(641)
وَأَنَّ بِفَتْحٍ (عَمَّ نَـ)ـصْراً وَبَعْدُ(كَـ)ـمْ (نَـ)ـماَ يَسْتَبِينَ (صُحْبَةٌ) ذَكَّرُوا وِلاَ
نصراً تمييز أو حال كما تقدم في وعم علا ونما أي ورد من قولهم نما الحديث قال من حديث نمى إلي عجيب أي كم مرة نمى أي نقل أراد أنه (من عمل منكم سوءا بجهالة) ، والذي بعده (فإنه غفور رحيم) ، قرأهما ابن عامر وعاصم بالفتح ونافع فتح الأول وكسر الثاني والباقون بكسرهما فكسرهما معا ظاهر أما الأول فوقع مستأنفا على وجه التفسير والثانية واقعة بعد فاء الجزاء فكانت مكسورة كقوله سبحانه (ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم) ، أجمعوا على كسرها وهذا وجه كسر نافع لها وأما فتح الأول فعلى البدل من الرحمة أو على تقدير لأنه وفتحت الثانية وإن كانت بعد فاء الجزاء على حذف مبتدأ أي فأمره-أنه غفور رحيم-أو على تقدير حذف الخبر فالغفران حاصل له وقد أجمع على الفتح في (ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له)-(كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله) ، ومنهم من جعل الثانية تكريرا للأولى لأجل طول الكلام على حد قوله (أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون) ، ودخلت الفاء في (فأنه غفور رحيم) ، على حد دخولها في (فلا تحسبنهم بمفازة) ، على قول من جعله توكيدا لقوله (ولا تحسبن الذين يفرحون) ، إلا أن هذا ليس مثل (أيعدكم أنكم إذا متم) ، لأن هذه لا شرط فيها وتلك فيها شرط فيبقى بغير جواب فقيل الجواب محذوف لدلالة الكلام عليه تقديره غفور له ومنهم من جعل الثانية معطوفة على الأولى بالفاء وكل هذا تكلف والوجه ما قدمناه وأجاز الزجاج كسر الأولى مع فتح الثانية وإن لم يقرأ به وأما (ولتستبين سبيل) ، فذكره صحبة متابعة للرواية أي قرءوه بالياء لأن لفظ السبيل مذكر في قوله تعالى (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا)-(وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا) ، ومن قرأه بالتاء أنثوه كما جاء (قل هذه سبيلي)-(ويبغونها عوجا) ، وكل هذا على قراءة من رفع سبيل على أنه فاعل تستبين وهم كل القراء غير نافع على ما سيأتي في أول البيت الآتي وأما قراءة نافع بنصب سبيل فعلى أنها مفعول تستبين والتاء للخطاب لا للتأنيث أي ولتستبين-أنت-سبيل المجرمين-أي تتبينها وتعرفها فقول الناظم صحته ذكروا يريد أن غيرهم أنثوا ونافع لم يؤنث وإنما جاء بتاء المخاطبة ولكن العبارة ضاقت عليه فلم يمكنه التنبيه عليه واغتفر أمره لأن قراءته كقراءة الجماعة لفظا بالتاء إلا أنهما يفترقان في المعنى وذلك لا يقدح في التعريف بصورة القراءة وقوله ولا أي متابعة وهو في موضع نصب على الحال أو هو مفعول من أجله والله أعلم
(642)
سَبِيلَ بِرَفْعٍ (خُـ)ـذْ وَيَقْضِ بِضَمِّ سَاكِنٍ مَعَ ضَمِّ الْكَسْرِ شَدِّدْ وَأَهْمِلاَ
مضى الكلام في رفع سبيل ونصبه وأما يقضي الحق فقرئ بضم الساكن وهو القاف وبضم الكسر في الصاد مع تشديد الصاد وإهمالها وهو أن تجعلها غير منقوطة فتعود صادا فتصير الكلمة يقص من القصص من قوله تعالى (نحن نقص عليك نبأهم بالحق) ، وبمعنى الإتباع من قوله سبحانه (فارتدا على آثارهما قصصا) ، أي يتبع الحق فيما يفعل والقراءة الأخرى من القضاء والحق نعت مصدر محذوف أي يقضي القضاء الحق أو مفعول به على إسقاط الخافض أي يقضي بالحق كما قال (والله يقضي بالحق) ، وهو مفعول صريح على أن يقضي بمعنى يصنع الحق وتفعله والياء منه محذوفة في الرسم باتفاق فلهذا احتمل القراءتين ثم رمز لمن قرأ يقص من القصص في أول البيت الآتي فقال
