ الثَّانِي وَنَفْسِي تَاؤُهَا وَرَبِّيَ مَعْ أَجْرِيَ وَإِنِّي وَلِي حُلاَ
يعني هو الثاني بعد كلمة-ونجعل الرجس-وإلا فهو الثالث لوعد-ننجيك-والكلام في هذا كما سبق في الأعراف في قوله-لا يعلمون-قل لشعبة في الثاني يعني بعد خالصة وإلا فهو ثالث ثم ذكر ياءات الإضافة وهي خمس وأراد (من تلقاء نفسي إن أتبع)-(قل إي وربي إنه لحق) ، فتحها نافع وأبو عمرو (إن أجري إلا على الله) ، فتحها نافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص (إني أخاف إن عصيت)-(لي أن أبدله) ، فتحهما الحرميان وأبو عمرو وحلا ليس برمز وكذا كل ما كان مثله مما مضى ومما يأتي من الأبيات المذكور فيها عدد ياءات الإضافة لأنه لم يذكر أحكامها في أواخر السور كما سبق بيانه والهاء في ياؤها للسورة وليس فيها من الزوائد شيء والله أعلم