(614)
وَسَكِّنْ مَعًا شَنَآنُ (صَـ)ـحَّا (كِـ)ـلاَهُمَا وَفي كَسْرِ أَنَ صَدُّوكمْ (حَا)مِدٌ دَلاَ
أي وسكن كلمتي-شنآن-معا يعني (ولا يجرمنكم شنآن قوم) ، في موضعين في هذه السورة وضد الإسكان المطلق الفتح فقوله صحا كلاهما رمز قراءة الإسكان وأشار بهذا اللفظ إلى صحة الإسكان والفتح أي صحت القراءة بهما في هذه الكلمة ومعناها شدة البغض وهما لغتان ومن الإسكان قول الأحوص ، (وإن لام فيه ذو الشنان وفندا ) ، لأنه خفف الهمز بإلقاء حركته على الساكن قبله وحذفه على ما تقرر في باب وقف حمزة-وأن تعتدوا-مفعول ثان لقوله-ولا يجرمنكم-أي لا يلبسنكم الشنآن العدوان وأن صدوكم بالفتح تعليل أي لأنهم صدوكم وكان الصد قد وقع سنة ست ونزلت هذه الآية سنة ثمان فاتضح معنى التعليل وقراءة الكسر على معنى إن حصل صد ويصح أن يقال مثل ذلك وإن كان الصد قد وقع كقوله تعالى (وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم) ، أي إن يكونوا قد صدوكم وقال أبو علي معناه إن وقع مثل هذا الفعل وعلى ذلك قول الفرزدق ( أتغضب أن أذنا قتيبة حزنا ) ، ودلا معناه ساق سوقا رقيقا ودلا أي أخرج دلوه ملآء وقد سبق وجه التجوز به في مثل هذه المواضع وهو أنه أنجح وحصل مراده ولم يحقق مسعاه ونحو ذلك والله أعلم
(615)
مَعَ الْقَصْرِ شَدِّدْ يَاءَ قَاسِيَةً (شَـ)ـقَا وَأَرْجُلِكُمْ بِالنَّصْبِ (عَمَّ رِ)ضاً (عَـ)ـلاَ
يريد (وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون) ، فإذا قصر بحذف الألف وشددت الياء صار قسية على وزن فعيلة فالقراءتان بمعنى عالمة وعليمة وقيل قسية ردية مغشوشة من قولهم درهم قسى قال الزمخشري وهو من القسوة لأن الذهب والفضة الخالصين فيهما لين والمغشوش فيه يبس وصلابة قال أبو علي والقسوة خلاف اللين والرقة وقد وصف الله تعالى قلوب المؤمنين باللين فقال (ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله) ، ويشهد لقراءة المد (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) وأما (وأرجلكم إلى الكعبين) ، فقرئت بنصب اللام وجرها أما النصب فوجهه العطف على وجوهكم وأيديكم لأن الجميع ثابت غسله من جهة السنة وإنما فصل بين المعطوف والمعطوف عليه بقوله-وامسحوا برءوسكم-للتنبيه على الترتيب المشروع سواء قيل بوجوبه أو استحبابه وأما الجر فوجهه ظاهر وهو العطف على برءوسكم والمراد به المسح على الخفين وعلى ذلك حمل الشافعي رحمه الله القراءتين فقال أراد بالنصب قوما وبالجر آخرين ، فإن قلت التحديد يمنع من ذلك فإن قوله-إلى الكعبين-كقوله-إلى المرافق ، قلت التحديد لا دلالة فيه لي غسل ولا مسح وإنما يذكر عند الحاجة إليه فلما كانت اليد والرجل لم يذكر التحديد فيهما لاقتصر على ما يجب قطعه في السرقة أو لوجب استيعابها غسلا ومسحا إلى الإبط والفخذ أعتنى بالتحديد فيهما ولما لم يحتج إلى التحديد لم يذكره لا مع الغسل ولا المسح كما في الوجه والرأس ، فإن قلت استيعاب المحدود بالمسح على الخف غير واجب بالإجماع ، قلت فائدة التحديد أن الاقتصار على مسح ما جاوز ذلك غير مجز فليس المطلوب إلا المسح فيما دون الكعبين إلى أطراف الأصابع فهذا أرجح ما وجدت من الأقوال في تفسير هذه الآية وإعرابها ورضى في موضع نصب على التمييز أو الحال أشار إلى أن قراءة النصب ظاهرة الموافقة لما ثبت في السنة وقراءة الجر خفية الموافقة وهي ما ذكرناه والله أعلم
(616)
