(624)
(صَـ)ـفَا وَتَكُونُ الرَّفْعُ (حَـ)ـجَّ (شُـ)ـهُودُهُ وَعَقَّدْتُمُ التَّخْفِيفُ (مِـ)ـنْ (صُحْبَةٍ) وَلاَ
صفا من جملة رمز من قرأ رسالاته بالجمع وهم بن عامر ونافع وأبو بكر وأما (وحسبوا أن لا تكون فتنة) ، فنصبه ورفعه لوقوع حرف أن قبله من بعد فعل الحسبان وما كان كذلك جاز فيه الوجهان فالنصب بناء على أن أن هي الناصبة للأفعال المضارعة والرفع بناء على أن أن هي المخففة من الثقيلة وأما إذا جاءت أن بعد فعل علم فالرفع لا غير نحو (علم أن سيكون منكم مرضى أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا) ، وفي غير ذلك النصب لا غير نحو (أريد أن تبوء بإثمي)-(إني أريد أن أنكحك) ، ولم يختلف في نصب (إن ظنا أن يقيما حدود الله)-(تظن أن يفعل بها فاقرة)وأما(عقدتم الأيمان) ، فالتخفيف فيه والتثقيل سيان وفي التشديد معنى التكثير والتكرير وقوله عقدتم مبتدأ والتخفيف بدل منه بدل اشتمال أو مبتدأ ثان أي التخفيف فيه وخبره ولا أي متابعة من صحبة النقل ويجوز أن يكون التقدير ظهر من صحبة متابعة فيكون ولا حالا ومن صحبة خبر المبتدأ ويجوز أن يكون من صحبة متعلقا بالتخفيف والخبر ولا ويجوز أن يكون التخفيف خبر وعقدتم أي هو ذو التخفيف من صحبة وولا على هذا حال والله أعلم
(625)
وَفي الْعَيْنِ فَامْدُدْ (مُـ)ـقْسِطاً فَجَزَاءُ نَو ْوِتُوا مِثْلُ مَا فِي خَفْضِهِ الرَّفْعُ (ثُـ)ـمَّلاَ
يعني في عين عقدتم أي اتبع فتحها فيتولد منها ألف عبر عنها بالمد وجعل المد في العين تجوزا وهو على المعنى الذي ذكرناه في قوله ولا ألف في هاء هأنتم يعني أن ابن ذكوان زاد ألفا بعد العين وهو ممن خفف القاف فتصير قراءته-عاقدتم-وهو بمعنى عقدتم أو يكون من اثنين على أصل فاعلتم فههنا ثلاث قراءات والذي سبق في سورة النساء فيه قراءتان المد والتخفيف والثالثة هنا التشديد والمقسط العادل وثملا حال من الضمير في نونوا وهو جمع ثامل وهو المصلح والمقيم أيضا يقال ثمل يثمل بضم الميم وكسرها في المضارع ثملا فهو ثامل وقوله مثل ما في خفضه الرفع جملة معترضة بين الحال وصاحبها وانتظامها كانتظام قولك زيد في داره عمرو أي قرءوا (فجزاء مثل ما قتل) ، بتنوين جزاء ورفع مثل فمثل في هذه القراءة صفة جزاء وكذا من النعم أي فعليه جزاء مماثل ما قتل وذلك الجزاء من النعم والقراءة الأخرى بإضافة جزاء إلى مثل وقد أشكلت على قوم حتى قالوا الجزاء إنما هو للصيد لا لمثله من النعم ووجهها أنها إضافة تخفيف لأن مثل مفعول جزاء أصله فجزاء مثل ما آي فعليه أن يجزي المقتول مثله من النعم فمن النعم على قراءة الإضافة يجوز أن يكون متعلقا بالجزاء ويجوز أن يكون صفة له كما أنه متعين للصفة على قراءة التنوين وسببه أنك إذا نونت جزاء فقد وصفته بمثل ومتى وصف المصدر أو أكد أو عطف عليه امتنع تعلق شيء به نص أبو علي على ذلك كله وعلى قراءة الإضافة لم يوصف فجاز تعلق من النعم به وجرى هنا بمنزلة قضى فكما تقول قضيت زيدا حقه كذا تقول جزيت الصيد مثله فظهر أن تقدير الآية فعليه أن يجزى المقتول مثله من النعم ثم حذف المفعول الأول لما في قوة الكلام من الدلالة عليه ثم أضيف الجزاء إلى المثل تخفيفا كما تقول أعجبني عزمك على إكرام زيد غدا وقال أبو علي هو من قولهم أنا أكرم مثلك يريدون أنا أكرمك فكذا إذ قال فجزاء مثل ما قتل فالمراد جزاء ما قتل فالإضافة كغير الإضافة قال ولو قدرت الجزاء تقدير المصدر فأضفته إلى المثل كما تضيف المصدر إلى المفعول به لكان في قوله من جر مثلا على الاتساع الذي وصفنا أي يكون مثل زائد والله أعلم