(643)
(نَـ)ـعَمْ (دُ)ونَ (إِ)لْبَاس وَذكَّرَ مُضْجِعاً تَوَفَّاهُ وَاسْتَهْوَاهُ حَمْزَةُ مُنْسِلاَ
ما أحسن ما عبر عن القراءتين في يقص وكأنه جعل حسن ذلك حالة نظمه فقال بعده نعم دون إلباس قدر كأن سائلا سأل فقال هل استوعبت قيود هاتين القراءتين فقال نعم من غير إلباس بل هو أمر واضح ظاهر ووقع لي أنه كان غنيا عن تكلف هذه العبارة وذلك بأن يلفظ بالقراءتين معا فهو أسهل مما أتى فلو قال ، (سبيل برفع خذ ويقض يقص صاد حرمي نصر إذ بلا ياء انزلا) ، لحصل الغرض واجتمع في بيت واحد بيان اللفظين في القراءة ورمزها وعرف بأن رسمها بلا ياء ولكن فيما عبر به الناظم رحمه الله صناعة حسنة وأسلوب غريب وأما (توفته رسلنا)-(كالذي استهوته الشياطين) ، فقرأهما حمزة توفاه واستهواه والخلاف فيهما كالذي سبق في (فنادته الملائكة) ، في آل عمران أي ذكر حمزة لفظ هذا الفعل وأضجع ألفه أي أمالها على أصله ولو لم يذكر الإمالة لكان ذلك معلوما من أصله كما أنه في البيت الآتي لما ذكر الكوفيين قرءوا-أنجانا-في موضع-أنجيتنا-لم يتعرض للإمالة وكان ذلك مفهوما من بابها فحمزة والكسائي يميلان الألف وعاصم لا يميل على أصله وضد تذكير الفعل تأنيثه وذلك بإلحاق تاء ساكنة آخره فيلزم حذف الألف من آخر الفعل لسكونها وقوله منسلا ليس برمز لأنه صرح باسم القارئ ولم يأت بعده بواو فاصلة لظهور الأمر يقال انسلت القوم إذا تقدمتهم وهو حال من حمزة والله أعلم
(644)
مَعاً خُفيَةً فِي ضَمِّهِ كَسْرُ شُعْبَةٍ وَأَنْجَيْتَ لِلْكًوِفِيِّ أَنْجى تَحَوَّلاَ
الضم والكسر في خفية لغتان وقوله معا يعني هنا وفي الأعراف (تدعونه تضرعا وخفية)-(ادعوا ربكم تضرعا وخفية) ، أي مظهرين للضراعة والاستكانة ومضمرين ذلك في أنفسكم أي ادعوا ربكم وارغبوا إليه ظاهرا وباطنا وأما التي في آخر الأعراف (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة) ، فذلك من الخوف بتقديم الياء على الفاء ووزنه فعلة كجلسة وركبة فأبدلت الواو ياء لأجل الكسرة قبلها وأما قوله (لئن أنجيتنا من هذه) ، فعلى الخطاب وقراءة الكوفيين على الغيبة أي أنجانا الله وهما ظاهران أي وأنجيت تحول للكوفي أنجا وهم في ذلك على أصولهم في الإمالة فيميلها حمزة والكسائي ولم يبين ذلك كما بين في-توفاه-واستهواه-وفناداه الملائكة لضيق العبارة عليه والله أعلم
(645)
قُلِ اللهُ يُنْجِيكُمْ يُثَقِّلُ مَعْهُمُ هِشَامٌ وَشَامٍ يُنْسِيَنَّكَ ثَقَّلاَ
أي هشام مع الكوفيين على تشديد ينجيكم وابن عامر وحده على تشديد (ينسينك الشيطان) ، والتخفيف والتشديد فيهما لغتان أنجى ونجى وأنسى ونسى كأنزل ونزل وأكمل وكمل وأمتع ومتع
(646)
وَحَرْفَيْ رَأَى كُلاًّ أَمِلْ (مُـ)ـزْنَ صُحْبَةٍ وَفِي هَمْزِهِ (حُـ)ـسْنٌ وَفِي الرَّاءِ (يُـ)ـجْتَلاَ
كلا بمعنى جميعا فهو حال من رأى أي حيث أتى رأى فأمال حرفيه أي أمل حرفي رأى جميعا وليس كلا تأكيدا لحرفي لأن تأكيد المثنى إنما يكون بلفظ كلا ولو أراد ذلك لأتى بلفظ معا واتزن النظم به ولا هو تأكيد لرأي وإلا لكان مخفوضا كما قال المخلصين الكل فلا يتجه أن يكون كلا هنا إلا بمنزلة جميعا في نحو قوله عليهم إليهم حمزة ولديهم جميعا فيكون منصوبا على الحال من رأى ورأى هنا معرفة أي وحرفي هذا اللفظ فجاز نصب الحال عنه وإن كان مضافا إليه لأنه من باب رأيت وجه القوم جميعا ومزن صحبة منصوب على الحال أيضا أو على المدح وكنى بالمزن وهو السحاب عن العلم وعنى بالحرفين الراء والهمزة وعلى التحقيق الهمزة غير ممالة وإنما الإمالة في الألف التي بعدها وإنما من ضرورة ذلك إضجاع فتحة الهمزة والعرب تستحسن إمالة الراء لا سيما إذا كان بعدها ألف ممالة ثم قال وفي همزة حسن أي واقتصر على إمالة همز رأى أبو عمرو وفي إمالة الراء خلاف عن السوسي ومزن صحبة أمالوهما معا والله أعلم