وَفي رُسُلُنَا مَعْ رُسْلُكُم ثُمَّ رُسْلهُمْ وَفي سُبْلَنَا فِي الضَّمِّ الإِسْكَانُ (حُـ)ـصِّلاَ
يريد (ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات) ، وضم إلى ذلك ما يناسبه حيث جاء فالإسكان لأبي عمرو في سين هذه الكلمات وفي باء-سبلنا-للتخفيف والباقون بضمها على الأصل وهما لغتان وأجمعوا على ضم المضاف إلى ضمير المفرد نحو-رسله- وعلى ضم ما لا ضمير معه نحو-الرسل-و-سبل السلام
(617)
وَفِي كَلِمَاتِ السُّحْتِ (عَمَّ نُـ)ـهىً (فَـ)ـتًى وَكَيْفَ أَتى أُذُنٌ بِهِ نَافِعٌ تَلاَ
، السحت ما لا يحل وإنما قال كلمات السحت لأنه تكرر في مواضع من هذه السورة وفي عم ضمير يعود إلى الإسكان والنهى جمع نهية وهي الغاية والنهاية والهاء في به للإسكان أيضا أي كيفما أتى لفظ أذن-منكرا أو معرفا مفردا أو مثنى نحو (ويقولون هو أذن)-(والأذن بالأذن)-(في أذنيه وقرا) ، الضم والإسكان لغتان والله أعلم
(618)
وَرُحْمًا سِوَى الشَّامِي وَنُذْرًا (صِحَابُـ)ـهُمْ (حَـ)ـمَوْهُ وَنُكْرًا (شَـ)ـرْعُ (حَـ)ـق (لَـ)ـهُ (عُـ)ـلاَ
ألحق بالألفاظ السابقة ما يشاكلها مما وقع فيه الخلاف المذكور في غير هذه السورة أراد (وأقرب رحما) في الكهف (عذرا أو نذرا) في المرسلات (لقد جئت شيئا نكرا) ، في الكهف ولا خلاف في إسكان عذرا
(619)
وَنُكْرٍ (دَ)نَا وَالْعَيْنُ فَارْفَعْ وَعَطْفَهَا (رِ)ضًى وَالْجُرُوحُ ارْفَعْ (رِ)ضى (نَفَرٍ) مَلاَ
يريد (إلى شيء نكر) ، في سورة القمر سكنها ابن كثير وحده قوله والعين فارفع يريد (والعين بالعين) ، قوله وعطفها أي ومعطوفها يعني ما عطف عليها وهو الأنف والأذن والسن وللرفع ثلاثة أوجه ، أحدها الرفع على استئناف جملة وعطفها على الجملة السابقة كقولك فعلت كذا وزيد فعل كذا وعمرو وبكر قال أبو علي الواو عاطفة جملة على جملة وليست للاشتراك في العامل كما كان كذلك في قول من نصب ولكنها عطفت جملة على جملة كما يعطف المفرد على المفرد ، قال والوجه الثاني أنه حمل الكلام على المعنى لأنه إذا قال (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) ، فمعنى الحديث قلنا لهم النفس بالنفس فحملت العين بالعين على هذا ، قلت لأن أن ههنا لو حذفت لاستقام معنى الكلام بحذفها استقامته بثبوتها وتكون النفس مرفوعة فصارت أن هنا كإن المكسورة في أن حذفها لا يخل بالجملة فجاز العطف على محل اسمها كما يجوز على محل اسم المكسورة وقد حمل على ذلك (إن الله بريء من المشركين ورسوله) ، قال الشيخ أبو عمرو ورسوله بالرفع معطوف على اسم أن وإن كانت مفتوحة لأنها في حكم المكسورة وهذا موضع لم ينبه عليه النحويون ثم وجه ذلك وقرره بما سنذكره إن شاء الله تعالى في شرح النظم في النحو وقال الزمخشري والعين بالرفع لعطف على محل (أن النفس) ، لأن المعنى وكتبنا عليهم النفس بالنفس إما لإجراء كتبنا مجرى قلنا وإما لأن معنى الجملة التي هي النفس بالنفس مما يقع عليه الكتب كما تقع عليه القراءة قال الزجاج رفعه على وجهين العطف على موضع النفس بالنفس وعلى الاستئناف قال وفيها وجه آخر أن يكون عطفا على الضمير في-بالنفس-المعنى أن النفس مأخوذة هي بالنفس والعين معطوفة على هي ، قلت ورفع الجروح على الابتداء وقصاص خبره وعلى قراءة نصب الجروح يكون قصاص خبر أن ولا يستقيم في رفع الجروح ، الوجه الثالث وهو أنه عطف على الضمير الذي في خبر النفس وإن جاز فيما قبلها وسببه استقامة المعنى في قولك مأخوذة هي