(626)
وَكَفَّارَةُ نَوِّنْ طَعاَمِ بَرَفْعِ خَفْضِهِ دُمْ (غِـ)ـنىً وَاقْصِرْ قِيَامًا (لَـ)ـهُ (مُـ)ـلاَ
يريد (أو كفارة طعام مساكين) ، الكلام في القراءتين هنا بالتنوين والإضافة كما سبق في البقرة (فدية طعام) ، ولكن مساكين في هذه السورة لا خلاف في جمعه وقوله دم غنا أي غنيا أو دام غناك بالعلم والقناعة إن القنوع الغناء لا كثرة المال القناعة كنز لا ينفد وتقدم الكلام في سورة النساء في-قياما-وقيما-والملا بضم الميم جمع ملأة وهي الملحفة كنى بها عن حجج القراء لأنها تسترها من طعن طاعن كما تستر الملا والله أعلم
(627)
وَضَمَّ اسْتُحِقَّ افتح لَحِفْصٍ وَكَسْرُهُ وَفي الأَوْلَياَنِ الأَوَّلِينَ (فَـ)ـطِبْ (صِـ)ـلاَ
يعني افتح الياء المضمومة والحاء المكسورة وكان يمكنه أن يقول وتاء استحق افتح لحفص حاءه ولكن المعنى كان يختل في التاء دون الحاء فإن ضد الفتح الكسر والتاء في قراءة غير حفص مضمومة فاحتاج أن يقول وضم استحق ثم قال وكسره فهو أولى من أن يقول وحاءه لوجهين أحدهما المقابلة بين حركتي الضم والكسر والثاني زيادة البيان لقراءة الغير وإذا ابتدئت هذه الكلمة كسرت همزتها في قراءة حفص وضمت في قراءة غيره وأرادوا قرأ-الأولين-في موضع-الأوليان-أو-الأولين-استقر مكان-الأوليان-وأراد بالصلا الذكاء لأنهم يقولون هو يتوقد ذكاء أو أراد نار الضيافة كقوله ، (متى نأتنا تلمم بنا في ديارنا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا) ، وهو إشارة إلى حصول العلم منه فموضع صلا نصب على التمييز أو الحال مثل دم غنا ودم يدا والأوليان على قراءة حفص رحمه الله فاعل استحق كأنهما استحقا على أصحابهما أن يقيموهما للشهادة والأوليان تثنية الأولى وهو في غير قراءة حفص مفعول ما لم يسم فاعله على حذف مضاف أي استحق عليهم إقامة الأولين منهم للشهادة وقيل بدل من آخران أو من الضمير في يقومان أو على تقديرهما الأوليان وقيل هو مبتدأ خبره آخران المقدم عليه أي فالأولياء آخران وقيل هو صفة لآخران وإن كان لفظه نكرة لأنه قد اختص بالصفة في قوله يقومان ومرفوع استحق على هذه الأقوال غير القول الأول محذوف أي استحق عليهم الإثم فاستغنى عنه بقوله عليهم كما تقول جنى عليهم وقيل معناه استحق خصومهم الحق عليهم والأولين في قراءة حمزة وأبي بكر صفة الذين استحق لأنهم أول المذكورين في القصة وهم أولياء الميت أو لأنهم هم الذين دفعوا الحكومة أولا واعلم أن الآية من أشكل آي القرآن تفسيرا وإعرابا وفقها قال أبو محمد مكي في كتاب الكشف هذه الآية في قراءتها وإعرابها وتفسيرها ومعانيها وأحكامها من أصعب آية في القرآن وأشكلها قال ويحتمل أن يبسط ما فيها من العلوم في ثلاثين ورقة أو أكثر قال وقد ذكرناها مشروحة في كتاب منفرد قلت وسأجتهد إن شاء الله تعالى في بيانها وكشف غامضها وتفصيل أحكامها في الكتاب المذهب في علم المذهب أو في كتاب إيضاح مشكلات الآيات
(628)
وَضَمَّ الْغُيُوبِ يَكْسِرَانِ عُيُوناً الْعُيُونِ شُيُوخاً (دَ)انَهُ (صُحْبَهٌ مِـ)ـلاَ
يعني أن حمزة وأبا بكر كسرا الغين من الغيوب لما تقدم من التعليل في بيوت ثم أردفه ما اختلف القراء في كسره من هذا القبيل وهو عيون المنكر والمعرف نحو (في جنات وعيون)-(وفجرنا فيها من العيون) ، وشيوخا في غافر كسر هذه الثلاثة ابن كثير وحمزة والكسائي وأبو بكر وابن ذكوان ومعنى دانه أي دان به أي تدين بقراءته أي دان له أي أطاعه وملاء بكسر الميم والمد جمع ملآن وهو صفة لصحبه يعني أنهم ملئوا علما ثم ذكر موضعا آخر فقال