(647)
بِخُلْفٍ وَخُلْفٌ فِيهِماَ مَعَ مُضْمِرٍ (مُـ)ـصِيبٌ وَعَنْ عُثْمَانَ في الْكُلِّ قَلِّلاَ
أي وعن ابن ذكوان الخلف في إمالة الهمزة والراء معا إذا اتصلت الكلمة بالمضمر نحو (ولقد رآه نزلة أخرى)-(رآها تهتز)-(فرآه في سواء الجحيم) ، وجه الخلاف بعد الألف عن الطرف باتصال الضمير بها وعثمان هو ورش أمال الحرفين حيث جاءت كلمة رأى بين بين نحو (رأى كوكبا)-(رأى نارا) ، وقوله بخلفٍ في أول البيت يعني عن السوسي المرموز في البيت السابق ثم ابتدأ وخلف فيهما فقوله فيهما خبر المبتدإ إن كان مصيب صفته وإلا فهو صفته إن كان مصيب الخبر وفي قللا ضمير تثنية يرجع إلى حرفي رأى والكل هنا هو كلا في البيت السابق
(648)
وَقَبلَ السُّكُونِ الرَّا أَمِلْ (فِـ)ـي (صَـ)ـفاَ يَدٍ بِخُلْفٍ وَقُلْ فِي الْهَمْزِ خُلْفٌ (يَـ)ـقِي (صِـ)ـلاَ
يعني إذا وقع رأى قبل ساكن نحو (رأى القمر)-(رأى الشمس)-(ورأى المجرمون النار)-(وإذا رأى الذين) ، فقد تعذرت إمالة الألف لسقوطها لأجل الساكن وإضجاع الهمز إنما كان لأجل إمالة الألف فأمال هؤلاء الراء تقدير أن الألف كلها موجودة ممالة بخلف عن السوسي وحده وأما إمالة الهمزة ففيها الخلاف عن السوسي وعن أبي بكر لأنه إذا قدم ذكر الخلف وأطلقه كان لجميع من يأتي بعده وإن قدم ذكر القراء اختص الخلف المطلق بالأخير منهم وإن قيد الخلف ظهر أمره وخلف السوسي أنه يميل الراء والهمزة معا ولا يميلهما معا ومثله الخلف المذكور لهشام في باب الزوائد في إثبات ياء-كيدوني-في الإعراف وصلا ووقفا أو لا يثبتها وصلا ووقفا ووجه إمالة الهمزة اعتبار الأصل أيضا فإن التقاء الساكنين عارض ولينبه على أنه لو وقف على الكلمة لأمال وقوله في صفايد أي في صفا نعمة وقوله يقي صلا يعني العلم لأن معرفة الخلف تستلزمه أي يقي صلاء النار إن شاء الله تعالى وصلاء النار حرها صح بالكسر والمد والفتح والقصر
(649)
وَقِفْ فِيهِ كَالأُولَى وَنَحْوُ رَأَتْ رَأَوْا رَأَيْتُ بِفَتْحِ الْكُلِّ وَقْفاً وَمَوْصِلاَ
فيه بمعنى عليه أي إذا وقفت على هذا الذي لقيه ساكن فالحكم فيه كالحكم في الكلمة الأولى وهي (رأى كوكبا) ، ونحوه فتميل الحرفين لحمزة والكسائي وأبي بكر وابن ذكوان وتميل لأبي عمرو فتحة الهمزة وحدها وأما السوسي فلا يختلف حكمه فإن الخلف له في إمالة الراء في الكلمتين وورش أمال الحرفين بين بين فهذه تفاصيل مذاهبهم في نحو-رأى كوكبا-تطرد في نحو (رأى القمر) ، إذا وقفت على-رأى-لأن الساكن قد زال فرجعت الألف فأما إذا كان بعد الهمز ساكن لا ينفصل من الكلمة نحو (فلما رأته حسبته لجة)-(رأتهم من مكان بعيد)و(إذا رأوك)-(فلما رأوه عارضا)و(إذا رأوهم قالوا)-(فلما رأينه أكبرنه)-(وإذا رأيت الذين يخوضون)-(إذا رأيتهم حسبتهم) ، فكل القراء يفتحون الراء والهمزة لأن الألف التي بعد الهمزة هنا معدومة لا ترجع أبدا وكسر فتحة الهمزة إنما كان لأجل إمالة الألف وكذلك الذين أمالوا الراء إنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يميلونها لإمالة الألف أو مع كونها في حكم الموجودة في نحو-أي القمر-فأما في موضع سقطت فيه الألف وليست في حكم الموجودة فإنهم فتحوا على الأصل في الوقف والوصل وقوله بفتح الكل أي مقروء بفتح القراء كلهم واقفين وواصلين