بالنفس والعين مأخوذة بالعين ولا يستقيم والجروح مأخوذة قصاص هذا معنى قول بعضهم لما خلا وله الجروح وقصاص عن الباقي الخبر خالف الأسماء التي قبلها فخولف بينها في الإعراب وقال بعضهم إنما رفع الجروح ولم ينصب تبعا لما قبله فرقا بين الجملة والمفسر وقيل خولف ذلك الإعراب لاختلاف الجراحات وتفاوتها فإذن الخلاف بذلك الاختلاف قال أبو علي فأما-والجروح قصاص-فمن رفعه يقطعه عما قبله فإنه يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي ذكرناها في قول من رفع والعين بالعين قال ويجوز أن يستأنف-والجروح قصاص-ليس على أنه مما كتب عليهم في التوراة ولكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة في ذلك قال ويقوى أنه من المكتوب عليهم في التوراة نصب من نصبه ، قلت وفي هذا البيت رضى مرتين فالأول حال من الضمير في ارفع والثاني حال من مفعول ارفع والملا الأشراف أي أنه مرضى لهم والله أعلم
(620)
وَحَمْزَةُ وَلْيَحْكُمْ بِكَسْرٍ وَنَصْبِهِ يُحَرِّكُهُ يَبْغُونَ خَاطَبَ (كُـ)ـمَّلاَ
أي وحمزة يحرك-وليحكم-بكسر ونصبه فالهاء في نصبه لحمزة أو للفظ وليحكم والهاء في يحركه لقوله وليحكم فالكسر في اللام والنصب في الميم وإنما زاد قوله يحركه لتأخذ ضد التحريك للقراءة الأخرى وهو الإسكان في الحرفين ولو لم يذكر لكان ضد الكسر الفتح وضد النصب الخفض أراد قوله تعالى (وليحكم أهل الإنجيل بما) ، قرأه حمزة على التعليل أي لأجل الحكم بما فيه-آتيناه الإنجيل-وقرأه الباقون على الأمر وقوله (أفحكم الجاهلية يبغون) ، الخطاب فيه لأهل الكتاب والغيبة إخبار عنهم وجعل يبغون كأنه خطاب الكمل مجازا لما كان الخطاب فيه وعنى بالكمل أهل الكتاب أي إنهم أهل علم وفهم فحسن توبيخهم ولومهم لصدهم عن حكم الله تعالى وهم يعلمونه والله أعلم
(621)
وَقَبْلَ يَقُولُ الْوَاوُ (غـ)ـصْنٌ وَرَافِعٌ سِوَى ابْنِ الْعَلاَ مَنْ يَرْتَدِدْ (عَمَّ) مُرْسَلاَ
يعني (ويقول الذين آمنوا أهؤلاء) ، يثبت الواو في مصاحف أهل العراق دون غيرهم وجعل الواو غصنا لأنها تصل ما بعدها بما قبلها لأنها عاطفة كغصن امتد من شجرة إلى أخرى ووجه حذف الواو أنه على تقدير سائل سأل ماذا يقول المؤمنون حينئذ ورفع يقول ظاهر على الاستئناف ونصبه أبو عمرو وحده عطفا على (فيصبحوا) ، لأن فيصبحوا منصوب بالفاء في جواب الترجى بعسى وهذا وجه جيد أفاد به الشيخ أبو عمرو رحمه الله ولم أر أحدا ذكره وذكروا وجوها كلها بعيدة متعسفة قيل هو عطف على (أن يأتي بالفتح) ، ولا يستقيم على ظاهره إذ يبقى التقدير فعسى الله أن يقول الذين آمنوا فتحيل أبو علي لصحته وجهين تبعه فيهما الناس أحدهما أنه عطف على معناه لأن معنى عسى الله أن يأتي وعسى أن يأتي الله واحد فالتقدير عسى أن يأتي الله وأن يقول الذين آمنوا والثاني أن يكون قوله-أن يأتي-بدلا من اسم الله تعالى فيكون المعنى كما سبق وقيل التقدير ويقول الذين آمنوا به أي بالله وأما الزمخشري فلم يقدر شيئا من ذلك بل أطلق القول بأنه عطف على-أن يأتي-وذكر ابن النحاس وجها آخر وهو أن يكون عطفا على بالفتح لأن معناه بأن يفتح فأضمر أن قبل يقول ليكون عطف مصدر على مصدر كقوله (للبس عباءة وتقر عيني ) وأظن أن الذي حملهم على ارتكاب هذه الأوجه البعيدة وتركهم الوجه الواضح الذي ذكرته أولا اعتقادهم أن فيصبحوا ليس نصبا على جواب الترجي لأن الترجي من الله تعالى إيجاب وتحقيق فلم يكن معنى الترجي