(629)
جُيُوبِ (مُـ)ـنِيرٍ (دُ)ونَ (شَـ)ـكٍّ وَسَاحِرٌ بِسِحْرٌ بِهاَ مَعْ هُودَ وَالصَّفِّ (شَـ)ـمْلَلاَ
أراد (على جيوبهن) ، في النور كسره الجماعة المتقدمون غير أبي بكر وقرأ حمزة والكسائي ساحر في موضع سحر هنا وفي أول هود (إن هذا إلا سحر) وفي الصف (قالوا هذا سحر) ، كذلك على تقدير ذو سحر وعبر عنه بالمصدر مبالغة أو تكون الإشارة إلى ما جاء به وشملل أي أسرع ساحر بسحر في هذه السورة أي جاء به أشار إلى رجوع معنى سحر إلى معنى ساحر على ما ذكرناه والله أعلم
(630)
وَخَاطَبَ هَلْ يَسْتَطِيعُ (رُ)وَاتُهُ وَرَبُّكَ رَفْعُ الْبَاءِ بِالنَّصْبَ (رُ)تِّلاَ
أي قرءوا بالخطاب للكسائي ومعنى قرأته ظاهر أي هل تطلب طاعة ربك في إنزال المائدة يريدون استجابة الله سبحانه دعاءه وقراءة الجماعة على معنى هل يطلب ربك الطاعة من نزول المائدة ويجوز أن يكون عبر عن الفعل بالاستطاعة لأنها شرطه والمعنى هل ينزل ربك علينا مائدة من السماء إن دعوته بها ومثله (فظن أن لن نقدر عليه) ، أي ظن أن لن نؤاخذه فعبر بشرط المؤاخذة هو القدرة على المشروط وهو المؤاخذة ومثله في حديث الذي أوصى بنيه بتحريقه وتذرية رماده في البحر قوله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحد أي لئن حكم بتعذيبي ليكونن عذابا عظيما ويقول الرجل للرجل بصورة المستفهم تقدر تفعل كذا وهو يعلم قدرته عليه وإنما معناه افعله فإنك قادر على فعله وهذا معنى حسن يعم جميع هذه المواضع المشكلة والله أعلم ، ومثل ذلك في الإشكال ما رواه الهيثم ابن جمار وهو ضعيف عن ثابت عن أنس أن أبا طالب مرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي ادع ربك الذي تعبد فيعافيني فقال اللهم اشف عمي فقام أبو طالب كأنما نشط من عقال فقال يا ابن أخي إن ربك الذي تعبد ليطيعك قال وأنت يا عماه لو أطعته أو قال لئن أطعته أو قال لئن أطعت الله ليطيعنك أي ليجيبنك إلى مقصوده والله أعلم
(631)
وَيَوْمَ بِرَفْعٍ (خُـ)ـذْ وَإِنِّي ثَلاَثُهاَ وَلِي وَيَدِي أُمِّي مُضَافَاتُهاَ الْعُلاَ
يريد (هذا يوم ينفع الصادقين) ، فارفع على أن يوم خبر هذا أي هذا اليوم يوم ينفع الصادقين وهو يوم القيامة والنصب على الظرف أي قال الله تعالى ما تقدم ذكره في هذا اليوم أو قال الله هذا الذي قصصته عليكم ينفع ذلك اليوم وقال الفراء يوم خبر المبتدا على معنى قراءة الرفع وإنما بنى على الفتح لإضافته إلى غير اسم يعني إلى غير اسم متمكن ومنع البصريون بناء ما يضاف إلى المضارع وخصوا ذلك بالمضاف إلى الماضي نحو على حين عاتبت لأن المضارع معرب والماضي مبني فسرى البناء إلى ما أضيف إليه ثم ذكر الناظم ياءات الإضافة وهي ست منها ثلاث في لفظ إني فهذا معنى قوله وإني ثلاثها فالضمير في ثلاثها يعود إلى إني الأول-إني أخاف-فتحها الحرميان وأبو عمرو والأخريان (إني أريد أن تبوء)-(فإني أعذبه عذابا) ، فتحهما نافع وحده والثلاث الأخر (ما يكون لي أن أقول) ، فتحها الحرميان وأبو عمرو (يدي إليك) ، فتحها نافع وأبو عمرو وحفص (وأمي إلهين) ، فتحها هؤلاء وابن عامر وفيها زائدة واحدة (واخشون ولا تشتروا) ، أثبتها في الوصل أبو عمرو وحده وقلت في ذلك ، (فياءاتها ست وفيها زيادة وعبر عنها قوله اخشون مع ولا)