حاصلا فيكون-فيصبحوا-عطفا على-أن يأتي بالفتح-ولا يستقيم عطف-ويقول-على ظاهر قوله-أن يأتي-فتأولوا هذه التأويلات ونحن نقول وإن كان الأمر كذلك فلا يمتنع النصب اعتبارا بلفظ الترجي وهذا متعين في تعليل قراءة عاصم (فتنفعه الذكرى) ، بالنصب في سورة عبس فهو في جواب (لعله يزكى) ، فكذا ههنا والله أعلم ، وقول الناظم ورافع سوى ابن العلا رافع خبر مقدم والمبتدأ قوله سوى ابن العلا أي غير ابن العلا رافع ليقول وفي هذه العبارة نظر فإن أكثر النحويين يقولون إن سوى التي بمعنى غير لازمة للنصب على الظرفية فلا يجوز أن يليها عامل يقتضي غير ذلك إلا أن المختار خلاف ما ذكروه ففي أبيات الحماسة (ولم يبق سوى العدوان ) ، فإذا جاز وقوع سوى فاعلة جاز وقوعها مبتدأة وأما (من يرتد منكم عن دينه) ، فرسم بدالين في مصاحف المدينة والشام وبدال واحدة في المصاحف الباقية فكل من القراء وافق مصحفه وهما لغتان الإدغام لتميم والإظهار لأهل الحجاز وقد جاء التنزيل بالأمرين (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى)-(ومن يشاق الله) ، والمرسل المطلق يعني أنه أطلق من عقال الإدغام والضمير في عم لقوله من يرتد ثم بين قراءة الباقين فقال
(622)
وَحُرِّكَ بِالإِدْغَامِ دَالُهُ وَبِالْخَفْضِ وَالْكُفَّاَر (رَ)اوِيهِ (حَـ)ـصَّلاَ
يعني الدال الثانية حركت بالفتح مصاحبة لإدغام الأولى فيها فالباء في بالإدغام باء المصاحبة مثل دخل عليه بثياب السفر وليست باء الاستعانة بالآلة نحو كتبت بالقلم فإن الإدغام لا يصلح آلة للتحريك فإن قلت من أين علم أن مراده بالتحريك الفتح قلت لأنه ذكره غير مقيد وذلك هو الفتح في اصطلاحه كما سبق في شرح الخطبة وإنما فتحت الدال الثانية لسكون الأولى قبلها بسبب الإدغام ويجوز كسرها لغة لا قراءة (والكفار أولياء) ، بخفض الراء عطفا على قوله (من الذين أوتوا الكتاب) ، وبالنصب عطفا على (الذين اتخذوا دينكم) ، والواو في-والكفار-من التلاوة وهي مبتدأ والتقدير والكفار بالخفض راويه حصله والله أعلم
(623)
وَبَا عَبَدَا اضْمُمْ واَخْفِضِ التَّا بَعْدُ (فُـ)ـزْ رِسَالَتَهُ اجْمَعْ وَاكْسِرِ التَّا (كَـ)ـمَا (ا)عْتَلاَ
يريد (وعبد الطاغوت) ، اضمم باء عبد واخفض التاء من الطاغوت فيكون عبدا اسما مضافا إلى الطاغوت ويكون معطوفا على القردة وهو المبالغ في العبودية المنتهى فيها كما يقال فطن وحذر للبليغ في الفطنة قال طرفة بن لبنى (إن أمكم أمة وإن أباكم عبد ) ، وعبد في قراءة الجماعة فعل والطاغوت مفعول والجملة عطف على صلة من وأما (فما بلغت رسالاته) ، بالجمع فظاهر لأنه أريد جمع ما أرسل به من التوحيد والأحكام وما يشتمل عليه ذلك أنواع كثيرة والإفراد يدل على ذلك أيضا لأن رسالته صلى الله عليه وسلم تضمنت تلك الأشياء كلها واستعمل الناظم لفظ الكسر في العبارة عن حركة التاء في الجمع واستعمل لفظ الفتح في العبارة عن حركة المفرد في قوله في سورة الأنعام-رسالات-فردوا-فتحوا- دون علة والحركتان في الموضعين حركتا إعراب على القراءتين في كل حرف منها ووجهه أن كل كلمة منهما في القراءتين منصوبة غاية ما في الأمر أن علامة النصب في إحداهما فتحة وفي الأخرى كسرة فلفظ في الموضعين بعلامة النصب في إحدى القراءتين لتأخذ ضدها في القراءة الأخرى ولو قال انصبوا لتحير السامع إذ القراءة الأخرى في الموضعين منصوبة ومثل ذلك قوله في الأعراف ويقصر ذريات مع فتح تائه والله أعلم